الأربعاء 15 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ويسألونك عن «حرف»

حرف

- إننى مدين بالشكر لمن راهنوا على نجاحنا.. فقد كانوا داعمين وملهمين

- هذا الإصدار واحد من أفكارى التى لا تنتهى وأحلامى التى لا أتخلى عنها

على مدار عام كامل، وهو عمر «حرف»، يصف مَن يحتفون بما نقدمه بين أيديهم بأنه الملحق الثقافى لجريدة «الدستور»، على غير حقيقة ما ننتجه أسبوعيًا، فما يخرج من بين أيدينا جريدة مكتملة دورية تصدر فى مواعيد ثابتة، وليست ملحقًا نصدره فى مناسبات محددة. 

اعتقد كثيرون أن حرف جريدة مطبوعة. 

أحيانًا أجد من يطالبنى بأن أرسل له النسخة الورقية، وعندما أقول له إننا أصدرنا جريدتنا «ديجيتال» فقط، ونقوم بتوزيعها عبر نشرها على الموقع ومن خلال الوسائط الإلكترونية المختلفة، يتعجب ويطالبنى بأن أقوم بطباعتها، معددًا أهمية وفوائد الإصدار الورقى. 

لقد أعلنت منذ البداية عن أننا نصدر «جريدة ديجيتال»، ولم يكن الأمر صدفة بالنسبة لى. 

أذكر أننا وقبل أن تصدر «حرف» بعامين كاملين- عددنا الأول كان فى ١٠ يناير ٢٠٢٤- جلست مع الزملاء فى قسم الثقافة، وعرضت عليهم فكرتى بشكل كامل. 

قلت لهم إننى أخطط لإصدار جريدة ثقافية، سنفعل من خلالها كل شىء باستثناء طباعتها، وعددت مشاكل وأزمات الصحف المطبوعة فى ظل ارتفاع أسعار الورق ومستلزمات الطباعة وانهيار جهاز التوزيع فى مصر، فمعنى أن تصدر جريدة ورقية الآن أنك تتحدث مع نفسك، فلا أحد يراك ولا أحد يقرأك، لأنك لست موجودًا من الأساس. 

كنت أستضيف الكاتب الراحل مفيد فوزى فى إحدى حلقات برنامجى «٩٠ دقيقة»، وجدته يتحدث بحماس عن الصحافة فى مصر، وما جرى للصحف الورقية، وسأل بحماسه، الذى أعرفه كما كنتم تعرفونه عنه: هل يمكن أن تقول لى رقم توزيع الصحف الورقية فى مصر الآن؟ 

قلت له: أعتقد أن السؤال بهذه الطريقة وأنت أستاذنا به خطأ منهجى. 

قرأت الدهشة على وجه الأستاذ مفيد، فقد تعود ألا يراجعه أحد. 

قال باندهاش شديد: قول لى أنت. 

قلت: المفروض أن يكون السؤال عن رقم المطبوع من الصحف المصرية الآن.. وليس عن رقم التوزيع.. فما نطبعه من صحفنا الآن لا يزيد عدد نسخه على عدد توزيع صحيفة واحدة منذ سنوات، ولا أستثنى من ذلك جريدة أو مجلة فى مصر، سواء تصدر عن مؤسسات حكومية أو مؤسسات خاصة. 

كان هذا دافعى لأن أفكر فى جريدة تصدر بشكل مختلف، تحتفظ لنفسها بكل ما عرفناه عن الصحف التقليدية التى تربينا عليها، ونقوم بإعدادها بالخطوات نفسها، ومن خلال فريق العمل نفسه، وبعد أن ننتهى من عملنا، بدلًا من أن ندفع بها إلى المطبعة، ثم إلى منافذ التوزيع- التى لم تعد موجودة من الأساس- ننشرها على موقعنا الإلكترونى، ونرسلها عبر الجروبات المجمعة على الواتس آب... وهو ما يجرى الآن. 

قابل زملائى فى قسم الثقافة الاقتراح بترحيب شديد وبحماس أشد، خاصة أننى فى المرحلة الأولى كنت أخطط لإصدار الجريدة فى ١٠٠ صفحة، وهو ما يعنى أن أعمالهم ستجد مساحة كافية لنشرها دون أن تتعرض لاختصارات تفرضها مساحة الصحف الورقية التى أصبحت ضئيلة للغاية، ولا تتناسب بأى شكل من الأشكال مع قيمة ما يتم تقديمه من خدمة صحفية. 

فى جلستنا الأولى اتفقنا على تبويب مقترح. 

بدأ الزملاء فى تقديم مقترحات لموضوعات وحوارات وتحقيقات وعروض كتب. 

تفاءلت بشدة. 

فقد كان مثل هذا الإصدار واحدًا من أفكارى التى لا تنتهى، وأحلامى التى لا أتخلى عنها.. أنا فقط أنتظر الوقت المناسب لتنفيذها. 

راقت الفكرة كذلك لزملاء وأصدقاء عملوا معى فى تجربة «الدستور» عندما انطلقت أيضًا فى ١٠ يناير ٢٠١٧، وكان ذلك من بين طوالع الخير بالنسبة لى، فقد قدمنا من خلال «الدستور» فى سنواتنا الأولى عملًا صحفيًا- تختلف معه أو تتفق- رضينا عنه وأعتقد أنه رضى عنا. 

تناقشت طويلًا فى فكرة الجريدة الثقافية مع رفيق الرحلة والشريك الأساسى فى التجربة الآن صديقى الدكتور عيد رحيل، الذى دائمًا ما أعترف له أنه صاحب ٥٠ بالمائة من تألق «حرف» وقدرتها على إثارة الدهشة من خلال الماكيت الأساسى لها، وكذلك من خلال ملامحها التى تصدر بها كل أسبوع، فهو مع فريقه الفنى، وعلى رأسهم الصديق العزيز محمد جلال، يقومون بمهمة غاية فى الدقة والصعوبة كل أسبوع لتخرج «حرف» كما ترونها. 

أذكر أننا يومها اتفقنا على أن يكون اسم الجريدة «حرف» ولا أعرف الآن فى أى شىء فكرنا حتى نستقر على هذا الاسم، لكننى أعتقد أننا وفقنا فيه بشدة. 

فالـ«حرف» هو أصل كل شىء. 

لا كلمة ولا كتابة ولا إبداع ولا حياة دون «حرف». 

وأذكر أيضًا جلسات مطولة جمعتنى بالعزيزين عبدالوهاب داود وأشرف عبدالشافى، تحدثنا فيها معًا عن الفكرة، وكيف سيكون شكلها، وكيف سنعمل عليها، ومَن مِن الكتاب سنتعاون معهم؟ ووصل النقاش إلى تصورنا عن شكل اللوجو للجريدة. 

كان عبدالوهاب داود متحمسًا كعادته فى بدايات التجارب، يحتفظ ببعض الحماس بالطبع مع استمراريتها، وتحفظ أشرف عبدالشافى، مبررًا ذلك بأن إصدار جريدة ثقافية مهمة شاقة، ويحتاج إلى عمل من نوع خاص، لكنه يومها تخلى عن تحفظه، فقد شاهد بعينيه كيف أصدرت «الدستور» فى ستة أيام فقط، وأعتقد أنه لا يزال حتى الآن يتحدث عما جرى باعتباره معجزة رآها بعينيه، بل لا يزال غير مصدق أن شيئًا مما رآه أمامه حدث بالفعل. 

لم يكن لنا حظ بعد ذلك أن يبدأ «أشرف» معنا التجربة على الأرض، فقد شهد مولد الفكرة والمناقشات حولها قبلها بعامين، تحفظ ثم تحمس ثم اختفى، فعندما بدأنا العمل الفعلى كان قد انشغل بموقعه الذاتى الذى يقدم من خلاله عملًا صحفيًا رائعًا.

يسألنى كثيرون عن فريق العمل الذى يقف وراء «حرف»، وأتمنى هنا أن أذكرهم بالاسم، فكل واحد منهم يستحق أن أشكره على حالة الإبداع التى أصبحت علامة مميزة على كل ما نقدمه فى حرف، وشهد به الجميع. 

إلى جانبى يعمل أسبوعيًا من فريق التحرير باحترافية شديدة محمود الشهاوى الذى يعمل بدأب لضبط إيقاع كل عدد، ومعه محمد سميح ومحمد نصر وبيجاد سلامة، وبحماس واستمرار يعمل من فريق التحرير نضال ممدوح وإيهاب مصطفى وحنان عقيل وسماح ممدوح، التى أعتبرها اكتشافًا مهمًا وكنزًا للصحافة الثقافية، وهالة أمين.. كما انضمت إلينا ميرفانا ماهر التى تلعب فى منطقة خاصة جدًا. 

وبروحه المحلقة يمنحنا كرم منصور، أسطى الديسك، كل أسبوع قيمة مضافة لما يحرره من موضوعات، يعاونه فى ذلك محمد هشام. 

على صفحات حرف تقابلون كتابًا كبارًا، منهم الدكتور يسرى عبدالله، والكاتب والمؤرخ الموسوعى شعبان يوسف، والكاتب المقاتل أحمد الصغير، والكاتبة الكبيرة سلوى بكر، ولكل منهم قصة فى الارتباط بـ«حرف» والكتابة فيها. 

إننى أحاول فقط أن أرسم الملامح العامة للجريدة التى أصبحت كائنًا حيًا يتنفس بين أيدينا كل أسبوع، فى تجربة راهن كثيرون عليها، وأعتقد أنهم كسبوا الرهان، وراهن كثيرون على أنها لن تستمر، لكن برغبة حقيقة فى أن نقدم صحافة حقيقية استمرت. 

إننى مدين بالشكر لمن راهنوا على نجاحنا.. فقد كانوا داعمين وملهمين. 

وكذلك لمن راهنوا على فشلنا.. فقد حاولنا أن ننجح حتى لا نريحهم. 

«حرف» قصة كبيرة. 

أتمنى فى يوم من الأيام أن أكتبها كاملة، أسرارها وحكاياتها، فهى تجربة ستصبح جزءًا من قصة الصحافة الحية. 

لكننى الآن أحاول أن أستوعب أن عامًا مر من حياتها، وأننا ندخل بها عامًا جديدًا تتحرر فيه من كونها «الدستور الثقافى»، لأنها من الآن «حرف» فقط، الجريدة التى أصبحت رقمًا مهمًا فى معادلة الصحافة الثقافية فى مصر. 

فكرنا فى طريقة نحتفل من خلالها بمرور عام على «حرفنا».

وبعد أخذ ورد قررنا أن يكون الاحتفال من خلال تقديم عدد خاص جدًا، يليق بما أنجزناه وبما نتمناه ليس لـ«حرف» فقط، ولكن للصحافة الثقافية والصحافة المصرية بشكل عام.

الآن يمكن أن تحتفوا معنا بـ«حرف».