الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الاسم تايوان.. جزيرة تحدد مستقبل العالم

تايوان
تايوان

- كتاب يقدم قراءة جديدة لتايوان وسكانها وكيف أصبحت برميل بارود جيوسياسى

- أمريكا حتى الآن متمسكة بموقف الحياد.. وتطالب بألا يكون لها رأى نهائى 

جزيرة صغيرة فى الحجم، لكنها تشكل الآن برميل بارود جيوسياسى للعالم، وتعتبر من أبرز تحديات السياسة الخارجية الأكثر تعقيدًا لنظام الرئيس الأمريكى ترامب، وتحديدًا علاقات واشنطن والصين، وموقف الولايات المتحدة من تايوان.

تايوان التى تعتبر دولة مزدهرة وقصة نجاح اقتصادى، حيث تنتج واحدة فقط من شركاتها أكثر من 90% من أشباه الموصلات «الرقائق الإلكترونية»، التى تزود الاقتصاد العالمى بالطاقة، تعد بالنسبة لأمريكا والغرب معقلًا للحرية ضد الوجود الحازم للصين فى المنطقة.

لكن على الجانب الآخر تصر الصين، على أن تايوان جزء من أراضيها ويجب إعادتها إليها، هذا السيناريو من شأنه أن يضع بكين فى مواجهة واشنطن، مما يؤدى إلى تصعيد حرب إقليمية إلى عالمية.

فى كتابه «قصة تايوان: كيف ستملى جزيرة صغيرة المستقبل العالمى»، يقدم كيرى براون، أستاذ الدراسات الصينية، قراءة جديدة لتايوان، وسكانها البالغ عددهم 23 مليون نسمة، وكيف يتنقلون فى هذه المواجهة المخيفة واللحظة الخطيرة من التاريخ التى وصلنا إليها.

الكتاب الذى صدر عن دار نشر « فايكينج» الأمريكية، فى نوفمبر الماضى، يأتى فى 272 صفحة، ليروى كيف تحولت الجزيرة التى وصفها إمبراطور أسرة تشينج الصينية، «كانجشى» ذات مرة، باعتبارها «كرة طين فى البحر»، إلى ديمقراطية صاخبة وقوة اقتصادية، فضلًا عن واحدة من أكثر الأراضى المتنازع عليها فى العالم.

التاريخ الأطول

يبدأ الكتاب بأصول تايوان ويتحرك بتسلسل زمنى خلال تطورها، مع التركيز على كيفية تشكيل التأثيرات الخارجية لذلك. وينصب التركيز الأساسى له على علاقة تايوان الهشة مع الصين، فضلًا عن علاقتها مع الولايات المتحدة، خاصة بسبب دورها الحاسم فى إنتاج أشباه الموصلات.

ويقول المؤلف إنه لا بد من فهم تاريخ الجزيرة الأطول، فعلى عكس الخط الصينى الرسمى، فإن تايوان لم تكن جزءًا لا يتجزأ من أراضى الصين منذ العصور القديمة.

ويشير إلى أن تايوان أصبحت تحت سيطرة الإمبراطورية الصينية لأول مرة فى عام ١٦٨٣، وهكذا ظلت «صينية» رسميًا لمدة ٢٠٠ عام فقط، حتى تم التنازل عنها لليابان فى معاهدة «شيمونوسيكى» فى عام ١٨٩٥، والتى أنهت الحرب اليابانية الصينية الأولى.

وفى السابق، كانت الجزيرة تعتبر نفسها مستقلة، وكان ينظر إليها من البر الرئيسى للصين أيضًا على أنها مكان برى إلى حد ما، لكن فى عام ١٩٤٩ مع انتهاء الحرب الأهلية الصينية، ولدت دولتين من الصين. 

وذلك بعد أن فاز الشيوعيون تحت زعامة «ماو تسى تونج» واستولوا على البر الرئيسى للصين؛ وفر القوميون التابعون للقائد «شيانج كاى شيك» إلى جزيرة تايوان. ومنذ ذلك الحين، انجرفت الصين وتايوان إلى كيانين سياسى وثقافى منفصلين.

يوضح الكاتب أن القصة تطورت عندما حولت الولايات المتحدة اعترافها من تايبيه إلى بكين، فى أعقاب الزيارة التى قام بها الرئيس الأمريكى «ريتشارد نيكسون» ومستشاره للأمن القومى «هنرى كيسنجر» إلى الصين عام ١٩٧٢. 

وهكذا بدأ «اعتراف» الولايات المتحدة بسياسة الصين الواحدة، ووفقًا لبيان شنغهاى لعام ١٩٧٢، فإن «الولايات المتحدة تعترف بأن الصينيين على جانبى مضيق تايوان يؤكدون أن هناك صين واحدة فقط وأن تايوان جزء من الصين». لكن فى حين كان بوسع الرئيس الصينى «ماو» فى عام ١٩٧٢ أن يقول لنيكسون إن الصين «يمكنها الانتظار، وربما حتى ١٠٠ عام» من أجل التوحيد، فالرئيس الحالى «شى جين بينج» لن يقول ذلك الآن، بل يتحدث عن كيف أن هذه القضية «لا ينبغى أن تنتقل جيلًا بعد جيل». هذا الإصرار على توحيد تايوان مع الصين، جعل من الجزيرة الآسيوية نقطة للاشتعال السياسى، فبمرور الوقت، تطورت تايوان والصين على مسارات مختلفة جذريًا.

الأكثر ديمقراطية

يشير براون إلى أنه بينما تبنت الصين الشيوعية الاستبدادية، تطورت تايوان تدريجيًا نحو الديمقراطية الرأسمالية. حيث حملت الجزيرة تأثيرات ليس فقط من الصين، بل أيضًا من الحكم الاستعمارى اليابانى والقوى الغربية المختلفة، مما أدى إلى خلق فسيفساء ثقافية تميزها عن البر الرئيسى.

فرغم أن حكومة «شيانج كاى شيك» فى تايوان كانت سلطوية مثل حكومة «ماو تسى تونج» فى البر الرئيسى الصينى، لكن تايوان تحولت إلى الديمقراطية، حيث أجرت أول انتخابات رئاسية لها فى عام ١٩٩٦، والآن أصبحت الديمقراطية راسخة فيها، حيث تم التناوب على الرئاسة بين الحزبين السياسيين الرئيسيين، حزب الكومينتانج «القوميين» والحزب الديمقراطى التقدمى.

وتصنف تايوان على أنها المكان الأكثر ديمقراطية فى آسيا والعاشر فى العالم. ويرى المؤلف أن هذا التحول إلى الديمقراطية، يعنى أن الجزيرة قامت بمواءمة قيمها مع الغرب وتمييز نفسها عن الصين، التى أصبحت أكثر استبدادية من أى وقت مضى. 

هذا إلى جانب أنها وعلى مر الأجيال، طورت هوية ثقافية متميزة، حيث تم تحديد الغالبية العظمى من التايوانيين على أنهم تايوانيون، وليسوا صينيين أو صينيين وتايوانيين معًا.

فى هذا الإطار، يكشف براون عن تايوان باعتبارها أيضًا مكانًا للتعددية الرائعة، حيث اختلطت ثقافة السكان الأصليين للجزيرة مع الكونفوشيوسية الصينية، والمسيحية، وتراث الإمبراطورية اليابانية الاستعمارية، والحداثة الصناعية، ومؤخرًا الديمقراطية الليبرالية.

كما تتمتع تايوان بمجتمع مدنى غنى ومنفتح وحر، وهو الأمر الذى يفتقر إليه البر الرئيسى الصينى بشدة، وذلك مع ترسيخ مكانتها بين قادة التكنولوجيا فى آسيا. 

ويوضح الكاتب أنه رغم أن تايوان قد تكون معزولة دبلوماسيًا، حيث لا تعترف بها سوى ١٢ دولة فقط، فإن قسمًا كبيرًا من الاقتصاد العالمى يعتمد على براعتها التكنولوجية. ويمكن تحت ضغط الولايات المتحدة، ألا تقوم الشركة بتوريد أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا للعملاء الصينيين.

درع السيليكون

وحسب براون، فإنه، حتى الآن، تظل الصين متخلفة بنحو عقد من الزمن عن تايوان فى صنع الرقائق، فرهان الجزيرة على أشباه الموصلات، كان ناجحًا للغاية فى أواخر الثمانينيات، والتى أصبحت منذ ذلك الحين جزءًا لا يتجزأ من أسلوب حياتنا المحوسبة.

ويؤكد المؤلف أن التكنولوجيا وسلاسل التوريد المرتبطة بها اللازمة لصنع الرقائق الأكثر تقدمًا، معقدة للغاية، لذلك يتحدث المحللون عن «درع السيليكون» الذى أنشأته تايوان: فالجزيرة ضرورية للغاية بالنسبة للإلكترونيات العالمية، حتى إن الصين قد تفكر مرتين قبل المخاطرة بعدم الاستقرار الاقتصادى العميق الذى قد يجلبه أى هجوم.

ومع ذلك، يختلف المحللون حول قيمة درع السيليكون، ومن المؤكد أن تفوق تايوان فى مجال أشباه الموصلات، يعمل على زيادة قيمة الإقليم بالنسبة للصين، التى ترى أنها ملك لها. وإذا تراجع الإنتاج أثناء الهجوم على تايوان، فإن منافسى الصين سوف يعانون بقدر ما تعانيه الصين نفسها. 

ويشير الكاتب إلى أن كل هذا هو جزء من مصير أعمق أصبح التايوانيون يتقاسمونه مع الشعوب الأخرى فى المنطقة: أن تكون الصين شريكهم التجارى الرئيسى، والولايات المتحدة الضامن الأمنى الرئيسى لهم.

يقول براون إن هذا الأمر لو كان مثيرًا على المستوى الجيوسياسى، لكنه ليس مجرد ذلك فقط، بل هو مسألة «جيو اقتصادية» أيضًا، فحروب أشباه الموصلات كما أصبح يطلق عليها، هى عنصر بالغ الأهمية فى معضلة تايوان.

وقد يكون مغريًا أن نقول إن كل هذا كان متوافقًا مع خطة استراتيجية متعمدة من جانب الجزيرة، لكن فى المرحلة المبكرة من التنمية الاقتصادية فى تايوان، كان الهدف فقط مجرد تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتى، وأن تصبح أكثر ثراء بعض الشىء. 

ففى اليوم الذى تأسس فيه مجمع «هسينشو» العلمى، لم تكن هناك مخططات واضحة توضح كيف يمكن للنجاح الاقتصادى أن يخلف آثارًا مهمة على الأمن القومى، كان هذا كل ما سيتكشف لاحقًا.

قلب الاقتصاد

ويروى المؤلف قصة هذا النجاح بداية من حديقة المجمع التى تضم واحدة من أكثر الشركات قيمة فى العالم، وهى الشركة التى تقع فى قلب الاقتصاد العالمى: شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية أو شركة «تى إس إم سى».

يقول: داخل مبانى الشركة، تنزلق الآلات المعلقة من السقف المكهرب بشكل مخيف، وتقوم بتجميع المكونات المجهرية التى تزود عالمنا الحديث بالطاقة. هذه المكونات هى رقائق أشباه الموصلات- «العقل المدبر» لجميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة. 

وبدونها لن تكون هناك هواتف ذكية أو أجهزة كمبيوتر أو سيارات حديثة أو معدات طبية متقدمة. تنتج الشركة جزءًا كبيرًا من الإمدادات العالمية، يمكن القول إنها الشركة الأكثر أهمية، التى لم يسمع عنها معظم الناس من قبل.

هذه الشركة مسئولة عن ٨٪ من إجمالى الناتج الاقتصادى لتايوان، و١٢٪ من صادراتها، والأكثر من ذلك، أن هذا المكان يقع فى مركز الاقتصاد العالمى، وهو القلب النابض الذى يضخ الرقائق التى تشغل كل شىء، بدءًا من آلات صنع القهوة والطائرات بدون طيار، إلى الهواتف الذكية وأنظمة الذكاء الاصطناعى. 

المرحلة المبكرة

يوضح الكاتب أن بداية عملية التنمية فى تايوان لم تكن مبشرة، فبعد إنشاء القوميين حكومة منفصلة فى الجزيرة فى أواخر الأربعينيات، لم يكن هناك سوى القليل من الصناعات المتقدمة الثمينة. 

ويلفت إلى أن ما كان موجودًا كان نتيجة نصف قرن من الحكم اليابانى. وتم إنشاء بنية تحتية معقولة، من سكك حديدية وطرق وموانئ عاملة. ولم تقض الحرب على هذا الوضع كما حدث فى البر الرئيسى، حيث كان الوضع أسوأ بكثير.

وبحلول سبعينيات القرن العشرين، أصبحت تايوان واحدة من النمور الآسيوية الأربعة فى المنطقة «والتى كانت هى وهونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية». 

وبالتنسيق مع اليابان وكوريا الجنوبية، دخلت الاقتصاد العالمى من خلال تصنيع وتصدير السلع والخدمات. وكانت أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية الوجهة الرئيسية للأشياء التى صنعتها. وظل قطاع الزراعة فى تايوان مهما.

ويعتقد براون أن صناعة أشباه الموصلات هى دراسة حالة كلاسيكية لكيفية عمل عملية التنمية الموجهة من قبل الدولة فى تايوان. ففى البداية، خلال السبعينيات، لم تنظر إدارة العلوم والتكنولوجيا التابعة للحكومة التايوانية إلى هذا القطاع باعتباره قطاعًا قابلًا للحياة. 

حيث كان كثيف رأس المال للغاية، ويتطلب مستويات عالية من الاستثمار والدعم المالى. ولم تكن البلاد تمتلك التكنولوجيا الأساسية، وبالتالى كانت بحاجة إلى شرائه من مكان آخر أو تخصيص موارد كبيرة للبحث والتطوير لمحاولة إنشائه. 

وكان هناك إحجام لا مفر منه من قبل المسئولين عن التفكير فى دخول ساحة يبدو فيها اليابانيون والهولنديون والأمريكيون متقدمين بفارق كبير، وسيفعلون كل ما فى وسعهم لمنع المنافسة.

الرجل المثالى

لكن كان «موريس تشانج» المهندس الأمريكى الصينى ومؤسس شركة «تى إس إم سى»، لاعبًا رئيسيًا فى تغيير هذا الوضع، حيث ولد فى الصين عام ١٩٣١، لعائلة من الطبقة المتوسطة، وغادرها أثناء استيلاء الشيوعيين على السلطة فى سن الثامنة عشرة.

وفى مقابلة أجريت معه عام ٢٠٠٧، تذكر كيف «كانت الصين فقيرة للغاية، وكان معظم الناس فقراء للغاية، حتى الطبقة المتوسطة»، لكنه انتقل إلى الولايات المتحدة، التى «كانت بمثابة الجنة عندما وصل لأول مرة»، بسبب تقدمها الاجتماعى والسياسى والتعليمى. 

وفى أوائل الثمانينيات، أنهى ربع قرن من الخدمة فى شركة «تكساس إنسترومنتس» الأمريكية لصناعة أشباه الموصلات، دون أى يجد وظيفة جديدة، لكنه كان يتمتع بمزيج نادر من المهارات الإدارية والمعرفة التكنولوجية، الأمر الذى جعل منه اقتراحًا جذابًا للشركات والشركاء الآخرين. 

وفى هذا الوقت، أخذت الروح الجديدة فى تايوان مسألة أشباه الموصلات على محمل الجد، وبدا تشانج الرجل المثالى لتقديم شىء ما، ووفقًا للمؤلف، توجد نسخة إلكترونية من خطة العمل الأولى التى قدمها إلى الحكومة التايوانية فى عام ١٩٨٧ فى متحف الابتكار الخاص بشركة تايوان للرقائق، الذى يقع بجوار مبنى يحمل اسمه.

وهى توضح ما أراد أن يفعله بعبارات بسيطة للغاية. حيث كانت هناك أربعة أجزاء لعملية صنع أشباه الموصلات، كما رآها. أولًا وقبل كل شىء كان التطوير: تصميم لوحة IC والتخطيط لما يجب القيام به ولماذا. والثانى هو خلق التكنولوجيا اللازمة لجلب هذه المنتجات إلى الوجود. والثالث هو التصنيع الفعلى لها. وأخيرًا، كان لا بد من بيعها للعملاء. 

ويشير الكاتب إلى أن اقتراح تشانج كان هو أن تركز «تى إس إم سى» فقط على الجزأين الثانى والثالث من العملية «تصميم الآلات اللازمة لتصنيع المنتجات ثم تصنيع الرقائق». وسيكون عملاؤها هم الشركات التى لديها فكرة عن الشريحة وما يمكن استخدامها من أجله. وذلك لتركز الشركة على إنتاج أفضل العمليات والمعدات اللازمة لصنع الرقائق فقط.

وبحلول مايو ٢٠٢٤، أصبحت الشركة التاسعة الأكثر قيمة فى العالم، حيث تبلغ قيمتها السوقية ٧٣٠ مليار دولار. وفيما يزيد قليلًا عن عقد من الزمان، زادت قيمتها عشرة أضعاف. 

سباق للتصغير

شغل تشانج منصب الرئيس التنفيذى للشركة حتى عام ٢٠٠٥، ثم مرة ثانية من عام ٢٠٠٩ حتى تقاعده الكامل فى عام ٢٠١٨. وقال الرجل المنطوى على نفسه، فى مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز فى عام ٢٠٢٣، وكان فى التسعينيات من عمره، «أفضل البقاء مجهولًا نسبيًا». 

وفى الوقت نفسه، أظهر وعيًا واضحًا بما جلبته مساهمته إلى تايوان. حين قال «لقد كنت متأكدًا حرفيًا من أننا حققنا الريادة فى مجال التكنولوجيا.. ولا أعتقد أننا سنفقدها». وقال أيضًا للصحيفة: «نحن نسيطر على جميع نقاط الاختناق». «لا تستطيع الصين فعل أى شىء إذا أردنا خنقهم». 

ويرى الكاتب أن اعتماد الصين على تكنولوجيا الشركة مرتفع، على الرغم من الجهود العديدة المبذولة لتسريع نمو صناعتها المحلية. لكن المشاكل فنية بقدر ما هى سياسية. حيث إن تجارة أشباه الموصلات هى جزئيًا سباق نحو أصغرها. إن الدقة اللازمة لإنتاج الرقائق الأكثر تقدمًا مذهلة. 

وكذلك الحال بالنسبة لسلاسل التوريد. قد تكون «تى إس إم سى» مصدرًا رئيسيًا لأفضل منتجات الصناعة. لكنها تعتمد على النظام البيئى، حيث يتطلب واحد فقط من أكثر أجهزة الليزر تقدمًا المستخدمة لإنتاج الرقائق نفسها ٤٥٧٣٢٩ مكونًا منفصلًا. 

وفى السيناريو الحالى، تطمع الصين أكثر فى تايوان، خاصة فى ضوء زيادة الاستثمار الأمريكى فى إنتاج أشباه الموصلات عالية الجودة فى الولايات المتحدة، حيث أعلن ترامب عن خطة للشركة التايوانية لاستثمار ما لا يقل عن ١٠٠ مليار دولار لتعزيز عمليات التصنيع فى أمريكا.

يقول براون إنه رغم كل حديث المسئولين التايوانيين عن «الدرع السيليكونية» التى تحميهم، فإن الاعتماد عليه باعتباره ضمانة مطلقة لسلامة وأمن الجزيرة، سوف يكون ضربًا من التهور.

فهناك خطر متزايد من نشوب صراع عسكرى بين الصين وتايوان، مع نفاد صبر الزعيم الصينى «شى جين بينج» بشكل متزايد من أجل توحيد تايوان مع البر الرئيسى.

وفى نهاية المطاف، لن يؤدى الهجوم الذى تشنه الصين إلى تدمير مصادر الإمدادات الخاصة بها فحسب، بل وأيضًا مصادر إمدادات الجميع. قد يكون هذا خسارة- خسارة؛ لكن فى نظر بكين، على الأقل، فإنها لا تتنازل عن أى مزايا لمنافسيها.

التفكير الصفرى

يقدم المؤلف حجة قوية مفادها أن وضع تايوان غير قابل للحل فى الأساس على أساس التفكير الحالى بشأن السيادة والهوية، سواء داخل شرق آسيا أو خارجها، ويقول إنه من الممكن أن تتطور مفاهيمنا، مستشهدًا بتغير المناخ كمثال على التحدى الذى يتطلب تفكيرًا جديدًا حول السيادة والتعاون الدولى. 

من ناحية أخرى، فإن الأولوية لا بد وأن تكون لتجنب ما يسميه «التفكير الصفرى»: الإصرار على النظر إلى مسألة تايوان باعتبارها جزءًا من الصدام الثقافى والأيديولوجى الحتمى بين الصين والغرب، والذى لا بد من تسويته ذات يوم فى مواجهة مسلحة. 

ويشير هنا الكاتب إلى الدور غير المفيد الذى لعبه السياسيون- بما فى ذلك «مايك بومبيو» و«ليز تروس»- الذين زاروا تايوان بعد ترك مناصبهم وأدلوا بتصريحات كبيرة حول «معركة عالمية من أجل الحرية»، بدلًا من السعى إلى فهم الحساسيات المعقدة لهذه القضية بالذات. ويعتقد براون أن هناك مواقف حيث يكون الجمود فى الواقع نتيجة جيدة، حيث إن السلام عبر مضيق تايوان، قد تم ضمانه لمدة سبعة عقود من الزمن، من خلال قبول الوضع الراهن. 

وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون غير مريح بالنسبة لشعب تايوان، فإن أفضل ما يمكننا أن نأمله فى الوقت الحاضر، هو الاعتراف الضمنى من جميع الأطراف بأننا نفتقر حاليًا إلى الوسائل اللازمة لحل المعضلة، فلا توجد إمكانية للمصالحة بين الصين وتايوان.

وبالنظر إلى المستقبل، يرى براون أنه من المحتمل جدًا أن يؤدى التغيير الجذرى المستمر إلى طرح أفكار جديدة، يمكن أن تقدم حلًا طويل المدى لمشكلة تايوان.

اقرأ الحوار مع مؤلف الكتاب: 

كيرى براون: أى محاولة لحل مشكلة «تايوان» ستنتهى بكارثة