الثلاثاء 01 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الإسلام الرومانتيكى.. كيف عَلّمنا أوروبا الرومانسية؟

حرف

فى إطار عملها الصحفى والثقافى، تحرص «حرف» على استكشاف ومطالعة كل ما هو جديد فى ساحة النشر الدولية والإقليمية، فى توجه تنحاز إليه لتعريف القارئ المصرى والعربى بكل ما ينتجه العالم من معارف وثقافات وكتابات.

ومن خلال زاوية «ماذا يقرأ العالم الآن؟»، تأخذ «حرف» قراءها فى جولة خاصة داخل أبرز المكتبات ودور النشر العالمية، لتعريفهم على المنتج الإبداعى الغربى، وأبرز الأعمال الجديدة الصادرة مؤخرًا، فى مجالات الرواية والسياسة والثقافة والسينما والمغامرة. وفى رمضان، تحمل زاوية «ماذا يقرأ العالم الآن؟» طابع خاص يتسم بروح الشهر الفضيل، للتعرف على وجهات نظر كتّاب ومؤلفى الغرب فى الإسلام والشخصيات الإسلامية التى كانت لها عظيم الآثر فى التاريخ.

وفى هذا العدد نلقى الضوء على مجموعة من المؤلفات الغربية، التى تكشف عن تأثيرات الإسلام والثقافة العربية فى الأدب الأوروبى، خاصة المدرسة «الرومانتيكية» أو «الرومانسية».

كاتب بريطانى: قصائد جوتة مستوحاة من الشاعر الصوفى شمس الدين الشيرازى

من أبرز الكتب الغربية التى تناولت أيضًا التأثير الإسلامى على الأدب الأوروبى، الكتاب الأمريكى «الإسلام والرومانتيكية: الاتجاهات الإسلامية من جوته إلى إيمرسون» «Islam and Romanticism: Muslim Currents from Goethe to Emerson»، الصادر عن دار نشر «وان وورلد بوبليكيشين» فى ديسمبر ٢٠١٤، للكاتب جيفرى أينبودن، الأستاذ المشارك فى قسم اللغة الإنجليزية بجامعة شمال إلينوى.

ويكشف الكتاب الأمريكى عن التأثير التكوينى للإسلام على الكتابات الغربية ودوره فى ظهور المدرسة الرومانتيكية الأدبية، كما يروى قصة التبادل الدينى والجمالى بين الإسلام والغرب، مُحددًا أثر المصادر الإسلامية على أبرز كُتّاب الغرب. 

ويُبرز الكتاب دور الإسلام كمحفز إبداعى ومورد روحى، حيث أسهم القرآن الكريم والشعر الصوفى فى إثراء المؤلفات الأدبية والحياة الشخصية لكُتّاب المدرسة الرومانتيكية الأدبية.

ويُظهر الكتاب امتدادًا متنوعًا للثقافة والحضارة الغربية مستلهما من التراث الإسلامى، من خلال التركيز على مؤلفات مختارة من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بدءًا من «جوته» وصولًا إلى «إيمرسون»، مقدمًا رؤية جديدة ومميزة للتأثيرات المحفزة التى تركتها بعض المصادر الإسلامية على الإبداع الأدبى والثقافى الغربى.

جيفرى أينبودن

ويمتد الكتاب عبر قارات وقرون، مستعرضًا التلقى الإسلامى الذى يربط بين العصور والشخصيات الرومانسية، من أوروبا إلى بريطانيا وأمريكا.

ويتميز «الإسلام والرومانسية» بنطاقه التاريخى الواسع وتفاصيله الشخصية الدقيقة، حيث يُسلط الضوء على الالتقاء الثقافى بدلًا من الاستغلال السياسى، ويختلف عن المعالجات السابقة بتركيزه على الاستقبالات الغربية التى تتجاوز مفهوم «الاستشراق»، مُكتشفًا نشأة الثقافة الأدبية العالمية أولًا من خلال استحسان الرومانسيين الأوائل للتقاليد الإسلامية.

ويُقدم التتبع المفصل والأكاديمى للإسلام ومفرداته وتأثيره، من خلال الرومانسية الألمانية والإنجليزية، نظرة تتجاوز مفهوم «الاستشراق» فى تقاليد الأدب الغربى خلال القرنين الماضيين. 

كما يكشف عن الجدية التى تعامل بها شخصيات بارزة ومتنوعة، مثل الأديب الألمانى يوهان جوته والشاعر البريطانى جورج بايرون، مع الإسلام ولغته وأدبه، ما يعكس عمق التأثير الإسلامى على إبداعاتهم الأدبية.

كما يقدم رؤية جديدة ومُلفتة حول التأثيرات المحفزة التى تركتها بعض المصادر الإسلامية على الإبداع الأدبى والثقافى الغربى، ويُظهر للقارئ كيف ألهمت هذه المصادر الإبداع الغربى وحفزته، وكيف كان تأثيرها الخيالى واضحًا على شخصيات أدبية بارزة مثل هيردر، وكولريدج، ومارى شيلى، وغيرهم من أدباء أوروبا.

ويتألف الكتاب من سلسلة فصول قصيرة تُقدم أمثلة على كيفية استلهام الكُتّاب الغربيين من المصادر الإسلامية، ويشير المؤلف إلى أن الإسلام كان دينًا أبهر الرومانسيين الألمان، مثل يوهان جوتفريد هيردر، وفريدريش شليجل، ونوفاليس، وكذلك الأمريكيون، مثل واشنطن إيرفينج، ورالف والدو إيمرسون، وإدجار آلان بو، ويُقدم دراسة شاملة لهذه التفاعلات الأدبية خلال فترة ازدهار المدرسة الرومانسية مع الإسلام فى ألمانيا وبريطانيا وأمريكا.

يرى جيفرى أينبودن أن نشأة الأدب العالمى كانت مستمدة من الإسلام، ويؤكد أن «الديوان الغربى الشرقى» ليوهان جوته، وهو مجموعة قصائد غنائية كُتبت بين عامى ١٨١٤ و١٨١٩، مستوحاة من الشاعر محمد شمس الدين حافظ، وقدّمت نموذجًا مؤثرًا للدمج الدينى والأدبى بين الغرب والشرق فى القرن التاسع عشر. 

كما يلفت إلى جهود بعض أدباء المدرسة الرومانسية، مثل جوته، فى تعلم اللغة العربية وانخراطهم المستمر فى الشعر الشرق أوسطى، مشيرًا إلى نصب «حافظ وجوته» التذكارى، الذى يتألف من كرسيين رماديين داكنين متقابلين، كرمز للتعاطف والتواصل بين الشرق والغرب.

ويوضح المؤلف فى كتابه اهتمام كُتّاب المدرسة الرومانسية بالإسلام بشكل كبير، ويُقدم «آينبودن» المثال الأبرز والأكثر تأثيرًا على هذا التوازى الثقافى، وهو كتاب «Zeitwarte des Gebetes» «ميقات الصلاة» للمستشرق والدبلوماسى النمساوى جوزيف هامر، وهو عبارة عن مجموعة أدعية أُعدّت كرثاء لزوجة «هامر» المتوفاة، كارولين هينيكشتاين. 

وكتاب الأدعية مُقسّم إلى نصفين، ويضم أدعية ألمانية وهى ترجمات لأصول عربية، وانعكست هاتان اللغتان على المجموعة الصادرة عام ١٨٤٤، حيث يُبيّن «آينبودن» أن الكتاب يسعى إلى تجاوز الفروق الثقافية والدينية بين الغرب المسيحى والشرق الإسلامى، مُقدّمًا بذلك مفهومًا روحانيًا عالميًا.

فى السياق البريطانى، يُحدد «أينبودن» السنوات ١٨٠٩-١٨١٩ بأنها «العقد الأكثر خصوبة فى التفاعل الأدبى البريطانى مع الإسلام»، ويرى أن قصائد الشاعرين البريطانيين روبرت ساوذى والتر سافاج لاندور، اللذين ينتميان إلى المدرسة الرومانسية، قدّمت روادًا مهمين فى ظل الاهتمام المتزايد بالإسلام، كما ظهر فى أعمال توماس مور ومارى وبيرسى بيش شيلى. 

ويُعد اللورد بايرون أو الشاعر جورج بايرون، الشخصية البريطانية المحورية فى هذا الصدد، نظرًا لمعرفته المباشرة بالمجتمعات الإسلامية.

ويتتبع «أينبودن» فى كتابه «الإسلام والرومانسية» انخراط اللورد بايرون طوال حياته فى الدين الإسلامى، حيث صرح «بايرون» وهو فى التاسعة عشرة من عمره أن القرآن «يحتوى على أسمى المقاطع الشعرية التى تفوق بكثير الشعر الأوروبى». ويصف «أينبودن» كيف أن الدور البارز لبطلة «بايرون»، «ليلى»، فى قصيدته «الجاوور»، مكّن الشاعر من دراسة «التدين الإسلامى من خلال عدسة أنثوية بحتة». 

وحول روايته اللاحقة «عروس أبيدوس»، يُبرز الكتاب بشكل مثير للاهتمام الطبيعة السمعية لتمثيل «بايرون» للإسلام، مستشهدًا بتشبيهاته، حيث يقول فى إحدى الجمل: «كنغمة المؤذن من مكة».

ويقول المؤلف إنه على عكس هؤلاء الشعراء الذين استحضروا صورًا للشرق أثناء إقامتهم فى إنجلترا، سافر اللورد بايرون بالفعل إلى البحر الأبيض المتوسط، بل واعترف بأنه فى مرحلةٍ ما «كان على وشك أن يصبح مسلمًا». وحظيت مؤلفاته بشعبية واسعة بين قرائه المعاصرين، وكانت مؤثرة على الأجيال اللاحقة من المؤلفين البريطانيين، كما استكشف صديقه الشاعر البريطانى بيرسى بيش شيلى مواضيع إسلامية فى أعماله.

وعلى الجانب الأمريكى، تركز الـ٣ فصول الأخيرة من كتاب «الإسلام والرومانسية» على المؤلفين الأمريكيين فى القرن التاسع عشر، حيث نشر واشنطن إيرفينج، الذى أقام صداقة مع الكاتبة البريطانية مارى شيلى أثناء إقامته فى إنجلترا، كتابًا من مجلدين فى عامى ١٨٤٩-١٨٥٠ يتناول الإسلام، قبل أن يُرسخ إدجار آلان بو شهرته فى مجال القصص القصيرة، ونشر قصائد مبكرة تتناول مواضيع إسلامية فى بعض قصائده اللاحقة.

ولفت الكتاب إلى شراء الكاتب الأمريكى رالف والدو إمرسون نسخة من القرآن الكريم أثناء زيارته لكولريدج فى لندن، حيث ألهمت آيات القرآن بعضًا من أشعاره المبكرة وترك أثرًا عميقًا على مؤلفاته.

مؤلف أمريكى: أعمال شكسبير مليئة بالأجواء والمفردات العربية

يتناول كتاب «الإسلام والأدب الإنجليزى المبكر» (Islam and Early Modern English Literature)، الصادر عن دار نشر «بالجريف ماكميلان» عام ٢٠٠٨، من تأليف بينيديكت روبنسون، الأستاذ المساعد للغة الإنجليزية فى جامعة ولاية نيويورك بالولايات المتحدة، تأثير الإسلام والمفردات والروح الإسلامية على الأدب الإنجليزى. 

ويركز الكتاب على أعمال مؤلفين كبار مثل الشاعر إدموند سبنسر، والكاتب المسرحى ويليام شكسبير، والأديب جون ميلتون، ويُظهر دور الثقافة الإسلامية فى تشكيل إبداعاتهم الأدبية.

ويُقدّم الكتاب سردًا للتقاطعات بين الشكل الأدبى والتاريخ فى العصر الحديث، مشيرًا إلى أن المدرسة الرومانتيكية الأدبية تُعيد تصور نفسها باستمرار وتُعاد صياغتها من خلال التلاقى بين الثقافات. 

بينيديكت روبنسون

ويستعرض الكتاب مسرحية «عطيل» لشكسبير، التى تحمل العديد من السمات والشخصيات العربية والإسلامية، بالإضافة إلى مسرحيته «تاجر البندقية»، كما يتناول قصيدة «ملكة الجن» للشاعر إدموند سبنسر، وملحمة «الفردوس المفقود» للأديب جون ميلتون.

ويتتبع الكتاب العملية التى اتبعها كُتّاب مثل «سبنسر وشكسبير وميلتون» فى تكييف الرومانسية أو إعادة كتابتها أو مقاومتها، راسمًا عالمًا تطلبت فيه الاتصالات الثقافية الجديدة والصراعات الدينية إعادة التفكير فى بعض أهم مصطلحات الهوية فى العصر الحديث المبكر. 

ومن بين فقرات الكتاب، يستعرض المؤلف مشهدًا من مسرحية «عطيل»، حيث يواجه البطل ديدمونة بشأن منديلها المفقود، ويصفه المؤلف بشكل مباشر وكأنه «مشهد مصرى»، فى إشارة إلى استخدام «شكسبير» لمشاعر وأجواء تتناسب مع شخصية عطيل، الذى يُعتقد أنه من أصل عربى. 

وويوضح المؤلف أن كتابات الأدباء البريطانيين خلال فترة الملكة إليزابيث الأولى، التى شهدت علاقات جيدة بين المسلمين وبريطانيا، تأثرت بالعالم الإسلامى، وفى ذلك الوقت، ازدهرت الدراما الإنجليزية، وكان ويليام شكسبير أحد روادها، ما جعل بعض أعماله تحتوى على وقائع وشخصيات إسلامية تلعب أدوارًا مهمة فى أحداث مسرحياته، كما ظهرت مفردات ذات طابع إسلامى وأجواء إسلامية فى أعماله.

عالم هولندى: آثاره فى الكتابة حسنت حالة المواطن الغربى المطحون

يُصدر كتاب «الإسلام والأدب الأوروبى المعاصر» «Islam and Contemporary European Literature» فى يونيو المقبل عن مطبعة جامعة إدنبرة، إحدى أعرق وأشهر الجامعات على مستوى العالم. 

والكتاب من تأليف العالم الهولندى المرموق كارول كيرستن، المتخصص فى الدراسات الإسلامية، الذى يشغل حاليًّا منصب أستاذ أبحاث فى الدراسات الإسلامية بجامعة لوفين فى بلجيكا، بالإضافة إلى كونه محاضرًا فخريًّا فى «كينجز كوليدج» بلندن.

ويُعد «كيرستن» من الأسماء البارزة فى مجاله، حيث يتمتع بخبرة واسعة وسمعة علمية طيبة فى دراسة العلاقة بين الإسلام والأدب الأوروبى.

ويُعد الكتاب اعترافًا جديدًا بتأثير الإسلام على الأدب الأوروبى الحديث، حيث يرصد استخدام المراجع والمفردات الإسلامية فى الكتابات الأدبية لمؤلفين أوروبيين بارزين، كما يسلط الضوء على الكيفية والأسباب التى دفعت المؤلفين الأوروبيين المعاصرين فى عدة دول، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وغيرها، إلى كتابة أعمال أدبية وروائية تقتبس من الموضوعات الدينية الإسلامية والتاريخ الإسلامى. 

كارول كيرستن

ويعطى كيرستن بعض التفسيرات التى أدت إلى وجود بصمات للإسلام والمفردات الإسلامية فى الأدب الأوروبى، منها الصلات المتنامية بين الغرب والشرق فى ذلك الوقت، وآثار الأندلس الإسلامية على الأوروبيين.

أما التفسير الأكثر أهمية، فهو إضفاء الروح والإنسانية على كتابتهم من خلال المصادر الإسلامية، وذلك بسبب سيطرة الرأسمالية والمادية والجشع على دول أوروبا، التى هيمنت عليها منذ القرن الثامن عشر وبلغت ذروتها فى أواخر القرن التاسع عشر بعد قيام الثورة الصناعية.

ويغطى الكتاب مجموعة متنوعة من الأنواع الأدبية، ويتناول مجموعة واسعة من المواضيع المتعلقة بالإسلام والعالم الإسلامى فى النصوص الأدبية، لإدخال جو إنسانى على الكتابات الأوروبية، ويأتى هذا فى محاولة لتحسين حالة المواطن الأوروبى المطحون، الذى كان يعانى من وطأة المادية فى ذلك الوقت.

بروفيسير إنجليزى: تراثه ربط الإبداع الغربى بنظيريه التركى والآسيوى

يُعد كتاب «الإسلام والتوجهات الجديدة فى الأدب العالمى» «Islam and New Directions in World Literature» للكاتبة كلير جاليان، أستاذة اللغة الإنجليزية فى جامعة بول فاليرى مونبلييه، والصادر عام ٢٠٢٢، من أبرز الكتب الغربية التى تناولت تأثير الإسلام على الأدب، ليس الأوروبى فحسب، بل العالمى بشكل عام.

 وصدر الكتاب عن «مطبعة جامعة إدنبرة»، ويتحدث عن الإسلام كقوة جمالية وحاسمة فى الأدب العالمى، مشيرًا إلى أنه كان وراء العمليات الإبداعية التى أدت إلى تطوير الأدب الأوروبى الغربى والتركى والهندى والإندونيسى والصينى، وغيرها من الآداب حول العالم. ويوضح الكتاب أنه منذ ظهور الإسلام، أصبح قوة ربط للأدب العالمى المتقاطع فى إفريقيا وأوروبا وآسيا ومحيط المحيط الهادئ والأمريكتين. ويشرح الكتاب كيف تم دمج مجموعة متنوعة من الموضوعات والتأثيرات والتداعيات والتمثيلات للإسلام فى الأدب العالمى.

كلير جاليان