الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الخطة والطريق.. الحرب الواجبة على «أنصاف المواهب»

حرف

ما أعقد تلك اللحظة التى نعيشها الآن حيث يحلم المثقفون والمبدعون بعقد ثقافى جديد تسترد فيه مصر قوتها الناعمة بأن تقدم مبادرات فاعلة لا مجرد احتفالات سرعان ما تنتهى وينتهى معها كل شىء، نأمل فى أن تقود وزارة الثقافة المبادرة وتخطو الخطوة الأولى لنقود المنطقة كلها التى تموج بمتغيرات شتى، نحن نملك كل مقومات الريادة ومقومات الفعل الثقافى، فما الذى يعوقنا سوى الإدارة؟ نأمل فى إدارة ثقافية تمتلك الخيال والإبداع..

وهذا لن يكون إلا بعودة الكتاب والمثقفين الحقيقيين لا أصحاب كل الموائد الذين تصدروا المشهد لسنوات لا يريدون أن يبرحوه، ما زالت وزارة الثقافة تقف كمارد مكبل لا يتحرك فى مكانه ولا يبرحه لأن القائمين على إدارة الثقافة فى مصر يفتقدون الإبداع ويفتقرون إلى الخيال فنظل نراوح مكاننا، كل مؤسسة ثقافية تعمل فى جزيرة منعزلة.. ولأنها مؤسسات فقيرة إداريًا فستجد طوابير مزدحمة على أبواب الهيئة العامة للكتاب تريد النشر،

ليس مهمًا قيمتك الإبداعية ولا مكانتك ككاتب؛ هذا لن يشفع لك لكى تخرج من طابور طويل يزاحمك فيه أنصاف المواهب وأرباعها وبحجة واهية أن العدالة ألا يتخطى أحد أحدًا فى الطابور وكأننا هنا نتحدث عن عدالة اجتماعية وهو قول حق يراد به باطل، العدالة الثقافية شأن آخر وهو أن يعطى المبدع الحقيقى قيمته وأن يفسح له المجال لا أن نتركه ينازع أنصاف وأرباع كتاب، ولهذا ترى كتبًا كثيرة ولكنها بلا قيمة أدبية بمنطق الطابور، ستجد توصيات رائعة تصدرها لجان المجلس الأعلى للثقافة لكن لا تجد طريقًا ولا سبيلًا للتنفيذ، لأننا نفتقد إلى السلطة الأعلى التى ترى المشهد كله وتملك الرؤية وأعنى هنا القمة الهرمية بوزارة الثقافة، هيئة قصور الثقافة تعانى من فقر الإمكانات، وتفشى ظاهرة الكم لا الكيف ولا يوجد رابط ما بين فرع ثقافى وآخر فكل يعمل فى جزيرته منفصلًا، لا توجد استراتيجية واضحة موضوعة سلفًا من قمة الهرم، للأسف أنشأت هيئة قصور الثقافة ظاهرة نوادى الأدب وسرعان ما تحولت لمرض عضال، وترهلت وصارت عبئًا على الحركة الثقافية وليتهم يعدلون لوائحها، انظر كيف استولى أنصاف المبدعين على مجالس إدارتها وانكبوا عليها وبمنتهى الديمقراطية استولوا على مجالس الإدارات لمعظم أندية الأدب وانتهت فكرة نوادى الأدب إلى شللية مقيتة تقودها شلة من صغار المبدعين بلا وزن ولا قيمة وكله للأسف طبقًا للائحة، باللائحة يبعد المبدع الحقيقى ويجلس على مقعده قليلو الإبداع..

الأمر بات يراه القاصى والدانى لكن لا يتقدم أحد من قيادات وزارة الثقافة لتعديل اللائحة أو الخروج من هذا المطب لأنهم يرتضونه لا يريدون مثقفًا مبدعًا يملك طاقة للعمل، هم يريدون من يصفق لهم على النوم فى العسل، فى ظل التقدم الكبير فى عالم النشر الآن ستجد بعض إصدارات الهيئة العامة للكتاب أو هيئة قصور الثقافة فقيرة ضعيفة، إصدارات تفتقر إلى الجودة ولا تصلح للمنافسة، ولى طبعًا تجارب فى الهيئات ندمت عليها وأظن أن تجاربى فى دور النشر الخاصة جيدة وأكثر جودة فكيف يحدث هذا؟ هل ضرب الترهل الإدارى صناعة النشر الحكومى وهو ملف مهم يمكن على الأقل الخروج منه بأن نكف عن الطباعة بل تجرى مناقصة مع دور النشر الخاصة لطباعة هذه الكتب بشكل جيد.. ربما سيسأل العارفون وأين تذهب المكافآت والحوافز؟! هل نتصور مثلًا أن ما يشاع بأن عامل المطبعة فى هيئة الكتاب هو من يقدم كتابًا على آخر، هذا ما يشاع فى أوساط المثقفين أمر يشبه الجنون، ولى تجربة أنا شاهد عليها فى هذا المجال، كيف تخلت وزارة الثقافة عن دورها هكذا؟! وهى القاطرة التى ستقود المجتمع ليخرج من أفكار التعصب والإرهاب المقيت؟.. لدينا طموح الآن أن نتخطى تلك العقبات ونحن نرى الدولة تثمن دور الثقافة والمثقفين وطبعًا سنجد الخلط الواضح وربما المتعمد حين تتحدث عن المثقفين ويجب أن يشاركوا فى وضع خططهم الثقافية، ستجد الوزارة تستدعى بعض الفنانين والإعلاميين وأنا هنا لا أنفى دور الفن ولا الإعلام ولكن المثقف والمبدع أمر آخر تمامًا وأهل مكة أدرى بشعابها.. من يمتلك الرؤية والخطة والطريق ويعرف الوجهة هو الكاتب والمبدع والمثقف، أنا واحد من الكتاب الذين سافروا وحضروا معارض خارج مصر ورأيت كيف يكون الاهتمام والدقة والترتيب المحكم بديلًا عن العشوائية التى سارت فى حياتنا الثقافية وتغلغلت فى أروقة مؤسساتنا الثقافية، غيرتنا على مصرنا كبيرة وأملنا فى أن نسترد دورنا وقوتنا سريعًا، وأن نستدعى المثقفين الحقيقيين ولا نستثنى أحدًا، وأن نخرج من دائرة تلك الوجوه التى ألفناها تعتلى كل المنصات والمنابر وأفسدت كل شىء، العجيب أن المثقفين والمبدعين والكتاب يعرفون بعضهم البعض لكن حين يكون هناك عمل أو لقاء مع مسئول كبير لا نرى أحدنا هناك ولكن نرى وجوهًا لا نعرفها فمن استدعاها لتمثلنا وتعبر عنا؟!.. 

مصر العريقة بثقافتها كيف فقدت دورها فى سياق عربى وعالمى بالغ الخطورة؟! وفى لحظة يعيشها المثقف والمبدع المصرى؛ لحظة فارقة من عمر هذا الوطن حين يبدو المشهد أكثر تعقيدًا أمام المبدع المثقف الذى لم يبرح بعد عهد الشللية ولعبة الكراسى الموسيقية وتبديل الأدوار، ومحاولات البعض الحثيثة لتلوين المثقف وتكبيله وعرقلة دوره ومنعه من دخول الجامعات والنوادى الرياضية كأنهم يتيحون للمتعصبين المكان ويخلون للإرهاب الساحة.. تخيل لكى تدخل جامعة لتتحدث عن الأدب والثقافة والكتابة ستحتاج كم موافقة، على وزير الثقافة الحالى أن يرفع تلك الحواجز عن الكتاب وأن يبرم بروتوكولات فاعلة ليست شكلية ولا تكون مجرد حبر على ورق يطيح بها موظف إدارى صغير فى جامعة أو مدرسة أو نادٍ من أندية الشباب، نحن لم نفقد إيماننا بوطننا مصر ونراها أمة عريقة بفنها وثقافتها وكتابها، وعلى مدار تلك العقود لم يفقد بعض المثقفين والكتاب والمبدعين إيمانهم بثقافتهم القادرة على إزاحة الردىء وأنا واحد منهم صعدت منصات عربية كثيرة لكن تظل مصر هى بيتى ووطنى وعشقى، سنظل نتمسك بذواتنا نحلم بقفزة فى الهواء تعيد لمصرنا دورها، وأظن أنه قد حانت اللحظة ولاحت الفرصة وبدا فى الأفق شىء جديد مع تغيير الحكومة الآن، وبدأ الحلم يلوح من بعيد بعد أن أتى وزير يعلن منذ اللحظة الأولى عن أنه يريد أن يسترد قوة مصر الناعمة ويريد تطوير وزارة الثقافة ويريد وضع خطة واضحة واستراتيجية معلنة لتجديد الخطاب الثقافى، ويحلم بالتغيير لكن من أين نبدأ؟ من الكتاب والمبدعين أم من المؤسسات والإداريين؟.. من كان سببًا فى عرقلة الثقافة المصرية لن يكون سببًا ولا وسيلة فى إصلاحها.. أرجوكم تنبهوا إلى من يحمل اسم مصر عاليًا فى كل الجوائز والمعارض العربية ومن يجلس هنا تحت مظلة الحماية الوظيفية يقطف ثمار الحديقة وحده ووحده يدعى لكل الموائد والفعاليات ليمثل المثقفين والكتاب ونحن ننظر ونسخر ونتعجب.. قبل التغيير الوزارى الذى جرى خاطبنا الرئيس السيسى صانع نهضة مصر والذى وقفنا إلى جواره وأيدناه، قبل التغيير الوزارى طالبنا سيادته بألا تكون وزارة الثقافة وزارة كوتة أو محاصصة بل هى وزارة فى حقيقتها هى قاطرة التنمية، وزارة التنوير والريادة والحمد لله أن استجاب صانع القرار وأتى بوزير فنان وهو الدكتور أحمد هنو، نأمل فى أن يخرج من الدائرة التى ستلتف حوله وتملى عليه وتأخذه فى ذات الطريق الذى لا جدوى منه، يا سيادة الوزير أنت وزير ثقافة مصر، وزير ثقافة مصر التى تضرب بحضارتها فى عمق الزمن، مصر الريادة والحضارة.. مصر التاريخ، ابتعد عمن يحيط بك لخطوتين فقط وسترى، نريد هذه المرة أن نفرط فى التفاؤل، لا نريد تفاؤلًا ساذجًا لا يقف سوى على قدم واحدة إذ كيف نتحدث عن النهوض والريادة والقوة الناعمة ونحن لم نبرح أماكننا نحلم بمؤسسات ثقافية تؤسس للديمقراطية وتبتعد عن الشللية والمحسوبية، عن جوائز يعرف القاصى والدانى أنها تمنح لأسباب بعيدة عن الاستحقاق وفقدت مصداقيتها بين المثقفين وصارت عرضة للتلاسن، تخيل جائزة تحمل اسم مصر يحدث معها ذلك، تلك المؤسسات قد عاشت طويلًا فى فسادها الممنهج ستكون عصية على التغيير حتمًا، أعرف أن الواقع ملىء بالمعضلات والمشهد يبدو مرتبكًا.. وأن الأمر ليس بتلك البساطة وأن إزاحة ما نما واستفحل من أمراض ثقافية ليس من اليسير تجاوزه دون جراح أو آلام.

نحلم أن يحدث تغيير داخل المؤسسات الثقافية الرسمية للدولة، متى نرى مؤسساتنا الثقافية قادرة على أداء دورها؛ قادرة على أن تكون القاطرة التى تجر المجتمع إلى الأفضل.. لكن هذا لن يحدث إلا بوجود الكتاب والمبدعين الحقيقيين وليس من ترضى عنهم تلك المؤسسات، فى كل الدول حولنا تصلنا الدعوات لحضور فعالياتهم ومعارضهم وتكريماتهم وجوائزهم، أما هنا فلا أحد يدعوك لشىء، هى وجوه مألوفة لكل الموائد لا تتغير.

برغم صعوبة ما أبديته هنا لكن نؤكد فى النهاية على أهمية أن نتطلع إلى الأفق البعيد حيث الحلم والأمل، لن ننظر تحت أقدامنا وننغمس فى الاشتباك مع تفاصيل واقع اللحظة الآنية دون أن نغفل أهميتها حتى يمكننا تجاوزها ورسم صورة عن مستقبل هذه الأمة التى ما زالت تناضل من أجل صنع مستقبلها.. استعادة ريادتها والقبض على الحلم قبل أن يتفلت من أيدينا.. مصر قادرة، مصر فاعلة، مصر قاطرة الثقافة للمنطقة كلها.