ضجيج بلا حجيج.. ماذا يريد المجتمع من صاحبة «كاملات عقل ودين»؟

يمكن أن نتعامل مع ما جرى فى أزمة كتاب «كاملات عقل ودين»، على أنه مجرد إجراء عادى قامت به دار نشر، دفعت بالكتاب إلى المطبعة وهى مقتنعة به، وعندما صدر وأصبح بين يدى القراء واتضح لها أنه بضاعة لا تناسب المعتقد العام قامت بسحبه.
حاولت دار نشر السراج التى تولت نشر الكتاب أن تؤكد لنا أن هذه هى القصة، لا خلفيات لها، ولا ضغوط دفعتها إلى أن تفعل ما فعلته.
بعد ساعات من تسرب الأخبار عن سحب كتاب «كاملات عقل ودين» من جناح الدار فى المعرض - الخبر لم يكن دقيقًا أو هكذا تم تصويره - بدأت آلة الدار الإعلامية تنسج روايتها.
على الصفحة الرسمية للدار بـ«فيسبوك» وجّه أصحابها نداء إلى كل المثقفين والقراء الكرام، قالوا فيه: لم تتعمد شركة السراج للنشر والتوزيع المساس بأحاديث النبى، صلى الله عليه وسلم، أو تتبنى ذلك، وكتاب الأستاذة أسماء عثمان الشرقاوى تم نشره من قبيل مناقشة الآراء والتعرف عليها، أما وأن الرأى الغالب يرفض هذا الطرح، فإننا نعلن عن سحب الكتاب من التداول وإيقاف نشره منذ تاريخ هذا البيان، مع خالص الشكر لمن نصح وبيّن وجهة النظر الصحيحة فى ذلك.
من المنطقى أن نسأل عمن وجّه النصح للدار.
وهل هى جهة رسمية فى الدولة؟
هل أوضح الأزهر لهم أن الكتاب يسىء، للنبى صلى الله عليه وسلم،.. فاستجابت الدار وآثرت السلامة، فسحبت الكتاب حتى لا تجلب لنفسها وجع الدماغ؟
عندما بحثت عمن أشعل النار، وجدت أنه مصطفى محمد الهوارى.
كشف الهوارى عما جرى عبر منشور نشره على صفحته الخاصة بـ«فيسبوك».
والحكاية كما رواها كانت كالتالى وبنص كلماته وأخطائها أيضًا: ذهبت الآن بمعرض الكتاب لدار السراج بخصوص الكتاب المشئوم «كاملات عقل ودين» ونصحت الأستاذ إسلام صاحب الدار جزاه الله خيرًا وتفاهم وجهة النظر فى النقد، ولكنه غير مدرك خطورة الأمر، فهو تعدى على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بضرورة مراجعة الكتب الدينية على علماء متخصصين فى الأزهر، وتكلمت معه بخصوص عنوان الكتاب، وأنه لا يصح فهو يصادم ويعارض حديث رسول الله المتفق على صحته، وكذلك الكتاب لم يراجع من متخصصين فى السنة النبوية، وللأسف الكاتبة عرضت الكتاب على جاهل وهو إمام وخطيب كما زعمت ذلك.
ويضيف الأخ الهوارى: والمفاجأة أن الكتاب لم يتناول حديث «ناقصات عقل ودين» فقط، ولكنه جمع بعض الأحاديث التى تناولها الطاعنون فى السنة النبوية قديمًا وحديثًا من القرآنيين ومنكرى السنة المطهرة والنسويات.
لم يقرأ الهوارى الكتاب، بل حكم على الكتاب من عنوانه.
يقول: وإليكم صورة الفهرس توضح جهل وسفه هذه المرأة - هداها الله - فإن كانت تبحث عن الحق لقرأت كلام أهل العلم حول الأحاديث التى تزعم أنها تعارض القرآن الكريم، ولولا أن سعر الكتاب غالى الثمن لاشتريته ووضحت جهل وحمق هذه المرأة، وكيف أنها لم تأتِ بجديد، وكل ما فى الكتاب مردود عليه شرعًا وعقلًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عندما نبحث عن مصطفى الهوارى لن نجد له حيثية تؤهله لأن يكون صاحب كلمة فصل فى الكتاب، فهو كما يعلن عن نفسه ليست له وظيفة محددة بل مجرد أعمال حرة، ويدرس فى معهد إعداد الدعاة بمجمع الاستقامة بالجيزة.
ورغم أنه لا حيثية معتبرة له، إلا أنه يتجرأ ويصف إمام مسجد بأنه جاهل دون دليل، دون أن يدلنا على أنه هو نفسه عالم، وأغلب الظن أنه من بين هؤلاء الذين تطرفوا فى الدين وبه، ودون أن يقرأ أصدر حكمًا يدرى جيدًا أنه يقدم صاحبة الكتاب وناشرها لقمة سائغة وسهلة لمن يستحلون الدماء ويتقربون بها إلى الله.
ولا أدرى كيف له أن يستدل من عنوان الكتاب ومن الفهرس الخاص به على محتويات الكتاب أو منهجه أو منطقه.
كان يجب أن يمنح نفسه فرصة للقراءة والتأمل ومعرفة ما قالته أسماء، التى تشفعت بين يدى كتابها بأنه دفاع عن سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
المخزى حقًا أن مصطفى الهوارى تجاوز الأدب وأخلاق الإسلام فى حديثه عن مؤلفة الكتاب، فقبل أن يذهب إلى معرض الكتاب كتب الآتى عن أسماء: لن تعدوا قدرك أيتها المرأة السافلة الساقطة الناقصة، هذه المجرمة صاحبة كتاب «كاملات عقل ودين» تعرض بالجانب النبوى الشريف وتخالف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لسوء الفهم وضيق العقل، ولو كان الأمر بيدى لقمت بجلدها بلا رحمة، حتى لا تتجرأ كل ناقصة على الكلام فى الدين.
كلام أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه منحط ويستوجب عقاب صاحبه، دع عنك السب والقذف فى كلامه، فهو يحرض عليها تحريضًا مباشرًا، وأصبحت حياتها فى خطر بفعل كلام هذا الدَّعِى الذى يجب أن يتدخل وزير الأوقاف لمحاسبته أولًا، وأن تتدخل النيابة العامة لمساءلته عما قاله وفعله ثانيًا.
قد لا تكون أسماء الشرقاوى عالمة أو فقيهة معتبرة، لكنها أيضًا ليست من الشارع.
فى مقدمة كتابها تدلنا على نفسها.
تقول: منذ بدأت الأبحاث فى مجال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة منذ نحو ٢٥ سنة، كنت كلما أبحث عن حديث من أجل موضوع ما، من خلال الكتب أو برامج الأحاديث التى تبحث فى معظم كتب الأحاديث المعروفة، كنت أصطدم بأحاديث عن المرأة، أجدها غريبة جدًا، وأجد فيها عنصرية غريبة بغيضة وإهانات للمرأة وحطًّا من شأنها ومكانتها، والغريب أنى وجدتها تمثل تيارًا كاملًا يسرى فى كتب الأحاديث، وكنت أتعجب جدًا، لأن معرفتى بالقرآن الكريم أنه كرم المرأة أيما تكريم، وأنزل رب العالمين الآيات التى تضعها فى مكانة راقية تحفظ لها كرامتها، وتساوى فى الإنسانية بين الرجل والمرأة، وكذلك تحظى بمكانة راقية فى أحاديث كثيرة لرسول الله عليه الصلاة والسلام تظهر فى أفعاله وسيرته الشريفة، فكيف تتواجد هذه الأحاديث؟ وأين أصلها فى الدين؟.
أسماء الشرقاوى ليست كاتبة عابرة إذن، لها فى مجال الدراسات والبحوث فى مجال القرآن الكريم أكثر من ٢٥ عامًا، تخرجت فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وحصلت على دبلومة معهد الدراسات الإسلامية من معهد إعداد الدعاة، كما نشأت فى بيت والدها الداعية خريج الأزهر.
بالمنطق التقليدى المتهافت لا يمكن لأحد أن يقول لأسماء: ما علاقتك بالدراسات الإسلامية والحديث فى الدين، فهى مؤهلة لذلك تماما - هذا مع رفضى هذا المنطق - كما أنها لم تكتب من عندياتها، ولكنها أخضعت ما كتبت لدراسة وتدقيق.
عن كتابها هذا تقول: قرأت الكثير من الكتب التى كُتبت عن مكانة المرأة فى الإسلام، وكانت مادتها مأخوذة أساسًا من آيات القرآن الكريم ومن فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، ووجدتها تحمل الحق الذى جاء به الإسلام من كرامة للرجل والمرأة، ومن مكانة راقية لكليهما فى الإنسانية، فكنت أتعجب، كيف يمكن الجمع بين ما منحه رب العالمين من حقوق للمرأة ورفعة لشأنها، وبين هذه الأحاديث وخاصة أنها تستخدم فى شرح الآيات القرآنية التى تتحدث عن المرأة.
وتضيف أسماء: وحتى لا أكون أحد الكذابين، بحثت وتوصلت لنتائج يحتويها هذا الكتاب، وأرجو أن يعلم كل قارئ لكتابى هذا، أنه نتاج بحثى ودراستى الخاصة، وأننى أتعبد لربى بما علمته واستقر فى قلبى، وأن لكل إنسان على وجه الأرض كامل الحق فى التعلم والتفكر والخروج بما يعتقده حقًا يتعبد به لربه، بل إنه واجب على كل مسلم أن يتعلم دينه وأن يتعبد ربه بما استقر فى نفسه وبما اعتقده، فاتباع الأوائل والآباء بلا تفكر ولا تدبر لمجرد أنهم الأوائل وأنهم الآباء، حتى لو كانوا على الباطل، أمر يستنكره رب العالمين بوضوح ويرفضه ويذمه، بل أدخله بعض العلماء فى دائرة الشرك.
عندما وصلنى الكتاب عكفت على قراءته، وهو نتاج بحث جاد يمكننا أن نتفق معه، كما يمكننا أن نختلف حوله، يكتب من يختلف رأيه، ويكتب من يتفق ما يراه، دون أن نقيم حربًا بلا هوادة حول فكرة تمت مناقشتها كثيرًا، لكنها تأتى هذه المرة من كاتبة خلفيتها ثقافة إسلامية واضحة، وقدرة على البحث العميق.
حاولت أن أرسم صورة لما جرى.. وهو ما يؤكد أننا فى أزمة فكرية وثقافية كبيرة.
مصادرى فى هيئة الكتاب أكدت أن الكتاب لم يدخل المعرض من الأساس، وأنه حتى لو دخل فإن الرقابة على المصنفات الفنية كانت ستحصل عليه وترسل به إلى الأزهر حتى تستطلع رأيه فيه، وبناء عليه يصدر القرار، لكن ولأن الكتاب لم يتواجد فى جناح دار السراج، فإن الرقابة على المصنفات لم تحصل عليه ولم ترسله إلى الأزهر.
وفى هذا الكلام تحاول المصادر كتابة شهادة براءة للجهات الثلاث، وزارة الثقافة والرقابة على المصنفات والأزهر من دم الكتاب.
لكن هناك من أكد أن الكتاب كان معروضًا فى جناح دار السراج خلال الأيام الأولى للمعرض، وأن الدار نصحت من الشيخ مصطفى الهوارى أو من غيره برفعه والبراءة منه، وأنها طلبًا للسلامة فعلت ذلك، وقد نفذت ما استقر عليه رأيها قبل أن تصل إليه يد الرقابة أو يد الأزهر، وإمعانًا فى التأكيد على براءة الدار من الكتاب أعلنت عن أنها أوقفت نشره عندما اتضح لها أنه يخالف الدين.
هناك من حاول تصوير الأمر على أنه مجرد دعاية من الدار، وأنها افتعلت هذه الأزمة من خلال مصطفى الهوارى الذى هو ليس بعيدًا عن الدار، وذلك حتى تزيد مبيعاتها من الكتاب، وهو ما التقطته شركة قمرة المسئولة عن تسويق كتب دار السراج.
شركة قمرة هى الأخرى أصدرت بيانًا كتبت به شهادة براءتها، قالت على لسان أحد مسئوليها: يشهد الله أننا مقصدناش إثارة الجدل، أو زى ما شكك البعض فى النوايا، وأنها حركة تسويقية وبنعمل فرقعة للكتاب أو غيره.
ويحكى مسئول شركة قمرة ما جرى يقول: قبل معرض الكتاب عقدنا اجتماع، وكان المقرر فيه نشر قرابة ٢٠ كتابًا جديدًا، من ضمنها كتاب «كاملات عقل ودين» اللى أثار الرأى العام، وتكلمنا حول الكتاب قبل نشره، وكان فيه بعض الجدل والنقاش، ولكن نشرناه بعد ما المسئولين فى الدار رجعوا لبعض المشايخ الأفاضل ومعترضوش على محتوى الكتاب، ده غير إن الكاتبة أسماء الشرقاوى قدمت نفسها على أنها دارسة فى معهد إعداد الدعاة وحاصلة على دراسات إسلامية، واستندت لبعض المراجع لبعض المفكرين، وأول ما حصل الجدل والخلاف، ولاقينا إن اسم الكتاب لم يلاقِ إعجاب الرأى الغالب وأن طرح كتاب بهذا العنوان لحديث النبى صلى الله عليه وسلم، قررنا عقد اجتماع آخر فورًا وسحب نسخ الكتاب من التداول وإيقاف نشره.
وختم مسئول شركة قمرة بيانه بقوله: ده موقف تشكر فيه إدارة السراج للنشر والتوزيع مع اعتبار خسارتها العالية فى النفقة والتكلفة، لكنهم فعلوا ذلك حسبة لله.
لن أتدخل فى النوايا، وسأصدق تمامًا ما قالته دار النشر، ومن ورائها شركة التسويق، لكننى لا أستطيع أن أمنع نفسى من أن أصف ما جرى بأنه مهزلة فكرية وثقافية كاملة.
ما جاء فى الكتاب محاولة للاجتهاد، قد تكون أخطأت أسماء فيما كتبت، وقد تكون أصابت تمامًا، لكنها فى النهاية اجتهدت، وما هكذا يتم التعامل مع الاجتهاد.
والمفاجأة أن الكتاب لم يصدر فى دار السراج لأول مرة، ولكنه صدر قبل ذلك فى طبعة أولى فى العام ٢٠٢٢، وهو ما يعنى أن دار النشر ليست بريئة كل البراءة التى تدعيها، فهى تعرف جيدًا ما يحتويه الكتاب، وتعرف أنه نُشر وتم تداوله، لكنها تحاول الآن تصدير نفسها على أنها حامية الدين والمحافظة عليه.
والغريب أن الكتاب الذى ليس جديدًا يثير هذه الضجة بعد صدوره الأول بعامين، بما يعنى أننا لا نقرأ ولا نتابع جيدًا، ولكن الأمر كله يتم بالصدفة.
المهزلة أو الجريمة التى يكشفها هذا الجدل أن هناك سلطة عشوائية تتعامل مع الاجتهاد، كنا نعرف سلطة الأزهر، ونعرف سلطة الأجهزة فى التعامل مع هذا النوع من الكتابات، لكننا الآن أمام مصيبة حقيقية، وهى أن كل أو أى عابر سبيل يمكنه أن يحجر على من يكتب ويجتهد، ويحجر كذلك على حق المجتمع فى أن يقرأ ويفكر ويتأمل ويحكم.
عندما فكرنا فى إجراء حوار مع أسماء رفضت أن ترسل لنا صورة لها، قالت إنه يكفيها ما لاقت من هجوم، وإنها لا تريد أن يعرف أحد شكلها وملامحها، لأنها أصبحت مهددة، ويمكن أن يتم الاعتداء عليها باعتبارها كافرة وخارجة عن الدين، رغم أنها بحسن نية اجتهدت لتدافع عن الدين وعن سُنة النبى صلى الله عليه وسلم.
الأخطر فى الأمر أن رفض كلام أسماء واجتهادها وهى باحثة مؤهلة فى الإسلاميات يعنى أن هناك من يسعى إلى تضييق الطريق أمامنا، فقد ظل المتطرفون يصادرون كلام من يتحدث فى الدين من خارج مجال الدراسات الإسلامية، والآن يمنعون من ينتمى إلى المجال لأنه يقول ما لا يرضيهم، وهو ما تكرر كثيرًا بالمناسبة.
إننى أرى ضجيجًا بلا حجيج.
هذا هو التوصيف المناسب لما يجرى.
فهذه المعركة لن يستفيد منها أحد، بل يخسر الدين بشكل كامل، ولا أدرى هل أدرك من تسببوا فى هذا الجدل أنهم بما فعلوه كانوا وراء انتشار الكتاب؟، فبعد ساعات من منعه أصبح الأكثر قراءة على مجموعات القراءة بقنوات التليجرام، وهو ما يعنى أن ما يمعنون فى منعه انتشر وبقوة، وكان الأولى بهم أن يتركوا الكتاب ويديروا حوارًا راقيًا محترمًا حوله، لكن يبدو أننا افتقدنا القدرة على الحوار، وكانت النتيجة هى هذا العبث الذى نراه أمامنا الآن.