محمد فؤاد المهندس: عاش «على قديمه».. و«عصر السوشيال ميديا» كان سيصيبه باكتئاب
- والدى رمز الكوميديا الراقية وتكريمه الأهم حُب الناس
- أناديه بـ«الأستاذ» دائمًا.. وكان يُعدّل فى «إيفيهاته» إذا لم تعجبنى
لا يصح الحديث عن الكوميديا، على مستوى الوطن العربى كله وليس فى مصر فحسب، دون ذكر «الأستاذ» فؤاد المهندس، الرجل الذى أبدع فى تقديم أعمال خالدة فى أذهان الجمهور منذ سنوات طويلة، وتحول إلى أيقونة فنية غير قابلة للنسيان، بموهبته وتقديره لفنه، والتزامه الذى يُضرب به المثل.
وبمناسبة الذكرى المئوية لميلاد «عمو فؤاد»، فى 6 سبتمبر 1924، والتى حلت الجمعة الماضى، التقت «حرف» مع نجله محمد المهندس، للتعرف عن قرب على حياة النجم الكبير فى منزله، وكيف كان مثالًا لاحترام وتقدير الفن، و«تحويل كل لحظة معه إلى ذكرى جميلة».
■ ما أبرز الذكريات التى لا تزال عالقة فى ذهنك من طفولتك بين أحضان الفنان الكبير فؤاد المهندس؟
- عندما نتحدث عن الأستاذ فؤاد المهندس، فإن الذكريات تتدفق كالنهر، نظرًا لما كان يتمتع به من طاقة إيجابية وحضور لافت. كان يعيش كل لحظة بإحساس عميق، ويومه ملىء بالقصص والتفاصيل التى لا تُنسى، من لحظات الفرح إلى أوقات الحزن، وكل أيامه تحمل فى طياته ذكريات قيمة.
أتذكر جيدًا كيف كانت الحياة اليومية فى منزل الأستاذ فؤاد المهندس مليئة بالنظام والدقة، حتى فى أبسط التفاصيل، مع تنوع أيامه بين العمل وفترته فى المنزل، وحرصه على بدء يومه مبكرًا، مع إمكانية تغير الروتين اليومى حسب التزامات العمل الخاص به.
ومن أبرز الذكريات التى لا يمكن نسيانها أجواء رمضان، الذى يعتبر من أكثر الفترات التى تنعكس فيها شخصيته الفريدة، والتى كانت فى رمضان تشبه تمامًا أغنيته الشهيرة مع شويكار «الراجل دا هيجننى»، بداية من حرصه على تحضير المائدة الرمضانية قبل شهر كامل من بدء الصوم.
كان يفعل ذلك من خلال كتابة قوائم مُفصَلة لكل وجبة، مع إصراره على تنظيم كل شىء بشكل دقيق، وهذه القوائم كانت جزءًا من حبه لتفاصيل الحياة. ورغم أنه لم يكن يتناول الطعام كثيرًا، كان يشرف على إعداد الوجبات وتوزيعها بشكل يضمن استمتاع الجميع بها، من اختيار الأصناف إلى توزيع الحلويات والمخللات، بشكل يعكس شخصيته الدافئة والاهتمام الذى يوليه لكل فعل من أفعاله.
■ لاحظت أنك تستخدم كلمة «الأستاذ» عندما تشير إلى والدك، وليس «والدى».. لماذا؟
- نعم، بالفعل استخدم كلمة «الأستاذ» دائمًا عندما أتحدث عن والدى، وهذا يعود إلى أنه كان يحب سماع هذه الكلمة منى، لذا، طوال حياتى، اعتدت على مناداته بـ«الأستاذ» وليس «بابا» كما يفعل إخوتى.
كان يرغب دائمًا فى سماع كلمة «الأستاذ» منى، والسبب فى ذلك يعود إلى الطريقة التى كان يتعامل بها معى، فقد كان دائمًا يشرك إياى فى أعماله الفنية، يأخذنى معه إلى كواليس المسرحيات، ويحرص على سماع رأيى فى كل شىء، بما فى ذلك «الإيفيهات» التى يقولها.
كان ينتظر رأيى بكل جدية، وإذا قلت له إن «إيفيه» معينًا «واطى شوية»، كان يعيد النظر فيه ويبادر بتعديله. هذه العلاقة المهنية بيننا جعلتنى أراه دائمًا «أستاذًا» قبل أن يكون والدى، لتصبح هذه الكلمة طريقتى فى التعبير عن احترامى الكبير له كمبدع.
■ كيف كانت الحياة اليومية داخل منزل فؤاد المهندس؟
- فى أوقات عمله، كان يحافظ على روتين محدد، يبدأ فيه صباحًا مع كوبه المفضل من الشاى، ثم يتابع المكالمات الهاتفية، ليبدأ بعدها فى مشاهدة التلفاز، حتى يكون على اطلاع دائم بما يحدث حوله.
كان يستمتع بقضاء الوقت فى المنزل، واستغلال ذلك فى ترتيب الأمور الشخصية، ومتابعة الأحداث اليومية، وكان من عاداته أن يبدأ يومه مبكرًا، مع امتلاكه قدرة فريدة على تحويل أى لحظة إلى ذكرى جميلة، ما جعله ليس فقط نجمًا على الشاشة، بل أيضًا إنسانًا مميزًا فى حياته اليومية.
■ وماذا عن التزامه بالمواعيد كما كان معروفًا عنه؟
- الأستاذ فؤاد المهندس كان نموذجًا فريدًا فى الالتزام بالمواعيد، لدرجة أنه كان يعتبر كل دقيقة حاسمة، فإذا كان لديك موعد فى الثامنة مساءً، وهو على علم بذلك، ستجده مستعدًا لهذا الموعد منذ السابعة، وكان يتوقع منك أن تكون دقيقًا مثله، ويعتبر التأخير لمدة دقيقة واحدة أمرًا غير مقبول.
وكان التزامه بالمواعيد يمتد إلى جميع جوانب حياته وتعاملاته الشخصية، ويتوقع من الآخرين نفس المستوى من الالتزام، بما يعكس احترامه الكبير للوقت والآخرين، وكان التزامه بالمواعيد يعزز من كفاءته وينعكس إيجابيًا على نتائج أعماله، وهذه الدقة لم تكن مجرد عادة مؤقتة، بل جزءًا أساسيًا من فلسفته فى الحياة والعمل.
كان يحافظ على «طقوسه التنظيمية» فى مواقع العمل، فإذا كان لديه تصوير سينمائى، يصل إلى الموقع قبل ساعة أو ساعتين من موعد التصوير. وبالنسبة للمسرح تحديدًا، كان يحرص على الوصول إلى الكواليس قبل العرض بـ٣ إلى ٤ ساعات.
■ هل كانت له تحضيرات خاصة قبل أى عرض أو تصوير؟
- بالطبع، كان الأستاذ يُحضِر بشكل دقيق جدًا، فإذا كان لديه عرض مسرحى فى المساء، يبدأ تجهيزاته منذ الصباح الباكر، عبر اختيار ملابسه بعناية، والتأكد من كل التفاصيل المتعلقة بالعرض أو التصوير، معتبرًا أن التحضير المسبق أساس أى نجاح، لذا كان يجهز كل شىء بدقة.
■ ما الذى يمكن أن نتعلمه من طريقة حياة «الأستاذ» واهتمامه بالمواعيد؟
- الأستاذ فؤاد المهندس علمنا أهمية الالتزام والدقة فى كل ما نفعله، وأن احترام الوقت والتحضير الجيد يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على النجاح المهنى والشخصى. ومن خلال اهتمامه بالمواعيد والتفاصيل، أظهر كيف يمكن للتنظيم أن يسهم فى تحقيق التميز والإبداع فى العمل والحياة.
■ ما أبرز الصفات التى ورثتها عن والدك؟
- كل لحظة قضيتها معه كانت درسًا فى العطاء والحب والتفانى، فالأستاذ خلّف وراءه إرثًا إنسانيًا عميقًا، بالإضافة إلى التواضع.
■ كيف تعتقد أن والدك كان سيعبر عن نفسه، إذا كان لا يزال بيننا فى هذا العصر الرقمى، وما يشهده من تغييرات فى صناعة الترفيه؟
- بصراحة، فؤاد المهندس لم يكن يهتم كثيرًا بهذه التغييرات الرقمية. كان مُلتزمًا بأسلوبه القديم، «على قديمه» كما يقولون، وكان من الممكن أن يُصاب بالاكتئاب لو حاول التكيف مع هذه التحولات، وهو ما ورثته منه حتى الآن، فما زلت أفضل القديم مثله تمامًا.
■ هل كان هناك عمل فنى تعتبره قمة إبداع «الأستاذ»؟
- بالطبع، هو كان يحب مسرحية «أنا فين وإنتى فين؟»، فقد كان مريضًا حينها، ورغم ذلك فضل الاستمرار فى تقديمها، ولم يكتف بذلك فقط، بل أبدع فيها كعادته على المسرح.
■ هل يمكن أن يفكر المخرج عمر المهندس، فى الوقت الحالى أو ربما مستقبلًا، فى تقديم مشروع فنى يُخلد ذكرى جده؟
- لا، هذا الأمر ليس فى الحسبان نهائيًا، بالنسبة لـ«عمر» وباقى الأسرة، حب الناس أهم تكريم لجده الراحل، وهو لا يُفكر فى تقديم مشروع خاص لتخليد ذكراه، ومع ذلك، من يعلم؟ ربما يحدث شىء فى المستقبل، لكن حاليًا، «عمر» يرى أن حب الناس لجده هو أعظم تكريم.
■ من خلال معايشتك للفنان الكبير الراحل، مَن المخرج الذى كان يعتبره شريك نجاح أساسيًا فى أعماله؟
- فى المسرح، كان الفنان سامى مدبولى هو الشريك الأقرب إلى فؤاد المهندس، فعلاقتهما كانت عميقة واحترافية، وقدما معًا العديد من الأعمال الناجحة التى أصبحت أيقونات فى تاريخ المسرح المصرى، و«مدبولى» لم يكن مجرد مخرج، بل كان شريكًا فى الرؤية الفنية والنهج الكوميدى الذى تميز به «المهندس».
أما فى السينما، فقد تعاون «الأستاذ» مع مجموعة من المخرجين المميزين، مثل نيازى مصطفى وحسام الدين مصطفى وفطين عبدالوهاب، وكلهم كانوا يمتلكون قدرة خاصة على فهم «كيمياء» فؤاد المهندس، وتمكنوا من إبراز مواهبه الفريدة على الشاشة الكبيرة، وكان لكل منهم بصمة خاصة فى أعماله، ما جعلهم شركاء نجاح حقيقيين للفنان الكبير.
■ كيف ترى إمكانية إعادة تقديم أعمال والدك بطرق جديدة مبتكرة؟
- هذا سؤال مهم، فى الحقيقة، لا أرى أن هناك أهمية كبيرة لإعادة تقديم أو تجديد أعمال فؤاد المهندس، مثل تحويلها إلى ألوان، أو إضافة تقنيات حديثة عليها. ما يهمنى حقًا هو أن تظل هذه الأعمال كما هى، دون تغيير جوهرها، أو تعديل رسالتها الأصلية، لأنها تمثل جزءًا من ذاكرة الجمهور، وعندما تُعرض فى الأعياد والمناسبات، يشعر الناس بالحنين والفرحة، لأنهم يشاهدونها كما كانت عند صدورها لأول مرة. وفى النهاية، فؤاد المهندس كان وما زال رمزًا للكوميديا الراقية التى تمس القلوب والعقول معًا.
■ هل تعتقد أن هناك جوانب فى شخصية والدك الفنية لم يُسلط الضوء عليها بالشكل الكافى؟
- لا، فى الواقع، كل جوانب شخصية فؤاد المهندس سُلط الضوء عليها بشكل جيد، كل دور قدمه كان مختلفًا عن الآخر، وهذا ما جعله مميزًا. الناس ما زالوا يتذكرون أدواره المختلفة، مثل «مستر إكس» فى فيلم «أخطر رجل فى العالم»، و«ياقوت أفندى» فى مسرحية «السكرتير الفنى»، و«كمال الطاروطى» فى «سيدتى الجميلة».
حتى يومنا هذا، يتحدث الجميع عن هذه الشخصيات وكأنها جزء من حياتهم اليومية، لذا لا أعتقد أن هناك أى جانب فنى لم يتم استغلاله أو تقديره بالشكل الكافى، فكل شخصية لعبها كانت تحمل رسالة ولها تأثير، ولم يتم تجاهلها بأى شكل.