«رفعت عينى للسما» .. مخرجا الفيلم يكشفان كيف وصل لجائزة «العين الذهبية» فى «كان»؟
نجح الفيلم المصرى «رفعت عينى للسما» فى الفوز بجائزة «العين الذهبية» لأفضل فيلم تسجيلى، فى النسخة 77 من مهرجان «كان» السينمائى الدولى، لينجح فى تسجيل الفوز المصرى الأول بهذه الجائزة، فى تاريخ المهرجان العريق.
وحقق الفيلم ردود أفعال إيجابية وقوية للغاية، خلال عرضه ضمن فعاليات مهرجان «كان»، وحظى بإشادات واسعة من قِبل وسائل إعلام عربية وعالمية، إلى جانب إشادات مماثلة من فنانين ونقاد. ويدور الفيلم التسجيلى حول حياة فريق مسرح «بانوراما برشا»، الذى يضم كلًا من: ماجدة مسعود، وهايدى سامح، ومونيكا يوسف، ومارينا سمير، ومريم نصار، وليديا هارون، إلى جانب يوستينا سمير، مؤسسة الفريق.
«حرف» التقت مُخرجَى الفيلم: أيمن الأمير وندى رياض، للحديث عن كواليس وصعوبات تصوير العمل، وتفاصيل مشاركتهما فى مهرجان «كان».
أيمن الأمير: عشنا 4 سنوات وسط أهالى «البرشا» أتمنى عرضه فى كل السينمات
قال أيمن الأمير، مخرج فيلم «رفعت عينى للسما»، إن صانعى العمل عاشوا لمدة 4 سنوات كاملة بين أهالى قرية «البرشا» بمحافظة المنيا، لرغبتهم فى إظهار الحياة الحقيقية للفتيات بطلات الفيلم.
وكشف «الأمير»، عن تعرض الفتيات للعديد من الأزمات أثناء التصوير، من بينها تعرضهن لـ«التنمر»، ووصف ما يفعلنه بأنه «لعب عيال».
■ بداية.. كيف ترى فوز فيلم «رفعت عينى للسما» بجائزة «العين الذهبية» من مهرجان «كان»؟
- «رفعت عينى للسما» هو أول فيلم مصرى تسجيلى يفوز بجائزة «العين الذهبية» فى مهرجان «كان» السينمائى، وهذا كان مؤثرًا جدًا فينا ومهمًا لنا وأسعدنا بصورة كبيرة، خاصة فى ظل ما تعرضت له الفتيات من صعاب شديدة أثناء تصوير وإعداد الفيلم.
الفتيات تعرضن للتنمر، ووصف ما يفعلنه بأنه «لعب عيال» ليست له أى قيمة أو فائدة، وحتى فى المرحلة الأخيرة والتحضير للسفر إلى «كان»، رأى البعض أنهن لسن فنانات، ولا يستطعن صناعة فن مختلف عن المتعارف عليه.
تجربة فتيات «رفعت عينى للسما» خلقت العديد من الأسئلة عن معنى الفن الحقيقى، ودوره فى المجتمع، وكيف أن هناك الكثير من المواهب البعيدة عن القاهرة والإسكندرية، وتحتاج إلى تسليط الضوء عليها.
■ لماذا استغرق الفيلم فترة طويلة فى التصوير؟
- فترة تصوير الفيلم امتدت إلى ٤ سنوات، لأننا كنا جزءًا من نسيج المجتمع، وجزءًا من حياة البنات وأسرهن، وتعمدنا أن يكون وجودنا وسطهم غير ملحوظ، وأن يكون كل شىء بسيطًا وتلقائيًا.
الفيلم عن حياة البنات وأسرهن العادية، وما يحدث فى حياتهن اليومية، لذا احتجنا إلى تسجيل كل شىء يحدث أمامنا فى الوقت واللحظة التى نعيش فيها، حتى يتمكن الجمهور من التواصل والتفاعل مع الأحداث.
ولذلك الفيلم كانت له طبيعة خاصة، وكنّا على دراية تامة من اللحظة الأولى أننا لن ننتهى منه فى لحظاته الأولى، وأننا فى حاجة إلى وقت طويل لنكون جزءًا من المجتمع، وأن الشخصيات الظاهرة فيه يجب أن تنسى وجودنا، ونكون جزءًا من واقعهم الحقيقى.
كان هذا مهمًا جدًا بالنسبة لنا، وأعتقد أنه تحقق فى التصوير، وهو ما أكدته جميع المقالات التى كُتبت حول الفيلم، ووصفته بأنه بسيط وذو روح مشرقة، وهذا كان مؤثرًا جدًا فينا، خاصة مع تأثر الجميع بكل لحظة فى الفيلم، سواء كان فرحًا أو بكاءً.
■ لكن ألم تواجهوا صعوبات بسبب ذلك؟
- أعتقد أنه فى أى مكان فى العالم إن جاء إليك شخص ليصور معك أو عندك، ستوجه له الكثير من الأسئلة مثل: «إنتوا مين؟» و«ليه بتصوروا معانا؟»، و«إزاى هيكون شكل الفيلم؟»، وغيرها من الأسئلة فى البداية.
هذا شىء طبيعى ومتوقع، وكنا نتغلب عليه من خلال الجلوس مع المجتمع المحلى، «نشرب معاهم شاى»، ونشرح باستفاضة ما نفعله بالتحديد.. كل فترة كنا نجلس معهم، نتحدث ونعرف منهم رأيهم فيما نفعله، والأشياء التى يريدون إضافتها إلى الفيلم.. كان هناك هذا النوع من الحوار والثقة المتبادلة، ومن ثم سارت الأمور بشكل سلس.
من ضمن الصعوبات هو وجودنا وجلوسنا مع الناس لمدة ٤ سنين، و«دى مش أى حد يقدر يستحملها»، لكننا وجدنا كرمًا غير طبيعى من جميع أهل قرية «البرشا» بمحافظة المنيا، التى أسست فيها الفتيات «بانوراما البرشا»، للتعبير من خلالها عن الكثير من قضايا هذه القرية.
وللعلم فى كل مجتمع، بما فيه القاهرة والإسكندرية، هناك من يحافظ على أفكاره وعاداته وتقاليده، وهناك من يريد أن يغيرها، كل مجتمع فيه الاثنان، وهذا ما واجهته الفتيات، فقد كان هناك ناس فى قريتهن متحفظين جدًا على ما يفعلنه، بينما تقبله البعض الآخر، مع تغير آراء بعض الناس المتحفظين، بما يعنى أن الفتيات استطعن إحداث تغيير حقيقى فى المجتمع.
■ ماذا عن ردود الأفعال بعد الإعلان عن مشاركتكم فى «كان»؟
- ردود أفعال إيجابية جدًا، الجميع كان يريد أن يشاهد الفيلم، وتلقيت تهانى من ناس كثيرين لم أكن على علاقة بهم نهائيًا، وهو ما كنت أقدره بشدة وأسعدنى للغاية، خاصة أننى شعرت بأن الناس لديهم شعور بأن هذا الفيلم «بتاعهم». والخطوة المقبلة التى أنتظرها هى عرض الفيلم فى مصر، خاصة الصعيد، خلال الأيام القليلة المقبلة، ليبدأ الناس فى توجيه أسئلة لأنفسهم عن حياتهم وأسرهم.
ورد الفعل بعد عرض الفيلم فى مهرجان «كان» كان حقيقيًا جدًا، والناس وقفوا كى يصفقوا لنا، حتى إنى أخذت وقتًا لاستيعاب ما يحدث، والتأثر بالفيلم فى العرض المباشر، إلى جانب توجه الحضور إلى البنات للسلام عليهن، وسؤالهن عما فعلنه فى حياتهن بعد انتهاء الفيلم والتصوير.
■ هل «رفعت عينى للسما» بداية لمعرفة الناس بأن هناك الكثير من أنواع الفنون؟
- المشكلة أننا لدينا تصورات مسبقة كلاسيكية عن الفيلم التسجيلى، وهو أنه سيكون مملًا وبطيئًا، ومجرد معلومات تُقال، لكن الفيلم التسجيلى فى المرحلة الأخيرة منه يكون أقرب إلى الروائى، ويتضمن «حدوتة» وحبكة وصراعًا، وتلقائية وتفاعلًا بشكل مباشر مع الشخصيات.
هذا كله موجود فى فيلم «رفعت عينى للسما»، فإن لم أخبرك بأن هذا الفيلم تسجيلى، لن تدرك ذلك عند مشاهدتك إياه، لذا أعتقد أن هذا الفيلم مهم جدًا فى مسيرة الأفلام التسجيلية بصفة عامة.
■ الفيلم عُرض فى مهرجان «الجونة» لأول مرة، ثم جاءت خطوة «كان».. هل كان لهذا تأثير فى فوزه الأخير؟
- الفيلم عُرض أيضًا فى مهرجان البحر الأحمر إلى جانب مهرجان الجونة، وبالطبع كان لذلك تأثير مهم فى خطواته إلى العالمية، وبالمناسبة وجدنا دعمًا كبيرًا للفيلم من مهرجان الجونة، سواء فى مرحلة الإنتاج أو ما بعد الإنتاج، ما ساعدنا فى الانتهاء منه فى اللحظة المناسبة والوقت المناسب.. هذه نقطة مهمة جدًا، فكلما زاد الدعم بمختلف أشكاله، سواء المادى أو المعنوى أو الاستشارى الفنى، ظهرت أفلام جديدة للناس، وستكون هناك فرص أكثر وأكبر لصنّاع الأفلام.
■ كيف كان التعاون مع المخرجة ندى رياض؟ وكيف توصلتم لنقطة مشتركة لإخراج الفيلم بهذا الشكل؟
- هذا ليس التعاون الأول بينى وبين ندى رياض، وبيننا مساحة من التفاهم والقيم المشتركة، ما أسهم فى إخراج «رفعت عينى للسما» بهذا الشكل المميز، وخلق حالة خاصة جدًا به.
نحن فى الفيلم لدينا شخصيات كثيرة جدًا، لذا فإن وجود مُخرجَين اثنين فَرَق جدًا، فى ظل المجهود الكبير المبذول، وكنا نعرف جيدًا «إحنا رايحين فين»، والفيلم «عايز يحكى إيه»، و«إيه المشاعر اللى عايزين نعبر عنها، وطول ما فيه نقطة مشتركة بينا الأمور هتمشى بسلاسة»، وهذا ما حدث بالفعل، كما أن الفيلم كان ينبغى أن يعبر عنا معًا، وهذا أيضًا ما حدث.
ندى رياض: أتمنى عرضه فى كل السينمات
تمنت ندى رياض، مُخرجة «رفعت عينى للسما»، عرض الفيلم فى دور العرض السينمائية، متوقعة أن يُقبل الجمهور على مشاهدة هذه النوعية المختلفة من الأفلام، خاصة بعد فوزه بجائزة «العين الذهبية» من مهرجان «كان».
وأكدت مخرجة الفيلم، أن صنّاعه لم يتوقعوا الفوز بجائزة من مهرجان «كان».
■ كيف جاءت فكرة ترشيح فيلم «رفعت عينى للسما» للمشاركة فى مهرجان «كان»؟
- مثل أى صنّاع أفلام، وقت «تقفيل» الفيلم وخلال مرحلة المونتاج، كانت لدينا تطلعات عن مكان عرض العمل، وتقدمنا للمشاركة فى مهرجان «كان»، ولم نكن نتوقع اختياره من الأساس، لذا عندما تم الإعلان عن قبول مشاركته فى المهرجان، حدثت لنا «ربكة» كبيرة، لأنه كان يتبقى أمامنا شهر واحد كى «نقفل» الفيلم.
كنا مهتمين جدًا أن البنات بطلات الفيلم تكون معنا فى «كان»، وكانت مغامرة جميلة جدًا هناك. وللعلم هذا ليس فيلمنا الأول الذى يُعرض فى «كان»، فقد سبق أن عُرض لنا فيلم قصير بعنوان «فخ» فى ٢٠١٩. وأرى أن تقديم صناع فيلم فى مهرجان «كان» يتطلب جرأة كبيرة، لكن الحقيقة هذه المهرجانات الكبيرة تتابع وتهتم بكل الأفلام.
ومن المصادفات الجميلة أننا كنا نريد تقديم الفيلم للمشاركة فى «كان» العام الماضى، لكن كان هناك الكثير من الأمور غير المنتهية بعد، لذا أعتبر أننا محظوظون بأننا صبرنا وأكملنا العمل على الفيلم، لتكون له فرصة حقيقية للمنافسة على جائزة والفوز بها، وليس المشاركة فحسب.
أيمن أمير وندى رياض
■ كيف استقبلتم ردود الأفعال وقت عرض الفيلم وبعده؟
- حتى هذه اللحظة لا أستطيع استيعاب كل ردود الأفعال الجميلة تلك، والتى لا تزال تصلنا إلى الآن، وهى مؤثرة جدًا علينا، بجانب الاحتفاء الشديد بفوزنا من قبل الصحافة.
لم أكن أتوقع الفوز بجائزة فى «كان»، لذا فوجئنا بذلك لدرجة طلبنا ممن أبلغنا بالخبر تكرار ما قاله ٧ مرات، بسبب عدم قدرتنا على استيعاب أننا فزنا بجائزة فى هذا المهرجان العريق.
■ من أين جاءتكم فكرة الفيلم من الأساس؟
- المرة الأولى التى شاهدنا فيها عرض «بانوراما برشا» الذى تقدمه الفتيات كان عام ٢٠١٦، فى إحدى قرى محافظة المنيا، ولم يكن لدينا تفكير فى صناعة أى فيلم عن هؤلاء الفتيات وهذا المسرح الخاص بهن.
وجدناهن مجموعة من البنات يتميزن بالجرأة الشديدة، ولديهن مسرح يتكلمن فيه عن موضوعات شائكة لا تُطرح فى مثل قُراهن، مثل تعليم السيدات، والزواج المبكر، أمور ليس من السهل التطرق إليها فى القرى التى يعيشن فيها. كنا منبهرين بتفاعلهن مع الناس فى القرية، وكيف صنعن مساحة خاصة بأنفسهن، ما حمسنا فى النهاية لصناعة الفيلم، للتعبير عن الشجاعة الكبيرة التى تمتلكها الفتيات، واللاتى قررن التعبير عن حياتهن بالفن.
■ ما أبرز التحديات التى تواجه صنّاع الفيلم التسجيلى عامة؟
- الزمن، فنحن نتابع شخصيات على مدار زمن طويل، وفى الوقت ذاته تتغير هذه الشخصيات، تكبر فى السن، وتتغير آراؤها، تحبط وتأتى إليها لحظات شك حول حياتها، وهذا فى حد ذاته أمر صعب للغاية، لأنه يتطلب متابعة لكل هذا من خلال الكاميرا. فى الوقت ذاته، أنتِ مطالبة بالعمل على تشجيع هؤلاء الناس، لكن لا يمكن أن تتدخلى، لأنها حياتهم فى النهاية.
كما أن أكثر ما أخذ وقتًا وطاقة منا هو تعود الناس على الكاميرا، دون أى ارتباك أو انزعاج، لذا كنا نُجيب طوال الوقت عن أسئلتهم بصراحة كبيرة، وهذا جعلنا جزءًا منهم ومن مجتمعهم، واعتادوا وجودنا مع مرور الوقت.
■ ماذا عن المحطات المقبلة لفيلم «رفعت عينى للسما»؟
- مهتمون بعرض الفيلم فى المنطقة العربية بشكل مكثف، وفى غالبية المهرجانات المقبلة، وأتمنى أن ننجح فى تنفيذ ذلك، إلى جانب عرض الفيلم فى كل دور العرض السينمائية المصرية، فنحن نشعر بأن الجمهور سيكون متحمسًا لمشاهدة أفلام مختلفة مثل «رفعت عينى للسما».