احنا فى جاه النبى.. عندما غنى المصريون للرسول

فى كتابى «الرسول فى مصر»، حاولت عن قرب أن أرسم صورة للعلاقة الخاصة التى تربط بين المصريين وبين رسولهم، وهى العلاقة التى صيغت بروح مصرية خالصة، تعرف للدين قدسيته، وتنزله المكانة التى يستحقها بعيدًا عن التشدد والتطرف.
كنت أسأل دائمًا كيف استطاع المصريون أن يعبروا عبر الزمن قرونًا عديدة دون أن يتغيروا، دون أن يتخلوا عن أهم سمة فى حياتهم، وهى «حب الحياة».
لا يصدق كثيرون أن المصريين يحبون الحياة، ربما بسبب الأزمات التى تحيط بهم كثيرًا، لكن هل رأيت المصريين وهم فى عز أزماتهم يضحكون، يسخرون مما يصيبهم، وأعتقد أنهم يفعلون ذلك لأنهم يربطون كل شىء بالله، يثقون فيه ويعرفون أنه لا يأتى عليهم أبدًا إلا بالخير.
تدين المصريين خاص بهم، وفى علاقتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم حالة خاصة، فمحبتهم له، لشخصه هو، بعيدًا عن الدين حتى، فلمجرد أنه رسول الله، ولمجرد أنه محمد فهم يحبونه، لذلك لن يكون غريبًا عندما تجد من لا يعرفون سيرته ولا يعرفون ما قدمه للعالم يهيمون به عشقًا ويهفون إلى زيارته.
وقد يكون من هذه المحبة أن المصريين غنوا للنبى صلى الله عليه وسلم كما لم يغن له أحد على الإطلاق، دخلوا به إلى مساحة التدليل، علامة على الحب الشديد، فلا يدلل المصريون إلا من يحبونهم.
ولأن الرسول له مكانته الخاصة، فإن غناء المصريين لا يأتى من باب المدح له فقط، ولكن من باب طلبهم للمدد منه، فمن يصلى على النبى يربح، ومن يغنى له أيضًا.
ولأننا جئنا معكم على سيرة المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم، منذ قليل، فما رأيكم أن نبدأ الحديث عن غناء المصريين للرسول من المحطة نفسها، محطة المدد.

الكحلاوى «1».. القعدة حلوة والنبى عند النبى
تعرف أننى سأدخل عليك الآن وفى يدى محمد الكحلاوى، المطرب الذى تحول المديح النبوى على يديه إلى أغنية، يتم تلحينها وتوزيعها وإخراجها.
الكحلاوى من مواليد العام ١٩١٢، عاش سبعين عامًا، فقد توفى عام ١٩٨٢.
محمد الكحلاوى نذر نفسه ليكون مغنيًا للرسول فقط بعد أن قطع شوطًا كبيرًا فى الغناء بكل أشكاله
يمكننا أن نقسم حياته إلى قسمين، الأول استغرق منه ما يقرب من أربعين عامًا، والثانى بدأه فى منتصف حياته تقريبًا، وهو الذى نذر فيه نفسه ليكون مغنيًا للرسول فقط، بعد أن قطع شوطًا كبيرًا فى الغناء بكل أشكاله وإنتاج الأفلام البدوية تحديدًا.
هل تؤمنون بالرؤى والأحلام؟
حتى لو كنتم لا تؤمنون بها أو تثقون فيها، أعتقد أن صاحبة الرواية ستجعلنا نطمئن لما تقوله.
هى الراحلة الدكتورة عبلة الكحلاوى، ابنة محمد الكحلاوى والداعية الرائقة الصافية وأستاذة الفقه فى كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بجامعة الأزهر.
فى أحد حواراتها الصحفية كشفت عبلة عن سر تحول والدها من المطرب والممثل، الذى كان رائدًا فى الأعمال البدوية إلى مطرب الرسول الأول، إذا جاز التعبير.
تقول الدكتورة عبلة: بدأ أبى حياته الفنية مطربًا وممثلًا، وفى منتصف حياته أصيب بمرض فى أحباله الصوتية، وفقد القدرة على الغناء تقريبًا، وظل على هذا الحال لفترة طويلة، بل تأثرت قدرته على مجرد الكلام، للدرجة التى ضاق فيها بكل شىء، فى منامه رأى شخصًا لا يعرفه يقول له: سيعود صوتك بشرط واحد ألا تغنى من الآن إلا للرسول، صلى الله عليه وسلم.
ظل الكحلاوى محتفظًا بهذه الرؤية لم يخبر بها أحدًا، حتى عاد له صوته بعدها بأيام، فقرر ألا يغنى إلا للنبى، صلى الله عليه وسلم، وهو ما حدث بالفعل، فعندما طلبوا منه أن يغنى أمام الرئيس جمال عبدالناصر، وكان مفروضًا أن يغنى بعض الأغانى الوطنية، اعتذر لمن دعوه، فقد نذر أمام الله ألا يغنى لأى إنسان آخر مهما كان، بعد أن غنى للنبى، صلى الله عليه وسلم.
عندما تقلب فى أوراق محمد الكحلاوى ستجد أن لديه ١٢٠٠ أغنية أداها طوال حياته، من بينها ٦٠٠ أغنية دينية تدور كلها حول النبى، صلى الله عليه وسلم، والغريب أنه عندما دفعته روحه الوطنية أن يغنى لانتصارات حرب أكتوبر، استدعى النبى، صلى الله عليه وسلم، أيضًا، فغنى: على نورك قمنا وعدينا يا رسول الله من بدرى كتايب حوالينا كبروا لله.
لن أزايد عليك وأدعى أننى أعرف الأغانى التى نثرها محمد الكحلاوى تحت قدمى النبى، صلى الله عليه وسلم، أكثر منك، لكننى سأتوقف أمام ما يمكننا اعتباره درة التاج فى مديح النبى المغنى عند الكحلاوى.
فعل ذلك مرتين فى حقيقة الأمر.
المرة الأولى فى أغنيته «لأجل النبى»، التى يلخص فيها العلاقة الخاصة جدًا التى تربط بين النبى والمصريين على وجه التحديد، رغم أنك يمكن أن تتعامل مع ما قاله على أنه يصف العلاقة بين النبى والمسلمين جميعًا، لكننى سأتحفظ على ما تذهب إليه، فالروح مصرية خالصة، والمزاج مصرى خالص.
ما رأيكم أن نستمع إلى «لأجل النبى» هذه المرة ونضعها على طاولة التشريح المصرية.
تتوقف فى الأغنية عند «القعدة» الحلوة لا لشىء إلا لأنها عند النبى، يمكنك أن تراجع كل الذين ذهبوا إلى هناك، أقاموا حول المسجد النبى، تجدهم لا يقر لهم قرار، يريدون أن يقضوا الوقت كله فى مسجد النبى وبجوار قبره وفى روضته، ولم يكن صعبًا على الكحلاوى أن يدرك حلاوة هذه القعدة، فمن بين ما ينسب له أنه ظل لأربعين عامًا من حياته يحج بيت الله الحرام ويزور قبر النبى دون انقطاع.
أنهت «لأجل النبى» الجدل العقيم حول الاستعانة بالنبى أو بآل بيته، فقبل أن يدخل الكحلاوى ساحة الرسول يتوجه إلى الله، ليفوض له الأمر كله، يحدثه: «يا إله الكل كلى/ إنت عالم بيا كلى/ يظلمونى أنت شايف/ يتهمونى أنت عارف/ برده عارف من عبادك إيه حصلى».
وأنت تردد مع الكحلاوى ما قاله، تضع الأمر كله بين يدى الله، معترفًا بأن الأمر كله منه وإليه، وأنه لا يقدر على شىء فى ملك الله إلا الله وحده، والنبى هنا شفيع، فأنت تستحلف الله برسوله، تطلب منه بجاه نبيه: أنا فى جاه النبى تكرم عبيدك والنبى.
لا يطلب المادح شيئًا لنفسه، يريد من الله أن يكرم العباد وينصر البلاد: لأجل النبى لأجل النبى لأجل النبى تنصر بلدنا والنبى لأجل النبى.
وحتى لا يقتحم الشك قلبك يعود المداح للتأكيد على تفويض الأمر كله لله: «يا إله الكل عنى من العباد ما حد عنى/ يا نصيرى يا إلهى يا مجيرى أنت جاهى غير بابك لم يكن لى».
ثم يدفع الكحلاوى بالنبى شفيعًا بين يدى الله فيطلب: «أنا فى جاه النبى تكرم عبيدك والنبى/ أنا فى جاه النبى تقبل صلاتى على النبى».
هنا يمكن أن نرصد حالة الذوبان الكاملة، فالنبى وسيلة وهدف، فالمداح يتشفع عند الله بجاه النبى لا لشىء إلا من أجل أن يقبل الله الصلاة على النبى، وهو ما يضعنا على الطريق الطويل الذى يقودنا إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فنحن نحبه من أجله.. ودون ذلك لا شىء.
الكحلاوى «2».. مديح النبى عطر شفايفنا
الأغنية الأكثر عظمة وعبقرية كانت «مدد يا نبى»، وأعتقد أنها الأشهر من بين ما غناه الكحلاوى فى حب النبى، صلى الله عليه وسلم، وكتبها الصوفى الكبير عبدالفتاح مصطفى.
هنا لا بد أن نتوقف عند المعانى التى تتابعت فى تدفق روحى هائل، فالهائم فى حب النبى يتحدث معه.
يقول: أنا جيت أزورك يا نبى وأقول مدد شاهدت نورك يا نبى زاد المدد.
ويقول: الورد كان شوك نور فى بساتينا والأرض كانت تراب صبح التراب حنة.
ويقول: حتى الحمام كان ينوح لأجل النبى غنى قلت لحمام الحما خد من دموعى شهود.
ويقول: الورد كان شوك ولأن الشوك على كفوفنا علشان مديح النبى عطر شفايفنا.
ويقول: الورد كان شوك ونور لما جينالك هانت ولادنا وهان الغالى علشانك.
لست فى حاجة لشرح ما خفى.
ولا لتفصيل ما أجمل.
فالصور التى أمسك بها عبدالفتاح مصطفى، وهو يطلب المدد من النبى، لم يقترب منها أحد قبله ولا بعده، وتخيل فقط أنت أن حضور النبى القوى يجعل الشوك ينور فى البساتين، وتراب الأرض يصبح حنة، والحمام الذى ينوح من أجله يغنى.
لم يكن هذا غناء أبدًا.. إنه وجد منطلق حافظ فيه عبدالفتاح مصطفى ومن ورائه الكحلاوى على خصوصية النبى، فهو لا يفعل شيئًا، بل الأشياء هى التى تتفاعل من أجله.
لا يحول النبى الشوك إلى ورود.. ولكن الشوك هو الذى يتحول.
لا يحول النبى تراب الأرض إلى حنة.. ولكن التراب هو الذى يتحول.
لا يجبر النبى الحمام الذى لا يتوقف عن النوح على الغناء.. بل هو الذى يغنى.
احتاج شيوخ التصوف الكبار إلى فتاوى كثيرة حتى يزيلوا من أذهان الناس أن طلب المدد من النبى، صلى الله عليه وسلم، أو من آل بيته أو من الأولياء فيه مس من الشرك أو هو الشرك نفسه، وإذا بأغنية واحدة تنهى الأمر كله، فما أطيب أن يردد الناس وراء الكحلاوى قوله «مدد يا نبى.. يا نبى مدد».
لو قلت لهم بعد ذلك ما قلت، ولو دفعت فى طريقهم ملايين الفتاوى وآلاف المقالات ومئات الكتب تطعن بها فى عقيدتهم فلن يصدقك أحد، فقد قرر المصريون أن يردوا على الفتاوى المتطرفة بالغناء.
متولى هلال.. المعجزة الكاملة فى مدح النبى

لدى هنا اعتراف لا أعرف إن كان سيروق لكم أم أنكم ستتجاهلونه تمامًا.
لم يلمس محمد الكحلاوى قلبى فى أى مرة استمعت منه إلى «مدد يا نبى»، فعل ذلك معى طفل صغير أدى الأغنية على المسرح الكبير بدار الأوبرا فى واحد من الاحتفالات بذكرى المولد النبوى الشريف، اسمه متولى هلال، أعتقد أنكم تعرفونه.
مات وعمره لا يزيد على ١٣ عامًا بعد أن أصابته رصاصة بالخطأ
فى كل مرة يقودنى الشوق إلى سماع الأغنية أذهب إلى متولى هلال، لا يستوقفنى الكحلاوى.
الطفل الصغير وضع الله فى حنجرته من الحلاوة والخضوع والخشوع والرهبة والحنان والقوة ما لا يمكننا أن نتصوره، جربوا واسمعوها منه، أعتقد أن الأمر سيكون مختلفًا تمامًا.
ظل متولى هلال بالنسبة لى مجهولًا تمامًا، لا أعرف عنه شيئًا، ولم يهتم به كثيرون، فيما أعتقد، رغم عبقريته، حتى وجدت بعض المعلومات المتناثرة عنه فى تقارير صحفية قليلة، بعد أن تقرأها قد تتعجب، ما الذى قادهم إلى هذا الصغير؟!
عبقرية متولى هلال انتهت قبل أوانها، وقتها كان عمره لا يزيد على ١٣ عامًا، أثناء مشاركته فى أحد الأفراح وجده المحيطون به جثة إلى جوارهم بعد أن أصابته رصاصة بالخطأ.
عاش متولى فى منطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة، واكتشفه الشاعر أمل الطائر عندما استمع إليه وهو يغنى فى أحد الأفراح بحى الشرابية، فقاده إلى دار الأوبرا التى وقف على مسرحها كمطرب كبير يمتلك أدواته ويقدر على انتزاع آهات الإعجاب من متذوقى الفن الكبار.
حاول بعض المنتجين استغلال موهبة متولى هلال، أنتجوا له ألبومين بالفعل، لكن لم يبق منه إلا أداؤه الرائع لـ«مدد يا نبى» وهو الأداء الذى تميز به عندى عن أداء الكحلاوى، وأداء كل من حاول أن يؤدى هذه الأغنية حبًا وتقربًا وكرامة للنبى، صلى الله عليه وسلم.
محمد منير.. محاولة اغتيال أغنية المدد الجديدة
قد تعتقد أن أغنية «مدد يا نبى» انتصرت بشكل كامل على المتطرفين والمعقدين والذين يصادرون الدين لحسابهم الخاص.
لكن الواقع يقول إن هذه الحقيقة أصابها شرخ عابر.

استمعتم إلى أغنية «مدد يا رسول الله» التى أداها محمد منير بإحساسه المميز.
تقول كلماتها:
«مدد مدد مدد.. مدد مدد مدد.. مدد يا رسول الله أقسمت بالفرقان وبسورة الإنسان العدل فى الميزان لكل خلق الله.
طرح منير الأغنية بالفعل فى العام 2002 وكانت المفاجأة أن التليفزيون المصرى تردد فى إذاعتها
مدد مدد مدد.. مدد مدد مدد.. مدد يا رسول الله أقسمت بالإسراء وبراءة العذراء.. الدم كله سواء حرام بأمر الله.. أنشودة المسيح رسالة حرة على الأرض السلام وبالناس المسرة.
مدد مدد مدد.. مدد مدد مدد.. مدد يا رسول الله أقسمت بالحميم وبصورة التحريم أنى لا زلت سقيم فى حب رسول الله».
تشعر من دخلة محمد منير إلى ساحة الأغنية بأنه يستعين بروح الكحلاوى، لكن عندما تتأمل كلماتها تتأكد أنها جاءت استجابة لحالة التناحر الدينى التى شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة، وكأن كاتبتها الشاعرة كوثر مصطفى عمدت إلى استدعاء النبى، صلى الله عليه وسلم، وطلبت منه المدد؛ لينهى الصراعات الكثيرة التى خلفها أتباع الأديان وراءهم.
لكن قد يكون غريبًا عندما تعرف أن هذه الأغنية تحديدًا تعرضت لما يشبه محاولة الإجهاض، وهنا أعود إلى تقرير صحفى كتبه الصحفى الفنى المرموق مصطفى حمزة.
كشف حمزة عن أنه قبل أن تصبح أغنية «مدد يا رسول الله» إحدى الفقرات الرئيسية فى الاحتفالات الدينية، خاصة المولد النبوى، ظل كليب الأغنية أسابيع طويلة ممنوعًا من العرض بالتليفزيون المصرى بسبب فتوى دينية.
قصة الأغنية بدأت مع محمد منير تقريبًا فى العام ٢٠٠١، تحديدًا بعد تفجيرات سبتمبر فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى التفجيرات التى كشفت عورة الجميع.
فكر منير فى الرسالة التى يجب أن يحملها ألبومه «الأرض.. السلام»، واستقر على أن تكون الرسالة مزدوجة للغرب وللمسلمين فى الوقت نفسه، يقول للجميع من خلالها إن الإسلام يدعو إلى التسامح ولا يعرف العنف.
طرح منير الأغنية بالفعل فى العام ٢٠٠٢، وكانت المفاجأة أن التليفزيون المصرى تردد فى إذاعتها رغم رسالتها الواضحة، وكانت الحجة التى رفعها مسئولو التليفزيون فى وجه صنّاع الأغنية أن هناك فتوى وصلتهم من أحد الشيوخ تحرم الأغنية.
حملت الشاعرة كوثر مصطفى على عاتقها مهمة التصدى إلى هذه الرؤية الظلامية والمريبة، هى التى كتبت الأغنية، وتعرف جيدًا قيمتها وما تحمله من رسائل سامية، طلبت منهم أن يظهروا لها الفتوى التى يقولون إنها تحرم الأغنية، لكن لم يطلعها أحد عليها، فيما يبدو أنه لم تكن هناك فتوى من الأساس، قالوا لها إن الفتوى التى معهم تقول إنه لا يجوز طلب المدد من الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإن هذا شرك بالله.
وكأننا تأخرنا عشرات السنين، وكأننا عدنا مرة أخرى إلى الجدل العقيم والسقيم حول هذه المسألة.
كان طبيعيًا أن تتحرك كوثر مصطفى حتى تحمى أغنيتها، طلبت الرأى من الدكتور محمد الفيومى، أحد علماء الأزهر، وتحدثت مع الكاتب الكبير أحمد بهجت، وقد اتفقا على أن القيم التى ذهبت إليها الأغنية، وما تدعو إليه من تسامح، تعبر عن فهم لصحيح الدين ولا يجوز منعها إطلاقًا.
وجد المسئولون عن التليفزيون أنفسهم فى حرج، فاضطروا إلى الإفراج عن الأغنية التى تمثل جزءًا مهمًا من تراثنا الغنائى فى حق النبى صلى الله عليه وسلم.
الأزمة التى لا بد أن نواجه بها أنفسنا أننا بالفعل تأخرنا فى الغناء من أجل النبى، صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك أننا احتفينا بأغنية كان يؤيدها سامى يوسف، تقريبًا كانت الأغنية دون كلمات، ربما جذب الناس إليها أنها كانت غريبة، أو أن مطربًا غير عربى يترنم فى حب النبى، لكن سامى يوسف كان مجرد موضة، ثم لم يبق منه شىء على الإطلاق.
أم كلثوم أمام قبر النبى: ولما أشوفك يروح منّى الكلام وأنساه
جرت هذه الواقعة فى العام ١٩٥٦، بطلها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الذى ذهب إلى السيدة أم كلثوم التى كانت قد عادت من رحلة الحج ليطمئن عليها ويهنئها بسلامتها.

سأل هيكل السيدة أم كلثوم: هيه.. ماذا قلت وأنت واقفة أمام الروضة الشريفة، وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل همست فى نجواك بإحدى أغنياتك العابدة الخاشعة التى تغنيها له وأنت هنا فى القاهرة؟
ردت أم كلثوم: اسكت... لم أستطع أن أفتح فمى بكلمة واحدة.
بدهشة شديدة قال لها هيكل: أنتِ! أنت التى تغنى فى مدحه وفى سيرته أروع ما قيل من قصائد كالهمزية النبوية ونهج البردة وإلى عرفات الله.
بددت أم كلثوم دهشة هيكل، وقطعت عليه طريق الدهشة، قالت له: نعم... نعم... أنا التى أجد نفسى فى مدحه وسيرته، هنا على البعد، مثل اللبلب وجدت نفسى فى رحاب قبره وليست على لسانى كلمة واحدة.
وقبل أن يلتقط هيكل أنفاسه، لاحقته الست.
قالت: العجيب أنى عندما وجدت المدينة المنورة تبدو أمامى قابعة فى أحضان الرمال ورأيت المآذن والقباب الخضراء فوق الروضة الشريفة، أحسست بفيض جياش من المشاعر والأحاسيس، وأخذت أتحدث وأعبر عنها فى طلاقة، فلما وصلت إلى الروضة نفسها، ووقفت أمام القبر الطاهر، ران على الصمت وتملكنى السكون.
ضحك هيكل فى وجه الست: لم تستطيعى أن تتذكرى ولا قصيدة واحدة من أغانيك؟
جاملت الست هيكل بضحكتها الرائقة، وقالت: تذكرت أغنية واحدة ولكن بعد أن خرجت.
سألها: أيها؟
قالت: الأغنية التى أقول فيها «ولما أشوفك يروح منى الكلام وأنساه».
كان النبى، صلى الله عليه وسلم، حاضرًا فى حياة أم كلثوم بنت البيئة الدينية الوسطية التى تملكها الوجد وهى تغنى له أغنياتها الخالدة التى نحفظها جميعًا، كانت تفعل ذلك بعبقرية وأريحية نادرًا ما تجدها عند أحد، لكن عندما أصبحت أمامه وجهًا لوجه لم تتذكر شيئًا.
أعتقد أن أم كلثوم لم تبحث عن تفسير لما جرى لها، فقد عاشت الحالة، وهذا بالنسبة لها كل شىء.
هل تعرف أنت ما الذى حدث لها؟
سأتركك تفكر، قل ما عندك، من حقك أن تصف أحوال مداحة النبى، لكننى أعتقد أن أم كلثوم عندما عبرت الحدود ووجدت نفسها أمام قبر النبى، صلى الله عليه وسلم، أدركت أنها هذه الإنسانة الضعيفة التى تحتاج إلى المدد من النبى، كل ما حصدته من شهرة ونجومية وثروة وسطوة ونفوذ لا شىء أمام النبى، صلى الله عليه وسلم.
ما لم تقله أم كلثوم لهيكل أنها كانت هناك واحدة من مريدات الرسول صلى الله عليه وسلم، تضاءل فى نظرها كل شىء، لأنها تقف أمام من يمثل لها كل شىء.
حمزة نمرة.. حجب بركة النبى عن «مدد»
المعجزة الحقيقية التى توقفت عندها أن الغناء للنبى، صلى الله عليه وسلم، لا يبقى إذا كان لوجهه، وهو ما جرى مع أغنية حمزة نمرة.

الأغنية تحمل اسم «مدد»، ربما طمعًا فى أن تحصل على بعض ما حصلت عليه الأغنيات السابقة التى كانت تتغنى بالمدد الذى ننتظره من النبى، وربما يكون حمزة حلم ببعض مجد محمد الكحلاوى أو محمد منير، لكنه سقط تمامًا، وتحولت أغنيته إلى مجرد أغنية من الأغنيات الكثيرة التى يسمعها الناس لمرة أو مرتين ثم تدخل ملف النسيان.
كلمات أغنية حمزة نمرة لا روح فيها ولا إحساس.
تقول: «يا حبيبى يا رسول الله/ يا مبعوث فينا نورت المدينة/ جئت بالرسالة والأمر ابتدا/ يا أميًا علم بالصدق تكلم/ اللهم سلم على نور الهدى/ مدد يا نبى مدد يا خير البرايا ومبتدى الحكاية/ أحضرت الهداية ومحلى بالرضا/ يا خير الأنام يا مسك الختام أنت لى إمامى».
لن أخوض فى هذه الكلمات، ولن أقترب من أداء صاحبها، كل ما عندى واستقر فى قلبى أن هذا المطرب لم يمنحه النبى صلى الله عليه وسلم بركته عندما قرر أن يغنى من أجله.
عبدالحليم حافظ.. القصة الكاملة لـ«روحوا له المدينة»
لا يكشف الدكتور على جمعة، مفتى مصر السابق عن كل وجوهه.
عندما تتابعه عبر الفضائيات الكثيرة التى يظهر على شاشاتها مفتيًا ومتحدثًا ومشتبكًا مع القضايا المعاصرة، لن تتخيل أنك أمام صوفى كبير، وعاشق للنبى، صلى الله عليه وسلم.

هذا الوجه يمكن أن تتطلع إليه فى جلسات الشيخ مع مريديه، فهو شيخ الطريقة «الصديقية الشاذلية».
فى هذه الجلسات يأخذك على جمعة إلى عالم آخر تمامًا، ستراه شخصًا متجردًا تمامًا من كل وأى شىء، يمكنك ببساطة أن تشعر أن آل البيت يجلسون إلى جوارك فى حضرته، فشدة حبه لهم تجعلك مشدودًا إليهم، للدرجة التى ستتخيلهم بالفعل إلى جانبك، هذا إذا لم يأخذك الوجد وتتخيل أنك تتحدث معهم.
كانت هناك مساحة خاصة للنبى فى حياة «العندليب»
من الأسرار التى كشفها الدكتور على جمعة، أن الفنان الكبير عبدالحليم حافظ غنى للنبى، صلى الله عليه وسلم، وأن أغنيته الشهيرة «أبو عيون جريئة» ليست هى فقط هذه الأغنية العاطفية الشهيرة التى يتغنى بها محبوه، ولكنها أغنية تم نسجها على كلمات كانت تقال فى النبى، صلى الله عليه وسلم.
لم يفصح على جمعة عن الكلمات التى غناها عبدالحليم حافظ للنبى، صلى الله عليه وسلم، اكتفى فقط بأن قال إن عبدالحليم كان رجلًا مؤمنًا ويحب النبى كثيرًا.
أمسك خصوم على جمعة بما قاله، سخروا منه، رأى الإخوان أن ما قاله فرصة للهجوم عليه والنيل منه، قالوا لأتباعهم: هذا هو مفتى مصر السابق الذى يعادى الإخوان، يسخر من النبى، يلفق قصة من عنده، يمنح عبدالحليم حافظ ما لا يستحقه، عندما يجعل منه مداحًا للنبى صلى الله عليه وسلم.
ظل إفك الإخوان يتردد دون أن يتصدى له أحد، حتى وجدنا تسجيلًا صوتيًا لعبدالحليم حافظ فى أحد البرامج الإذاعية، يتحدث عما جرى.
فالأغنية الشهيرة التى كتبها مرسى جميل عزيز ولحنها كمال الطويل، وتقول كلماتها «قولوا له قولوا له قولوا له الحقيقة قولوا له بحبه بحبه من أول دقيقة»، كانت فى الأصل: «روحوله روحوله روحوله المدينة روحوله وشاهدوا وباركوا وعاهدوا نبينا محمد نبينا». أنهى هذا التسجيل الصوتى الفتنة التى خطط لها الإخوان، لكنه أكد لنا أنه كانت هناك مساحة خاصة يحتلها النبى، صلى الله عليه وسلم، فى حياة عبدالحليم حافظ عبر عنها بهذه الأغنية.
شادية تنادى النبى: خد بإيدى والرسول يستجيب لها
من بين ما كانت تنتظره مصر كلها خلال سنوات طويلة مضت، حفل «الليلة المحمدية»، ففى كل عام كان يحتشد عدد كبير من المطربين والمطربات والملحنين والفرق الموسيقية؛ ليحيوا ذكرى النبى، صلى الله عليه وسلم، بالغناء فى محبته.

المفارقة أن إحياء ذكرى النبى صلى الله عليه وسلم، لم يكن بالحفلات الغنائية فقط، وهى الحفلات التى تركت لنا تراثًا هائلًا من الأغانى التى تسجل الحالة المصرية الخالصة من حب المصريين للنبى صلى الله عليه وسلم، وأعتقد أنه لا يوجد مطرب واحد أو مطربة واحدة فى مصر ليست لهم أغنية فى حب النبى.
كانت هناك أيضًا مسابقة عالمية فى السنة النبوية، متسابقون من كل دول العالم يتم اختبارهم فى حفظ ودراسة أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه المسابقة تتوج باحتفال مهيب يحضره رئيس الجمهورية، يكرم الذين يخدمون السنة فى كل مكان على الأرض.
شادية اعتزلت وارتدت الحجاب بعد أن غنت «خد بإيدى»
من أهم الأحداث التى ارتبطت بالليالى المحمدية كان اعتزال المطربة الكبيرة شادية، الذى بدأ بعد إنشادها أغنيتها الشهيرة «خد بإيدى» فى حفل الليلة المحمدية فى العام ١٩٨٦.
قبل أشهر من هذا الحفل وفى العام ١٩٨٥، سافرت شادية إلى الأراضى المقدسة لتؤدى فريضة الحج، وهناك التقت الشاعرة الكبيرة علية الجعار التى نذرت نفسها منذ سنوات لكتابة الأغانى الدينية، فجمعتهما رغبة أن تغنى شادية من كلمات علية.
عادت علية الجعار من الأراضى المقدسة، وبينما كانت تتحدث مع الإذاعى الكبير فهمى عمر، رئيس الإذاعة وقتها، فى احتفال يليق بالنبى، صلى الله عليه وسلم، ووقتها ولدت فكرة الليالى.
كان فهمى عمر يفكر فى أن تكون الليلة المحمدية الأولى حدثًا كبيرًا يتحدث عنه العالم الإسلامى كله، تذكرت علية الحديث الذى دار بينها وبين شادية فى الأراضى المقدسة، أخبرت فهمى عمر به، فاستقر الرأى على أن تكون شادية هى نجمة الليلة المحمدية الأولى.
كانت علية الجعار قد انتهت بالفعل من كتابة أغنيتها «خد بإيدى» التى تقول كلماتها: جه حبيبى وخد بإيدى.. قلت له أمرك يا سيدى جه وعرفنى طريقى وسكتى.. وبهداه ونوره مشيت خطوتى وبحماه هلت بشاير فرحتى.. والأمان فرد الجناح على دنيتى قلت يا شموع الفرح حواليا قيدى.. جه حبيبى وخد بإيدى قلت له أمرك يا سيدى.. أمرك يا سيدى لما جه سلمت له عقلى وقلبى.. من حنانه ورحمته وعطفه على هو نعمة من السما.. أرسلها ربى بالهدى.. بالخير لكل الإنسانية يوم ما جه حسيت بإن اليوم ده عيدى.. جه حبيبى وخد بإيدى آدى حالى وحال جميع المؤمنين.. اللى آمنوا بالنبى الهادى الأمين إللى كان رحمة لكل العالمين.. يا نبينا يا ختام المرسلين.. خد بإيدى.
انتهت شادية من بروفات الحفل الذى أقيم فى ١٣ من نوفمبر ١٩٨٦ على مسرح الجمهورية، وشاركها فيه عدد من المطربين والمطربات، على رأسهم محمد قنديل ومحمد ثروت وسوزان عطية.
اختارت شادية فستانًا أبيض، ورفضت أن ترتدى حجابًا رغم أن هناك من اقترح عليها ذلك، قررت أن تظهر كما هى، وكانت المفاجأة أن أداء شادية الأغنية على المسرح اختلف تمامًا عن أدائها فى البروفات، للدرجة التى أذهلت كل من سمعها منها قبل ذلك.
لم تكن شادية تغنى، كانت تستغيث بالفعل.
لم تقل للنبى «خد بإيدى» كجزء من أغنية عابرة، كانت تتضرع له، أن يساعدها بالفعل، وهو ما بدا لنا جميعًا من لهفتها وهى تنتهى من أغنيتها مكررة «خد بإيدى.. خد بإيدى.. خد بإيدى».
لم تكن هذه هى المفاجأة الوحيدة فى هذه الليلة، بعد أن أنهت شادية أغنيتها، التى استمرت ٣٩ دقيقة، وهى تقريبًا أطول مدة استغرقتها أغنية لشادية، سواء كانت أغنية عاطفية أو وطنية، حدثت المفاجأة الكبرى.
دخلت شادية فى نوبة من البكاء لم تستطع خلالها السيطرة على نفسها، ودون أن تخبر أحدًا قررت أنها من هذه اللحظة لن تغنى إلا الأغانى الدينية فقط.
كان العام ١٩٨٦ هو عام شادية بامتياز، اختارها الجمهور مطربة العام، واستقروا على أغنية «خد بإيدى» واختاروها أغنية العام، لكنها لم تنفذ ما عزمت عليه، قررت اعتزال الفن وارتداء الحجاب، وهو ما جرى حتى اليوم الأخير من حياتها، فقد توفيت فى ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧، وكانت مصادفة أن هذا اليوم هو يوم الاحتفال بالمولد النبوى.
كانت شادية صادقة فى كل مراحل حياتها الفنية، وكانت صادقة جدًا فى مرحلتها الأخيرة، لم ألتفت أبدًا لكل ما قيل عن حكاية حجابها، يمكنك أن تطالع قصصًا كثيرة عن شيوخ ودعاة تدخلوا وأقنعوها، لكننى أعتقد أن ما جرى كان بسر اللحظة التى وجدت نفسها فيها وجهًا لوجه مع النبى صلى الله عليه وسلم، طلبت منه أن يعينها، فلم يتأخر عنها.
كانت هذه هى كل الحكاية، لكن للأسف الشديد لا يريد كثير منا أن يصدق.
مداحة النبى.. سر ياسمين الخيام الذى قادها إلى ساحة الرسول
من بين الحكايات المستقرة فى تراثنا الفنى أن السيدة ياسمين الخيام كانت صنيعة السيدة جيهان السادات، التى لم تكن تميل إلى السيدة أم كلثوم، فأرادت أن تقف خلف مطربة جديدة تأخذ من المساحة التى تحتلها أم كلثوم.

يبنى من يذهبون إلى ذلك أن جيهان السادات غضبت من أم كلثوم، لأنها رأتها تتباسط مع الرئيس السادات، الذى سلمت عليه بود فى أول لقاء لهما بعد أن أصبح رئيسًا، وقالت له: أهلًا يا أبوالأنوار.
لا تصمد هذه الروايات كثيرًا، خاصة عندما نعرف أن ياسمين الخيام غنت فى المرة الأولى فى الذكرى الأولى للسيدة أم كلثوم، وقد تكون السيدة جيهان السادات أعجبت بها ومالت إليها، وأرادت أن تدعمها لتكون مطربة للعصر الجديد.
أرادت الأقدار لياسمين الخيام طريقًا آخر، فرغم أن لها أغانى عاطفية عذبة جدًا، فإن أغنياتها الدينية هى التى بقت منها.
ياسمين الخيام غنت لأم النبى أغنية من أعذب وأقوى الأغانى
فى مساحة النبى صلى الله عليه وسلم، تتبقى لنا منها أغنيتها الشهيرة «محمد يا رسول الله» التى فتحت لها باب الغناء للنبى صلى الله عليه وسلم.
الأغنية كانت أغنية المسلسل الشهير «محمد رسول الله».
مؤكد أنكم تعرفونه جيدًا.
المسلسل عرضه التليفزيون فى خمسة أجزاء، أخرج الثلاثة الأولى منها المخرج أحمد طنطاوى، أما الجزآن الرابع والخامس أخرجهما نور الدمرداش، وهو مأخوذ من ملحمة عبدالحميد جودة السحار «محمد رسول الله والذين معه»... كتب له السيناريو والحوار عبدالفتاح مصطفى، والأغنية من كلمات عبدالفتاح مصطفى أيضًا، ولحنها الملحن الكبير جمال سلامة.
من بين ما كشف عنه جمال سلامة فى أحد حواراته الصحفية أن الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب كان من المفروض أن يقوم بتلحين الأغنية، لكنها استقرت عنده فى النهاية.
سأتركه يحكى هو الحكاية.
يقول جمال سلامة: رشحنى الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى لعمل الموسيقى التصويرية لمسلسل «محمد رسول الله» ووضع ألحان الأغانى، واقترحت أن نبدأ الأغنية: بـ «محمد يا رسول الله» وليس كما بدأها عبدالفتاح مصطفى «دعوة إبراهيم ونبوءة موسى ترنيمة داود وبشارة عيسى».
كان الجديد الذى جاء به جمال سلامة أنه وضع البيانو فى لحنه، وهو ما اعترض عليه المخرج أحمد طنطاوى، كانت وجهة نظره أنه لا يليق أن يستخدم البيانو فى عمل دينى، قالها له بصراحة: ده كفر.
خرج جمال سلامة من هذا المأزق، بأن برر للمخرج استخدام البيانو فى اللحن، لأنه قال له إن المسلسل سيكون عالميًا، والآلة الوحيدة العالمية التى يعرفها العالم كله هى البيانو، وعليه فهى الآلة المناسبة تمامًا، لكن المخرج رفض منطق جمال سلامة وطلب تعديل اللحن، لكن سلامة رفض وهرب إلى الإسكندرية حتى لا يعدل لحنه.
بعد أيام عرض المسلسل، لكن المفاجأة أن المخرج رفع اسم جمال سلامة من على التتر، عقابًا له، لم يستمر الوضع كثيرًا، فقد عرف الرئيس السادات القصة، وأمر بعودة اسم جمال سلامة على لحنه.
لم يكن جمال سلامة جديدًا على ياسمين الخيام، كان قد لحن لها عدة أغان، لكن تظل «محمد يا رسول الله» هى بوابة عبور ياسمين إلى عالم النبى صلى الله عليه وسلم.
بعد سنوات غنت ياسمين أغنية المقدمة لمسلسل «على هامش السيرة» المأخوذ عن قصة طه حسين، تدخل المجموعة بـ«يا رسول الله يا نعم الأمين».. ثم تدخل ياسمين الخيام بـ«يا ختام الأنبياء يا حبيبى يا محمد»، والمفاجأة أن بعض الدول العربية اعترضت على عرض المسلسل بسبب أغنية ياسمين، وتحديدًا بسبب كلمتها «يا حبيبى يا محمد» فقد اعتبروا أن هذا التعبير لا يليق بمقام النبى.
هنا تحديدًا يبدو الفارق بين الروح المصرية والروح العربية، أو حتى تلك التى تتمكن من المسلمين فى دول أخرى، فتعبير «يا حبيبى يا محمد» يعبر عن المزاج المصرى تمامًا، فالرسول بالنسبة لنا صديق ورفيق وأخ وحبيب، التبسط معه لا يعنى أبدًا المساس بقيمته عندنا، على العكس تمامًا، التباسط معه نعمة لا يدركها إلا المحبون له، وهو ما لا يعرفه كثيرون ممن يدينون بدين الإسلام، وأعتقد أن هذا يرهقهم جميعًا.
وكما غنت ياسمين الخيام للنبى، صلى الله عليه وسلم، غنت لأم النبى أغنية من أعذب وأقوى الأغانى، جرب أن تسمعها وهى تغنيها من على خشبة المسرح القومى فى إحدى حفلاتها، لتتأكد أنها استمدت الشموخ من شموخ النبى وسيرته وسيرة أمه التى أهدت البشرية أعظم هدية.
تبدأ أغنية أم النبى التى كتبها عبدالسلام أمين ولحنها جمال سلامة بـ: «يا آمنة يا أم النبى/ يا عطر مكى ويثربى/ يا أمى وفى عز الصبا/ تهدى حياتى وتوهبى/ طه الحبيب أطهر وليد أجمل صبى وأعظم نبى».
لكن انفعال ياسمين الخيام إلى أقصاه فى قولها: «أم النبى خير الأنام شافت منام يوم مولده/ قالت كلام بنردده يا بركة الله الأحد/ احمى وليدى من الحسد وشر حاسد إن حسد/ يا عين حسود ما تقربى حب وكرامة للنبى/ يا خير خلق الله مدد/ يا كل أحباب النبى اتجمعوا فى نور النبى مدد مدد مدد».
وهبت ياسمين الخيام نفسها للغناء من أجل النبى، ويمكن أن نجد تفسيرًا لحالتها فى كلمات قليلة قالتها وهى تحكى عن سبب اعتزالها الفن.
قالت: سعادة أى إنسان فى هذه الدنيا لا تتحقق إلا بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه هى القصة كلها.
فمحبة النبى هى التى قادت ياسمين الخيام إلى طريقه، وهو الطريق الذى منحها الكثير، فبفضل ما قدمته أصبحت شادية المصريين التى لن نمل سماعها.