الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سيد حجاب أنقذنى من الحب

سيد حجاب
سيد حجاب

مش عارف عرفت عم سيد إزاى.. ولا قابلته أول مرة فين.. لأنى اتخيلت إنى أعرفه من قبل كده بكتير.. كنت قد تعرفت عليه شاعرًا من مقدمة كتاب لمجدى نجيب كتبها فاروق شوشة اعتبر فيها الدواوين الثلاثة الأولى فتح جديد فى العامية المصرية.. وكنت قد قرأت الأرض والعيال للأبنودى، وصهد الشتا لعم مجدى، فرحت أبحث عن صياد وجنية.. ولم تكن نسخ الديوان متوفرة.. لكن أغنيته الأولى التى كانت نشيدًا وطنيًا لفرق الجامعة على أيامنا سيدى ياسيدى لفرقة الجيتس من ألحان بليغ كانت كفيلة بأن تدفعنى إلى سور الأزبكية لأبحث عن الصياد والجنية...الغريب فى الأمر أننى وجدته هو ذات نفسه قبل أن أجد الديوان.. كانت سهرة فى بيته دعانى إليها المطرب الشاب وقتها السكندرى أحمد جمال وكان أحد نجومها الملحن حمدى رءوف وكنا نعرفه من أغنياته لمنير فى مسرحية الملك هو الملك.. كنت قد شاهدت عم سيد كثيرًا قبلها فى لقاءات تليفزيونية.. كنت أحفظ شكله وكنت أظنه جادًا جهمًا.. لكنه كسر لى كل خيالاتى عنه فيما نحن نعد الشاى فى مطبخ شقته الصغيرة قرب قايتباى.. بالأصح الشباك بيطل على قايتباى والبحر.. القلعة جنب البحر وسيد حجاب.. سألته يومها إن كان قد كتب وقال البحر فى هذا المكان.. فابتسم ولم يعلق.. لكنه بعدها بسنوات وفى شقته التى كانت بشارع السودان فى المهندسين أجاب.. أنا أصلًا ابن بحر...

ابن البحر.. ابن المطرية.. المهندس الذى درس الدراما.. المسجون فى زنازين عبدالناصر وحلمه.. كان فرحًا يوم كلفوه بكتابة ديباجة دستور مصر.. قال لى إنه دشدش الراديو وهو فى أوروبا لأن الراديو أذاع خبر وفاة ناصر واكتفى.. لم يقل المذيع وماذا سيفعل هو بالحلم الذى شاركه إياه.. يومها قال إنه لم يتوقف عن الحزن والحلم منذ وفاة ناصر.. لكنه الآن فرح..ومسامح..

سيد حجاب

سيد حجاب كان يكتب الشعر بعقله هذا أمر أدركه تمامًا.. لم يكن عاطفيًا على الإطلاق.. حبه للفلاسفة والفلسفة والهندسة التى لم يكمل دراستها سيطرأ على لغته.. هو مهندس لغة شاطر لأبعد الحدود.. لكن هذا العقل كان يختفى تمامًا إذا ما كان الحوار عن بليغ حمدى أو حسن نصر الله اللذين يعلق صورتيهما إلى جانب صورة ابنته ريم فى مكتبه بشقته الأخيرة بصقر قريش. 

أنقذنى عم سيد من عصبية أحمد زكى فى إحدى المرات.. ومن الغرق فى ملاحم الأبنودى مرات.. ومن الحب بلا حساب مرات..

غضب منى لأننى كتبت أن أغنياته الأخيرة تحولت إلى منشورات خطابية.. ولم يعاتبنى.. بعدها بعامين كتب أغنية لأحدهم استمعت إليها فى المطبخ قبل أن تصدر فهاتفته أبارك له.. فقال..الحمد لله إنها عجبتك.. يعنى دى غنوة مش منشور.. فهمت أنه أجل معاتبتى لعامين كاملين.. 

عم سيد.. لم يشأ أن يخبرنى أنه يكتب فيما يصارع أقسى الأمراض.. لم يخبر أحدًا سوى عدد محدود من الأصدقاء.. تعَود أن يكتم ما يريد.. لقد ظللت أساله لأكثر من عشرين سنة عن سر خلافه مع الأبنودى فكان يبتسم ثم يضيف.. طب ماهو صاحبك مش تسأله.. ويبتسم لأنه يعرف أننى سألته والخال لم يُفصح هو الآخر.. لم يشأ أن يخبرنى لماذا يبكى فيما هم يكرمونه على المسرح.. كنت أشعر بأنه يمشى محنى الضهر.. انتظرت حتى وصل إلى منزله وهاتفته.. فكتم بكاه.. لكننى بعد عامين.. عرفت أنهم حبسوه فى شاليه فى كينج مريوط ليكتب ما لا يريد..مجرد شاليه وشاى وسكر وأوراق وأقلام وأمر بكتابة مربع يمدح فيه مبارك.. وكتب.. وبكى.. ولم يخبر أحدًا.. فقط كان يحكى للورق.. يحكى كل ما فهم وحفظ من أول شكاوى الفلاح الفصيح فى أهناسيا وحتى ما سمحت به عيون السمرة الكحيلة... أم جديلة.. ديل الكحيلة.. رحمك الله يا عم سيد واوحشتنا لياليك،،