المعركة بدأت بسبب حوارها فى «حرف».. الناقد والروائية.. هل نعيش وهم ريم بسيونى؟
- د. أحمد سالم: تدعى امتلاك ناصية الحقيقة.. وتتعامل بمبدأ «العلّامة الفهّامة»
- نشوى الحوفى: «لماذا تحاربون من على القمة؟»
- خالد البوهى: مساءلتها حق بعدما خلعت ثوب الروائى وارتدت ثوب المفكر
حالة كبيرة من الجدل أثارتها الدكتورة ريم بسيونى، الكاتبة والروائية الشهيرة، بحوارها مع جريدة «حرف»، الذى نشرناه فى العدد السابق «43»، وتضمن مجموعة من التصريحات القوية، خاصة تصريحها الذى رأت فيه أن «معظم ما كتبه المؤرخون العرب عن الغزالى خاطئ».
وفى ردها على سؤال حول أهم الاكتشافات التى توصلت إليها، فى بحثها عن الإمام أبى حامد الغزالى، موضوع روايتها الجديدة «الغواص.. أبوحامد الغزالى»، قالت الدكتورة ريم بسيونى: «القارئ سيكتشف أن الكثير من الكلام الموجود على الإنترنت حول حياة الإمام أبى حامد الغزالى، وحتى ما كتبه بعض المؤرخين العرب، فيه الكثير من الأخطاء»، مؤكدة أن «هناك حاجة إلى إعادة قراءة سيرة هذا الرجل».
أحمد سالم ينتقد
بداية ردود الأفعال كانت من الدكتور أحمد سالم، أستاذ الفلسفة بجامعة طنطا، الذى كتب تعليقًا على الحوار: «تدعى الأديبة (المدعية) ريم بسيونى أن ما كتبه المؤرخون العرب عن الغزالى معظمه خاطئ، وكأنها الروائية الفذة والعلامة الفهامة».
وتساءل «سالم»: «هل قرأت تركة الغزالى الفكرية من كل الجوانب؟ هل عرفت تطور مؤلفات الغزالى كما دونها عبدالرحمن بدوى فى مؤلفاته؟ وكم يحتاج الباحث لكى يقرأ مؤلفات الغزالى ورسائله، وما كتبه فى اللغة الفارسية من رسائل وكتب، وما دونه الباحثون العرب والمستشرقون عن الغزالى؟».
وواصل عبر حسابه فى «فيسبوك»: «الأديبة الأريبة لا يعجبها من كتب بحب عن الغزالى، ومن كتب بنقد. كل ما كتبه المؤرخون لديها خاطئ»، معتبرًا أن «الغريب هو المساحة التى تأخذها الباحثة الأريبة من اهتمام مبالغ فيه.. من يلمعها ويدفع بها كأن مصر عقمت وليس فيها سوى ريم بسيونى؟».
وأكمل: «هل كان الغزالى يبحث عن إنقاذ العالم أم عن خلاص نفسه؟ أتحدى هذه الأديبة أن تكون فهمت متن (الاقتصاد فى الاعتقاد) للغزالى كمدونة عقائدية، وعلاقته برسالته (إلجام العوام عن علم الكلام)، ومتى كان الغزالى أشعريًا ومتى كان سلفيًا، ومدى علاقته بثقافة اليونان وعلومه».
وتابع: «كم أمقت أن أرى شخصية تدعى ملكية ناصية الحقيقة، وحين تتصدى لكتابة رواية تاريخية عن شخص بحجم أبى حامد الغزالى تدعى أنها لم يعجبها الكتابة عنه، وأنها ألمت بتراث الرجل وفهمته»، متسائلًا من جديد: مَن يروج لأديبة تعتقد أن الرواية تزن بالكيلو وبالحجم، ويتجاهل الكتابات الجادة فى مجالات الرواية؟
وأنهى «سالم» منشوره بالتهكم من تصريح الدكتورة ريم بسيونى فى الحوار حول استغراقها ٦ سنوات كاملة فى قرءاة ما كتبه أبوحامد الغزالى، قائلًا: «٦ سنوات مع أعماله.. والله صحيح وبجد؟ قولى كلام بجد مش كلام روايات»، وفق تعبيره.
نشوى الحوفى ترد
بعد مرور يومين على ما نشره الدكتور أحمد سالم، جاء الرد من الكاتبة الصحفية نشوى الحوفى، مدير النشر فى دار «نهضة مصر»، الصادر عنها رواية ريم بسيونى «الغواص»، وذلك من خلال فيديو عبر حسابها الشخصى على «فيسبوك».
قالت الكاتبة نشوى الحوفى: «بعض الأصدقاء أرسلوا لى (بوست) لأستاذ أو دكتور أنا الحقيقة مش عرفاه، اسمه أستاذ (جمال سالم) إن لم تخنى الذاكرة، وكاتب عن ريم بسيونى كمؤلفة لرواية (الغواص). هو شايف- مع احترامى لرأيه- إن ريم متلمعة، ولما قالت إنها قعدت ٦ سنين بتحاول تقرأ عن الغزالى، ثم طرحت رؤيتها فى رواية (الغواص)، فهى مخطئة».
وأضافت: «كان فيه بعض الألفاظ اللى ميصحش تتقال لو إننا بننقد. المعلقون كمان على تفاصيل زى (آه متلمعة.. دى حتى بيخلوها تدرس فى الجامعة الأمريكية)، شايفة إن ده أسلوب غريب أوى فى النقد، وفيه جهل عمن أتحدث عنه».
وشرحت: «د. ريم خريجة كلية الآداب جامعة الإسكندرية فرع دمنهور، وبعد ذلك تلقت منحة للحصول على الماجستير والدكتوراه فى لندن، فسافرت وتعلمت ونجحت، وعادت لتعمل فى الجامعة الأمريكية، التى لم تكن طالبة فيها»، متسائلة: «مش عارفة هل ده يزعل حد؟ وما علاقته بالتلميع؟».
واعتبرت أن «الأدب عمومًا دائمًا ما يقال عليه وجهة نظر مؤلف أو كاتب أو مبدع وذائقة قارئ، قد أتقبل الفكرة وأحبها، وأنا كمؤلف من حقى أن أعرض وجهة نظرى، ومن حق كتاب آخرين عرض وجهة نظرهم، دون تطاول وإساءة وتجريح».
وواصلت: «يمكن أتقبل النقد اللى قاله (الأستاذ جمال) لو إنه قال والله أنا قريت الرواية ومعترض على ١، ٢، ٣، لكن قريت أو سمعت حوارات لريم، وواخد تعليق ليها.. معلش هى حرة فى رأيها»، متابعة: «حضرتك قعدت سنين تدرس الغزالى ولم تفهمه، دى برضة إمكانات».
وأكملت: «ريم درست ٦ سنين، ثم طرحت رؤيتها فى رواية، ولم تدع أنها كتاب تاريخ، رواية تطرح خلالها رؤيتها هى لما قرأته، لم تقل إنها رؤية الغزالى، أو إنها رؤية حضرتك»، داعية «سالم» إلى كتابة كتاب عن «الغزالى»، لو «فاهم فى الغزالى وتعرفه أكثر».
وعن اتهام «بتتلمع» من «دار «نهضة مصر» التى تنشر لها، قالت نشوى الحوفى: «دور النشر فى العالم كله وليس فى مصر فقط يجب أن تروج وتلمع مؤلفيها وتقدمهم للناس. هناك دور نشر تفعل هذا بمنطق الرسالة، ومن بينها (نهضة مصر)، اللى بقالها أكتر من ٨٢ سنة، وياما عُرضت علينا أعمال تحقق أرباحًا لكننا رفضناها لأنها لا تناسب رسالة الدار، أو بمنطق التسويق»، متسائلة: «أنا بنشر ليه؟ عشان أحتفظ بيه فى المخزن أو على الرف؟!».
وقالت نشوى الحوفى: «مرحبًا بالنقد، وأتمنى قبل ما تاخدوا أجزاء من الحوار متعجبكمش، تقروا الرواية وتنتقدوها وتقولوا الحلو والوحش. لكن ليه لما يكون عندنا حد حلو بنحاول نحطمه؟»، مشددة على أن «كل واحد يقرأ ويدخل فى مجال النقد لازم يعرف إن مجال الإبداع واسع، وإن القمة تتسع للجميع، ولما يكون عندنا واحد على القمة مش لازم ننزله على جدوره».
واختتمت الكاتبة الصحفية ردها بالقول: «نفسى كلكم تقروا وتنتجوا كتب وإبداع، وتخلوا الناس تقرا للمؤيد والمعارض. أما الإساءة والتطاول بدعوى النقد، أنا آسفة، ده مش نقد ولا يستحق أساسًا أن نلتفت له».
سالم يعقب من جديد
رد «سالم» على ما كتبته الكاتبة نشوى الحوفى، منتقدًا فى بداية رده «تعمدها» الخطأ فى اسمه، رغم أنها قرأت ما كتبه جيدًا، إلى جانب التعليقات عليه، مضيفًا: «هذا أمر لا يليق بمن يقدم محتوى هجوميًا أو نقدًا عن شخص. أما كونك تجهلين قيمته فهذا يُحسب عليك».
وواصل: «خرجتِ تسوقى للرواية، وأنا لم أتعرض لها لأننى لم أطلع عليها. لكن نقدى كان لحوار ريم بسيونى على موقع (حرف)، والكاتب حين يدلى بحوار فإنه يعبر عن منطق تفكيره وإحساسه بذاته، وهذا محل نقد وما كان عليه بوستى».
وأكمل: «حين كتبت عن ريم بسيونى نقدت أحكامها القاطعة، فى حديثها مع (حرف)، وهى أحكام معيبة، لأنها تدعى أن رؤية كل مؤرخى العرب عن الغزالى خاطئة. فى العلم الإنسانى لا نتكلم عن خطأ وصواب، ولكن وجهة نظر مقبولة أو مرفوضة»، معتبرًا أن قراءتها كل ما كُتب عن «الغزالى» أو كل ما كتبه مستحيل.
وتابع: «قالت إن كل ما كُتب عن الغزالى حبًا أو كرهًا منقوص وذاتى، خاصة أنها لا تقيّم أعمالًا روائية، بل أكاديمية، والغريب أنها فى الحوار تصفه بالعبقرى ومنقذ العالم، أى أنها تكشف عن موقف ورؤية ذاتية تعبر عن إعجاب بالرجل، وهو حق للأديبة كما هو حق للأكاديمى».
وأضاف: «لم أتحدث عن دار النشر، ولم أعرف أن الرواية منشورة فى دار أنت مديرتها، لم أطلع عليها من الأساس ولم أعلق عليها، فلم تقولينى ما لم أقل، وتدعى علىّ بما لم أكتب. هل هذه أمانة؟»، مشيرًا إلى سابقة انتقاده كتابها الأخير عن التصوف، وهو صادر عن دار «المعارف».
وأتم بقوله: «حين يكتب أستاذ كلمتين فى بوست عن حوار وتستغليهم للتسويق. دققى فى كلام ريم فى الحوار، واعرضى بأمانة ما كتبت وما كتبت أنا، بدلًا من التعليق على ما لم يقل»، مشددًا على أن «ليس هناك شخص يهدم آخر على القمة بكلمتين حقيقيتين. كما أن القمة هذه فى عينيك أنت، وليس فى عيون الآخرين».
وانتقل «سالم» بعدها للحديث حول «الغزالى» والكتابة عنه، قائلًا: «الغزالى ليس شخصًا واحدًا ولكنه مراحل وكتب تعبر عنها. ارجعى أطلعى على كتاب عبدالرحمن بدوى (مؤلفات الغزالى) حتى تفهمى وتتكلمى، وهو يتجاوز ٥٠٠ صفحة».
وأضاف: «الغزالى هو الفيلسوف كما كتب المفكر العراقى عبدالأمير الأعسم، الذى تأثر بابن سينا فى كتبه، وله مقصد الفلاسفة ومعيار العلم والقسطاس المستقيم، فكتب فى الفلسفة والمنطق. لكنه هو الغزالى نفسه الذى كتب بعد ذلك (تهافت الفلاسفة) وكفرهم فى ٣ مسائل، فهو فيلسوف وهادم للفلسفة، ومن كتبه تستقى معلومات لتكفير الفلسفة والفلاسفة».
وواصل: «والغزالى هو متكلم، والمتكلم عالم أصول الدين كتب (الاقتصاد فى الاعتقاد) و(الأربعين فى أصول الدين)، وينتمى فيهما إلى المذهب الأشعرى، المذهب الرسمى للأزهر. ورغم أشعريته ألف رسالته (إلجام العوام عن علم الكلام)، ليروج للمذهب السلفى وعقيدة أهل السلف، على عكس منحاه الأصلى».
وأكمل: «والغزالى هو من كتب رسالته (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة)، ورد على الباطنية فى كتاب معنون بنفس الاسم، كفر فيه الباطنية وشنع عليهم، وأهداه إلى خليفة المسلمين فى زمن انهيار الخلافة وقرب دخول المغول».
وتابع: «والغزالى صوفى فى بعض رسائله وكتبه، ففى (المنقذ من الضلال) كتب سيرة ذاتية تكشف عن انتقاله من الشك إلى إيمان اليقين. خرج من أرض علم الكلام حين شك وتكافأت الأدلة لديه، وانتقل إلى التصوف، وألف الرسائل والكتب عن العلم اللدنى، ولكِ أن تعودى إلى مجموع رسائله فى ٧ أجزاء. ويظل (إحياء علوم الدين) فى ٤ أجزاء هو الكتاب المؤثر فى شرائح واسعة».
وأضاف: «الغزالى عالم فى الفقه وأصوله، وهو شافعى المذهب كتب (المستصفى فى علم أصول الفقه). وعلى الرغم من شافعيته، يقر فى بداية الكتاب بأهمية منطق أرسطو فى علم الأصول. والغزالى كتب فى السحر والتنجيم والأفلاك، وصاحب كتاب (التبر المسبوك فى نصيحة الملوك)».
وواصل: «إذا كان بوستى يشير إلى أهمية التواضع فى إصدار الأحكام من قبل ريم بسيونى، فأولى بنشوى الحوفى أن تقرأ قبل أن تتكلم، وتعرف عمن تتحدث وقيمة من تعلق عليه وتواجهه».
واختتم بقوله: «أنا لست فى حاجة لكتابة كتاب عن الغزالى لكى تنشريه، فلى كتب ملء السمع والبصر، ومنشورة فى أماكن كثيرة مؤثرة. ابحثى عن كتابى الأخير (تجلى الإله فى دار مؤمنون بلا حدود)، أو (العمامة المستنيرة) عن الشيخ الصعيدى، أو ابحثى عن محاضراتى على الفيس، ولقاءاتى التليفزيونية فى محطات بارزة».
خالد البوهى يتدخل
نشر الكاتب خالد البوهى منشورًا داعمًا للدكتور أحمد سالم، قال فيه إن «ريم بسيونى مجرد روائية تخضع أعمالها كغيرها من الروائيين للنقد الأدبى، فإن تسمح لنفسها بأن تتحدث عن شخصية ثرية فى حجم أبى حامد الغزالى، فقد وضعت نفسها تحت مجهر النقد العلمى متعدد الأوجه، نظرًا لثراء الغزالى وموسوعيته، بل تناقضاته التى تحتاج إلى المتعمقين».
وأضاف «البوهى»: «من حقك كروائية أن تتناولى شخصية تاريخية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية، وأن تتخذيها قناعًا لعمل روائى، كما صنع جمال الغيطانى وعبدالرحمن الشرقاوى وسعد مكاوى وعلى أحمد باكثير وجرجى زيدان ورضوى عاشور، وكما صنع شكسبير فى الأدب العالمى، فهؤلاء جميعًا وغيرهم يستبطنون التاريخ وشخصياته قناعًا لسردهم، ولا يشترط التطابق الحقيقى الذى تجده فى كتب التاريخ والفكر».
وواصل: «الرواية التاريخية لا تعرض تاريخًا أو فكرًا، وإنما أدبًا. فأن يزعم هذا أو ذاك أنه يقدم فكرًا أو تاريخًا فى إطار أدبى، فهذا يتطلب منه القراءة الفكرية الجيدة لشخصية الرواية، مع عمق دراسة أعمالها، بالإضافة إلى قراءة الدراسات المهمة التى تناولتها».
وأكمل: «الروائية ريم بسيونى أخرجت عملًا أدبيًا عن الغزالى، براحتك يا أديبة عادى، ونبقى نشوفها ونقيمها أدبيًا. لكنها صرحت تصريحًا يزعم اكتشافها لعوالم الغزالى، بل تصحيحها لمفاهيم خاطئة. هنا خلعت ريم ثوب الروائى وارتدت ثوب المفكر، فحق لنا المساءلة والمحاسبة، وهو الأمر الذى لم يعتده محبو الثناء والتصفيق».
وتابع: «عندما قام الأستاذ الدكتور الفيلسوف أحمد سالم بواجبه العلمى تجاه ما رآه من تناقضات لتصريحات الروائية، التى تدل على سطحية تناولها، انبرت إحدى الناقدات فى مهاجمة الدكتور أحمد، فى بث على صفحتها، وقصرت التعليقات على أصدقائها، بما يتناقض مع حق الرد والنقاش المباشر».
ورأى أن «الروائيين اعتادوا حفلات التوقيع والطبطبة وكلمات الإعجاب والثناء، لذا فوجئ الجميع بحديث رجل فى حجم الفيلسوف الدكتور يحطم كل ذلك بمقال واحد، فأصيبوا جميعًا بالانزعاج الشديد، وحسبوا أن بإمكانهم النيل منه، ولم يعلموا أن للرجل مكانة فى صدورنا، ترتكز على علمه وصدقه وإنصافه، وهو ما عز فى زماننا المأزوم».
وشدد على أن «الشخصيات الثرية تحتاج إلى علم وعمق وصبر، مع امتلاك أدوات معرفية لا تتأتى إلا لأهلها. أمثال ابن عربى وابن رشد وابن تيمية وابن حزم والغزالى وابن سينا يحتاجون إلى دراسة موسوعية، لأنهم بطبيعة الحال موسوعيون متعددو الروافد والمشارب، وهم أيضًا متناقضون. لا حجر على الفكر أو على الدراسة والتناول، شريطة أن تنطلق من قاعدة العلم».