المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

انتهاكات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.. ماذا يقرأ العالم الآن؟

حرف

فى إطار عملها الصحفى والثقافى، تحرص «حرف» على استكشاف ومطالعة كل ما هو جديد فى ساحة النشر الدولية والإقليمية، فى توجه تنحاز إليه لتعريف القارئ المصرى والعربى بكل ما ينتجه العالم من معارف وثقافات وكتابات.

ومن خلال زاوية «ماذا يقرأ العالم الآن؟»، تأخذ «حرف» قراءها فى جولة خاصة داخل أبرز المكتبات ودور النشر العالمية، لتعريفهم على المنتج الإبداعى الغربى، وأبرز الأعمال الجديدة الصادرة مؤخرًا فى مجالات الرواية والسياسة والثقافة والسينما والمغامرة.

فى هذا العدد نلقى الضوء على 4 كتب غربية جديدة تكشف تفاصيل مفجعة عن الأعمال السرية والانتهاكات الداخلية والخارجية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» وعملائها فى جميع أنحاء العالم.

الفيل المارق.. «CIA».. وكالة «المؤامرات» المركزية الأمريكية

The Mission.. قادة الوكالة يعترفون: «استمتعنا بتخريب العالم»

يصدر كتاب «The Mission: The CIA in the ٢١st Century» أو «المهمة: وكالة المخابرات المركزية فى القرن الحادى والعشرين»، فى أوائل النصف الثانى من العام الجارى ٢٠٢٥، عن دار النشر الأمريكية «مارينر»، للكاتب تيم واينر، المؤلف الأكثر مبيعًا الحائز على جائزة «بوليتزر».

يكشف الكتاب كيف حولت وكالة المخابرات الأمريكية «CIA» نفسها إلى قوة شبه عسكرية قاتلة، تدير سجونًا سرية، وتجرى تحقيقات وحشية، وتشن هجمات قاتلة بطائرات دون طيار، وتتخلى تقريبًا عن مهامها الأساسية فى التجسس، وذلك فى خضم ما أسمته الولايات المتحدة «الحرب على الإرهاب».

ويؤكد الكتاب، الذى وضعته مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية ضمن «أهم الكتب المنتظرة فى ٢٠٢٥»، أن الممارسات الوحشية لــ«CIA» كانت لها العديد من العواقب الوخيمة، على رأسها مقتل الآلاف فى أكثر من منطقة حول العالم، على ضوء التدخلات الأمريكية فى أفغانستان والعراق، وصولًا إلى معاركها اليوم مع روسيا والصين، بالإضافة إلى مقتل الكثير من عملاء الوكالة خلال هذه العمليات.

يقول المؤلف، فى كتابه الذى يضم بين دفتيه ٣٤٠ صفحة: «قبل عشرين عامًا، وبعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، نفذت CIA عمليات سرية مفبركة، أدت إلى مقتل الكثير من العملاء الأجانب المُجنّدين، وسرقة ملفات الجواسيس الأمريكيين من قِبل قراصنة إلكترونيين».

ويضيف: «اُخترقت شبكات الكمبيوتر شديدة السرية الخاصة بـCIA من قبل الاستخبارات الأجنبية، وتم تقليص قدرة الوكالة على معرفة نوايا من تسميهم خصومها، والآن تواجه أصعب الأهداف فى موسكو وبكين وطهران ودمشق وغيرها من عواصم العالم».

ويشير إلى أنه فى مطلع القرن الـ٢١، كانت وكالة المخابرات المركزية فى أزمة، بعد أن حرمتها نهاية «الحرب الباردة» من مهمتها، مع إغلاق أكثر من ٣٠ مكتبًا وقاعدة فى الخارج تابعة لها، وتقليص العشرات من المكاتب والقواعد المتبقية، فضلًا عن الفشل فى جمع المعلومات الاستخباراتية الأساسية.

ويواصل: «فى فجر عصر المعلومات، عمل ضباط ومحللو وكالة المخابرات المركزية بتقنيات عفا عليها الزمن، واستخدموا تكنولوجيا عتيقة، مع كفاحهم من أجل التمييز بين الإشارات الواضحة للحقائق المهمة، وضجيج الخلفيات الصاخبة».

ويتضمن الكتاب مقابلات حصرية مسجلة مع ٦ من مديرى «CIA» السابقين، و١٣ رئيس مكتب تابعًا لها، وعشرات من كبار الجواسيس والعملاء الذين خدموا متخفين لعقود من الزمن، ولم يتحدثوا إلى صحفى من قبل، لكن تيم واينر استطاع أن يقتنص منهم معلومات ووثائق متعددة حول عمل الوكالة، خاصة فى القرن الـ٢١.

ويرى المؤلف أن عالم الاستخبارات الأمريكية عمل قذر وخطير، وعندما يفشل، كما حدث فى كثير من الأحيان، يموت الناس، مستشهدًا بوصف السيناتور فرانك تشرش لوكالة الاستخبارات المركزية بأنها «فيل مارق يدوس الناس والدول ويدير الانقلابات ويتجسس على الأمريكيين ويخطط لقتل زعماء مثل فيدل كاسترو».

ويتساءل الكاتب: «من تعتقد أنه أعطى هذه الأوامر؟ من أراد قتل كاسترو؟ الرؤساء هم من أرادوا ذلك. والسؤال الثانى: أى نوع من الناس نحن؟ ما الذى ندافع عنه؟»، مضيفًا: «هذه الأسئلة تجعل المرء يفكر أيضًا فى إجابات عن أسئلة أخرى حول السجون السرية والاستجوابات بالتعذيب، خلال ما أسمته أمريكا الحرب ضد الإرهاب».

وعمليات التخريب التى تنفذها وكالة المخابرات المركزية فى العديد من دول العالم ليست بمعلومة جديدة، فعندما سافر وزير الخارجية الأمريكى الأشهر، هنرى كيسنجر، إلى الصين، فى عام ١٩٧١، سأله رئيس الوزراء، تشو إن لاى، عن التخريب الذى ترتكبه «CIA»، فأجابه «كيسنجر» بأنه «يبالغ كثيرًا فى تقدير كفاءة الوكالة». لكن «تشو» أصر وقال: «كلما حدث شىء فى العالم، دائمًا ما يتم التفكير فى وكالة الاستخبارات المركزية»، فما كان من وزير الخارجية الأمريكى إلا أن قال: «هذا صحيح».

كما أن آل أولمر، رئيس قسم «الشرق الأقصى» فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، خلال خمسينيات القرن الماضى، قال معترفًا: «لقد سافرنا إلى جميع أنحاء العالم وفعلنا ما أردناه. يا إلهى، لقد استمتعنا».

ورغم إخفاقاتها وانتهاكاتها، استمرت أسطورة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية باعتبارها وكالة تجسس ذات قدرة، ليس فقط فى أذهان دول العالم، بل وفى مخيلة العديد من مشاهدى التليفزيون ورواد السينما الأمريكيين.

كان من بين هؤلاء الذين خُدِعوا، على الأقل فى البداية، أغلب رؤساء الولايات المتحدة فى العصر الحديث، فى ظل الوعد بإنشاء منظمة استخباراتية سرية لا تستطيع التجسس على «أعداء أمريكا» فحسب، بل وأيضًا التأثير على الأحداث فى الخارج، بخفة يد وتكلفة منخفضة نسبيًا.

ولا يعد كتاب «المهمة» هو الأول لـ«تيم واينر» فى مجال الاستخبارات، فقد قدم الكاتب والصحفى الأمريكى ذائع الصيت عدة كتب تتناول موضوعات تتعلق بعدة جوانب فى وكالة المخابرات الأمريكية، منها على سبيل المثال لا الحصر: «الحماقة والمجد: أمريكا وروسيا والحرب السياسية ١٩٤٥-٢٠٢٠»، وكذلك «إرث الرماد: تاريخ وكالة المخابرات المركزية»، الذى فاز عنه بـ«جائزة الكتاب الوطنى».

واستفاد «واينر» من خبرته التى اكتسبها من عمله فى صحيفة «نيويورك تايمز»، التى كان مراسلًا لها لعدة سنوات، غطى فيها أخبار وكالة المخابرات المركزية فى واشنطن، والصراعات فى أفغانستان وباكستان والعديد من الدول الأخرى التى نشطت فيها «CIA» وعملاؤها.

Agents of Change.. تحرش واعتداء جنسى على «الجاسوسات» يستدعى تدخل «الكونجرس»

يصدر كتاب « Agents of Change: The Women Who Transformed the CIA» أو «عملاء التغيير: النساء اللاتى غيرن شكل وكالة المخابرات المركزية»، فى يونيو المقبل، عن دار النشر «سيتاديل».

الكتاب من تأليف عميلة الاستخبارات السابقة، كريستينا هيلسبيرج، ويتناول تاريخ عملاء المخابرات الأمريكية من النساء، منذ ستينيات القرن الماضى وحتى الوقت الحاضر، مستعرضًا التحديات التى واجهنها، بما فى ذلك التمييز الذى عانين منه، وكفاحهن من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين داخل الوكالة، فضلًا عن تسليط الضوء على إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا فى الوكالة اليوم، وهى مشكلة التحرش الجنسى والاعتداءات الجسدية التى استمرت لعقود طويلة.

وكريستينا هيلسبيرج ضابطة استخبارات سابقة فى وكالة المخابرات المركزية، وكاتبة وخبيرة متخصصة فى دور النساء فى مجال التجسس والاستخبارات، وحصلت على العديد من جوائز الأداء الاستثنائى من الوكالة تقديرًا لإسهاماتها البارزة.

وخلال عملها فى وكالة المخابرات المركزية تخصصت فى الشئون السياسية والملف الإفريقى، وكانت واحدة من القلائل فى مجتمع الاستخبارات الذين أتقنوا لغة «الزولو» الإفريقية، ما جعلها خبيرة متميزة فى هذا الملف.

وتشارك الكاتبة وضابطة الاستخبارات السابقة القراء خبرتها فى مجال النساء الجاسوسات، من خلال كتابها المؤلف من ٣٠٤ صفحات، كاشفة عن تفاصيل العالم المظلم للتجسس من خلال عدة مقابلات حصرية مع نساء عملن داخل الوكالة فى الماضى والحاضر.

وبعد سنوات من مسيرتها المهنية الناجحة والمؤثرة فى وكالة المخابرات المركزية، أصبحت كريستينا هيلسبيرج مفتونة بقصص النساء الرائدات اللاتى شققن مسارات جديدة داخل «CIA»، قبل فترة طويلة من بدء مسيرتها المهنية هناك، فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وهى تؤمن بأن هؤلاء النساء ضحين بحياتهن الشخصية، وخاطرن بسلامتهن، وتحدين التوقعات، ونجحن بجرأة فى التنقل عبر منظمة التجسس التى يهيمن عليها الذكور.

تبدأ المؤلفة كتابها بوصف فترة الستينيات داخل وكالة المخابرات الأمريكية بـ«عصر السكرتارية»، عندما اكتسبت النساء موطئ قدم لأول مرة، وظهرن بخلاف الصورة النمطية التى روجت لها السينما، متجسدة فى فتاة «بوند» المثيرة فى الحرب الباردة، مؤكدة أنه «استُهين بالنساء العاملات فى مجال التجسس، لكنهن لم ييأسن وحاربن عقدًا بعد آخر للوصول إلى مناصب جيدة داخل الوكالة».

ويتناول الكتاب تاريخ النضال من أجل المساواة بين الجنسين داخل جدران الوكالة، بالإضافة إلى القضية الحالية التى تواجهها الوكالة، وهى ما سمته ثقافة دائمة من التحرش والاعتداء الجسدى التى استمرت لعقود، مشيدة بالناجيات منهن، اللواتى أردن وسعين لإحداث تغيير داخل «CIA».

وتلقى فصول الكتاب الضوء على قضايا المرأة داخل الوكالة، وتحكى قصص الضابطات العميلات اللاتى كانت تجاربهن مُلهمة لتنفيذ «أشياء غير عادية فى بيئة سرية ومظلمة».

وتعيد الكاتبة تسليط الضوء على التجاوزات والممارسات التمييزية التى تواجهها المرأة فى عالم الاستخبارات الأمريكية، مطالبة بمحاسبة المسئولين عن هذه التجاوزات، وتغيير الثقافة السامة السائدة داخل الوكالة.

كما تكشف عن تفاصيل صادمة حول التحرش الجنسى والتمييز الذى تتعرض له النساء، وتسلط الضوء على تأثير هذه الممارسات على الأمن القومى، معتبرة أن هذه القضية تؤثر على تماسك الموظفات وتدفعهن لترك العمل فى الوكالة.

وكان أحدث التحركات من النساء العاملات داخل الوكالة للكشف عن الممارسات الفاضحة التى يعانين منها، ذهاب مجموعة منهن إلى مبنى «الكابيتول»، فى أوائل عام ٢٠٢٣، لإبلاغ «الكونجرس» عن تعرضهن للاعتداء الجنسى أو التحرش أثناء العمل فى الوكالة.

وأصدرت المحاكم فى كل من فرجينيا وواشنطن حكمين بالإدانة فى محاكمات ضباط الوكالة المتهمين بسوء السلوك الجنسى. وأصدر «الكونجرس» الأمريكى سلسلة من التقارير التى تدين ذلك، وأقر تشريعات لإصلاح عمل الوكالة فى التعامل مع شكاوى الاعتداء والتحرش.

وفى سبتمبر ٢٠٢٤، واجه ضابط فى الوكالة، فى ولاية فرجينيا تحديدًا، اتهامات برفع تنورة زميلة له وتقبيلها بالقوة فى المكتب. وأحيل ضابط متدرب آخر للمحاكمة، فى أكتوبر الماضى، بتهمة الاعتداء على زميلة له بمقر الوكالة فى «لانجلى» بولاية فرجينيا.

وشجعت تلك القضايا حوالى ٢٠ عميلة فى الوكالة على التقدم إلى السلطات و«الكونجرس» بشهاداتهن عن الاعتداءات الجنسية واللمس غير المرغوب فيه، وفضح ضغوط الوكالة لإسكاتهن.

The Determined Spy.. أدارت برنامجًا سريًا لتحويل السجناء إلى «روبوتات بشرية»

يصدر كتاب «The Determined Spy: The Turbulent Life and Times of CIA Pioneer Frank Wisner»، أو «الجاسوس المصمم: الحياة والأوقات المضطربة لأحد مؤسسى وكالة المخابرات المركزية فرانك ويزنر»، فى أبريل المقبل، عن دار النشر الشهيرة «بنجوين راندوم هاوس».

الكتاب من تأليف دوجلاس والر، المؤلف الأكثر مبيعًا فى «نيويورك تايمز»، وهو مراسل سابق لمجلتى «نيوزويك» و«تايم» الأمريكيتين، وغطى لهما أخبار وكالة المخابرات المركزية والبنتاجون ووزارة الخارجية والبيت الأبيض و«الكونجرس»، وألّف ٧ كتب عن الجيش والاستخبارات.

ويكشف الكتاب كيف انتقل فرانك ويزنر من كونه العقل المدبر لبعض أكثر عمليات وكالة المخابرات المركزية إثارة للجدل، فى خمسينيات القرن الماضى، والتى اتسمت بالتخريب والانقلابات والحروب الاقتصادية، إلى دخوله مستشفى أمراض عقلية ووفاته منتحرًا.

وفرانك ويزنر، الذى لم يكن معروفًا للعامة، هو أحد مؤسسى وكالة المخابرات الأمريكية «CIA»، ويعد أكثر الجواسيس الأمريكيين نشاطًا خلال الأيام الأولى من «الحرب الباردة»، ووقتها أدار عمليات سرية للوكالة، عندما كانت مسئولة عن التجسس فقط فى بداياتها. ومع الأزمات الدولية الحالية، يتردد اسمه مرتبطًا بأسرار هذه الحرب، ومئات المهام السرية المشبوهة وسيئة السمعة.

وحسب الكتاب المكون من ٦٥٦ صفحة، على الرغم من أن قِلة من الناس فى الأوساط السياسية الأمريكية عرفوا ذلك، كان «ويزنر» يقدم تقاريره مباشرة إلى كبار المسئولين الأمريكيين، وكان عمله مخفيًا إلى حد كبير عن «الكونجرس» والجمهور والرأى العام الأمريكى، واصفًا إياه بأنه «العقل المدبر لبعض أكثر عمليات وكالة المخابرات المركزية جرأة وإثارة للجدل فى السنوات الأولى من الحرب الباردة، حيث كان يقود الآلاف من العملاء السريين فى جميع أنحاء العالم».

ويروى المؤلف كيف تغير مستقبل «ويزنر» بعد مسيرة مهنية مبكرة اتسمت بالمغامرات المثيرة كجاسوس رئيسى فى الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الجنرال ويليام دونوفان، قبل أن يرتقى بسرعة فى صفوف الاستخبارات بعد الحرب، وصولًا إلى قيادة وحدة سرية للغاية أُنشئت حديثًا بهدف «الدعاية والحرب الاقتصادية والتخريب والعمليات الحربية فى جميع أنحاء العالم».

وتضمنت عمليات هذه الوحدة: انقلابات دعمتها وكالة المخابرات المركزية فى إيران وجواتيمالا، إلى جانب الهدم والإخلاء والتخريب ضد «الدول المعادية»، بما فى ذلك تقديم المساعدة لمجموعات المقاومة السرية وحرب العصابات، ودعم العناصر المناهضة للشيوعية، وغيرها من الأعمال المشابهة.

وكان من ضمن ما نفذه فرانك ويزنر، خلال توليه منصبه، العمليات التى أطاحت بمحمد مصدق، رئيس وزراء إيران، فى عام ١٩٥٣، والرئيس الجواتيمالى جاكوبو أربينز جوزمان، فى عام ١٩٥٤، فضلًا عن كونه أيضًا أحد المتورطين بعمق فى إنشاء برنامج طائرة التجسس «لوكهيد يو-٢».

ويعد الكتاب تجميعًا للأسرار الخفية والمحرمة حتى الآن، من بينها تطوير مشروع «إم كيه ألترا» سيئ السمعة، وهو برنامج غير قانونى تموله وكالة المخابرات الأمريكية لإجراء تجارب طبية على البشر، واختراع عقاقير وأدوية للسيطرة على العقل البشرى، لمساعدة الوكالة على انتزاع الاعترافات أثناء الاستجواب والتعذيب.

تلك العقاقير التى تربك العقل كانت تهدف إلى إنشاء ما يشبه «روبوتات بشرية»، وبدأ استخدامها خلال الحرب الباردة، حين أدار فرانك ويزنر القسم الأكثر سرية فى وكالة المخابرات المركزية، على ضوء منصبه كنائب مدير قسم الخطط، الذى ترأسه فى البداية ألين دالاس، قبل أن يخلفه «ويزنر» عام ١٩٥١، عندما تم تعيين «دالاس» مديرًا للمخابرات المركزية. ويزيل الكتاب الستار عن العملاء السريين، والمُثل الواهية، ومخططات الانقلاب، والكوارث الاستخباراتية، فى إطار سيرة ذاتية كتبها دوجلاس والر عن فرانك ويزنر، بالإضافة إلى عرضه بمهارة التحديات والتنازلات والخلافات التى تواجه وكالة المخابرات المركزية، والعاملين فيها، والأمراض التى يعانى منها عملاؤها، مثلما حدث مع «ويزنر» نفسه، الذى واجه فى ذلك الوقت شيطانًا لم يفهمه سوى القليل آنذاك، وهو مرض «الاضطراب ثنائى القطب»، الذى أدى إلى انهياره ونقله إلى مستشفى للأمراض العقلية، قبل أن ينتحر بعد ذلك.

The Last Kilo.. تعاونت مع إمبراطور مخدرات لمنع الشيوعيين من السيطرة على نيكاراجوا

صدر كتاب «The Last Kilo: Willy Falcon and the Cocaine Empire That Seduced America» أو «الكيلو الأخير: ويلى فالكون وإمبراطورية الكوكايين التى أغوت أمريكا»، فى ديسمبر الماضى، عن دار نشر «هاربر كولينز» الشهيرة.

الكتاب، الذى ألّفه الصحفى والكاتب تى جيه أنجليش، يكشف كواليس إحدى أنجح منظمات تهريب الكوكايين فى التاريخ الأمريكى، وقصة صعودها فى الثمانينيات وعلاقة تلك المنظمة بوكالة المخابرات الأمريكية والبيت الأبيض، معتمدًا على وثائق سرية وحصرية، ولقاءات مع ويلى فالكون، مؤسس عصابة مخدرات شهيرة. 

يروى الكتاب كيف بدأ «فالكون» تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة لتمويل شراء أسلحة لقوات «الكونترا» فى أمريكا الوسطى، بتواطؤ مع استخبارات ورؤساء الولايات المتحدة، فى الفترة من سبعينيات إلى أوائل تسعينيات القرن الماضى، ومع تزايد الآثار السلبية لتعاطى الكوكايين، شنت الولايات المتحدة ما أسمته «الحرب على المخدرات»، ولاحقت السلطات الفيدرالية «فالكون» وعصابته، وموّلت إدارتا ريجان وجورج بوش حملة ضخمة لمصادرة المخدرات وملاحقة المتورطين.

ويرى المؤلف أن الاعتقاد الشائع عن عصر الكوكايين فى الثمانينيات، كما تصوره الأفلام وغيرها من الأعمال الفنية، يركز بشكل كبير على العنف، لكنه يرى أن الفساد، وليس العنف، هو الذى أدى إلى ازدهار هذه التجارة المحرمة فى تلك الفترة. 

وقال المؤلف إن العديد من المسئولين، مثل رجال الشرطة والسياسيين، كانوا متورطين فى هذه التجارة، ووفروا لها الحماية والتسهيلات اللازمة، مشيرًا إلى أن ويلى فالكون، محور كتابه، كان شخصية بارزة فى هذا العالم الفاسد، واستغل علاقاته ونفوذه فى إدارة عمليات تهريب المخدرات واسعة النطاق.

وعن علاقة المخابرات الأمريكية بعصابة «فالكون»، قال المؤلف: «فى عام ١٩٧٧ كان فالكون شابًا يبلغ من العمر ١٩ عامًا، عندما تواصل معه شخص يدعى رافائيل كوينتيرو. كان كوينتيرو شخصية معروفة بمعارضتها لنظام كاسترو فى كوبا، وكشف عن خطة وضعتها المخابرات الأمريكية لشراء أسلحة لقوات الكونترا فى نيكاراجوا، التى كانت تسعى إلى منع الشيوعيين من السيطرة على البلاد».

قامت الخطة على استيراد الكوكايين إلى الولايات المتحدة، ثم بيعه واستخدام الأموال لشراء الأسلحة لقوات «الكونترا»، وهكذا تحولت تجارة المخدرات إلى وسيلة لتمويل عمليات سرية تدعمها المخابرات الأمريكية.

وكشف عن أن «فالكون» كان منفيًا كوبيًا، حيث هربت عائلته من كوبا فى عهد فيدل كاسترو، عندما كان فى الحادية عشرة من عمره، وخلال مراهقته أصبح ناشطًا فى الحركة المناهضة لـ«كاسترو»، ولجأ لتهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة، لتمويل شراء الأسلحة لقوات «الكونترا» فى أمريكا الوسطى.

وأضاف: «هذا النشاط المضاد للثورة شكّل نقطة التحول فى حياة فالكون، الذى أصبح أحد أبرز مهربى المخدرات، وأسّس مع شركائه منظمة دولية عرفت باسم (لوس موتشاتشوس)، التى أصبحت شبكة رئيسية لتوزيع الكوكايين فى الولايات المتحدة من أواخر السبعينيات حتى أوائل التسعينيات، وبلغت أرباحها ذروتها بأكثر من ١٠٠ مليون دولار سنويًا».

ولم تقتصر شهرة «فالكون» على عالم المخدرات، بل امتدت إلى عالم الرياضة، حيث اشتهر مع شقيقه جوستافو «تافى» فالكون، وشريكه سالفاتورى «سال» ماجلوتا، باعتبارهم متسابقين فى بطولات الزوارق السريعة.

أنشأت هذه الشبكة، التى تتكون بشكل شبه حصرى من المنفيين الكوبيين الذين فرت عائلاتهم من كوبا فى أعقاب الثورة الكوبية، شبكة تهريب قوية تتألف من طائرات وقوارب بخارية ومقطورات شبه جرارة مقرها ميامى، مع مواقع متقدمة فى لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو ومدينة نيويورك وشيكاغو وهيوستن، وأماكن أخرى فى جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وعلى مدار فترة الـ١٥ عامًا من ١٩٧٧ إلى ١٩٩٢، استوردت المنظمة ٧٥ طنًا من الكوكايين النقى بقيمة سوقية تزيد على ٢.٦ مليار دولار، وفقًا للمدعين الفيدراليين، حسب الكاتب، الذى أضاف: «فى المقابلات التى أجريتها مع فالكون زعم أن هذه الأرقام منخفضة، ويقدر أنه وشركاءه استوردوا ما يقرب من ٧٠٠ طن من الكوكايين بقيمة سوقية فى نطاق ٥٠ مليار دولار».

وواصل: «الكوكايين خلال تلك الحقبة أصبح رمزًا ثقافيًا، حيث استخدمه الجميع من نجوم الصف الأول إلى المحامين وأفراد إنفاذ القانون، وحينها برز ويلى فالكون وأمثاله كموردين رئيسيين للمخدرات، محققين شهرة واسعة فى عالم الجريمة».

وأكمل: «مع مرور الوقت، ظهرت الآثار السلبية لتعاطى الكوكايين، بما فى ذلك جنون العظمة والإدمان النفسى، والخراب المالى لدى المتعاطين، ومع تصاعد هذه الظواهر بدأت السلطات الفيدرالية حربًا شرسة على المخدرات، مستهدفة فالكون وطاقمه بلا هوادة».

وجد «فالكون» نفسه مطاردًا، فى وقت كانت حياته العائلية وزواجه فى حالة يرثى لها، وتحولت أيام سباقات القوارب، والرحلات الفاخرة إلى لاس فيجاس، والسهرات الصاخبة فى ملهى «ميوتينى» إلى مجرد ذكريات بعيدة.

وعن نهاية عصابة «فالكون» وشركائه، قال المؤلف: «بدأت الحرب على المخدرات بعد انتهاء تمويل قوات الكونترا. وفى البداية، مولت إدارة رونالد ريجان ثم إدارة جورج دبليو بوش حملة ضخمة غير مسبوقة لمصادرة المخدرات وإيقافها وملاحقة مرتكبيها».

وأضاف: «تم القبض على ويلى فالكون وصديقه سال ماجلوتا فى عام ١٩٩٢، وفى نهاية المطاف، أصبح تنظيم فالكون يُنظَر إليه باعتباره جزءًا من عالم المخدرات، وهو عبارة عن مصفوفة غير واضحة المعالم من قوى المخدرات التى شكلت السياسة والاقتصاد العالميين فى أمريكا الشمالية والجنوبية».

وأصبح «ويلى» و«سال»، كما وصفت الصحافة، جزءًا من شبكة تضم بابلو إسكوبار وكارتل كالى فى كولومبيا، والجنرال مانويل نورييجا والنظام المصرفى المركزى لعالم المخدرات فى بنما، وزعماء المخدرات فى المكسيك.

وفى النهاية، توصل «فالكون» إلى صفقة إقرار بالذنب، وحُكم عليه بالسجن لمدة ٢٥ عامًا. كما حوكم «ماجلوتا» وأدين وحُكم عليه بالسجن لمدة ٢٠٥ أعوام. أما تافى فالكون، شقيق ويلى، الذى نجا من الاعتقال وقت توجيه الاتهام إلى منظمة «لوس موتشاتشوس»، فقد اختفى مع زوجته وطفليه، وظل طليقًا لمدة ٢٤ عامًا، وفى عام ٢٠١٧ ألقى القبض عليه وحُكم عليه بالسجن لمدة ١١ عامًا، واختصرت مدة سجنه بسبب «كوفيد- ١٩»، وفى عام ٢٠٢٣ أُطلق سراحه تحت الإقامة الجبرية.