أين اختفت كنوز شركة «منتخبات بهنا فيلم»؟
- تلك الثروة الهائلة والكنوز التى لا تقدر بثمن ضاعت علينا وخرجت من مصر
عندى حكايتان، يبدو للوهلة الأولى أنهما منفصلتان، لكن عندما تقرأهما معا ستجد الخيوط تتجمع وتترابط وتتكشف، وستكتشف أن الحكاية فيها «إن»!
«منتخبات بهنا فيلم»، واحدة من أوائل وأهم وأعرق شركات الإنتاج والتوزيع التى ارتبط اسمها ببدايات السينما المصرية وسطوع مجدها، فقد تأسست فى العام ١٩٣٠ لتحمل اسم تلك الأسرة ذات الأصول العراقية، سريانية المذهب موصلية الميلاد، ومع المذابح الطائفية التى تعرض لها السريان هربت الأسرة إلى حلب، قبل أن تستقر بالإسكندرية وتتجه إلى مجال السينما إنتاجًا وتوزيعًا، واستمر نشاطها حتى العام ١٩٦٤، حين جرى تأميمها ومصادرة أملاكها لصالح الدولة..
وخلال أكثر من ثلاثين سنة، بلغ ما أنتجته «منتخبات بهنا» إنتاجًا وتوزيعًا ما يقارب الخمسمائة فيلم، بينها علامات فى تاريخ السينما المصرية (بينها الكثير من أفلام ليلى مراد)، بما يجعلنا نعتبرها جزءًا أصيلًا ومهمًا وأساسيًا من ذلك التاريخ وصناع الوجدان المصرى.
فى مكاتب الشركة بالإسكندرية والقاهرة كانت توجد كنوز حقيقية تخص السينما، ليست الأفلام فحسب، بل كانت هناك ثروة من الوثائق تزيد، حسب ما ذكره وريثها الأخير السيد بازيل بهنا، فى حوار منشور مع مجلة الفيلم (يونيو ٢٠٠٧) على ٥٠٠ ألف وثيقة، بالإضافة إلى عدد هائل من أفيشات الأفلام ومعدات التصوير والمونتاج النادرة التى كانت مستخدمة فى بدايات السينما..
أريد أن أصدمك وأعلن أن تلك الثروة الهائلة والكنوز التى لا تقدر بثمن ضاعت علينا وخرجت من مصر، برعاية وزارة الثقافة المصرية..!
سأحكى الحكاية (أو قل الكارثة) من واقع وثائق وأوراق رسمية..
اختفى اسم «بهنا» منذ تأميم الشركة ومصادرة أملاكها فى الستينيات، ولم يعد لها من ذكر سوى فى سجلات المحاكم فى الدعوى القضائية التى أقامها الورثة لإلغاء قرار المصادرة والتأميم واستعادة ممتلكات الشركة.. وظلت هذه القضايا منظورة لسنوات طويلة أمام القضاء إلى أن حصل بازيل بهنا الوريث الأخير للعائلة على بعض الأحكام ولكنها لم تُنفذ..
وفجأة، وبعد ثورة يناير دب النشاط فى مقر الشركة بالإسكندرية، وظهرت جمعية أهلية تبنت مشروعًا لترميم مقتنيات الشركة أو ما تبقى منها (زادت تكلفتها على ٥ ملايين جنيه)، وكان واضحًا أن هناك جهات تسعى للحصول على هذا الكنز وإخراجه خارج مصر، وهو ما ثبت للأجهزة الأمنية بعدما تبين أن تلك الجمعية فى قائمة الجمعيات الممولة أجنبيًا، والتى تم حظرها قانونًا فى تلك الفترة..
وأقام أصحاب الجمعية دعوى قضائية لرفع الحظر وخسروها، إلى أن تحصلوا على خطاب من المركز القومى للسينما يفيد بأن ما يقومون به من ترميم لأفلام ومقتنيات «بهنا فيلم» غرضه الحفاظ على التراث السينمائى، وليس بيعه، وهو ما كان سندًا قانونيًا فى استعادة نشاط الجمعية رسميًا..
تقدم الدكتور خالد عبدالجليل وقتها بصفته المسئول عن النشاط السينمائى بالوزارة بمذكرة إلى جهات سيادية يطلب فيها إجراءات استثنائية للحصول على تراث بهنا فيلم باعتباره مصنفات تراثية وجزءًا مهمًا من ذاكرة السينما المصرية، وبالفعل صدرت توجيهات لوزيرة الثقافة حينها د. إيناس عبدالدايم بمتابعة الأمر وإنجاز المهمة..
وسافرت الوزيرة بنفسها فى يوليو ٢٠١٨ إلى الإسكندرية لمقابلة السيد بازيل بهنا والتفاوض معه بشأن الحصول على تراث الشركة وتقديم التعويض المادى المناسب عنها..
ولأن الكنز كان ثمينًا وكبيرًا كان لابد من تجهيز مكان بوزارة الثقافة يليق به، وبالفعل جرى تخصيص قاعة ثروت عكاشة بمدينة السينما لتكون مقرًا لمشروع متحف السينما وحفظ الأرشيف السينمائى، وجرى تجهيزها بميزانية وصلت إلى ٦ ملايين جنيه، وفى الوقت نفسه كان هناك من يأخذ المشروع بجدية كافية، وقدم اقتراحات لعمل سجلات رسمية تضمن عدم التلاعب فى المقتنيات وحفظها، كما تضمن للطرف الآخر حقوقه، خاصة ما يتصل بحق الأداء العلنى..
ولكن المفاوضات مع بازيل بهنا ووكيله القانونى طالت لنحو عام ونصف لحجج بدت غير مفهومة، فقد كان يماطل ويسوّف كلما سئل عن المقتنيات ومكانها وضرورة حصرها قبل الاتفاق على مبلغ التعويض وإجراءات إيداعها بحوزة وزارة الثقافة، إلى أن كشف عن نيته، واعترف بأن أغلب المقتنيات مودعة بخزائن خاصة ببنك ناصر منذ تأميمها، ولن يتنازل عنها ولن يبدأ فى أى إجراءات إلا إذا استعاد شقتين بشارع قصر العينى كانتا مقر الشركة بالقاهرة.. كان ذلك فى شهر ديسمبر من العام ٢٠٢٠.
كان دكتور خالد عبدالجليل من المتحمسين لإتمام الصفقة وإعادة الشقتين إلى وريث بهنا الأخير، لكن كان هناك معترضون لأسباب قانونية، فالشقتان ليس لوزارة الثقافة أى ولاية قانونية أو حق التصرف فى نقل ملكيتهما، ثم إن الممتلكات التى يساوم عليها بازيل بهنا بحوزة الدولة ومودعة ببنك ناصر، كما أنها ليست ملكًا لبازيل وحده، إذ تخص أجدادًا وأفرادًا وفروعًا بالعائلة لا يحق له التصرف بها وحده..
وكان غريبًا وغير منطقى أن تعود الشقتان بتلك السهولة إلى وريث بهنا (قيمة الشقة الواحدة وقتها قبل التعويم كانت تزيد على ٦ ملايين جنيه)..
الأغرب أن هذه المقتنيات التى تحملت الدولة فى سبيلها كل هذه التعويضات والنفقات والمفاوضات.. اختفت!
ونتمنى أن يخرج علينا وزير السينما أو أى مسئول بوزارة الثقافة، ليؤكد أن تراث شركة منتخبات بهنا فيلم ما زال موجودًا فى مصر أصلًا.. وإلا سنصدق ما يتردد عن خروجه من مصر فى صفقة فاسدة تمت بليل..
للعلم: السيد بازيل بهنا الوريث الأخير رحل قبل أسبوعين فقط..
لكن سر الصفقة ما زال حيًا ولم يذهب معه إلى القبر..
من الذى دعا «صديق إسرائيل» إلى مهرجان الإسماعيلية السينمائى؟
يوم السبت ١٨ مارس ٢٠٢٣ أقيمت ندوة ضمن فعاليات الدورة ٢٤ لمهرجان الإسماعيلية الدولى للسينما التسجيلية، عنوانها: الاقتصاد وعلاقته بالسينما»، كان ضيفها والمحاضر الرئيسى فيها هو د. هشام العشماوى، الذى جرى تقديمه على أنه رئيس جمعية رجال الأعمال المصرية الأمريكية..
وبعد نحو ثلث ساعة من حديث المحاضر لاحظ الحاضرون أنه لا يقول شيئا يدل على أن له علاقة بالسينما أصلًا، وهو ما دفع بعض الحضور لقطع هذا «الرغى» وسؤاله عن صلته بالسينما وحيثيات وجوده فى المهرجان كمحاضر فى ندوة بثقل وأهمية السينما والاقتصاد..
وتلعثم الضيف ولم يجد ردًا، وقام د. خالد عبدالجليل بسرعة لينقذه، ولم يقدم هو الآخر جوابًا شافيًا عن أسئلة الحضور، بل راح يتكلم فى موضوع عام عن مشاكل التصوير السينمائى فى مصر وأهمية عمل قوانين جديدة لتسهيل تصوير الأعمال الأجنبية فى مصر..
وانتهت الندوة الغريبة واختفى ضيفها المريب الذى كان المهرجان قد خصص له أفخم سويت بفندق الإقامة مع ابنته.. وسيارة خاصة.
فمن هو هشام العشماوى الذى وضع مهرجان الإسماعيلية السينمائى فى هذا الحرج وأثار هذا الفضول؟!
لا أظن أن د. خالد عبدالجليل يملك شجاعة الاعتراف بأن العشماوى كان ضيفه واختياره وجاء على مسئوليته، وربما لم يكن أحد فى الوسط السينمائى يسمع عنه سواه، لأن الرجل باختصار لا علاقة له بالسينما فعلًا، وفى السنوات التى عاشها فى أمريكا كان يعمل كصاحب مطعم «هامبورجر»، وأنشأ هذا الكيان الوهمى – «جمعية رجال الأعمال المصرية الأمريكية»، التى لم تكن سوى ستار للعلاقات المريبة التى أنشأها مع الكيان الصهيونى..
وليس سرًا أنه زار إسرائيل مرات أولها فى مارس ٢٠١٩، حيث حل ضيفًا على معهد دراسات الأمن القومى بتل أبيب وألقى محاضرة احتفت بها صفحة «إسرائيل فى مصر»..
لا يخفى العشماوى علاقاته بإسرائيل وسعيه لكسر الحواجز النفسية وتوطيد أواصر التطبيع..
وهى معلومات متاحة، وكانت تجعل من وجوده ضيفًا على واحد من أعرق مهرجانات السينما المصرية ضربًَا بعرض الحائط للإجماع الوطنى والفنى على رفض التطبيع والمطبعين..
قبل شهور كان عدد الأفلام المصرية التى يذيعها التليفزيون الإسرائيلى كما اعتاد فى يوم الجمعة لا تزيد على ١٣١ فيلمًا..
ويبدو أن الجمهور الإسرائيلى على موعد مع مزيد من الأفلام الجديدة، خاصة تلك التى شارك فى صناعتها «يهود مصريون»، حيث يعتبرون أنهم ساهموا فى صناعة مجد السينما المصرية، كما حاولوا زورًا أن ينسبوا لنفسهم دورًا فى بناء الهرم الأكبر..
لا تفاجأ عندما تجد على شاشة التليفزيون الإسرائيلى فى سهرة الجمعة مزيدًا من أفلام ليلى مراد وتوجو مزراحى..
وربما تكون من قبيل المصادفة البحتة أنها من تراث شركة منتخبات بهنا فيلم!.