المطرب الكبير محمد الحلو: عمار الشريعى ابن نكتة وقلب بيلحن وملهوش خليفة
«وعد ومكتوب عليا ومسطر على الجبين لاشرب م الحب حبة وأنزل بحر المحبة وأسكن حضن الأحبة والناس الطيبين»، لم يكن يعلم الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم وهو يسطر تلك الكلمات العذبة أنها ستتحول فى يوم من الأيام إلى شبه نشيد قومى لمحافظة الإسكندرية، كلمات كتبها نجم، ولحنها الشريعى ولم يتبق سوى الصوت المصرى الأصيل ليغنيها ويطرب بها الملايين، ومَن لها إلا «محمد الحلو» ابن البلد، ليغلف بها رائعة أسامة أنور عكاشة مسلسل «زيزينيا» ويحولها إلى أيقونة خالدة يتغنى بها أبناء عروس البحر المتوسط وينتظرون سماعها، كما قال المطرب الكبير فى الحوار التالى..
■ فى البداية.. كيف كانت انطلاقة مسيرة تعاونك مع الموسيقار عمار الشريعى؟
- علاقتى مع عمار تمتد لأكثر من أربعين عامًا، وبالتحديد أواخر السبعينيات، منذ أن كان عمار عازفًا على آلة الأوكورديون، ثم تحول إلى عازف أورج، ومنها اتجه إلى التلحين والتوزيع، ولكن الانطلاقة الحقيقية وبداية العمل المشترك بيننا كانت عام ١٩٨٢ فى مسلسل «أديب» بطولة الراحل نور الشريف والفنانة نورا، وهو من الأعمال العظيمة فى تاريخ الدراما المصرية العربية، حيث جمع كل عناصر ومقومات النجاح، من أبطاله، ومؤلفه الأديب الكبير طه حسين وسيناريو الرائع محمد جلال عبدالقوى، وإخراج يحيى العلمى، وبالطبع اكتملت المنظومة بكلمات الشاعر سيد حجاب لتتر المسلسل وألحان عمار الشريعى التى شُرفت بغنائها، حينها كوّن عمار كورال غناء التتر مع فرقة الأصدقاء الشهيرة حينها.
■ شكلت مع عمار الشريعى والمطرب على الحجار والشاعر الكبير سيد حجاب ما يشبه بالمربع الذهبى فى تاريخ الدراما المصرية.. كيف تقيم تلك المسيرة؟
- عمار الشريعى كان مختلفًا للغاية عمن سبقوه أو حتى ظهروا معه، كانت له بصمته المميزة والمختلفة التى لم ولن تتكرر فى تاريخ الفن والدراما المصرية بل والعربية، عمار الشريعى لم يكن موسيقارًا بالمعنى المهنى المفهوم، بل كان «قلب بيلحن»، موسيقاه كانت بها أصالة لا مثيل لها، مسيرتى وأعمالى معه لا يمكن نسيانها وأعتبرها محطة رئيسية فى حياتى إن لم تكن المحطة الأهم، أعمال عديدة شكلت منظومة متكاملة من النجاح كنت مع الشريعى أحد عناصرها مع الشاعر الكبير سيد حجاب أو الشاعر المخضرم أحمد فؤاد نجم.
■ حدثنا عن أقرب الأعمال المشتركة مع الشريعى إلى قلبك؟
- العديد والعديد ويصعب حصرها، ولكن على سبيل المثال تتر مسلسل زيزينيا له مكانة خاصة فى قلبى، فمنذ عرض المسلسل للفنان الكبير يحيى الفخرانى والمخرج جمال عبدالحميد والمؤلف أسامة أنور عكاشة، وجدت المعجبين فى الشوارع والحفلات تطلب منى بالتحديد غناء عمار يا إسكندرية، وإلى الآن حينما أذهب إلى الإسكندرية أو بورسعيد أجد الجماهير تطالبنى بها، الأغنية واللحن سكنت قلوب المصريين، وكذلك تتر مسلسل حلم الجنوبى بطولة الفنان صلاح السعدنى للمخرج جمال عبدالحميد أيضًا والمؤلف محمد صفاء عامر، من أهم الأعمال التى أعتز بها.
■ كيف كان يتم اختيارك لغناء ألحان الشريعى؟
- بشكل مباشر من الموسيقار الراحل، حيث كان يدرك إمكاناتى جدًا ويعرف الكلمات واللحن المناسب لصوتى، وكان يرسل لى الكلمات والألحان على شريط كاسيت أسمعها فى البداية استعدادًا للغناء.
■ حدثنا عن كواليس الشريعى أو عاداته أثناء البروفات؟
- مكانش بيقعد فى مكان، يظل واقفًا فى الاستوديو أثناء التسجيل ولا يتدخل على الإطلاق فى شكل الغناء، بل كان يطلب أحيانًا تكرار الغناء لسماع مقاطع معينة، وله جملة لا أنساها دائمًا فى نهاية التسجيل «مفيش أحسن من كده».
■ هل هناك لحن ندمت على عدم غنائه للشريعى؟
- لا يُعد ندمًا بالمعنى المعروف، ولكنه النصيب، أذكر أنه اتصل بى هاتفيًا أثناء التحضير لتتر مسلسل أرابيسك يخبرنى بضرورة الاستعداد والحضور فورًا لغناء تتر المسلسل، ولكنى اعتذرت حيث كنت موجودًا حينها فى باريس ولم أستطع العودة، وكان عامل الوقت مهمًا للغاية ويحتاج للتسجيل سريعًا لخوض المسلسل الموسم الرمضانى، ليقع اختياره على حسن فؤاد الذى قدم عملًا رائعًا وناجحًا كسر الدنيا وقتها.
■ لو انتقلنا إلى عمار الشريعى الصديق.. كيف كانت شكل علاقتكما؟
- الشريعى من ظرفاء مصر وراجل ابن نكتة وكنت دائمًا أناديه بـ«عُميرة»، من يرافقه فى رحلة أو جلسة لا تخلو من الضحك والدعابات والإيفهات والتعليقات الساخرة، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب فى حياة الشريعى لا يعرفه أحد، حيث كان شخصًا محبًا لأعمال الخير والمواقف الإنسانية التى كان يرفض الإفصاح عنها طيلة حياته وأوصى بعدم الحديث عنها فى أى وقت، بل كنت أعلمها من أطراف خارجية واتفاجأ بها على الرغم من قُربى منه وعلاقتى به.
■ هل لك موقف طريف تتذكره جمعك مع الشريعى؟
- مواقف عديدة، رحلتنا بدأت منذ نصف قرن وامتدت حتى وفاته، ولعل أشهر موقف كان فى إحدى حفلات بقاعة المؤتمرات وكان حفلًا ضخمًا وأثناء نزول عمار الشريعى من على المسرح توجهت إليه مسرعًا لمساعدته فى النزول لتتعرقل قدماى وأسقط على الأرض، حينها صرخ الشريعى بأصوات ضحك عالية «جيبتك يا عبدالمعين تعينى لاقيتك يا عبدالمعين عايز تتعان»، لتضج القاعة بالضحك على الموقف، من الآخر تقدر تقول عمار مكانش بيستر.
■ من يصلح أن يكون امتدادًا للشريعى من وجهة نظرك؟
- لا يوجد امتداد أو خليفة لأحد على الإطلاق، لكل فنان ولكل شخص من الأساس بصمته الخاصة التى خلقها الله بها ولم ولن تتكرر، ولكن مصر مليئة بالمواهب ولن تنضُب ولكنها مختلفة ولكل منهما شكل مميز عن الآخر.