رجل الاكتشافات والحفائر..
مصطفى وزيرى: كلمة «تبليط» وراء تشويه مشروع منكاورع وما قدمته مجرد دراسة لإعادة تركيب البلوكات الحجرية
كشف الدكتور مصطفى وزيرى، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، عن تحقيق نحو 35 كشف أثرى وتسجيل أكثر من ٧٠ افتتاحًا، ما بين مشروعات جديدة وتطوير مواقع، خلال الفترة بين عامى 2017 و2023، فضلًا عن زيادة عدد البعثات الأثرية المصرية الخالصة من 3 بعثات مصرية إلى ما يزيد على الـ40 بعثة.
وفى حوار خاص، تحدث «وزيرى» عن أبرز ما قدمه من نجاحات منذ تعيينه أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للآثار فى عام 2017، ورد بشكل تفصيلى على الجدل الذى أثير خلال الفترة الأخيرة بشأن مشروع الترميم المعمارى لهرم «منكاورع»، وكشف حقيقة الشائعات حول هدم بعض الآثار المصرية لا سيما فى القاهرة التاريخية.
وينتظر «وزيرى»، خلال الأيام المقبلة، ترقيته إلى منصب جديد، تكليلًا لجهوده فى المجلس الأعلى للآثار منذ توليه المنصب.
■ لو تحدثنا عن المشروع الذى أثار الجدل فى الفترة الأخيرة وهو مشروع الترميم المعمارى لهرم منكاورع.. كيف ترد على الانتقادات فى هذا الشأن؟
- فى البداية يجب أن أوضح أن الترميم إجراء معترف به عالميًا، وكانت هناك تماثيل مهدمة فى الكثير من المناطق مثل سوهاج والأقصر وصان الحجر، وهو ما قررت تغييره بمجرد جلوسى على مقعد الأمين العام، وبالفعل تم ترميم العديد من التماثيل بأيادٍ مصرية خالصة أبهرت العالم، بخلاف المسلات التى ظلت آلاف السنين مهدمة فى صان الحجر، وأفتخر بأنى أشرفت على إعادة بنائها وترميمها مرة أخرى بمساعدة مصرية أيضًا، وبعد أن كانت لدينا ٦ مسلات فقط فى مصر أصبحت لدينا ١٤ مسلة قائمة.
وعلى مدار الآلاف من السنين تراكمت على جدران المعابد الاتساخات والأتربة والتكلسات وعوامل التعرية، وبمجرد البدء فى إزالة طبقات الاتساخات بدأت النقوش والألوان لهذه الجدران فى الظهور لأول مرة لتبهر العالم، وهذا تم بمعابد الكرنك ومعبد الأقصر ومعبد إسنا ومعبد دندرة.
أما بخصوص هرم «منكاورع» فلدىّ أسئلة أرجو الإجابة عنها، نعلم جميعًا ارتفاع وطول قاعدة وزاوية ميل هرمى «خوفو» و«خفرع»، لكن ماذا عن هرم «منكاورع»؟.. من يعلم الارتفاع الأصلى وطول القاعدة وزاوية الميل لهذا الهرم ونحن فى القرن الـ٢١؟.. الإجابة: لا يوجد لدينا مثل هذه البيانات، وهذا بسبب أن هناك أجزاءً من قاعدة الهرم ما زالت مردومة حتى الآن، على عكس هرمى «خوفو» و«خفرع» الموجودين على الصخرة مباشرة وتظهر قاعدتهما بشكل كامل.
سؤال آخرعن اكتشاف مراكب الشمس للملكين «خوفو» و«خفرع».. أين المراكب الخاصة بالملك «منكاورع»؟.. الإجابة: لم يتم الكشف عنها بعد، وذلك نتيجة البلوكات الجرانيتية التى كانت تكسو جسم الهرم بارتفاع ١٦ مترًا ثم سقطت حوله، والغريب أنه مع كل الوسائل الحديثة والتقدم الذى يشهده العالم الآن لا نستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة، وهنا يأتى دور الحديث عن المشروع.
المشروع كان الهدف الرئيسى منه هو التوصل لبيانات وقياسات هرم «منكاورع» على وجه التحدى، مع بدء البحث عن مراكب الشمس الخاصة بالملك، ثم دراسة، وهنا أشدد على كلمة دراسة لأن هذا ما صرحت به على وجه التحديد، البلوكات الحجرية المتناثرة لبحث إمكانية تركيبها بمكانها الأصلى. السؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل ما طرحناه غير مسبوق فى عالم الترميم؟.. يجيب عن ذلك مدرج «الكولوسيوم» فى إيطاليا الذى تمت إعادة بناء وترميم بعض أجزائه، بالإضافة لمعابد الكرنك التى تمت إعادة بناء وترميم الأعمدة الموجودة فيه، ولماذا نذهب بعيدًا ولدينا هرم «زوسر» الذى يبعد بعض الكيلومترات عن هرم «منكاورع»، ألم يتم ترميمه وإعادة تثبيت بلوكاته الحجرية بعد أن كان معرض للانهيار؟.. كل هذه الأمثلة تؤكد أن الترميم بكل أشكاله وما تسمح به حالة الأثر موجود ومتعارف عليه فى جميع أنحاء العالم.
وما لا يعلمه الكثيرون وجود الكثير من المحاولات لتنفيذ مشروع ترميم هرم «منكاورع» أذكر منها المحاولات التى تمت عامى ١٩٩٦ و٢٠٠٩، ولكن كان ينقصها التمويل فى ذلك الوقت، خاصة مع الميزانية الضخمة التى يمكن أن يتطلبها هذا المشروع.
والآن وجدت نفسى أمام التكنولوجيا المتقدمة بالإضافة للتمويل مقدمين من اليابان، أى أننا أمام فرصة دراسة الهرم بأحدث الأساليب التكنولوجية فى العالم بالإضافة لعدم تحميل الميزانية المصرية جنيهًا واحدًا، وهنا جاء التفكير فى البدء فى دراسة المشروع.
بمجرد الإعلان عن المشروع، بدأت حملة على مواقع التواصل الاجتماعى يقودها بعض الأشخاص الذين أطلقوا كلمة «تبليط» على المشروع، وهو ما أثار استياء كل من لا يعلم حقيقة المشروع الذى يهدف فى الأساس لدراسة الهرم وما حوله من بلوكات حجرية مع بحث إمكانية إعادة هذه البلوكات بعد استيفاء كل مراحل الدراسة، التى كان من الممكن أن تنتهى بعرض طريقة تركيب هذه البلوكات أو الإعلان عن توقف المشروع عند مرحلة الدراسة بكل شفافية، ولكن سنكون توصلنا لكل قياسات وأبعاد الهرم، لأن العلم لا يعتمد على الشك بل الحقائق.
لكن أحمد الله على كل ما تم ولن أتوقف أمام من هاجمونى أو شككوا فى حرصى على سلامة الآثار فى كل موقع أثرى، ويكفى أن أقول إن مصر مكونة من ثلاثة أحرف لكنها بالنسبة لى تعنى ٣٠٠ مليون حرف، فهى أم الدنيا بحق، وبلد الأمن والأمان، وهى من احتضنت وتحتضن كل شعوب العالم، ودعوتى للمصريين: «حافظوا على بلدكم وابتعدوا عن نشر الشائعات وترديدها فهى ليست مجرد شائعات بل كلمات هدامة تثبط العزم وتضر بنا جميعًا».
■ هل يمكن تقديم كشف حساب لأعمال المجلس الأعلى للآثار تحت قيادتك؟
- بالأرقام؛ فإننا خلال الفترة بين عامى ٢٠١٧ و٢٠٢٣ نجحنا فى تسجيل أكثر من ٧٠ افتتاحًا ما بين مشروعات جديدة وتطوير مواقع، لعل أبرزها: افتتاح المتحف القومى للحضارة ومتحف الغردقة ومتاحف شرم الشيخ ومطروح وسوهاج وكفرالشيخ والمركبات الملكية، فضلًا عن مشروع تطوير الأزهر وهرم زوسر وقصر البارون ومعبد بن عزرا، واستكمال تماثيل واجهة معبد الأقصر وإعادة ترميم وتركيب ٨ مسلات، ونعمل حاليًا على الانتهاء من المتحف الآتونى بمحافظة المنيا، وأفتخر بما أنجزه زملائى الأثريون والمرممون فى هذا المتحف، وجارٍ الآن العمل بالمراحل النهائية التى تشمل تركيب أجهزة الإنذار والحريق وتركيب فتارين العرض، ومن المقرر افتتاحه خلال الأشهر القليلة المقبلة.
هذا إلى جانب ٣٥ كشفًا أثريًا، كما لدينا المشروع العظيم الذى سيغيّر صورة مصر أمام السائحين والمصريين أيضًا، وهو مشروع تطوير منطقة الأهرامات الأثرية.
■ لكن البعض يدعون أن بعض آثار مصر تتعرض للهدم خصوصًا فى القاهرة التاريخية.. كيف ترون ما يُثار فى هذا الشأن؟
- يجرى الآن تطوير المنطقة المحيطة بالقلعة على أعلى مستوى، وهنا أريد أن أؤكد على سلامة الآثار فى مصر ولم يحدث أن تمت إزالة أو هدم أثر فى أى مكان، وما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعى كذب وتضليل، ربما لا أعرف سببه لكن أعرف جيدًا تأثيره فى نفوس الأثريين الذين يضعون مصلحة الأثر قبل أى شىء، خاصة مع الاهتمام الذى يوليه الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصيًا بالآثار.
أما عن اللغط المرتبط بالمآذن الموجودة بمنطقة السيدة عائشة مثل مآذن مسجد الغورى ومسجد المسبح ومسجد التربة السطانية، فيجب أن أوضح أن هذه المساجد لديها مشاكل إما مياه جوفية أو وجود ميل يهدد ثباتها، وما يتم هو تفكيكها وترميمها والتخلص من المشكلات الموجودة بها، ليتم إعادة تركيبها مرة أخرى فى حالة أفضل، ولا صحة لهدم مثل هذه المآذن التى تعتبر جزءًا مهمًا من تاريخ مصر.
■ ماذا عن ملف عمل البعثات الأثرية؟
- لدينا فى مصر ما يقرب من ٢٥٠ بعثة أجنبية من ٢٥ دولة، أما بالنسبة للبعثات المصرية فيجب أن أشير أولًا إلى أننى عندما توليت منصب الأمين العام كانت لدينا ٣ بعثات مصرية فقط، اثنتان منها تحت رئاستى فى منطقتى العساسيف وذراع أبوالنجا بمحافظة الأقصر، والآن لدينا ما يزيد على الـ٤٠ بعثة مصرية خالصة، وعلى مدار السنوات الماضية توصلت هذه البعثات للعديد من الاكتشافات المهمة التى أبهرت العالم، وكان هناك قرار ألا يتم وضع هذه الاكتشافات بالمخازن خاصة القطع المميزة ليتم عرضها بالمتاحف المختلفة على مستوى الجمهورية.
أما بالنسبة للبعثات التى تعمل تحت إشرافى مباشرة فيجرى البحث حاليًا على مقبرة «إيموحتب» بمنطقة سقارة، وقد قام هذا المهندس العبقرى ببناء أول هرم مدرج فى العالم وهو هرم زوسر، لذا أتوقع أن تكون مقبرته بجانب الهرم، وندعو الله أن يكلل جهودنا ونجد هذه المقبرة المهمة خلال الفترة المقبلة.
■ إلى أين وصلت جهود استرداد الآثار المصرية؟
- لدينا إدارة للآثار المستردة وهى إدارة نشطة للغاية تقوم بمتابعة كل حركة للآثار المصرية بالعالم، خاصة تلك التى خرجت من مصر بطريقة غير شرعية ومن ثم يبدأ العمل على استردادها، وقد نجحنا خلال السنوات الماضية فى استرداد ما يقرب من ٣٠ ألف قطعة. ومصر ممثلة فى المجلس الأعلى للآثار لن تفرط فى أى قطعة خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، وهنا يجب أن أوجه الشكر لوزارة الخارجية وسفراء مصر بالخارج ومكتب النائب العام.
■ هل يمكن أن تطلعنا عن آخر تطورات ملف معارض الآثار المصرية بالخارج؟
- فى البداية يجب أن أشير إلى أهمية مثل هذه المعارض التى تعتبر خير سفير لمصر بالخارج، ولا يمكن معرفة تأثيرها إلا بمشاهدة الطوابير التى تصطف بكل مدينة بها معرض مصرى، والنظرة التى نراها على وجه الزائرين الذين يدفعهم ما شاهدوه إلى التخطيط لزيارة مصر فى المستقبل لمشاهدة المزيد من هذه الحضارة الرائعة، بالإضافة للمردود المادى الذى يقدر بملايين الدولارت التى يتم إيداعها بصندوق دعم السياحة والآثار، وهو الصندوق المعنى بتمويل إنشاء وتطوير المتحف، وترميم الآثار وتمويل البعثات المصرية.
لدينا الآن معرض «رمسيس وذهب الفراعنة» الذى بدأ بمدينة هيوستن بولاية تكساس ثم بمدينة سان فرانسيكو بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية ثم بمدينة باريس بفرنسا، وهو الآن موجود فى بمدينة سيدنى بأستراليا، وقد تسبب هذا المعرض فى زيادة عدد السائحين الأستراليين لمصر بشكل ملحوظ أقرته شركات السياحة.
ويجرى الآن الاتفاق على المحطة التالية للمعرض وهى مدينة كولونيا بألمانيا، حيث نقوم بمعاينة قاعة العرض التى سيتم تخصيصها للمعرض والوقوف على التفاصيل الفنية والأمنية للمعرض، ومن المقرر أن ينتقل بعد ذلك لمدينة طوكيو باليابان.
كما لدينا معرض تم الاتفاق على إقامته بداية من شهر يوليو المقبل مع الصين ليعرض بمدينة شانغهاى وسيضم مجموعة من القطع الأثرية المكتشفة حديثًا وموجودة بالمخازن، لذا فلن يؤثر على أى من سيناريوهات العرض بالمتاحف المصرية المختلفة.
بالإضافة لمعرض آخر يتم الاتفاق على تفاصيله الآن مع إسباينا ليتم عرضه بمدينة مالاجا، وهناك معرض آخر يتم التفاوض عليه مع الجانب الإيطالى، ويجرى الآن الاتفاق على القطع التى سيتضمنها المعرض، ومن المقرر أن يتم انتقال المعرضين العام المقبل.
■ ما الذى تتطلع إليه على المستوى الشخصى خلال الفترة المقبلة؟
- كأمين عام للمجلس الأعلى للآثار؛ أعانى من كم الأوراق التى تعرض على يوميًا وتتطلب مراجعتها قبل التوقيع عليها، وأقضى يوميًا ما لا يقل عن ٥ ساعات لإنجاز هذه المهمة، ومن ثم أتطلع لأن تكون لدى فرصة أكبر للانطلاق وسط المواقع الأثرية على مستوى الجمهورية، ومتابعة شغفى الأول عن قرب وهو الحفائر والاكتشافات الأثرية.
■ ماذا عن المتحف الكبير؟ وهل هناك تصور لموعد الافتتاح؟
- هذا المتحف الأيقونة ليس مجرد متحف، بل مشروع أثرى ثقافى ترفيهى متكامل، وحتى الآن تم نقل 57 ألف قطعة أثرية للمتحف. أما عن تحديد موعد الافتتاح فهو متروك للقيادة السياسية، خاصة لما تم ترتيبه للافتتاح الضخم الذى ستتم دعوة قادة ومشاهير العالم لحضوره، وهو ما يتطلب توافر ظروف عالمية مناسبة.