الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

تحقيق تاريخى من واقع البرديات والوثائق.. الحضارة المصرية عمرها 35 ألف عام

حرف

- بردية تورين تشير إلى ملوك مصر فى عصر ما قبل الأسرات ويرجع حكمهم إلى 33 ألف عام

- الكاهن والمؤرخ المصرى مانيتون صاحب كتاب «تاريخ مصر»: هناك 33 ألف عام مفقودة قبل حكم نارمر

- طوفان نوح أغرق أى مظاهر حضارية لـ«الفترة المفقودة» من عمارة وفنون وغيرهما

ربما لا يعرف كثيرون أن هناك فترة مفقودة فى تاريخ مصر القديمة عمرها 33 ألف عام قبل الميلاد، أشارت إليها «بردية تورين»، المحفوظة بالمتحف المصرى فى إيطاليا، وكذلك كتابات المؤرخ المصرى مانيتون، وهو نفسه الذى وضع تاريخ الأسرات الذى نعترف به.

وسبب عدم الاعتراف بهذه الفترة هو غياب أى مظاهر حضارية لها من عمارة وفنون وغيرهما، رغم أنها تاريخ موثّق، ومن ثم يتم الاعتراف بالعمر الحقيقى للحضارة المصرية 5 آلاف عام، تبدأ باكتشاف اللوحات العاجية، التى اكتشفها العالم الألمانى جونتر دراير، فى مقبرة الملك العقرب الأول UJ فى أم الجعاب فى أبيدوس، والتى ترجع إلى عصور ما قبل الأسرات «عصر نقادة» حوالى 3200 قبل الميلاد. 

إذن ما هى حكاية الحضارة المفقودة؟.. ولماذا أطلق عليها هذا الاسم؟ 

الصفحة الثامنة من العدد الثانى والعشرين لحرف

رحلة التحقيق

تشير بردية تورين- التى اكتشفها العالم الإيطالى برناردينو دوروفين عام ١٨١٨ فى البر الغربى بالأقصر، وتعود إلى عام ١١٥٠ق.م فى عهد رمسيس الثانى، وكتبت بالخط الهيراطيقى، ويبلغ طولها ٢٥٧ سم- إلى وجود ٣٣ ألف عام قبل الميلاد من عمر الحضارة المصرية.

وقد ذكر الدكتور رمضان عبده، أستاذ التاريخ المصرى القديم، فى كتابه «رؤى جديدة فى تاريخ مصر القديمة»، أن هذه البردية تعد من المصادر الأساسية التى يعتمد عليها علماء المصريات فى تحديد فترات حكم الذين حكموا مصر فترة ما قبل الأسرات وحكام عصر الأسرات حتى الأسرة الـ١٨، ويبلغ عددهم ٣٠٠ ملك، ولأهمية هذه البردية فإنها تسجل ليس فقط سنوات الحكم بل تسجل أيضًا الشهر واليوم.

وينوه الدكتور عبدالرحيم ريحان، خبير الآثار عضو المجلس الأعلى للثقافة بلجنة التاريخ والآثار، بما هو معروف فى تاريخ مصر القديمة ويكاد يجمع عليه العلماء بأن عمر الحضارة المصرية القديمة يرجع إلى حوالى ٣٥٠٠ ق.م، وإذا أضفنا إليها ٢٠٢٤ بعد الميلاد يكون عمر الحضارة الآن ٥٥٢٤ عامًا، بدايتها توحيد القطرين على يد الملك مينا «نارمر» ٣٢٠٠ سنة ق.م، وما قبلها كانت مجتمعات متفرقة ترجع إلى ٥٠٠٠ سنة ق.م «نقادة والبدارى» وغيرها.

لكن بردية تورين أشارت إلى ملوك مصر فى عصر ما قبل الأسرات ويرجع حكمهم إلى ٣٣ ألف عام، بينما رصد الكاهن والمؤرخ المصرى مانيتون، الذى عاش أيام بطليموس الأول والثانى، فى كتابه «تاريخ مصر»، التاريخ فى مصر منذ أقدم العصور حتى عام ٣٢٣ قبل الميلاد بالاعتماد على سجلات المعابد المصرية، وقسّم الأسر إلى ٣١ أسرة موزعة: دولة قديمة ووسطى وحديثة.

ونفس الكاهن- الذى نعترف بالتاريخ الذى رصده- يذكر أن عصر الأسرات هو العصر الأخير فى الحضارة المصرية، وأن هناك ٣٣ ألف عام مفقودة قبل حكم نارمر، وبالتالى يؤيد ما جاء فى بردية تورين.

أما المؤرخ اليونانى هيرودوت- الذى عاش فى القرن الخامس قبل الميلاد- فذكر واقعة غريبة حين زيارته لمدينة «أون» وقابل مجموعة من كبار الكهنة المصريين وسألهم عن العمر الحقيقى للحضارة المصرية، فقال أحدهم، وهو يشير إلى الشمس، بأنها أشرقت مرتين وغربت مرتين، وسجل الإجابة الغريبة ولم يفهمها، وهى بالطبع تشير إلى وجود حضارة سابقة تمتد إلى زمن سحيق.

وتقول الكاتبة الفرنسية لوسى لامى، فى كتابها «إضاءة جديدة على المعرفة الروحية القديمة- الألغاز المصرية»، إن بردية تورين سجلت فترتين من تاريخ مصر ما قبل وما بعد الأسرات، ونقل ديودورس الصقلى، المؤرخ اليونانى الذى عاش فى القرن الأول قبل الميلاد، عن «مانيتون» أن هناك ٣٣ ألف عام قبل الأسرات بعصور ما قبل التاريخ.

ويشير الدكتور عبدالرحيم ريحان إلى أنه من خلال بردية تورين وكتابات مانيتون وعشرات المؤرخين فقد تم تقسيم عصور ما قبل الأسرات كالآتى:

= فترة الملوك الآلهة أو أشباه الآلهة من ٣٦ ألفًا إلى ١٧ ألفًا قبل الميلاد.

= فترة الحكام النوريين أو المبجلين من ١٧ ألفًا إلى ١٥ ألفًا قبل الميلاد.

= فترة ملوك العهد من ١٥ ألفًا إلى ١٠٠٠ قبل الميلاد.

= فترة أتباع حورس أو شمسو حور من ١٠٠٠ إلى ٥٠٠ قبل الميلاد.

= فترة الملوك من ٣٢٠٠ إلى ٣٠٥ قبل الميلاد حضارة ما قبل وما بعد الطوفان.

وفى بحث للدكتورة إيمان السيد خليفة، الأستاذ بقسم الآثار المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، بعنوان «أقدم أوانى فخارية فى مصر.. فخار سبخة نبتة خلال فترة الهولوسين»، أكدت أن الحضارة المصرية عمرها ١٠ آلاف عام من خلال دراسة فخار منطقة سبخة نبتة الواقعة فى صحراء مصر الغربية، الذى تم تأريخه بحوالى ١٠ آلاف عام، وبالتالى فإن عمر الحضارة المصرية طبقًا للمظاهر الحضارية الباقية يتأرجح ما بين ٥ و١٠ آلاف عام.

وبناءً عليه يؤكد الدكتور ريحان أن الفترة التى تفتقد إلى مظاهر حضارية فى تاريخ مصر القديمة، رغم تدوينها، هى فترة ما قبل طوفان نبى الله نوح- الذى حدث تقريبًا كما ذكر المؤرخون عام ٥٠٠٠ قبل الميلاد- وقد أغرق كل المظاهر الحضارية لما قبله، وبالتالى أصبحت لدينا حضارة فعلية مسجلة ولكن مندثرة، عدا بقايا بسيطة منها، وهو فخار نبتة مثلًا الذى يعود إلى ١٠ آلاف عام، وبالتالى فإن الحضارة المصرية ما بعد الطوفان هى الباقية بمظاهرها الحضارية وما قبل ذلك أغرقه الطوفان. 

ويدلل على ذلك بوجود ٨ أنبياء فى مصر كواقع دينى فى الكتب المقدسة ولهم مظاهر حضارية وآثار باقية، مثل صوامع الغلال التى اكتشفها الدكتور عبدالعزيز صالح عام ١٩٨٣ ونشرها فى مجلة JEA ، رابطًا بينها وبين نبى الله يوسف، وفوطيفار فى اللغة العبرية يقابل «با- دى- با- رع» فى الهيروغليفية ومعناه «الذى وهبه الإله رع».. ويعتقد أن هذا الاسم اختصار للاسم الكامل بوتيفارع.

موقع سفينة نوح

وكان فوطيفار مدير الشرطة فى مقاطعة عين شمس، وهى مركز العبادة الرئيسى للإله رع منذ بداية التاريخ المصرى القديم حتى نهاية عصر الانتقال الثالث، ومن عهد نبى الله موسى آثار باقية، مثل عيون موسى وشجرة العليقة الملتهبة وجبل موسى وجبل التجلى، ولكن لم يدون أخبارها الكهنة، وهم الذين يكتبون تاريخ مصر بإملائه على الكتبة لتعارضها مع مصالحهم الدينية، لدعوة الأنبياء جميعًا لعبادة الله الواحد الأحد، وقد حارب الكهنة أحد ملوك مصر، وهو «إخناتون» الذى دعا لعبادة إله واحد، وهو قرص الشمس، فما بالك بالأنبياء، أنبياء الله.

أما الأنبياء الذين جاءوا إلى مصر فهم: أنبياء الله إدريس وإبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وعيسى، عليهم السلام، وقد حضر نبى الله إدريس الفترة المفقودة فى الحضارة المصرية ما قبل الطوفان، وكان أول من أعطى النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام، وأول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم ٣٠٨ أعوام، وقال معظم المفسرين بميلاده فى مصر، وأسموه هرمس الهرامسة ومولده بمدينة منف (ميت رهينة حاليًا)، وهو أول من علم النجوم واجتماع الكواكب وعدد السنين والحساب، ومن المعروف أن قدماء المصريين برعوا فى علم الفلك وسبقوا كل الحضارات القديمة، بل وبرعوا فى الكتابة.

وهنا نشير إلى بطاقات أبيدوس العاجية- التى اكتشفها العالم الألمانى جونتر دراير فى مقبرة الملك العقرب الأول فى أم الجعاب فى أبيدوس- وهى أقدم حروف هجائية فى العالم، وترجع إلى عصور ما قبل الأسرات «عصر نقادة حوالى ٣٢٠٠ قبل الميلاد».

وطبقًا لمعتقدات المصريين القدماء، فإن الإله «جحوتى- تحوت»، الذى مثّل بطائر أبومنجل وأحيانًا قرد البابون، هو من اخترع اللغة وأول من خط بالقلم باعتباره إلهًا للكتابة والمعرفة، وقد رأوا أن جحوتى قد خلق الأصوات التى تكوّن الكلمات، ومن ثم اللغة، وكان أول من كتب على الإطلاق، وبالتالى فإن هناك نبوغًا مصريًا فى الكتابة والفلك فى الحضارتين ما قبل الطوفان وما بعده.

بردية تورين

سر طوفان نوح

أغرق الطوفان الذى حدث فى أيام سيدنا نوح، عليه السلام، كل الأرض فى ذلك الوقت، وبذلك فهو الحد الفاصل بين حضارة مندثرة ما قبل الطوفان وحضارة قائمة ما بعد الطوفان.. لكن لماذا لم يغرق الهرم والآثار المصرية القديمة؟ 

الإجابة من خلال ما ذكر فى الكتاب المقدس فى سفر التكوين والروايات الدينية والتاريخية التى تؤكد أن الطوفان قد حدث تقريبًا عام ٥٠٠٠ قبل الميلاد، وهو تاريخ يأتى بعد بناء الهرم الأكبر بعدة قرون، وبالتالى فإن الحضارة المصرية القديمة من حضارات ما بعد الطوفان.

وحضارات ما بعد الطوفان- كما جاءت فى القرآن الكريم- أولها قوم عاد بالأحقاف باليمن فى سورة الأعراف آية ٦٩ «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ»، ثم تلاهم ثمود فى سورة الأعراف ٧٤ «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا».. وما زالت حضارة ثمود بشمال الجزيرة العربية بمنطقة مدائن صالح المسجلة تراثًا عالميًا استثنائيًا باليونسكو، وهى المساكن التى سكنها الأنباط بعد ذلك، وبدأت حضارة الأنباط منذ القرن السادس قبل الميلاد حتى عام ١٠٦م بنهاية دولتهم رسميًا على يد الإمبراطور تراجان، وكانت عاصمتهم البتراء بالأردن ولهم آثار عديدة بسيناء.

وتعد الحضارة المصرية القديمة هى الحضارة الثالثة الباقية بعد الطوفان كما ذكر فى القرآن الكريم فى سورة الفجر آيات من ٧ إلى ١٠ «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِى (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوْتَادِ (١٠)»، وهذا يؤكد أن الحضارة المصرية من حضارات ما بعد الطوفان.

وهناك آراء أشارت إلى وجود حضارتين فى مصر ما قبل الطوفان؛ حيث عاش نبى الله إدريس، وما بعد الطوفان، وهى الحضارة الباقية حتى الآن التى نجت من الغرق.

كما أن هناك مصادر تاريخية أشارت إلى نسبة مصر إلى مصرايم بن حام بن نوح، أحد أحفاد نبى الله نوح، عليه السلام، الذى سكن مصر بعد الطوفان، وبذلك يكون جد المصريين الأكبر هو حام بن نوح، وكان مصرايم لديه ٤ أبناء ذكور، هم: قفط، وأشمن، وأتريب، وصا، وترجع تسمية مدينتى أشمون وقفط إلى ابنى مصرايم قفط وأشمن، وهما من أقدم مدن مصر، وكل من على وجه هذه الأرض اليوم من سائر أجناس بنى آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة الباقين (سام وحام ويافث).