الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

صلاح معاطى: التقدم التكنولوجى أسرع من قدرة الأدب على التنبؤ بالمستقبل

صلاح معاطى
صلاح معاطى

- لا توجد حركة نقد أدبى تهتم به رغم كثرة الكتّاب 

- رواية الخيال العلمى مرآة لزمانها وكشاف ضوء يسلط أشعته على المستقبل

 فى واحد من حواراته، تنبأ عميد أدب الخيال العلمى نهاد شريف بأن يصير صلاح معاطى، الكاتب الشاب آنذاك، من أبرز كتاب الخيال العلمى فى مصر. واليوم، لا يتوقف الروائى والناقد صلاح معاطى عن العطاء فى هذا المجال، سواء كان عبر أعماله الإبداعية المتعددة المتنوعة ما بين القصة والرواية والمسرحية، أو عبر مساهماته النقدية ومتابعاته الحثيثة لما يُكتب تحت مظلة هذا النوع الأدبى، أو من خلال الندوات المتعددة التى يرعاها برئاسته شعبة الخيال العلمى باتحاد الكتاب المصرى. تلك المسيرة تجعل من معاطى واحدًا من أبرز الأسماء المعاصرة فى هذا المجال على مختلف المستويات. ومن هنا جاء حوار «حرف» معه حول الإبداع والنقد، الواقع الراهن والمستقبل المأمول لهذا اللون الأدبى. 

■ من واقع رئاستك شعبة الخيال العلمى بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر.. كيف ترى واقع أدب الخيال العلمى اليوم فى مصر؟ 

- قبل أن أتحدث عن واقع أدب الخيال العلمى من المهم أولًا أن نحدد ما هو أدب الخيال العلمى، لأن الواقع الآن خلط المصطلح ودمجه مع مصطلحات أخرى لا تمت لأدب الخيال العلمى بصلة، مثل أدب الخوارق والفانتازيا. 

فأدب الخيال العلمى يتخذ من الحقائق العلمية الثابتة إطارًا له للانطلاق نحو أحداث المستقبل بما فيه من مكتشفات علمية ومخترعات وتطورات تقنية من خلال أحداث درامية تعتمد على ما تعتمد عليه الألوان الأدبية الأخرى من حبكة جيدة وتصاعد أحداث وأسلوب أدبى رصين مع توافر التبرير العلمى والمنطقى بعيدًا عن الخرافة والفانتازيا واللا معقول. 

طبقًا لهذا التعريف فإننى أرى أن أدب الخيال العلمى يعتمد فى المقام الأول على الأسلوب والجملة الأدبية والبناء الدرامى والحبكة والصراع والشخصيات، كأى عمل أدبى، لكنه يتحرك فى بيئة علمية تنظر إلى أبعد ما هو موجود فى ظل الموجود بالفعل، وتستشرف أحداث المستقبل اعتمادًا على ما وقع من أحداث فى الماضى فى ظل القوانين العلمية، وبالتالى فأدب الخيال العلمى لا ينبغى أن يكتب علمًا أو يبرهن على تجربة علمية أو يفسر حقيقة علمية، فهذا مكانه كتب العلوم ومعامل البحث العلمى، وهو بهذا يختلف عن تبسيط العلوم الذى يعتمد على شرح النظريات العلمية بطريقة مبسطة يستطيع أن يستوعبها النشء، فأدب الخيال العلمى غير معنى بتبسيط العلوم ولا تقديم المعلومة، لأنه بذلك سوف يقتل فنية العمل الأدبى.

نعود للسؤال حول واقع الخيال العلمى بشكل عام، هو مرتبط بواقع الأدب والثقافة، فالكتاب خاصة الشباب يريدون تحطيم التابوهات وكتابة ما هو جديد، وهذا رائع، لكن لا بد من العودة إلى المنطقية العلمية والتأكد من توافر إمكانية التحقيق حتى نطلق على هذا اللون أدب خيال علمى. 

■ هل أدب الخيال العلمى فى ازدهار أم أن الكتابات الراهنة لا ترقى إلى مستوى أعمال الرواد بهذا المضمار؟ 

- يقاس ازدهار أى نوع من الأدب بعدة أشياء منها عدد المجلات والجرائد الثقافية التى تهتم بالإبداع بوجه عام، وبحركة النقد الواسعة التى تتناول الإبداعات بالنقد والتحليل، ونحن مع الأسف الشديد لا نجد هذا فى الأدب العادى، فقد انحسرت الجرائد والمجلات الأدبية إلا القليل. أما بالنسبة لأدب الخيال العلمى فحدث ولا حرج، أين المجلات الأدبية التى تهتم بأدب الخيال العلمى وتنشر لكتابه ما يكتبونه؟ بالتالى لا توجد حركة نقد أدبى تهتم بهذا اللون الأدبى إلا من خلال الندوات. لذلك أقول إن أدب الخيال العلمى مظلوم فى بلادنا، بالرغم من وجود عدد كبير من كُتاب هذا اللون، لكننا مثل الجزر المنعزلة، كل يكتب على طريقته، وبالتالى هذا ساعد على اختلاط المصطلحات، فأصبح يطلق مسمى الخيال العلمى على الفانتازيا والخوارق وقصص الرعب. 

■ هل من الممكن أن توضح لنا طبيعة الأنشطة التى تضطلع شعبة الخيال العلمى بها وأبرز منجزاتها منذ تأسيسها؟

- شعبة الخيال العلمى بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر هى شعبة نادى بتأسيسها رائد أدب الخيال العلمى نهاد شريف منذ عقود، وبعد رحيله فى عام ٢٠١١ أقمت صالونًا أدبيًا بمساعدة ابنته يحمل اسم نهاد شريف كنا نناقش فيه أعمال الأستاذ نهاد شريف من قصص قصيرة وروايات ومقالات أدبية، حتى تقدمت د. عطيات أبوالعينين بصفتها إحدى كاتبات هذا اللون الأدبى إلى اتحاد الكتاب بطلب إنشاء شعبة للخيال العلمى وتحمس الدكتور علاء عبدالهادى، رئيس الاتحاد للفكرة وأصبحت شعبة الخيال العلمى حقيقة واقعة، وأصبحنا نناقش فى الاتحاد كل ما يتعلق بأدب الخيال العلمى من قصص قصيرة وروايات ومسرح من الخيال العلمى، ناقشنا الكثير من الأعمال وقدمنا دراسات عنها، كما عقدنا مؤتمرات الخيال العلمى وأصدرنا على هامشها عددًا من الكتب، سواء دراسات أو أعمال إبداعية، وبين حين وآخر نناقش عملًا من كلاسيكيات هذا اللون الأدبى كأعمال جول فيرن واتش جى ويلز وغيرهم، وكثيرًا ما نشاهد فيلمًا من أفلام الخيال العلمى العالمية ونناقشه فى الندوة؛ لنؤكد لشباب الكتاب أهمية الصورة والمؤثرات والإضاءة باعتبارها مفردات روائية يجب الاهتمام بها عند الكتابة مع تناول الأفكار العلمية الجديدة التى يتطلب التركيز عليها. 

■ بصفتك مبدعًا فى هذا النوع الأدبى.. ما الأسس التى ترى أهمية توافرها فى كاتب الخيال العلمى؟ وما التحديات التى تواجهه؟

- السؤال الذى يجب أن يتبادر إلى ذهن كاتب الخيال العلمى هو «ماذا يحدث لو» ولكى يجيب كاتب الخيال العلمى عن هذا السؤال عليه أن يكتب مئات القصص التى تتناول المستقبل والظواهر الكونية الغريبة والخوارق ومدن المستقبل واليوتوبيات وتحكم الآلات وارتياد الفضاء والعوالم الخفية. فرواية الخيال العلمى ليست فقط مرآة لزمانها، وإنما هى بمثابة كشاف الضوء الذى يسلط أشعته على المستقبل محاولًا التنبؤ به وكشف أسراره. 

ومن خلال دراسة كاتب الخيال العلمى لإنجازات العلم فى الماضى يمكنه استشراف المستقبل مستندًا على حقائق علمية محاولًا أن يقيم لها دراسة ذهنية لما يمكن أن تكون عليه هذه الحقيقة العلمية فى الزمن المقبل.

فماذا يحدث لو لم يخرج الإنسان من الكهوف والوديان ولم يترك الجبال والفيافى، ولم يكتشف النار والزراعة ولم يصنع الآلات والأدوات، ولم يتأمل النجوم والكواكب والمجرات والسدم والبروج ولم يحلم بالقمر والشمس ويكتب فيهما الشعر ويصف بالأول وجه حبيبته وبالثانية الضوء الذى يشع من وجهها؟

ماذا يحدث لو لم ينظر إلى وجهه على صفحة النهر ويرى عينيه وأذنيه وأنفه وسائر أجزاء جسده؟ ماذا يحدث لو لم يفكر فى متاعبه وأمراضه ويبحث عن علاج لها؟ ماذا يحدث لو لم يتأمل الزهور المتفتحة والنباتات الخضراء والثمار الغضة والحيوانات وهى تسعى وتتعارك، أليفها ومتوحشها، والجماد بكل أشكاله وأنواعه وحالاته؟ ماذا يحدث لو لم يحصل على خلية دقيقة من نبات أو حيوان أو على ذرة أو جزىء متناه فى الصغر من صخرة ما، ماذا يحدث لو لم يستخرج الحديد والمعادن والفحم والبترول من باطن الأرض؟

لا بد أن يبدأ الكاتب باستخدام كل المؤثرات فى ترويض أفكاره وقدرته على التصوير وهذه هى البداية الأولى،‏ والثانية كثرة القراءة فى العلوم‏ ومتابعتها والإلمام بكل ما يتصل بالموضوع الذى يكتب فيه، فأنا مثلًا، على سبيل المثال، حتى أكتب رواية من الخيال العلمى قرأت ما يقرب من رسالتين للدكتوراه وأكثر من ٥٠ كتابًا حول الموضوع غير ما يكتب فى المجلات والدوريات العلمية. ‏أما الثالثة أنه عندما يكتب أدب خيال علمى لابد أن تكون لديه الطرق السريعة لاستكمال المسيرة‏:‏ بأن يزور المكتبات العلمية ويطلع على أحدث ما فيها من كتب حتى يجد الفكرة ويدرسها جيدًا ويسأل المختصين فى هذا العلم ثم يكتب بالقالب الذى يختاره، سواء رواية أم قصة أم مسرحية‏.‏ فضلًا عن زيارة مراكز البحث العلمى ليرى على الطبيعة التجارب العلمية، وليضع نفسه فى المناخ العلمى الملائم.

ليس كل مبدع بمقدوره الكتابة فى أدب الخيال العلمى‏، فكاتب الخيال العلمى لابد أن يكون لديه تفكير وخيال علمى جامح‏، فهناك إجماع من كتاب هذا النوع من الإبداع على أن مجالات الكتابة فيه صعبة‏،‏ فإذا كان المبدع فى فنون الكتابة الأخرى يحتاج لورق وقلم ومكان هادئ يكتب فيه فهذه رفاهية بعيدة عن المتخصص فى الخيال العلمى‏،‏ فكاتب الخيال العلمى يحتاج إلى البحث والتقصى والجرى وراء المعلومة العلمية الدقيقة.

■ فى الكتابات الأولى من الخيال العلمى كان الأدب يسبق العلم ويتنبأ به أما اليوم فإن التطور العلمى والتكنولوجى يسير بوتيرة متسارعة.. فما هى الموضوعات التى يمكن أن تشغل بال كتاب الخيال العلمى الآن؟

- إن التقدم العلمى والتكنولوجى يبلغ من السرعة ما يجعل الخيال العلمى عاجزًا عن التنبؤ بالمستقبل، لذلك نجد كتاب الخيال العلمى فى حيرة لما يصادفونه من صعوبات متزايدة فى العثور على موضوعات تصلح لأن نطلق عليها «خيالًا علميًا». بل إن هناك موضوعات تركت الخيال العلمى وأصبحت تتناول فى القصص والمسرحيات التى لا تنتمى إلى أدب الخيال العلمى، كالروبوت الذى شهد تقدمًا مذهلًا وأصبحت شركات الروبوت تنتج أجيالًا تستطيع القيام بأعمال خرافية، بحيث صار التنبؤ بما يمكن أن يحدث لتقنيات الروبوتات فى المستقبل مستحيلًا، فما الذى يمكن أن تفعله بعد أن صارت تفعل كل شىء حتى إنها تدخلت فى أمور حياتنا، إلا فى الأعمال التى تتنبأ بتمرد الإنسان الآلى على الإنسان البشرى، وهذا ما تناوله كتاب الخيال العلمى منذ فترة طويلة.

يقسم كاتب الخيال العلمى «جان فان هيرب» فى كتابه «بانوراما الخيال العلمى» مدن المستقبل إلى ثلاثة أقسام هى «الاستباقية- اليوتوبيا- ضد اليوتوبيا».. والاستباقية تعنى وصف تقنى للعالم من خلال معطيات زمنية، ويمكن عن طريق دراسة مدى تطور العلوم أن نتنبأ بما يمكن أن يكون عليه عالم الغد.. وقد تناول معظم أعمال جول فيرن هذه النوعية، وكذلك روايات «مذكرات المستقبل» لآتكنز، ورواية «لا شىء إلا السوبر مان» لآدولف ستايلودون، حيث يروى قصة البشرية حتى وصول الإنسان إلى كوكب نبتون، ويتوقع أنه فى عام ٤٠٠٠ سيكون العالم كله قد تأمرك أى أصبح أمريكيًا، كما يتوقع أمكانية تدفئة القطبين صناعيًا.

أما كتاب اليوتوبيا فيحاولون رسم أفضل العوالم الممكنة تصويرًا لحضارات مثالية فى عقول الكتاب، من أمثلة هذا اللون كل الروايات التى تناولت اليوتوبيات الشهيرة مثل «الأطلنتيس الجديدة» لفرانسيس بيكون، و«مدينة الشمس» لكامبانيلا، و«يوتوبيا» لتوماس مور.

بينما يقدم الاتجاه المضاد لليوتوبيا، نظرة تشاؤمية لما سيكون عليه العالم فى المستقبل. ومن أمثلة الروايات التى تناولت هذا الاتجاه «العالم كما سيكون» لأميل سوفيستر «١٨٤٦»، ويتنبأ فيها بأن الإنسان سيصبح عبدًا للآلة والمنفعة ستحل محل الحب، كما أن هناك عشرات الروايات التى تتحدث موضوعاتها عن نهاية الحضارة، مثل «الضحكة الخواء» لماك أورلان، التى تتحدث عن الأوبئة وانتقال الجراثيم والأمراض بالعدوى. 

■ ما الذى ينقص الإبداع العربى فى الخيال العلمى؟ 

- أدب الخيال العلمى بشكل عام يحتاج مجتمعًا يهتم بالعلم وينظر إليه باعتباره أسلوب حياة، خاصة أننا أصبحنا نعيش فى عصر العلم بكل تفصيلاته ودقائقه، وكل معلومة علمية ستؤثر حتمًا على حياتنا، لذلك لا ينبغى أن نكون مستهلكين فقط للتكنولوجيا، بل علينا أن نسهم فى صنعها، فالسباق القادم لن يكون سباق تسلح، بقدر ما سيكون سباقًا علميًا. نحن لا نقل أبدًا فى مستوى الكتابات عما يكتب فى الغرب، ولكن تنقصنا جرأة الموضوعات العلمية. وأتعجب أننى كنت أتحدث مع صديق عن الثقوب السوداء وتأثيرها المستقبلى، ففوجئت به يقول لى: وما شأننا نحن بذلك؟ وكأننا نعيش فى كوكب آخر. بالرغم أنه خريج جامعى، دائمًا ننظر إلى العلم على أنه ليس شأننا، بل شأن آخرين سوف يطبخونه ويجهزونه لنا وما علينا سوى أن نأكله جاهزًا دون إضافات، وهذا خطر كبير. 

لذلك أرى أهمية التنشئة العلمية منذ الصغر وأن تعود حصة المعمل لمدارسنا، وأن يدرس طلاب المدارس والجامعات قصصًا وروايات من الخيال العلمى، بما يضع أبناءنا على المحك العلمى منذ بدايتهم؛ ليدركوا أن العلم هو أساس الحياة وعلينا المشاركة فى صنعه، وأعتقد أن هذا هو الهدف الحقيقى لأدب الخيال العلمى.

■ ما الذى يتعين على الأديب مراعاته بخصوص هذه الإشكالية؟ 

- إذا كانت الأخبار العلمية تتسارع لتسبق الخيال، فيجب على الخيال أن يدركها؛ ليبحث فى تأثير هذه المعلومة الجديدة على إنسان الغد ويضع جميع الاحتمالات التى يمكن أن تواجه الإنسان حيال أى فكرة ومصير الحياة على الكوكب والكواكب الأخرى. ومع هاتين الميزتين تأتى ميزة ثالثة لا تقل عنهما وهو الأسلوب الأدبى الرصين الذى يجب أن يتحلى به قلم الكاتب، فالموضوعات العلمية بطبيعتها حادة وشائكة وصعبة فى الوصول، لكن لو الكاتب كان لديه أسلوب مميز ولغة رصينة وتصوير بليغ سيصل للقارئ حتمًا، لذلك على كاتب الخيال العلمى بالذات أن يقرأ فى كل شىء. لا يتوقف فقط عند الموضوعات العلمية، بل يقرأ فى الفلسفة والاجتماع وعلم الجمال والأدب بشكل عام.