الأربعاء 23 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سيدة الأثير.. هدى العجيمى: ما زلت أتذكر قصائد وقصص الجنود التى أرسلوها من الجبهة

هدى العجيمى
هدى العجيمى

- أسرتى تهجّرت من بورسعيد عدة مرات فى سنوات الحرب

- «من سور الأز بكية» كان سبب اختيارى الدراسة فى معهد برلين للدراما

- أتذكر جميع ضيوف برنامجى «مع الأدباء الشبان» حتى الآن

- أهم لقاءين عقدتهما كانا مع نجيب محفوظ ويحيى حقى

إذا شئنا أن نجمّع تاريخ العمل الإذاعى الثقافى فى اسم، فسيكون هذا الاسم هو هدى العجيمى، صاحبة أشهر صوت فى الإذاعة المصرية، التى قدمت للجمهورين المصرى والعربى أعمال المبدعين الشباب، الذين أصبحوا فيما بعد نجومًا كبارًا فى عالم الكتابة والأدب.

ولا تنسى الأجيال المختلفة أفضال هدى العجيمى على الأذن والوجدان المصرى، فقد شاركت فى تقديم أشهر برامج الإذاعة المهمة، مثل «إلى ربات البيوت» و«مع الأدباء الشبان»، وخاضت تجارب الإخراج فى المسلسلات الإذاعية وقدمت تجربة رائدة فى برامج المرأة، وحققت نجاحات كبيرة فى مجال الكتابة الأدبية.

وأجرت «حرف» حوارًا مع الإذاعية الكبيرة، تناول جوانب كثيرة من تجربتها فى العمل الإذاعى والكتابة، وغير ذلك من الجوانب.

■ عقب إتمامك الدراسة فى معهد برلين للدراما قدمت برنامج «زهور وبراعم» كنواة لبرنامجك الأشهر «مع الأدباء الشبان».. متى بدأ شغفك بالعمل الإذاعى؟ وهل كان حلمًا وتحقق أم أن أقدار الحياة من اختارته لك؟

- قبل أن يتم اختيارى كمبعوثة فى منحة إلى إذاعة برلين فى ألمانيا، كنت أقدم بعض البرامج المهمة، منها البرنامج الذى تسبب فى منحى هذه البعثة، وهو «من سور الأزبكية»، وكنت وقتها أقدم بعض الفقرات فى برنامج إلى ربات البيوت. ومن قبل كنت قد اجتزت امتحان المذيعين بالإذاعة وعينت فى إدارة المنوعات فى البرنامج العام، ولم يكن هذا من شغفى بالإذاعة، ولكننى كنت مهتمة أكثر بالناحية الثقافية وكنت أحاول كتابة الشعر. 

بعد العودة من ألمانيا كلفنى زميلى وصديقى الأستاذ فاروق شوشة بمسئولية برنامج  مع الأدباء الشبان، واختار له عنوان «زهور وبراعم»، ثم تغير الاسم بعد ذلك بناء على رغبة الشباب وأصبح «مع الأدباء الشبان»، الذى قدمته للإذاعة لحوالى أربعين عامًا وترك أثرًا كبيرًا فى نفوس الشباب، وكثير منهم لمعوا فى حياتنا الثقافية وأصبحوا نجومًا وتبوأوا مراكز كبيرة فى وزارة الثقافة، ولا أستطيع ذكر اسم واحد لأنهم كانوا مئات من المبدعين الممتازين، لأن البرنامج كان نقديًا يتابع أعمال الشباب بالدراسة والنصيحة والتقويم.

■ حدثينا عن ذكرياتك مع الأدباء الشبان الذين صاروا نجومًا للأدب فى مصر فيما بعد

- ضيوف البرنامج أتذكرهم جميعًا بكل الخير والعرفان بالجميل، لهذا فقد أصدرت فى بداية الألفية الثانية كتابًا مهمًا جدًا هو «رؤى نقدية»، سجلت فيه قطوفًا من تجربة برنامج «مع الأدباء الشبان» والدراسات النقدية التى قدمها كبار النقاد فى مصر، ونقلت فيه الأحاديث التى اختص بها أدباء البرنامج الشباب حينها، مثل نجيب محفوظ ويحيى حقى عن فن كتابة الرواية والقصة القصيرة. وهذا كان أول كتاب أصدرته ثم تبعه حديثًا كتابان آخران، هما «قصة عشق» و«سنوات الحرب والحظ».

■  مَن من ضيوف «مع الأدباء الشبان» لا تنسينه حتى اليوم؟ وهل هناك موقف بعينه مرتبط بتذكره؟

- أنا لا أحب ذكر اسم أديب أو ناقد واحد بعينه، وأظن أننى ذكرت كثيرين جدًا من الأدباء والنقاد والأساتذة الجامعيين والصحفيين، لكن هناك موقفًا أحب حكيه، وهو أن صديقى الشاعر الكبير سعد عبدالرحمن وكان قد تقدم لى منذ سنوات طويلة عندما كان شاعرًا شابًا يقيم فى أسيوط واعترفت حينها بموهبته وقرأت له صفحات فى البرنامج وأصبح شاعرًا شهيرًا من خلاله، وعندما أصبح رئيسًا للهيئة العامة لقصور الثقافة أراد أن يرد الجميل للسيدة هدى العجيمى لمجرد أننى قدمته فى البرنامج. فعندما احتفلت الهيئة بيوم المرأة العالمى اختارنى من ضمن عشر سيدات من مصر، وذلك لأثرنا فى الحياة الاجتماعية والثقافية فى مصر وأقام لى حفل تكريم كبيرًا على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وكان من أجمل التكريمات التى حدثت لى فى حياتى. 

ولا أنسى هذا اليوم أبدًا، ولا أنسى المرحوم سعد عبدالرحمن الذى أحس بأننى قدمت له معروفًا صغيرًا فى أحد الأيام، وأراد أن يكافئنى عندما أصبح رئيسًا للهيئة العامة لقصور الثقافة وهذا هو الشاعر الذى أذكره.

■  ذكرت أن نجيب محفوظ لم يكن يرد لك طلبًا.. حدثينا عن لقائك الأول به وكيف صارت علاقتكما فيما بعد؟ وكيف استقبل فوزه جائزة نوبل؟

- فعلًا الأديب الكبير نجيب محفوظ، كان عظيمًا وإنسانًا متواضعًا جدًا، لذلك لم يرفض لى أبدًا طلبًا للتسجيل معه بعد أن أصبح يقدر دور البرنامج فى متابعة أعمال وإبداعات الشباب. 

وكنت مثل غيرى أتابع فوز أديبنا الكبير بجائزة نوبل، وذهبت إليه للتهنئة ونقل فرحة الأدباء بهذا الفوز. لكن التسجيل الذى أعتز به أكثر هو ما سجلته معه فى يوم عيد ميلاده فى شهر ديسمبر، وكان متفائلًا جدًا ومنشرح الصدر، وتحدث معى عن بداياته الأدبية حديثًا مفصلًا وشاملًا وبالتواريخ، وركز على معاناته هو وجيله من أجل نشر قصصهم فى البداية، وكيف اجتاز هذه الفترة، وعن قراءاته فى الأدب العالمى ومدى الاستفادة من القراءة وكان حديثًا شاملًا أسعدنى وأسعد المستمعين معى.

■ عملت مساعدة للإذاعية صفية المهندس فى برنامجها «إلى ربات البيوت».. إلى أى مدى كان للبرنامج تأثير على السيدات المصريات؟

- عملت مع أستاذتى وأمى الروحية صفية المهندس منذ أن عينت فى الإذاعة ومن أول يوم. وعندما كان رئيس الإذاعة عبدالحميد الحديدى يوزع المجموعة الناجحة من المذيعين، طلب منى أن أقابل صفية المهندس لأنها مدير عام المنوعات بالإذاعة. فذهبت إليها وتسلمت عملى فى منوعات البرنامج العام والاشتراك بالتقديم فى برنامج «إلى ربات البيوت».

واستمرت علاقتى برئيستى التى احتضنتنى إذاعيًا وعلمتنى الكثير طوال عمرها؛ حتى بعد أن تقاعدت، ولآخر يوم فى عمرها الجميل. وأحببت العمل معها وأحببت التوجه إلى المرأة والأسرة المصرية عبر أثير البرنامج، واستحدثت فيه فقرات كثيرة وأغنيات للأسرة بعد أن توليت إدارته، وتقاعدت صفية المهندس وأصبحت أنا مدير عام برامج المرأة.

وطبعًا البرنامج كان له تأثير كبير جدًا على المرأة  والأسرة، كان يظهر كرد فعل من رسائل السيدات واللقاء المباشر معهن وطلباتهن اليومية لبعض النصائح والفقرات، وكنت أندهش كثيرًا فى السنوات الأخيرة عندما أجد السيدات تعرفنى وتعرف صوتى جيدًا.

■ كُلفتِ بالتواصل مع أم كلثوم لإنتاج أغنية فى ذكرى تأسيس الإذاعة المصرية الثلاثين.. هل كان هذا أول لقاء لك مع كوكب الشرق؟ وكيف توطدت علاقتكما؟

- كانت الإذاعية الكبيرة صفية المهندس، صاحبة فكر متقدم وإذاعية معجونة بأثير الإذاعة وتقدم لنا كل يوم فكرة لبرنامج جديد مدهش. 

وكانت قد فكرت فى تنظيم سهرة إذاعية كبرى فى عيد ميلاد الإذاعة المصرية. وهى صاحبة فكرة الأغنية التى شدت بها أم كلثوم عن عيد الإذاعة «يا صوت  بلدنا»، وطلبت من الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى كتابة الكلمات التى لحنها محمد الموجى. وجاءت أم كلثوم إلى الإذاعة  لتسجيل الأغنية وجلست معنا فترة طويلة خارج الاستديو. إلا أننى أحسست بالوجل والخوف من الاقتراب منها وأنا فى الأيام الأولى من تعيينى بالإذاعة، لكننى جلست فقط لأشاهدها. 

 ■ خضت أيضًا تجربة الإخراج من خلال مسلسل «عيلة مرزوق أفندى».. حدثينا عن هذه التجربة؟

- كنت فى وقتها مساعدة لصفية المهندس التى استحدثت  للبرنامج دراما اجتماعية رائعة هى «عيلة مرزوق أفندى»، وبالتالى كلفتنى بعد ذلك بإخراج تلك التمثيلية، فتدربت على فن الإخراج الإذاعى ومارسته فى إخراج «عيلة مرزوق أفندى» لعدة سنوات، إلى أن أصبحت لى برامج خاصة تفرغت لها.

تكريم الإعلامية هدى العجيمى

■ تهل علينا ذكرى انتصار أكتوبر.. ما الذى تحمله ذكرياتك عن هذه الأيام سواء فى العمل أو فى الشارع المصرى أو فى الحياة عموما؟

- أكتوبر وذكريات حرب أكتوبر، ربما ما زلت فى نفس الجو النفسى الذى عشت فيه وأنا أكتب روايتى «سنوات الحرب والحظ»، التى تضم واقعًا أليمًا عاشته أسرتى وأهل مدينتى بورسعيد إبان العدوان الثلاثى الغاشم على أرضنا ومصرنا الحبيبة، والهجرات القاسية التى فرضت على أهالى منطقة قناة السويس فى تلك الأيام، وسنوات الهجرة الطويلة التى عاشها الأهالى بعيدًا عن بيوتهم ووظائفهم إلى أن تم العبور وانتصار القوات المسلحة فى السادس من أكتوبر.

 غير هذه الذكريات المتعلقة بالأسرة والشعب، هناك ذكرى لا أنساها أبدًا. كان برنامج «مع الأدباء الشبان» فى بداياته الأولى عندما حدثت حرب أكتوبر المجيدة، والغريب أننى كنت أتلقى رسائل من داخل الجبهة ومن داخل سيناء المحررة من مقاتلين مبدعين  شعرًا وقصة، وكنت أفرد لها حلقات البرنامج وأقدمها بكل الفخر. 

وبعد الحرب احتفظت بهذه الرسائل العظيمة فى درج مكتبى لسنوات طويلة، إلى أن عينت بمنصب إذاعى كبير وأصبحت لى سكرتيرات قامت إحداهن بترتيب أدراج مكتبى، فوجدت أوراقًا قديمة وصفراء فتخلصت منها، ولم تكن تلك الأوراق إلا رسائل المقاتلين الشجعان.

■ لك تجربة روائية «سنوات الحرب والحظ» رصدت خلالها العدوان الثلاثى.. متى بدأت فكرة الرواية وكيف عالجتها؟ وهل تقبلين تصنيفها كرواية سيرة ذاتية كما ذهب بعض النقاد؟

- حول رواية «سنوات الحرب والحظ» عقدت أكثر من ندوة فى اتحاد كتاب مصر، وغيره من أماكن الندوات، وقد تحدث عنها نقاد كبار، وكتب عنها الأستاذ الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد، الذى ناقشنى فى المسمى الذى من الممكن أن يطلق عليها، واقترح فى النهاية اسم «رواية سيرة»، لكن لا يضايقنى أبدًا أن يطلق عليها سيرة ذاتية لأن معظم ما نقرأه حاليًا من الأدب العالمى هو سيرة ذاتية، وبعضهم فاز عن طريقها بجائزة نوبل للآداب. 

وعندما بدأت كتابة رواية سنوات الحرب والحظ لم أكن مبتدئة فى الكتابة، فقد أصدرت قبلها كتاب «قصة عشق»، عن تجربتى الإذاعية، ومن قبل كتاب «رؤى نقدية». هذا غير القصص القصيرة التى أنشرها بين الحين والآخر على «فيسبوك». 

وكانت لدىّ محاولات فى كتابة الشعر قبل عملى الإذاعى، لكننى كنت- وما زلت- أعرف معاناة الأديب الشاب للوصول الى دور وجهات النشر أو إلى برامج الإذاعة والتليفزيون، وهذا هو سبب نجاح وشهرة برنامج «مع الأدباء الشبان» واستمراريته سنوات طويلة.

فاروق شوشة 

■ كيف ترين حال الإذاعة المصرية اليوم مقارنة بما مضى قبل ربع قرن على سبيل المثال؟

- إذا سألتنى عن حال الإذاعة حاليًا، فسأحتار فى الإجابة، لأننى ما زلت أجد بارقة أمل فى البرامج الثقافية وما يذاع فى البرنامج الثقافى والبرنامج الثانى والبرنامج العام. أما ما يحدث للإذاعة فهو ما يحدث فى كل المؤسسات التى تعانى نقصًا فى الميزانية والكوادر والكفاءات.

■ من خلال مؤلفاتك الأدبية انتقلت إلى مقاعد الأدباء الشبان.. فهل اختبرت مشاعر من جلسوا أمامك؟ وكيف كانت مشاعرك وأنت تقدمين نفسك كروائية؟

- بالنسبة للرواية الأخيرة «سنوات الحرب والحظ»، فقد شعرت بشعور الأدباء الشباب وقلت لك إننى كنت أكتب الشعر قبل الالتحاق بالإذاعة، ونشر لى بعض الأشعار لكن بعد أن تقاعدت قدمت للمكتبة كتابًا مهمًا عن تجربتى فى برنامج «مع الأدباء الشبان»، كتاب رؤى نقدية سجلت فيه كل ما حدث فى برنامج مع الأدباء الشبان وأحاديث النقاد وإبداعات هؤلاء الأدباء الشبان وما قدمه النقاد والأدباء الكبار من نصائح للأدباء الشبان وقدمت حديثين مهمين جدًا، الحديث الأول مع نجيب محفوظ عن فن كتابة الرواية، وهذا اختص به البرنامج وتحدث إلى الأدباء الشبان مباشرة، 

والحديث الآخر مع يحيى حقى عن فن كتابة القصة القصيرة، وتحدث مباشرة إلى الأدباء الشبان أيضًا.

■ كيف ترين المشهد الثقافى المصرى الراهن؟ 

- المشهد الثقافى الحالى أعتبره ملتبسًا ولا أستطيع أن أضع يدى على ما نشكو منه من سلبيات أو إيجابيات، فأنا بصراحة فى قمة الاندهاش من هذا الكم غير المسبوق من الإبداع الذى يتمثل فى عقد ندوات ليلًا ونهارًا لمناقشة تلك الكتب الصادرة حديثا، التى لا أستطيع تقييم قيمتها الأدبية والفنية دون أن أقرأها قراءة متعمقة. 

وأتساءل: هل كل هؤلاء يكتبون القصة والرواية، وهل كل هؤلاء شعراء فعلًا ومؤثرون فى الحياة الثقافية؟ 

أعتقد أنه هنا يأتى دور النقاد والأساتذة الأكاديميين أصحاب الضمير الأدبى الحى والموضوعى، حتى ينزاح هذا الضباب ويتضح الإبداع الجيد الذى يتناسب مع الثقل الثقافى لمصر والعالم العربى.