كيف أنقذ هيكل نفسه من ورطة «آيات شيطانية»؟
كان الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل فى زيارة عمل إلى لندن، وهو فى طريقه نحو بوابة الخروج إلى الطائرة العائدة إلى القاهرة مرّ بإحدى المكتبات ليلقى نظرة على أحدث الكتب، لفت نظره رف رُصت عليه نسخ من قصة جديدة للكاتب الهندى المسلم سلمان رشدى عنوانها «آيات شيطانية».
اشترى هيكل نسخة من الرواية ووضعها فى حقيبته.
لم يكن سلمان رشدى كاتبًا مجهولًا بالنسبة لهيكل، كان يعرفه جيدًا، التقى به عدة مرات فى مكتب ناشره البريطانى وقتها «أندريه دويتش»، وبحديثه معه لاحظ تأثره بالكاتب الكولومبى «جابرييل جارثيا ماركيز»، وكان قد قرأ له قصته «أبناء منتصف الليل» التى تدور وقائعها فى أجواء المأساة الإنسانية التى جرت بعد تقسيم الهند الأصلية إلى هند وباكستان عام ١٩٤٦، وقد يكون إعجاب هيكل بـ«أبناء منتصف الليل» هو الذى دفعه إلى اقتناء «آيات شيطانية».
لم يتمكن هيكل من قراءة الرواية، شغلته قراءات سياسية وجدها أولى، وقرر أن يضم القصة إلى قراءات أدبية أخرى موعدها إجازة الصيف على شاطئ البحر.
الخمينى زعيم الثورة الإيرانية أصدر فتوى يهدر فيها دم سلمان رشدى
بعد شهور من هذه الواقعة سمع هيكل عن مظاهرات غاضبة بدأت فى لندن ضد سلمان رشدى وقصته «آيات شيطانية»، نظمها ضده مسلمون من البنغال يعيشون فى بريطانيا، احتجوا على مشاهد وعبارات وردت فيما كتبه رشدى فى روايته وجدوا فيها إساءة إلى سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وإلى الوحى، وإلى غير ذلك من مقدسات المسلمين.
اعتقد هيكل أن هذه المظاهرات مثلها مثل غيرها من مظاهرات لندن الاحتجاجية التى تأتى تعبيرًا عن رأى أو تنفيسًا عن غضب، لكنه تنبه إلى أن الأمر مختلف حين قرأ أن آية الله الخمينى، زعيم الثورة الإيرانية، أصدر فتوى يهدر فيها دم سلمان رشدى، متهمًا إياه بالكفر والزندقة.
فى لحظة تحول هيكل بغريزته الصحفية من متابع للحدث إلى جزء منه.
ومن هنا يمكننا أن نمسك ببداية جديدة للقصة.
سأل هيكل عن خلفيات فتوى الخمينى، فعرف أن بعض الشباب من أصول هندية بعثوا إليه بسؤال يطلبون فيه رأيه فى تصرف رجل من بينهم تجاوز كل حد وكتب قصة ترد فيها مشاهد وحوارات، أرفقوا نماذج منها، مع طلبهم الفتوى فى شأنها.
نظر الخمينى فيما تلقى ولم يُعره اهتمامًا فى البداية، ولكن استمرار المظاهرات ضد القصة واتساع نطاقها من لندن إلى دكا جعل الخمينى يغير رأيه وحساباته، فقد رأى- كما يرى هيكل- أنها فرصة لحشد مشاعر العالم الإسلامى ضد طاغوت الغرب واستكباره.
رشدى صرح لوسائل إعلام متعددة بأنه آخر إنسان يمكن أن يسىء إلى الإسلام
أصدر الخمينى فتوى رأى فيها أن سلمان رشدى يقع تحت طائلة باب خاص فى مباحث الشريعة الإسلامية هو «سب النبى»، وهو باب له فقه وأحكام تتوازى مع أحكام الرِدة عن الإسلام والكفر بتعاليمه بعد الإيمان.
قدم هيكل قراءة خاصة لفتوى الخمينى أعتقد أن آخرين لم يصلوا إليها حتى الآن.
فلم يكن الخمينى قد سمع شيئًا عن سلمان رشدى قبل هذه الرواية، لم يقرأ له إلا الكتابات المستخرجة من «آيات شيطانية»، لكنه بتجربته العتيقة والعميقة قدر بنظرة السياسى أن هناك ثغرة تفتحها الضجة القائمة حول القصة لترسيخ مكانة الفقيه، وبنظرة الفقيه وجدها فرصة لتحقيق أغراض السياسى.
تحول الاعتراض على الرواية بعد فتوى إهدار الدم التى أعلنها الخمينى على صاحب الرواية فى فبراير ١٩٨٩ إلى حالة تعبئة إسلامية عامة، سرعان ما أصبحت عاصفة عاتية من الاحتجاج عابرة للقارات والمحيطات.
أصبحت الرواية بهذه الفتوى حجة لمواجهة جديدة بين الإسلام أو من يمثلونه والغرب ومن يتحدثون باسمه.
فى جهة من يمثلون الإسلام وقف الخمينى ونظام الثورة الإيرانية وجماهير فى الشارع الإيرانى اعتبرت فتوى الفقيه مرجعية لها مقامها، ثم مظاهرات إسلامية راحت تنتشر من لندن إلى مدن آسيا، ثم ترتد عائدة من الأجزاء الآسيوية لتحرك كتلًا من البشر فى بلدان أوروبية يعيش فيها مسلمون، ثم تكر راجعة إلى بلدان مسلمة بينها معظم العواصم العربية.
وفى جهة الغرب كان هناك الإعلام فى بريطانيا ثم الولايات المتحدة، وانفجرت نغمة عزف عليها الجميع كانت تقول إن التعصب الإسلامى وضيق الأفق يريد أن يفرض تزمته على عصور مستجدة، ثم هو العدوان على كل الحقوق ابتداء من الحق فى الخيال الأدبى إلى الحق فى حرية النشر وصولًا إلى الحق فى الحياة.
زادت الأوضاع حرجًا عندما أعلنت جمعية أهلية فى إيران عن أنها تعتبر نفسها مكلفة شرعًا بتنفيذ فتوى الإمام، وأخذ الغرب من هذا الإعلان دليلًا على أن الإرهاب يعيد محاكم التفتيش التى تقتحم عقول الناس وتلقى القبض على ضمائرهم.
اشتعلت المواجهة أكثر.
إيران تطلب من كل مسلم أن يغضب لنبى الإسلام ورسول الله.
والغرب يطلب من كل إنسان أن ينتصر للحرية فى كل تجلياتها السياسية والأدبية والفنية، وكان الجزء الأكبر من اهتمام الغرب بما يطلبه انتصارًا للحرية موجهًا إلى العالم الإسلامى بضرورة أن يختار هذا العالم الطامح إلى الالتحاق بالعصور الحديثة موقفه هذه اللحظة، وبأعلى صوت: هل هو مع الجهل والتعصب أو مع العلم والحرية؟
ناشر هيكل فى لندن طلب منه وضع اسمه فى بيان تضامنى مع سلمان رشدى
عند هذه اللحظة وجد هيكل نفسه فى قلب المعركة، وعليه هو الآخر أن يحسم موقفه، هل يكون فى صف إيران أم فى صف الغرب؟
ذات صباح تلقى هيكل اتصالًا تليفونيًا من ناشره فى لندن «أندريه دويتش» ووجده يقول له: إن رئيس مجلس إدارة شركة «فايكنج» التابعة لمؤسسة «بنجوين»، التى نشرت قصة «آيات شيطانية»، يطلب منه إذنًا بوضع اسمه ضمن عدد من الكتّاب على بيان يؤيدون فيه حق سلمان رشدى فى التعبير عن نفسه، ثم يدينون فى نفس الوقت تعصب إيران الجاهل بقيم الحرية وسلطان الأدب والفكر.
كان «أندريه» قد استمهل رئيس مجلس إدارة «بنجوين» حتى يتصل بهيكل فى القاهرة، وبعدها يسمح له نيابة عنه بوضع اسمه على البيان المقترح.
تمهل هيكل وطلب من «أندريه» أن يعطيه فرصة لقراءة القصة قبل البت برأى، فوجد ناشره يسأله: هل تحتاج إلى قراءة نص أدبى كى تؤيد حق كاتبه فى التعبير عن نفسه؟
رد هيكل بقناعة: الأمر لم يعد الآن مجرد نص أدبى، وإنما تحول إلى قضية سياسية، وبما أن اسمى سوف يكون الاسم العربى المسلم تحت البيان المقترح ضمن عشرة أسماء من جنسيات وديانات أخرى، فأبسط الضرورات أن أقرأ النص، وأتعهد بأن أتفرغ للمهمة هذا المساء وأرد عليك برأيى غدًا.
بدأ هيكل فى قراءة القصة على الفور.
عندما بدأ القراءة تعرف من الصفحات الأولى على المصدر الذى استمد منه سلمان رشدى إطار قصته، وهو بالفعل إطار لا يستطيع أن يتمثله غير دارس للتاريخ الإسلامى عارف بدخائله، وبينها رواية «الغرانيق» المشهورة التى دار حولها جدل عنيف حتى فى أيام الرسول ذاته ومن بعده.
تحول هيكل من كاتب سياسى إلى باحث فى التراث الإسلامى.
عرف أن رواية «الغرانيق» والجدل الذى دار حولها مسألة استوقفت الكثيرين من كتّاب السيرة طوال أربعة عشر قرنًا، وتصدى للبحث فيها مئات المؤرخين والدارسين، ابتداء من ابن إسحاق وابن سعد إلى أحمد أمين ومحمد حسين هيكل باشا.
بحث هيكل عن كتاب «حياة محمد» لمحمد حسين هيكل، وفتح الفصل السادس من الكتاب، وبدأ يقرأ ليعرف، وكان هذا ما استقر عليه.
حديث الغرانيق الذى أورده ابن سعد فى «الطبقات الكبرى»، والطبرى فى «تاريخ الرسل والملوك»، كما أورده كثير من المفسرين المسلمين وكتّاب السيرة، والذى أخذ به جماعة المستشرقين ووقفوا يؤيدون طويلًا أن محمدًا لما رأى تجنب قريش إياه وأذاهم أصحابه تمنى فقال: ليته لا ينزل علىّ شىء ينفرهم منى، وقارب قومه ودنا منهم ودنوا منه، فجلس يومًا فى نادٍ من تلك الأندية حول الكعبة، فقرأ عليهم سورة «النجم» حتى بلغ قوله تعالى «أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى»، فقرأ بعد ذلك «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى»، ثم مضى وقرأ السورة كلها وسجد فى آخرها.
هنالك سجد القوم جميعًا لم يتخلف منهم أحد، وأعلنت قريش عن رضاها عما تلا النبى.
وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، أما إذا جعلت لها نصيبًا فنحن معك، وبذلك زال وجه الخلاف بينه وبينهم، وفشا أمر ذلك فى الناس حتى بلغ الحبشة، فقال المسلمون بها: عشائرنا أحب إلينا، وخرجوا راجعين، فلما كانوا دون مكة بساعة من نهار لقوا ركبًا من كنانة فسألوهم، فقالوا: ذكر آلهتكم بخير فتبعه الملأ، ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم فعادوا له بالشر، وأتم المسلمون ما يصنعون، فلم يطيقوا عن لقاء أهلهم صبرًا فدخلوا مكة.
والثابت فى مختلف الروايات أن محمد ارتد عن ذكر آلهة قريش بالخير لأنه كبر عليه قولها: أما إذا جعلت لآلهتنا نصيبًا فنحن معك، ولما جلس فى بيته حتى إذا أمسى أتاه جبريل فعرض عليه النبى سورة النجم.
قال له جبريل: أو جئتك بهاتين الكلمتين؟
فقال محمد: قلت على الله ما لم يقل.
فأوحى إليه «وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذًا لاتخذوك خليلًا، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا، إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرًا»، وبذلك عاد يذكر آلهة قريش بالشر ويسبهم، وعادت قريش لمناوأته وإيذاء أصحابه.
فى بعض الروايات أن هذا حديث ظاهر التهافت ينقضه قليل من التمحيص، فهو حديث ينقض ما لكل نبى من العصمة فى تبليغ رسالات ربه، فمن عجب أن يأخذ به بعض كتّاب السيرة وبعض المفسرين المسلمين، ولذلك لم يتردد ابن اسحاق حين سُئل عنه أن قال: إنه من وضع الزنادقة.
أما الذين أخذوا بهذا الحديث وحاولوا تسويغه فقد استندوا إلى الآيات «وإن كادوا ليفتنونك» إلى قوله «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يُحكم الله آياته والله عليم حكيم، ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد».
فسّر بعضهم كلمة «تمنى» بمعنى «قرأ».
وفسّر آخرون بمعنى الأمنية المعروفة.
ويرى هؤلاء أن النبى بلغ منه أذى المشركين أصحابه، إذ كانوا يقتلون بعضهم ويلقون بعضًا فى الصحراء يلفحهم لظى الشمس المحرقة، وقد أوقروهم بالحجارة كما فعلوا ببلال، حتى اضطر إلى الإذن لهم فى الهجرة إلى الحبشة، كما بلغ منه جفاء قومه إياه وإعراضهم عنه، ولما كان حريصًا على إسلامهم ونجاتهم من عبادة الأصنام، تقرب إليهم وتلا سورة «النجم» وأضاف إليها حكاية الغرانيق، فلما سجد سجدوا معه، وأظهروا له الميل لاتباعه ما دام قد جعل لآلهتهم نصيبًا مع الله.
ويختم هيكل قراءته فى كتاب «حياة محمد» عند الفقرة التى تقول: ويضيف سير وليم موير حجة يراها بصحة حديث الغرانيق، ذلك أن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة لم يكن قد مضى على هجرتهم إليها غير ثلاثة أشهر، أجارهم النجاشى أثناءها، وأحسن جوارهم، فلو لم يكن قد ترامى إليهم خبر الصلح بين محمد وقريش لما دفعهم دافع إلى العودة حرصًا على الاتصال بأهلهم وعشائرهم، وأنّى يكون صلح بين محمد وقريش، إذ لم يسع إليه محمد، وقد كان فى مكة أقل نفرًا وأضعف قوة، وقد كان أصحابه أعجز من أن يمنعوا أنفسهم من أذى قريش ومن تعذيبهم إياهم.
من قراءاته رسخ فى يقين هيكل ما أثبته، ويتمثل فى الآتى:
أولًا: إن سيدنا محمد تمنى على الله أن يعطيه مخرجًا يكف أذى المشركين عن المؤمنين.
ثانيًا: إن سيدنا محمد فى تمنيه وسط ظرف عصيب أطبق على جماعته فى ذلك الوقت هُيئ له فيما يشبه الوحى أن الاعتراف بشفاعة آلهة قريش يمكن أن يخفف من غلواء القوم وعنادهم، وقد تمنى ذلك برأى نقل إليه عن زعماء قريش مؤاده «أما إذا جعلت لآلهتنا نصيبًا فنحن معك»، وهنا وقع الظرف الذى ظهر فيه النص الذى يقول «أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى»، ثم كانت الإضافة الموهومة بتكملة للآية تقول «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى».
ثالثًا: إن الله عاتب وحاسب رسوله فيما هُيئ له، فقد سأله جبريل عن حديث الغرانيق قائلًا له «أو جئتك بهاتين الكلمتين؟» وفهم الرسول من جبريل فقال مستغفرًا: «قلت على الله ما لم يقل»، وبعدها أوحى الله إليه «وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا».
رابعًا: بعدها نزلت الآية الواردة فى سورة الحج «فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يُحكم الله آياته».
خامسًا: والمعنى فى ذلك أنه كانت هناك آيات حاول فيها الشيطان ما حاول، ثم اقتضت حكمة الله «نسخ ما ألقى الشيطان» واتسعت رحمته فرفع عن رسوله محنة أن تفتنه قريش بحيث يفترى على الله بغير ما أوحى إليه لولا أن عصمه الله بهداه.
أدرك هيكل بمقارنة بسيطة بحديث الغرانيق كما جاء فى كتاب «حياة محمد»، وما جاء فى «آيات شيطانية» أن سلمان رشدى أخذ منه إطارًا لقصته، وقدر أنه قرر تطويعها لخياله والتوسع فيها كما يشاء هواه.
لم يكن هذا ما أخذه هيكل فقط على سلمان رشدى، توقف عند ما اعتبره شطحًا بعيدًا مع تصورات وصور حررت نفسها من كل محظور أو مقدس، حتى وصل به بالباطل إلى زوجات النبى فى فصل من القصة اختار له عنوان «عائشة».
لم ينتظر هيكل اتصالًا من ناشره «أندريه»، بادر هو إلى الاتصال به، وقبل أن يسأله الناشر عن موقفه أخبره هيكل باعتذاره عن وضع اسمه على البيان.
انزعج «أندريه» من تردد هيكل فى الانتصار لحق مؤلف، وسأله إن كان يمكن أن يتصل به رئيس مجلس إدارة «بنجوين» أو سلمان رشدى، وخلال نصف الساعة كان رئيس مجلس إدارة «بنجوين» يتحدث مع هيكل.
سأله عن السبب الذى دعاه إلى الامتناع عن المشاركة فى صد خطر مطبق على حربة الفكر والكتابة والنشر؟
قال له: هل رأيت الفيلم السينمائى «الغوايات الأخيرة للمسيح»؟ إن مؤلفه «نيكولاس كازانتزاكس» ومخرج الفيلم الذى اعتمد عليه «مارتن سكورسيزي»، كليهما صورا المسيح- حوارًا وفيلمًا- وهو مسمر على الصليب مدة زادت عن نصف الساعة «أى ثلث الفيلم كله» وفى هذه المساحة من الفيلم، فإن المسيح المصلوب خطرت على خياله أحلام إنسانية فيها أطياف جنس، وكان قصد الاثنين- مؤلف القصة ومخرج الفيلم- تأكيد أن المسيح إنسان، وهذا هو ما حاوله سلمان مع محمد.
دعم ما قاله رئيس مجلس إدارة «بنجوين» موقف هيكل، فقد تأكد له أن سلمان رشدى تأثر بالفيلم، وكان ذلك خاطرًا طاف بفكره أثناء قراءته الرواية، وخطر له أن ما يقرأه نص أراد به صاحبه- إسلاميا- أن يجارى آخرين سبقوه- مسيحيًا- خصوصًا وأن الضجة حول فيلم «الغوايات الأخيرة للسيد المسيح» سنة ١٩٨٥ كانت مدوية، لدرجة كفلت له حجمًا من النجاح يحرض على التقليد.
تمسك هيكل أكثر باعتذاره، فوجد سلمان رشدى يتواصل معه.
كان سؤال سلمان لهيكل محددًا: هل أنت مع أو ضد حرية الخيال وحق الكاتب فى الرحلة معه بغير إذن من الشرطى أو المفتى؟
رد هيكل: أنا لست ضد حرية الخيال، ثم إن اعتقادى بأن حرية الخيال رخصة لا يأذن بها الشرطى أو المفتى، وإننى لا أستطيع تفهم حرية الخيال فيما يتعلق بالآيات الشيطانية نفسها استنادًا- أو استغلالًا- لحديث الغرانيق، لكنى لا أستطيع ولست بالمتعصب فيما أرى أن أدافع عما ورد عن زوجات النبى كلهن- بالاسم- وبدون استثناء.
كان سلمان رشدى يريد تأييدًا من هيكل، كان هذا يعنى له الكثير، أرسل رسالة حاول فيها أن يضغط أكثر، قال فيها إنه لا يملك أى مثقف مهما كانت دعاواه أن يتخذ لنفسه موقفًا محايدًا فى قضيته، لأنها بذاتها الصراع بين قوى التنوير وقوى الظلام.
لم يلتفت هيكل، أنهى الأمر بإبلاغ رشدى أنه لن يوقع على البيان، وعليه فلا داعى إلى كل هذا الجدل، الذى أصبح يراه عقيمًا.
بدأ هيكل يرصد ما يجرى على الأرض.
الأزهر خرج برأى يعارض فتوى الخمينى حيث صرح بأن الشرع الإسلامى لا يقبل بتكفير سلمان رشدى
لفت انتباهه أن الأزهر خرج برأى يعارض فتوى الخمينى، حيث صرح المتحدث باسم المشيخة أن الشرع الإسلامى لا يقبل بتكفير سلمان رشدى، فليس فى الإسلام ما يسمح بهدر دم الناس دون محاكمة، خصوصًا إذا لم يكن الداعى جريمة قتل أو خيانة، إن مبدأ تكفير رجل بسبب آراء كتبها غير مقبول.
لم يتقبل هيكل موقف الأزهر ولا تصريحه، لذلك لم يتردد فى أن يصفه بأنه كان مدفوعًا ربما بتوجيه من السياسة، قالها ومضى دون أن يوضح أو يفصل ما يريده، لكنه لم يتجاهل ما قالته وكالات الأنباء العالمية تعليقًا على تصريح الأزهر بأنه يعبر عن خلافات عميقة الجذور بين السنة والشيعة.
فى ١٤ فبراير ١٩٨٩ صرح سلمان رشدى لجريدة «التيمس» البريطانية، قال: إن ما يقلقنى أشد القلق أن هؤلاء الذين يتظاهرون ضد الكتاب لم يقرأوه، إنهم يثورون ويحطمون ويحرقون الأعلام لسبب ليس له وجود بالنسبة لهم، ذلك أن كتابى لا يباع فى أى بلد إسلامى.
الأكثر من ذلك أن رشدى صرح لوسائل إعلام متعددة أنه آخر إنسان يمكن أن يسىء إلى الإسلام وهو الدارس المتعمق فى تاريخه، ثم إنه على العكس مما يقول أعداؤه يعتقد أنه خدم الإسلام، إذ أظهره كنزًا للفن ومستودعًا لرؤى جمالية بلا حدود.
الخلاف كان فى حقيقته سياسيًا، لذلك لم يتعجب هيكل عندما دخل الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب على خط الأزمة، وقال: كتاب سلمان رشدى يمكن أن يكون جارحًا، لكن التحريض على قتل المؤلف عمل لا يستطيع العالم المتحضر أن يسكت عليه.
كان كلام بوش محرضًا ومحركًا.
بعد ساعات من تصريحه، أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بيانًا قالت فيه: إن الحكومة الإيرانية عليها أن تقرر إذا كانت تريد علاقات طبيعية مع بقية العالم أم لا، وإذا كانت تريد علاقات طبيعية فأول ما يتعين عليها أن تفعله هو التبرؤ من هذه الفتوى التى تحرض المواطنين خارج إيران على التظاهر والعنف والقتل.
ظهرت واشنطن مرة أخرى، اعتبر البيت الأبيض أن الخمينى هو السلطة الأعلى فى نظام الثورة الإسلامية بوصفه مرشدها، وصدور الفتوى منه بردة سلمان رشدى عن الإسلام، وإهدار دمه يعتبر رعاية رسمية من الدولة الإيرانية للإرهاب وتصديرًا له، وإذا لم تتراجع الحكومة الإيرانية عن ذلك الموقف فسوف توضع على قائمة الدول المصدرة للإرهاب، ثم تطالها الإجراءات المقررة للدول الراعية للإرهاب، وهى واصلة إلى درجة العزل والحجر وما هو أشد وأقسى.
تحت ظلال هذا الخلاف رصد هيكل حالة التخبط التى أصبح سلمان رشدى عليه.
فهو مرة يتمسك بما قاله فى قصته، ومرة أخرى يعتذر عنه، وفى مرة ثالثة يقول لمنتقديه إنهم لو التفتوا بدقة إلى صياغة عباراته لاكتشفوا أنه قال ما قاله فى نصوص عمله الروائى، وهو فى وضع النائم يحلم، وهو بالطبع ليس مسئولًا عن الأحلام لا هو ولا غيره ممن تجيئهم الأحلام وهم نيام، فهل يعاقب رجل على ما يحلم به فى نومه.
المفاجأة أن سلمان رشدى صرح بأن ما ورد فى كتابه يمكن اعتباره ردة، ولأنه لما رأى الحق تاب إلى الله وعاد لإشهار إسلامه على الملأ أمام جمع من المسلمين، وكان بعض هؤلاء العلماء قد قاموا فى لندن بمحاولة للحد من ضرر الحملة التى لحقت بالإسلام من وجهة نظرهم، ووقف رشدى أمامهم يكرر شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
لكنه عاد ليكتشف مرة أخرى أنه سوف يفقد قضيته فى الغرب، فعاد وتراجع بحجة أنه كما قال: رجل يحاول الدفاع عن حياته، فهو مرصود فى دائرة القتل طوال الوقت، بينما حكومات الغرب تتبنى قضيته بالكلام دون أن توفر له الحماية؛ لأنها لا تضغط على إيران بما فيه الكفاية حتى تسحب فتوى الخمينى.
لم يكن سلمان صادقًا- كما يرى هيكل- فقد كانت المخابرات البريطانية تشدد عليه الحراسة، ووضعت تحت تصرفه عدة بيوت آمنة يتنقل بينها متخفيًا حتى يضيع أثره من أى قاتل يتربص به.
بعد شهور من تفجر الأزمة عاد هيكل إلى لندن مرة أخرى، وعندما قابل رئيس وزرائها وقتها «إدوارد هيث» سأله عما إذا كان هناك أى حل للحكم بالقتل الذى صدر ضد سلمان رشدى.
حاول هيكل أن يشرح الفارق بين الحكم والفتوى، لكن يبدو أن رئيس الوزراء البريطانى لم يهتم لشرح هيكل، فقال له: ليكن.. ليس من الممكن سحب هذه الفتوى أو إلغاؤها؟
لم يكن رئيس الوزراء البريطانى فى الغالب يبحث عن إجابة لدى هيكل، لكنه كان يختبر ما اعتزمته الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث قررتا التشديد على سحب فتوى الخمينى ضد سلمان رشدى أو إلغائها، وإلا فهو العقاب.
وبالفعل بدأت الإجراءات الشديدة والشاملة والقاسية تتوالى، وظل طلب سحب الفتوى قائمًا حتى بعد أن توفى الخمينى فى ٣ يونيو ١٩٨٩.
حاول الرئيس الفرنسى «فرانسوا ميتران» وكان معروفًا بميوله الثقافية أن يتدخل لحل الأزمة، ووقتها قال إن التعصب الإيرانى العنيد يعيد تجديد النزاع بين الإسلام والمسيحية، وبين الشرق الأوسط وأوروبا، وأرسل بهذا المعنى رسالة إلى آية الله على خامئنى الذى رد عليه بقوله: إنه لسوء الحظ لا يستطيع أن يفعل شيئًا فيما طلبه الرئيس الفرنسى منه؛ لأن القضية تتجاوزه، ذلك أن فتوى الإمام مثل سهم انطلق فى الفضاء ولم يعد فى مقدور أحد أن يسترده.
وقف الفاتيكان على الحياد تقريبًا، وهو ما يمكن أن نفهمه من بيانه الذى قال فيه «إن ملايين المسلمين أحسوا بالغضب لما قرأوه فى قصة سلمان رشدى، ومن الضرورى لكل مسيحى- احترامًا لدينه على الأقل- أن يستاء من أى إهانة توجه إلى ديانات غيره، وعلينا أن نتذمر أن قداسة العقيدة لا تقل أهمية عن قداسة الحياة.
فى هذا الوقت فكرت إحدى مجموعات التليفزيون الدولية أن تنظم حوارات تجرى على الهواء مع عدد من زعامات الشرق الأوسط، وعرض على هيكل أن يشارك فى هذه الحوارات، فوافق بشرط ألا يجرى حوارات مع زعماء عرب، وكان نصيبه ثلاثة لقاءات كل منها يستغرق ساعتين مع «بينظير بوتو» رئيسة وزراء باكستان والسيد «تورجوت أوزال» رئيس الجمهورية التركية والسيد «على أكبر هاشمى رافسنجانى»، رئيس الجمهورية الإسلامية فى إيران.
كان القرار أن تبدأ الحوارات بالرئيس الإيرانى؛ لأن موضوع الإرهاب كان على رأس قائمة أولويات العالم، ثم إن الفتوى الخاصة بسلمان رشدى هى العلم الذى يرفرف كلما طرح موضوع الإرهاب.
مسئول إيرانى: ما زلنا نرى أن ما كتبه سلمان رشدى ردة عن الإسلام لكننا لا نعتبر أنفسنا مكلفين بتعقبه ولا بعقابه
وصل هيكل إلى إيران الساعة العاشرة من صباح التاسع من نوفمبر ١٩٩٣، وأخذته الترتيبات إلى قاعة استقبال واسعة دخل من أحد أبوابها ورأى الرئيس «رافسنجانى» داخلًا فى نفس اللحظة، لأن مخرج اللقاء رأى أن تكون لحظة لقائهما الأول تحت الأضواء وأمام العدسات.
لم يتقبل هيكل ما جرى، كان يريد أن يتحدث للرئيس الإيرانى حديثًا وديًا يذيب جليد اللقاء الأول، خاصة أنهما لم يتعارفا من قبل.
اتفقا على ذلك وخرجا ليجلسا سويًا بعيدًا على الكاميرات.
أثناء الحوار سأل هيكل الرئيس الإيرانى عن فتوى الخمينى ضد سلمان رشدى، وراح رافسنجانى يردد حججًا معروفة من أن الفتوى رأى وليست حكمًا، وأنه فى مجال الرأى صاحبه وحده هو الذى يملك تغييره أو إلغاءه، وأنه إذا أراد غيره إصدار فتوى فهذا حقه، لكن المشكلة بالنسبة للدولة فى إيران أنه نظرا لـ«مقام الإمام» فإن أحدًا لن يقدم على مخالفته علنًا، حتى وإن تبدى له غير ما رأى.
وحتى يقنع رافسنجانى هيكل بحجته قال له موجهًا كلامه إليه مباشرة: لنفرض أنك كتبت كتابًا وعارضك فيه آخرون، فهؤلاء الآخرون ليس فى استطاعتهم إلا واحد من اثنين: إما أن يقنعوك برأى مختلف، وإما أن يكتب أحدهم كتابًا آخر بوجهة النظر الأخرى، ولا يمكن أن يكون حلًا أن ينوب عنك غيرك فى تعديل الكتاب إذا اقتضى الأمر، أو فى سحبه تمامًا إذا اقتنعت برأى مخالف، والمشكلة أن الإمام الخمينى عبر بفتواه عن اقتناعه برأى، وهو لم يغير رأيه حتى اليوم الذى فارق فيه الحياة، وبعدها لم يعد فى مقدور أحد أن يصل إليه بعرض لمتغيرات الزمن لعله يرى فى فتواه السابقة رأيًا لاحقًا.
سأل هيكل رافسنجانى عن موقف الدولة الإيرانية من فتوى الخمينى.
فرد رافسنجانى: أرجوك أن تسمعنى جيدًا، الدولة الإيرانية لا تعتبر نفسها مكلفة بتنفيذ فتوى الإمام، الفتوى قائمة، لا يملك أحد تغييرها أو إلغاءها، وهى رأى مجتهد قاس بفكره على باب سب النبى صلاة الله وسلامه عليه، ومع ذلك فالدولة الإيرانية غير مكلفة بتنفيذها، وهذا أقصى ما أستطيع أن نؤكده ونتعهد به أمام العالم.
فعلق هيكل: ما صرحت به الآن فيه الكفاية، وظنى أن كثيرين فى العالم سوف يكونون على استعداد لمعاودة التفكير على الأقل.
وينحاز هيكل إلى موقف إيران- كما كان يفعل دائمًا- فقد تعجب من أن دولًا إسلامية راحت تناشد إيران أن ترفع عن نفسها تهمة الإرهاب بإلغاء فتوى تعرف أن إلغاءها لم يعد ممكنًا فقهيًا أو علميًا، فالفتوى صدرت عن صاحبها فى حياته، وقد انقضت حياته ولا يستطيع أحد أن يتعرض لتراثه إلا بالفحص والدرس، ثم إن رئيس الجمهورية الإيرانية أعلن على العالم أن الدولة الإيرانية مع احترامها لاجتهاد الإمام وذكراه لا تعتبر نفسها ملزمة ولا مكلفة بتنفيذ فتواه.
تعرضت إيران لحصار استمر عشر سنوات، وكانت فتوى الخمينى حاضرة بقوة كسبب من أسباب هذا الحصار.
وبعد عشر سنوات وأثناء انعقاد الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة فى العام ١٩٩٨ وقف وزير الخارجية الإيرانى «كمال خرازى» يعيد ما سبق أن قاله الرئيس رافسنجانى ونصه: إن حكومة الجمهورية الإسلامية لا تنوى اتخاذ إجراءات لتنفيذ فتوى الإمام الخمينى التى أصدرها فى شأن الكاتب البريطانى سلمان رشدى.
التقط وزير الخارجية البريطانىش «روبين كوك» الإشارة وقال: إن ما ورد فى خطاب وزير الخارجية الإيرانى يعتبر بادرة جديدة تستحق التشجيع، لذلك فإن حكومة صاحبة الجلالة سوف تدخل فى حوار مباشر مع الحكومة الإيرانية لإعادة علاقات الود التقليدية بين بريطانيا وإيران إلى مكانها الطبيعى.. فما سمعته من وزير خارجية إيران يعكس النهج الإصلاحى الجديد الذى يمثله الرئيس محمد خاتمى.
لم تصدق الصحافة البريطانية ما قاله وزير الخارجية البريطانى، أشاروا إليه بأنه مراوغ وموقفه يدعو إلى الدهشة، لكنه دافع عن رأيه بقوله: إننا سمعنا كلامًا جديدًا من وزير خارجية إيران.
هذه الانفراجة لم تستمر طويلًا.
فقد عقد وزير الخارجية الإيرانى مؤتمرًا صحفيًا فى مبنى الأمم المتحدة أعلن فيه: إننا لم نقل كلامًا جديدًا يتغير به رأينا فى شىء قلناه من قبل، فنحن رأينا وما زلنا نرى أن ما كتبه سلمان رشدى ردة عن الإسلام، لكننا لا نعتبر أنفسنا مكلفين بتعقبه ولا بعقابه.
لم يعلق وزير الخارجية البريطانى بشىء على ما قاله وزير الخارجية الإيرانى، لكن الأمور عادت إلى التعقيد بعد أن أعلنت مؤسسة «خرداد» الإيرانية أنها على استعداد لمكافأة من يقتل سلمان رشدى تنفيذًا لفتوى الإمام الخمينى، وأنها على استعداد لمضاغفة مبلغ المكافأة ورفعه من مليون دولار إلى مليونين لمن يبادر وينفذ الحكم فى المرتد.
استفز ما أعلنته المؤسسة الإيرانية وزارة الخارجية البريطانية التى علق متحدثها بقوله: إن البيان الصادر عن إحدى الجمعيات الأهلية الصغيرة فى إيران لا يعتد به، ومن الصعب اعتبار الحكومة الإيرانية مسئولة عنه.
لم يكن لتغير موقف بريطانيا بهذه الطريقة أسباب دينية أو ثقافية أو فكرية، ولكن- كما يقول هيكل- كانت هناك تطورات استراتيجية واقتصادية وسياسية كلها تتعلق بالبترول وموارده وأسواقه وأسعاره، وعلى هذه الخلفية الاستراتيجية المتصلة بالبترول وليس بحرية الفكر والنشر والموصولة بمفاوضات الشرق الأوسط تقرر رفع فتوى آية الله الخمينى من ميادين السياسة ودفعها إلى ملفات الأرشيف.
ويعلق هيكل على القصة التى وجد نفسه متورطًا فيها رغمًا عنه بقوله: كانت قصة «آيات شيطانية دراما كبيرة، وإن كان ظنى- وهو إحساس قارئ- أن القصة نص مخل، فضلًا عن تجاوزه، على أنه وبصرف النظر عن كل ما شاب القصة وعلق بها، فإن المكانة الأدبية والعالمية التى كان سلمان رشدى يحتلها، منذ ظهور كتابه «أبناء منتصف الليل» حقيقة يصعب إنكارها، كما أن مصدر إلهامه- مع أن الهدى تخلى عنه- كان مصدرًا بالغ الاتساع وشديد الغنى، وربما من هنا- ومن مؤشرات هندية تشرب سلمان أساطيرها- أن الرجل تاه على الطريق وشرد، وأتحفظ أننى بما قلت لم أصدر حكم قيمة فى الموضوع، بقدر ما حاولت الاقتراب من قضية الحرية الأدبية والفنية متصورًا أننى تعرفت يومًا على ساحتها وتعاملت مع الحركة فى ميادينها وشعرت بالألفة مع أحوالها وأجوائها.