الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

براءة مصر من «فرعون موسى»

حرف

من جديد عاد الحديث عن «فرعون الخروج»، وهل هو الملك رمسيس الثانى أم لا؟، على وقع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى مؤخرًا وحقق رواجًا كبيرًا، حيث قامت صاحبة الفيديو بتصوير مدخل المتحف المصرى الكبير، حيث تصطف مجموعة من تماثيل ملوك مصر القديمة وبينهم «رمسيس الثانى»، وأرفقت المقطع بالآية 26 من سورة غافر «وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ. إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الْأَرْضِ الْفَسَادَ».

ووسط الهجوم المتبادل تاهت الحقائق العلمية والأثرية، وهنا تفتح «حرف» الحوار حول هذه القضية «القديمة- الجديدة».

د. عبدالرحيم ريحان: رمسيس الثانى «المُفترَى عليه»

عبدالرحيم ريحان

لا شك أن رمسيس الثانى أشهر شخصية اتهمت بأنها «فرعون الخروج» اعتمادًا على باحثين أجانب سخّروا أبحاثهم وأعمال التنقيبات الأثرية فقط لإثبات ما جاء فى الروايات التوراتية، والحقيقة أن الأدلة العلمية على موته غرقًا جاءت بعد اكتشاف مومياء رمسيس الثانى عام 1881م بالبر الغربى بالأقصر ثم نقلت إلى المتحف المصرى، وفى السبعينيات من القرن العشرين سافرت إلى فرنسا للعلاج بدعوى وجود فطريات بها، وإن كانت الحقيقة هى لمعرفة هل هو فرعون موسى أم لا؟

بعدها انطلقت الآراء المعتمدة على مصادر غربية تدور فى فلك تأكيد ما يهدفون إليه، وكلها آراء لا تعتمد على دراسة علمية حقيقية للمومياء حيث لم تتم أى دراسات عليها منذ اكتشافها حتى الآن، ولم تعلن فرنسا عن أى نتائج علمية بشكل رسمى فمن أين جاءوا بهذه النتائج؟.

وقد جاء فى التوراة «فبنوا لفرعون مدينتى مخازن بيثوم ورعمسيس»، وادّعى الباحثون أن بنو إسرائيل هم من قاموا ببناء مدينة بررعمسو بالطوب اللبن قرب أرض جاسان الذى عاش بها بنو إسرائيل «أرض جاسان أو جوشن بوادى الطميلات بين محافظتى الشرقية والإسماعيلية»، لكن الحفائر الحديثة أثبتت أن رمسيس الثانى هو من قام ببناء المدينة وليس بنو إسرائيل، وقد برع قدماء المصريين فى البناء بالطوب اللبن ببراعة تضاهى براعتهم فى البناء بالحجر.

كما ساقوا أدلة على اتهام رمسيس الثانى بأنه فرعون موسى وهى موته غرقًا، وذلك لوجود آثار ملح الماغنسيوم فى جسد رمسيس الثانى التى اكتشفت أثناء رحلة المومياء إلى فرنسا باستخدام مطياف الكتلة، بينما المصرى القديم استخدم ملح النطرون «كربونات وبيكربونات الصوديوم» فى عمليات التحنيط، والمصدر الوحيد لملح الماغنسيوم هو ماء البحر مما يدل على غرقه فى البحر، ومما يدل على أنه مات غرقًا، حسب ما يرى الأثرى فتحى يحيى، أن كل أيدى المومياوات بلا استثناء فى «الوضع الأوزيرى»، أى أن الذراع اليمنى فوق الذراع اليسرى تتعامدان فوق الصدر، إلّا مومياء رمسيس الثانى؛ فإن الذراع اليسرى فوق اليمنى، وهذا يخالف تقاليد الدفن المصرية وبعيدة عن الصدر قليلًا، مما يدل على تعرّضه لصدمة عصبية فرفع ذراعه اليسرى فى حركة تلقائية ليتلقى بذراعه صدمة الماء الذى انطبق عليه فتيبست العضلات وتخشّب الجسد، وبعد أن طفت الجثة كان من الصعب إعادة الجسد إلى «الوضع الأوزيرى» عند إجراء عملية التحنيط، فتم الضغط على الأذرع وتثبيتها فوق الصدر بلفائف الكتان، وعند إزالة لفائف الكتان عن المومياء عام ١٩٠٢ بالمتحف المصرى تحركت الذراع اليسرى إلى أعلى، ما يثبت علميًا أنه مات غرقًا وتحت ضغط عصبى شديد.

كما تعللوا بالدمار الشديد الذى أصاب آثار رمسيس الثانى بما فيها مقبرته بوادى الملوك ومعبده فى تانيس ومعبد الرمسيوم وكذلك معبد أبوسمبل نفسه من دمار أحد التماثيل الضخمة فى واجهة المعبد وشروخ داخل المعبد، وتحطم تماثيله فى ممفيس ومعبد الأقصر والكرنك هو دليل آخر.

غير أن دمار الآثار ليست قرينة، لأن الملك رمسيس الثانى من أكثر الملوك الذى خلّف آثارًا عظيمة باقية حتى الآن، والمقصود بالدمار، كما يراها فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى تدل على أن الأشياء المدمرة كانت عالية الارتفاع ثم جاءت عوامل التعرية لتغطيها، ويبقى الله شواهد منها لتعطينا نوع ما عمّروا، وكل يوم نكتشف آثارًا جديدة موجودة تحت الأرض وأن الدمار غير مقصود به التخريب وضياع المعالم بل تغطية هذه الآثار بعوامل التعرية حتى تصبح فى وضع العدم ولا تظهر إلى الوجود إلا بمحاولة إعادة اكتشافها مرة أخرى، كما أن التدمير لم يكن لآثار ذلك الملك فقط بل لآثار قومه أيضًا كما جاء فى القرآن الكريم فالدمار الذى حدث طبيعى بعوامل الزمن والتعرية.

والخلاصة أنه لا يوجد أى دليل أثرى يحدد شخصية فرعون موسى، وكل الآراء التى حددت شخصيات، مثل أحمس طارد الهكسوس وحور محب وسيتى الثانى ومرنبتاح حتى حتشبسوت وهى سيدة كانت ضمنهم، لا تستند إلى أسس علمية، وكذلك الآراء التى ادّعت وجود شخصيتين، ملك للاضطهاد وملك للخروج الذى غرق فى البحر، ومن ذكر أنه من الهكسوس أو من بنى إسرائيل أنفسهم أو اسم لشخص، كلها غير علمية ولا تستند إلى دليل أثرى.

د. عماد مهدى: العبث بتاريخنا وحضارتنا القديمة

عماد مهدي

ظلت النصوص الأثرية وما تحويه من سرد أحداث مصر القديمة صامتة حول شخصية فرعون موسى وكذلك موقع الحدث، واستمر الصمت لآلاف السنين، وظلت حقيقة فرعون موسى شخصه وزمنه مجهولة، وأصبحت معرفته لغزًا محيرًا لكل الباحثين والمختصين فى علم المصريات والتاريخ، وطال بنا الزمن ليعلن عن خلو صفحة من تاريخ مصر والبشرية بأحداثها أو بمعنى أحرى صفحة منزوعة من تاريخ مصر القديم.

أشارت أصابع الاتهام، وكل من لهم صلة بعلم المصريات ومن لا علم لهم، إلى ملوك مصر وأكثرهم اتهامًا الملك رمسيس الثانى، إحدى أهم الشخصيات فى التاريخ المصرى، وتاهت الحقيقة فى وسط هذا العبث بالتاريخ والاستنتاجات دون أدلة علمية أو اكتشافات أثرية.

للأسف صمت المسئولين وحراس التراث جعل الباب مفتوحًا لكل من يحاول أن ينبش ويعبث بتاريخنا وحضارتنا القديمة، ولا يسطيع أحد أن يؤكد أو ينفى أن يكون الملك رمسيس الثانى هو فرعون موسى دون أدلة وبحوث علمية، وللمسئولين دور فى احتواء هذا العبث، خاصة أن الموضوعات التاريخية أصبحت عرضة للتزييف والافتراء على يد العابثين بالهوية المصرية على منصات السوشيال ميديا.

لا توجد لوحات أو برديات أو أى نصوص تتحدث عن خروج بنى إسرائيل من مصر إلا فى أثر وحيد للملك مرنبتاح، ويثار حوله الكثير من الجدل بين الباحثين والمتخصصين، وهو يعتبر الشاهد الأثرى الوحيد حتى الآن الذى ذكر فيه اسم إسرائيل، وجاء هذا الذكر فى السطر رقم ٢٧ فى لوحة مرنبتاح وجاء نصه «وسهل يزريل أقفر ولم يعد له بذور».

ورغم صمت الآثار المصرية عن أحداث فرعون مصر والنبى موسى إلا إنها ذكرت فى الكتب المقدسة التوراة والقرآن، وربما سبب هذا الصمت لما تمثلة للمصريين من حرج فى الجوانب الدينية والسياسية وحساسية التعامل مع كل ما هو أجنبى؛ فهزيمة فرعون مصر وغرقه بجيشه فى البحر تعد كارثة كبرى، فتم التعتيم على الموضوع، وربما ذلك سبب خلو صفحات التاريخ المصرى عن هذه الأحداث، وربما أيضًا كشف أثرى واحد يغير مجريات التاريخ.

وكما كانت للمصريين القدماء حساسية دينية فى أحداث فرعون موسى أيضًا المصريين المعاصرين أصابتهم نفس حساسية أجدادهم.. لذا بمجرد نشر مقطع الفيديو داخل بهو المتحف الكبير وربط ملوك مصر عامة ورمسيس الثانى خاصة بآية قرآنية تتحدث عن ظلم وجبروت فرعون موسى- معظم المصريين اعتبروا ذلك إساءة ضد رموز الحضارة المصرية.

ولكن كما نستنكر فرعون موسى وعمله نستنكر هذا الفعل أيضًا، فكانت هناك رموز مصرية مؤمنة بالله الواحد فى عصره، وفى وسط زخم الأحداث نفسها نجد خطبة عظيمة من مؤمن آل فرعون فى سورة غافر، وكذا موقف زوجة فرعون وكذلك كهنة فرعون، وهذا مصدر فخر للمصريين أن فطرة أجدادهم الإيمان بالله، وإذا كان فينا فرعون واحد فمنا السيدة هاجر ومؤمن آل فرعون وأمه وكهنة معابد فرعون وسحرة فرعون.

ملوك ورؤساء ونجوم من «هوليوود» فى الافتتاح التاريخى للمتحف الكبير

فى الثالث من يوليو المقبل ستكون مصر على موعد مع التاريخ بحفل افتتاح المتحف المصرى الكبير، بعد سنوات من العمل الدءوب لإنجاز أكبر متحف أثرى فى العالم، حيث سيقف الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى هذا اليوم، ليستقبل ضيوفه من ملوك ورؤساء العالم، مقدمًا للإنسانية أضخم مشروع ثقافى فى القرن الحادى والعشرين.

وتواصل اللجنة العليا المنظمة لحفل الافتتاح اجتماعاتها المكثفة، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، حيث يتم التنسيق بين مختلف الوزارات والجهات المعنية، لضمان خروج الحدث بأفضل صورة تليق بمكانة مصر التاريخية والثقافية.

وتتولى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تنظيم حفل الافتتاح، الذى سيشمل، من بين فعاليات كثيرة، عروضًا فنية وموسيقية عالمية، بمشاركة أوركسترا سيمفونية ضخمة، إلى جانب استعراضات مستوحاة من الحضارة الفرعونية تحكى قصة مصر عبر العصور، مع استخدام أحدث تقنيات العرض الضوئى لإضفاء لمسة إبداعية على واجهة المتحف وأهرامات الجيزة، فى مشهد بصرى سيبهر العالم.

وتتوقع الدولة حضور عدد كبير من الملوك والرؤساء وكبار الشخصيات السياسية والثقافية من مختلف دول العالم، إضافة إلى مديرى المتاحف العالمية الكبرى، وممثلين عن منظمة اليونسكو والمنظمات الثقافية الدولية، فضلًا عن رؤساء كبرى الشركات العالمية.

كما تم توجيه دعوات خاصة لعدد من نجوم هوليوود والمشاهير العالميين الذين أبدوا اهتمامًا كبيرًا بالحضارة المصرية، ومن المتوقع أن يشارك فنانون عالميون فى الحفل من خلال عروض موسيقية وفنية خاصة.

ويستهدف القائمون على الحدث أن تكون مصر خلاله فى بؤرة اهتمام العالم، إذ سيتم نقل الحفل عبر القنوات التليفزيونية العالمية، إضافة إلى تغطية إعلامية مكثفة من كبرى الصحف والمنصات الرقمية، وقد أكد الرئيس ضرورة بذل كل الجهد، وتكثيف الاستعدادات لخروج هذه الفعالية على مستوى يليق بوضعية وتاريخ مصر، ودون تحميل موازنة الدولة أى أعباء.

ولن تقتصر الاحتفاليات على محافظتى القاهرة والجيزة، بل ستكون هناك فعاليات فى عدد من محافظات الجمهورية، وستكون هناك استعدادات أمنية ولوجستية على أعلى مستوى، مع رفع مستوى الجاهزية والاستعداد لأعلى مستوى فى المطارات التى ستستقبل الحضور من ضيوف مصر، فضلًا عن مسارات التحرك من وإلى المتحف المصرى الكبير، ووسائل النقل الجماعى المختلفة، وفنادق الإقامة.