السبت 28 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

50 كاتبًا عربيًا يتحدثون عن الملف الشائك.. إبداع أم تشهير؟

حرف

حالة جدل كبيرة عاشتها الأوساط الثقافية العربية بعد واقعة رفع المواطنة الجزائرية سعادة عريان، دعوى قضائية ضد مواطنها الروائى كمال داود، بتهمة سرقة وقائع حياتها الشخصية وتجسيدها فى روايته، التى نال عنها جائزة الجونكور الأدبية «الحوريات».

قالت سعادة العريان فى حيثيات اتهامها، إن «داود» استقى أحداث روايته عن العشرية السوداء التى شهدتها الجزائر فى التسعينيات من القرن المنصرم، من واقع ملفها الطبى الذى سربته زوجته الطبيبة النفسية، التى كانت تتولى علاجها. الجدل الذى صاحب الواقعة دفعنا لفتح ملف اقتباسات واستلهامات الأدباء من واقعهم المحيط، وطرح سؤال تأسيسى هو: هل يحق أو يجوز للمبدع أو الكاتب أن يستقى أدبه من شخوص واقعية حقيقية، ومن واقع حيواتها، أم أن ذلك يندرج فى إطار التشهير والتشويه؟

«حرف» طرحت ذلك السؤال على العشرات من الكتاب والنقاد والأطباء النفسيين، فى محاولة لإيجاد صيغة منطقية يتعامل بها الكُتاب خلال ممارستهم إبداعهم الأدبى، ولعل قارئنا يجد الإجابة الشافية خلال ردود المبدعين فى السطور التالية.

بوداود عميّر: استغلال لا أخلاقى تداعياته سلبية 

يوجد العديد من الأعمال الروائية الناجحة فى الأدب العالمى، يعترف أصحابها بأنهم استمدوا أحداثها بتصرف من وقائع حقيقية.. لكن المسألة تأخذ بعدًا مختلفًا ومغايرًا، عندما يتعلق الأمر بشخصية واقعية وحقيقية، لا تزال على قيد الحياة، يحدث أن يتواصل معها الروائى بطريقة أو بأخرى، لكنها ترفض سرد قصتها المأساوية. هكذا ومن دون استئذانها، يسمح الروائى لنفسه بنشر أحداثها أو أبرز لحظاتها الدرامية أمام العالم، وسرعان ما ينال على أثرها شهرة واسعة، ثم بعد ذلك تتدخل المعنية، لتعلن رفض تحويل مأساتها الشخصية إلى رواية. هكذا سيتحوّل العمل الأدبى إلى ضرب من الاستغلال اللا أخلاقى، كون تداعياته ستكون سلبية على صاحبة القصة.

على المقرى: اللجوء لحيل سردية مراوغة «ضرورى»

أظن أن من حق الكاتب الاستفادة من تجارب القصص الواقعية التى يعرفها فى محيطه الاجتماعى إذا رأى أنها جديرة بأن تكون فى محل اختبار إنسانى يلبى مطلبه فى استكشاف الأشياء والتجارب من زاوية فنية. 

لكن هذا لا يمنع الكاتب من اتخاذ أساليب سردية مراوغة لسرد قصة ما بطريقة تبدو غير متطابقة مع الوقائع الحقيقية.

فمفهوم التشهير القانونى فضفاض وليس بالضرورة أن ينطبق على الأعمال الأدبية فى بعدها الإنسانى الذى لا يستهدف الإساءة لأصحاب القصة، وإنما يستهدف إضاءتها فى التجربة الإنسانية عامة.

ربيعة جلطى: الاستلهام من وقائع حقيقية شائع

هل من الإبداع الروائى الخارق، أن نقوم بإعادة قصّ حكاية من حكايات البشر الكثيرة الغزيرة الملقاة على الطريق؟ قصص، هى بلا شك بعدد البشر أنفسهم. 

لكل واحدة أو واحد سقط رأسه فوق هذه البسيطة الوعرة، وطال مكوثه عليها أو قصر، له حكاية مختلفة، بعقدة وصراع، وبيئة وزمان، وشخوص، وأحداث. منها المؤلمة، ومنها السعيدة، ومنها الغريبة. هل تتلخص العبقرية فى فن الرواية فى اقتناص حكاية ما، والحقيقة أن الأسلوب المستوحى من السيرة الغيرية والذاتية، أصبح شائعًا فى كتابة الرواية، وبالاستخدام المفرط للوقائع والأحداث الفعلية، ومن العناصر المركبة لحكاية حياة الشخصية. 

نزار شقرون: الأحداث المحيطة مادة قابلة للتشكيل

وتأتى «فتنة» الشخصية من التمازج بين الواقعيّة والتخييل دون شك، فالشخصية الروائية تُبنى وفق هذا التجاذب، لذلك قد يستأنسُ الروائى بطينة شخصيّات واقعيّة تعرّف إليها وأنصت إلى تفاصيل حياتها، وقد تتسرب تلك التفاصيل إلى عمله الروائى، ولكن بأى مستوى وأى حد؟ ذلك أن الروائى هو من يبعثُ الحياة فى تفاصيل بدت مهملة فى حياة شخص ما، إنه لا ينقلها كما هى؛ لأنه ليس «مقررًا» لحالات بشرية، فبناء الشخصية، وهى العمود الفقرى للحكاية، يفترض «خلقها» فى عالم تخييلى، وبالتالى فإن أى تفاصيل قد يتعرف عليها الروائى فى حياته الواقعية لن تكون غير «مادة» قابلة للتشكيل. 

بشير مفتى:عدم التسبب فى ضرر نفسى «شرط»

أعتقد أنه يحق للروائى أشياء كثيرة فى الكتابة الروائية، أى أن الروائى يستطيع بالطبع أن يستوحى روايته من حكاية شخصيات حقيقية، واقعية وموجودة فى الحياة أو فى التاريخ.

الآن فى قضية كمال داود أعتقد أن المشكلة طرحت؛ لأن فى الأمر مشكلة أخلاقية، لم تحدث تحويرات على الشخصية الحقيقية، بل أخذها من ملف طبى لا يحق له حتى الاطلاع عليه، ونقلها إلى الكتابة، مع أن البطلة الضحية- أى الشخصية الحقيقية- قد حذرته من فعل ذلك، وهذا مفهوم، فلو تعرفت عليها أنا شخصيًا وطلبت منى ألا أفعل مثل هذا الشىء، ألا أكتب حياتها، لأنه سيسبب لها ضررًا نفسيًا، فالأكيد لن أفعل.

أسامة الشاذلى:مقبول إذا كانت شخصية عامة

لم أطلع على الرواية المذكورة، كما أننى لست مطلعًا على جميع التفاصيل الدائرة حول القضية، وكل ما أعرفه هو ما يتردد عن أن الرواية تستند إلى قصة مريضة كانت تعالج نفسيًا عند زوجة الكاتب، ثم أفشت الزوجة أسرار هذه المريضة- كما تدعى- إلى الكاتب زوج المعالجة وهو استغلها فى كتابة الرواية. أما بالنسبة للكتاب الذى استوحى شخصية حقيقية فى محيطه، فهذا شىء شائع، أغلب الكتاب يستوحون الأعمال من شخصيات حقيقية قابلوها أو تأثروا بها، ثم يحولونها إلى شخصيات روائية، لكن الإغراق فى ذكر تفاصيل شخصية معينة؛ بهدف نقل الشخصية على الورق، فلا أظن أن هذا مستحب، قد يكون مقبولًا إذا كنت أتعامل مع شخصية عامة أو شخصية تاريخية وأريد نقلها.

حسين حمودة:المبدع لا يجب أن يقدم صورًا حرفية للأبطال

يحق للمبدع أن «يستوحى» شخصيات حقيقية ممن يحيطون به، وأن يوظف هذه الشخصيات فى عمله الإبداعى، لكن لنا أن نلاحظ أن تعبير «يستوحى» يشير إلى أن المبدع لا يقدم صورًا حرفية مطابقة لهذه الشخصيات، وإنما يعيد تشكيلها، وأحيانًا يعيد خلقها من جديد، فى عمله الإبداعى، وقد يقدم فى هذا العمل شخصية هى مزيج بين أكثر من شخصية واحدة من الشخصيات التى عرفها.

على كل حال، فالاكتفاء بنقل شخصية واقعية كما هى، بشكل حرفى، فى أى عمل إبداعى، لا يمنح قيمًا كبيرة لهذا العمل؛ فسياق توظيف الشخصية فى العمل الأدبى يجعلها تختلف، إلى هذا الحد أو ذاك، عن السياق الذى يحيط بها فى الحياة. والكاتب الحقيقى، دائمًا، يصل بين صياغة شخصياته وبين رؤى خاصة به، بما يميز الشخصيات التى يتناولها، أو يحيط هذه الشخصيات بسمات جديدة، حتى ولو كان لها صلة بشخصيات مرجعية.

محمد إبراهيم طه: نحن أحرار فى اختيار مصادر إبداعنا

للروائى مطلق الحرية فى اختيار مصادر إبداعه بدءًا من حياته الشخصية إلى دائرته الأوسع إلى الحياة بماضيها وحاضرها ومستقبلها المحسوس والملموس والحلمى واللاهوتى وشطحات الوعى واللاوعى، فالرواية هى النوع الأدبى الوحيد الذى يتسع للتعبير عن أى قضايا وأى موضوعات وأى مجتمعات دون أدنى مساءلة للكاتب إلا المساءلة الفنية.

والروائى حر فيما يخلقه وفيما يستلهمه ويرى أنه مفيد للعمل الأدبى، وقد كتب نجيب محفوظ عن نفسه فى الثلاثية، وفى «المرايا» عن سيد قطب ونجيب سرور، وكتب جمال الغيطانى عن وزير الثقافة، وكتب خيرى شلبى فى «موال البيات والنوم» عن شعراء وكتاب ومثقفين يمكن للقارئ بسهولة أن يضع أصبعه عليهم، فما المانع إذا قدمت الحياة للكاتب شخصية أو حدثًا يمكن استغلاله فى عمل روائى؟ 

ليس من الضرورى أن تكون الشخصيات كلها من بنات أفكار الكاتب، لكن المهارة تكمن فى التقاط النماذج الروائية والفنية، التى تكون جاذبة للقارئ وتخدم رسالته التى يريد توصيلها للقارئ أو يستخرج منها الحكمة أو ليست على سبيل الاستسهال أو الكسل فينقلها كما هى، على الكاتب ألا يبخل فى إضافة رتوش عليها وحذف جوانب منها لتلائم موضعها فى الرواية.

ضحى عاصى: من الممكن أخذ البطل لمنحنيات نفسية أخرى

المبدع فى كثير من الأحيان يستلهم شخصيات من الواقع أو مواقف من الواقع، لكنه بالطبع لا ينقل الشخصية كما هى حتى وإن أراد؛ لأن الكتابة والسياق الدرامى واشتباكها مع شخصيات النص وتوظيفها لصالح الفكرة من المؤكد ستأخذ الشخصية الحقيقية إلى منحنيات وأبعاد نفسية أخرى. كنت قد بدأت فى كتابة عمل روائى عن أبى وبعد عدة صفحات وجدت أن البطل الروائى لم يصبح هو أبى، وبالرغم من محاولاتى الإمساك بشخصيته وبعض المواقف الحقيقية فى حياته، إلا أن التطور الدرامى للنص فرض مسارات أخرى؛ فقررت التوقف.

أحمد صبرى أبوالفتوح:عندما أفعلها ألجأ إلى حيل فنية

بالطبع يحق له أن يستوحى شخصية روائية من شخصية أخرى يعرفها، بشرط أن يكون مجمل معطيات وسمات الشخصية الروائية مختلفًا عن مجمل معطيات وسمات الشخصية الحقيقية، وبحيث لا يكون الأمر ملحوظًا أو مفضوحًا، وفى العادة عندما أفعل هذا ألجأ إلى حيل فنية عديدة، كأن أجعل للشخصية الروائية ماضيًا مختلفًا أو مصيرًا مختلفًا أو سمات شخصية مختلفة أو مهنة مختلفة أو كل أو بعض هذا، وفى العموم الإبداع لا سقف له، والمغايرة دائمًا ممكنة.

مصطفى نصر: نجيب محفوظ فعلها وطارده صاحب القصة

طبعًا لأ، فهناك أسس لهذا الموضوع، فليس من السهل اتخاذ شخصيات معروفة والتشهير بها، ولو أن هذا حدث كثيرًا، وأصحاب الشخصيات الحقيقية تواروا وابتعدوا. ومن المعروف أن نجيب محفوظ فعل هذا، وصاحب الشخصية الحقيقية طارده بالمسدس. هناك قصص معروفة فى هذا الموضوع، فعندى مقالة عن الشخصيات الحقيقية فى الروايات، لكن حدث هذا بموافقة أصحابها، فرواية «لا وقت للحب»، ليوسف إدريس، قصة حقيقية حكاها صاحبها.

منال رضوان: الأهم من النقل هو الخلق الأدبى

بالطبع يجوز للمبدع أن يستلهم شخصيات حقيقية من محيطه ليكتب عنها، حيث يُعد ذلك ممارسة فنية متجذرة فى الأدب العالمى؛ إذ يرى النقاد أن تحويل شخصية واقعية إلى عمل أدبى لا يقتصر على نقل الواقع فقط؛ وإنما يتجاوزه ليصبح شكلًا من أشكال الخلق الفنى، الذى يعكس رؤية الكاتب ووعيه الاجتماعى والسياسى. هكذا، يتحول استلهام الشخصيات الحقيقية إلى أداة تعبير تتجاوز حدود الشخصية الواقعية، ليصبح النص الأدبى فضاءً ديناميكيًا يعكس قضايا اجتماعية وفكرية وإنسانية أكثر اتساعًا.

عمرو العادلى: لا يجوز التشهير تحت أى مسمى

يجوز مع تغيير الأسماء، وهذا حدث كثيرًا مع كل الكتاب الكبار، وشاهدنا ذلك فى شخصية «زيطة صانع العاهات» مع نجيب محفوظ ورواية «موال البيت والنوم» لخيرى شلبى، وروايتى «السيدة الزجاجية»، لكن لا يجوز التشهير بأحد تحت أى مسمى، إضافة لأن الواقع هو ما يصنع الخيال لدى الكاتب بشكل عام، ومن غيره لا وجود لأى شىء، لكن بالطبع لا يكون واقعًا حرفيًا.

السيد نجم: التوظيف الفنى أهم شىء

المبدع ليس أكثر من حواس تعمل وعقل يهذب وخبرة تظلل الأمر كله، سواء اختيار المادة الخام الصالحة للكتابة أو كيفية توظيفها للجنس الأدبى المراد تشكيله.

إن صياغة الملاحظات، سواء لشخصية قريبة أو بعيدة لا جدوى أو قيمة فنية لها، إلا بعد أن يتم توظيفها فنيًا وليس تشخيصيًا.. شخصيات العمل الجيد هى التى تتمثلها شخصيات الواقع. 

هناك شخصية السيد عبدالجواد، أصبحت نمطًا يتمثله العامة والخاصة. وحقيقة الأمر أنه جماع عدد من الشخصيات نجح نجيب محفوظ فى دمجها معًا وتشكيل هذا الكيان الفنى. 

لعل الفيصل المهم فى هذا التناول هو الوعى. أن يكون الكاتب على درجة من الوعى، بحيث يستطيع اختيار أنماط الشخصيات والأحداث من حوله، ثم يوظفها حسب رؤيته وليس حسب ما هى عليه فى الواقع.

نخلص إلى أن تمثيل الواقع والوقائع كما هى فى الحياة اليومية، ليس بالتناول الفنى والأدبى، بل لو حدث يصبح خبرًا صحفيًا أو سردية ما لجريمة، أو حتى قصة حب على أفضل توصيف.

جمال حسان: احترام خصوصية المريض رقم واحد

 الكتابة الأدبية نتاج لتشرب الكاتب واستيعابه لما حوله ومن حوله، وفيها قد يظهر شىء من واقع الحياة كحدث أو تجربة فارقة أو شخص ما معروف لدى الكاتب فى محيطه. 

فى اشتغالى بالطب النفسى تعلمت الكثير من البشر الذين مروا بى عبر مسارات العمل فى قصص وحكايات أفادتنى كثيرًا فى رؤيتى وتفهمى بأن الأمراض هى نفسها تصيب البشر فى أى مجتمع، رغم اختلاف العقائد والعادات والتقاليد والسلوكيات.

لكنى لا أسمح لنفسى بالاستعانة والاستعارة من آلاف القصص أو شخوصها لاحترام خصوصية الفرد وثقته فى كطبيبة وهى/هو فى موقف ضعف نفسى أو جسدى ويحتاج إلى رعاية وعلاج فى جو آمن.

سيد ضيف الله: ُمسرب المعلومات خائنة للأمانة

يجب أن نؤكد أن خيانة الطبيبة النفسية الأمانة المهنية التى تلزمها بالحفاظ على أسرار مريضاتها، هو مربط الفرس فى هذه الحالة، لأن زوجة كمال داود بتقديمها ملف إحدى مريضاتها لزوجها- إن صح ذلك- فهو أمر مشين يجب مقاضاتها عليه. لكن وصول الروائى لمعلومات عن شخصية حقيقية بطريق القراءة والملاحظة والمقابلات وأى طرق مشروعة حق له. وبعد ذلك يبقى التخييل هو ما يضيفه وما يغيره وما يحذفه، إعادة خلق فنى للشخصية، وليس من حق الشخصية وقتئذ أن تطالبه أن يظهرها على النحو الذى تحبه فى روايته المتخيلة، خاصة بعد تغيير المعلومات الشخصية الدالة على هوية الشخصية فى الواقع.

هناء متولى: ملتزمة باستئذان أصحاب القصص

من حقى ككاتب أن أستلهم من العالم من حولى، ومن الأشخاص الذين يمرون فى حياتى، لأن الكتابة الحقيقية تُبنى على الحياة. التفاصيل الواقعية تضيف صدقًا للنص وتجعل القارئ يشعر بأنه جزء من العمل. والكتابة ليست تقريرًا، بل هى عملية تحويل، حيث تُصبح الشخصية الحقيقية مجرد نواة، تنبت منها شخصية خيالية بروحها وعوالمها المختلفة. هذا التحويل ليس فقط حفاظًا على خصوصية الآخرين، بل لأنه يثرى النص ويعطيه أبعادًا تتجاوز الواقع المباشر. الجرأة لا تعنى انتهاك الخصوصية. إذا كانت الشخصية التى ألهمتنى يمكن التعرف عليها بوضوح، فأنا ملتزمة إما باستئذانها، أو بتغيير ما يكفى من ملامحها لتصبح جزءًا من الخيال.

حمدى الجزار:حياة الكاتب هى مصدره الأول

المصادر الأساسية التى يستلهم منها الروائى عالمه الروائى وشخصياته هى، تجربته الشخصية وخبرته الذاتية حياته وذكرياته وما يمر به من أحداث ومواقف، وهذا هو المصدر الأول خاصة فى أعماله الأولى. وقد يكتب الروائى عبارة أو فقرة، ثم تتدفق منها شحصيات وعالم روائى، مثلما حدث معى فى رواية «لذات سرية» إذ بدأت من عبارة واحدة. أما المصدر الآخر، فهو هذا العالم المشترك الذى نحيا فيه ونعاصره، وندركه كحس مشترك، بمكانه وزمانه وتاريخه، وما فيه من شخصيات غادرت كالشخصيات التاريخية فى كل المجالات، وشخصيات تحيا بيننا، والتى يعرفها الروائى عن قرب وتربطه بها علاقات طويلة كالقرابة، والزمالة، الصداقة، والحب، أو مجرد معرفة عابرة للحظات فقط. 

محمد سليم شوشة: لا يمكن للفن أن يتعدى القانون

بالطبع يجوز للمبدع أن يستوحى شخصية حقيقية فى محيطه؛ لأن الأدب ابن الحياة، والأديب لا يخرج كثيرًا عن حدود الواقع، بل كثيرًا ما يكون دوره مجرد قراءة الواقع بعمق، وهو ما يعنى أن نماذجه ستكون ممن حوله، لكن الشق المهم هو ألا يكون ذلك التجسيد فيه تصريح أو خدش لحقوق الفرد وحريته، فلا يمكن للفن أن يتعدى حدود القانون أو يتحول إلى تراشق بين الناس، فالأمور الشخصية والفردية ليست غاية الأديب، بل ما يعنيه هو النموذج العام والنمط الممتد والقابل للانطباق مع ظاهرة عامة. كل المبدعين تقريبًا استلهموا أنماطهم البارزة ممن حولهم من البشر، لكن التصرف الفنى هو الفيصل دائمًا، ذلك لأنه هو المنوط بتعميم النموذج وتجاوز حدود الفردية. 

نهى محمود:يجب تطوير وإعادة تفكيك الأحداث

يعتمد ذلك على الطريقة التى يرى بها المبدع الشخصيات والألعاب التى يقوم بها فى الكتابة، ومنطقته الخاصة هل ينقل العالم أم يخترعه. 

هناك شخصية مكتوبة كانت فى الأصل مزيجًا من الشخصيات اختار الكاتب أن يدمجها وأحيانًا العكس يسحب خيطًا واحدًا حقيقيًا وينسج الباقى. بعض الأبطال الحقيقيين لن يتعرفوا على أنفسهم لو قرأوا حكايتهم مكتوبة، ربما فقط يشعرون بتعاطف معها أو بتفهم لمبرراتها أو شعور بألفة ومحبة زائدة. 

ويرجع ذلك للطريقة التى نرى بها أنفسنا، والأخرى التى يرانا بها الآخرون والحقيقة التى نحن عليها بالفعل، ويمكن أن ينقل الكاتب شيئًا من الواقع، شرط أن يطوره ويعيد تفكيكه حتى.

فكرى داود: الإبداع ليس نقلًا للواقع

العمل الإبداعى فى الأساس، ليس نقلًا للواقع فوق الأوراق، بل هو عمل ابتكارى خاص، بحيث يبدو كل كاتب مميزًا، سواء بشخصياته أو بآليات كتابته، أو بمكان وزمان الأحداث. وهناك قلة من الكتاب، يمكن التعرف على كتاباتهم، كنجيب محفوظ، ويحيى حقى، وعبدالحكيم قاسم، وخيرى شلبى، وأصلان، وغيرهم، من خلال قراءة أعمالهم، حتى لو كانت غير معنونة بأسمائهم.

ومن أهم دلالات تميز الكاتب وتفرده، اختياره شخصياته، سواء كانت بعض سماتها مستوحاة من شخصيات حقيقية، أو كانت من بنائه ومتخيله الفنى المحض. حيث يمكن للكاتب أن يتخير بعض أبطاله من الواقع، كما يتخير بعض الأحداث والأزمنة التى تخدم عمله، لكن وفق عدة شروط، منها أن تكون هذه الشخصيات قادرة على حمل رؤية الكاتب، ونقلها إلى المتلقى.

صفاء عبدالمنعم:النقل لا يكون بالمسطرة

الكاتب دائمًا، وخاصة فى البداية يكتب من خلال ما يعرفه من البيئة المحيطة به والشخصيات التى قابلها فى حياته. ولكن ليس بشكل مباشر مثل التقرير مثلًا، ولكن بإبداع، ربما يكون قابل شخصية ثرية فنيًا من خلال المواقف الحياتية، فيستمد منها ذخيرة جاهزة لشخصية فى عمل أدبى.

وربما يجمع بعض المواقف من شخصيات عديدة ويضمنها داخل النص، فتصبح بطولة أو أسطورة ومن الممكن أن يصنع بعض التوهيمات وإضافة خيال جامح، فيخلق شخصية أسطورية مثل شخصية «أرسولا» فى «مائة عام من العزلة»، أو شخصية السيد أحمد عبدالجواد فى «الثلاثية». 

فالكاتب متأمل فيلسوف له وجهة نظر، ومن الممكن أن ينقل شخصية كاملة بنفس الاسم والصفات والمواقف التى تعرضت لها، ولا يعرف القارئ ذلك إلا من قابل هذه الشخصية عن قرب فى الواقع، فعن نفسى كتبت كثيرًا عن شخصيات عرفتها وقابلتها فى الواقع، ولم يكن النقل بالمسطرة تمامًا، ولكن هناك بعض التهويمات وإضافة هالة فنية حولها.

خالد إسماعيل: المهارة الحقيقية فى طبخ التفاصيل

الروائى لا يعيش فى كوكب آخر، هو يتفاعل ويسجل الملامح والروائح والأصوات ومن هذه المادة ينسج شخصياته، والمهارة فى «طبخ وصهر» التفاصيل، وبناء الشخصية الروائية التى هى بالضرورة حاصل جمع عدة خبرات مستمدة من أشخاص واقعيين، هى التى تفرق بين كاتب موهوب وآخر متوسط الموهبة، والمثل المتاح لدينا هو «أحمد عاكف» فى رواية خان الخليلى لنجيب محفوظ، هذه الشخصية، حسب ما رواه نجيب محفوظ فى مذكراته التى أملاها على الناقد رجاء النقاش مستمدة من موظف زميل لنجيب محفوظ فى وزارة الأوقاف، وشخصية أخرى فى رواية خان الخليلى المعلم «كرشة» المنحرف أخلاقيًا، هو شخص واقعى، ولما صدرت الرواية احتج أولاده واعتبروا نجيب محفوظ قد شوّه سيرة والدهم.

محمد صالح البحر:الاستسهال والجفاف التخيلى ضد الفن

الإبداع ليس انعكاسًا فوتوغرافيا للواقع، لكنه انعكاس فنى له، بمعنى أن الإبداع يستلهم مادته من الواقع الذى يعيشه كل مبدع، لكنه لا يقوم بتصوير هذا الواقع إبداعيًا كما حدث فى الحقيقة، بل يُحيله من خلال القدرة التخيلية إلى رؤى وأفكار قادرة على خلق معان جديدة. ولأن المبدع حر فى اختيار الشكل الذى يرتديه إبداعه، ولأننا- كقراء ونقاد- لا يجوز لنا إصدار الأحكام القيمية على الإبداع، فإننا لا نستطيع- ولا يحق لنا- القول إن هذا صواب، وهذا خطأ، لكننا نستطيع أن نحمل مشاعل الضوء التى تُنير الطريق أمام المبدع، ليرى بعينيه الطريق الذى يجب أن يسير فيه، ففيصل الرؤية فى كل إبداع قيمتان، أولهما حجم القيم الإبداعية التى يشتمل عليها، وثانيهما الصدق الفنى الذى يحمله، وهما قيمتان تتنافران تمامًا مع التصوير الفوتوغرافى، الحقيقى للواقع الذى نهل المبدع منه، فلا إبداع بلا قدرة على التخيل تستطيع أن تسمو به، وتُحيل الواقع الذى انطلق منه إلى سُحب ممتلئة بالمطر والغيث، وما يلجأ إليه بعض المبدعين من استدعاء شخصيات حقيقية من محيطهم، تعارفوا عليها، وكشفوا خباياها من جوانب حياتية عديدة، واستغلال هذه التفاصيل فى أعمالهم الإبداعية، ليس من الإبداع فى شىء، طالما جاء ذلك من قبيل الاستسهال وعدم القدرة على الخلق، أو من قبيل التلسين، أو كانت غايته الفضيحة، فالاستسهال والجفاف التخيلى ضد الإبداع من الأساس.

رباب كساب: التطوير مهم وإلا يكون العمل مجرد نقل

الكاتب يتأثر بمحيطه وبمن حوله، قد تتماس هذه الشخصية مع جوانب مهمة فى داخله، أو قد تمنحه شعورًا قويًا يصعب أن يتخلى عنه بأن يسجلها.

لكن كيف يتناولها، تلك هى القضية، كيف يدمج هذه الشخصية فى عمله، كيف يطورها بإبداعه، وإلا ستكون مجرد نقل واقعى لا إبداع فيه، أو تدخل فى مجال السيرة لو تم نقلها كما هى.

ابتهال الشايب: إضفاء الروح الإبداعية على كل قصة

دائمًا ما أرى أن المبدع يتأثر بأقل الأشياء، فمن المؤكد أنه يتأثر بالشخصيات التى يراها فى الواقع، خاصة إذا لمست روحه الإبداعية، أو وجد فيها شيئًا يثير مخيلته، يظل الموقف يعيش داخل وجدان الكاتب لفترة، فى بعض الأحيان لا يشعر الكاتب بذلك، لكن يجد كل شىء تأثر به على الورق. أحيانًا هناك شخصيات لا نتأثر بها، ربما لأننا لم نعرفها جيدًا، لكننا فى النهاية- ككتاب- لسنا متشابهين فى التأثر، كل كاتب له مواقف وشخصيات معينة تؤثر فيه، والمهم هو إخفاء الروح الإبداعية.

إبراهيم مجدى: مرضى الاضطرابات يميلون لإثارة الجدل

أنا هنا لست ضد أو مع، لكن أحيانًا المرضى، خاصة مرضى اضطرابات الشخصية، يميلون لإثارة الجدل.

وربما أثارت الشاكية هذا الموضوع من أجل لفت الأنظار؛ لأنه من الصعب أن ترتكب طبيبة محترفة وذات سمعة واسم، مثل هذا الخطأ بأن تفشى سر مريض، ربما تتشابه القصص، وليس معنى أن المريضة رفعت دعوى قضائية أنها محقة.

محمد عطية محمود: انتهاك لحق الإنسان فى وجوده الخاص

العلاقة بين المبدع وشخوصه، هى علاقة متوازنة ومرتبطة بحالة وجودية وذهنية وخبراتية لجميع المشاهدات والمعاينات التى تعترض وجوده وتشكل ذائقة سمعية وبصرية وفكرية وخلفية مهمة لتهيئة رموز كتابته، ومخزونًا رؤيويًا يكتسب من خلاله القدرة على الاستفادة من كل/ بعض النماذج الإنسانية التى تعرض له بالطبع ليست كل النماذج تصلح لذلك، ما يشكل له فى هذه الحالة الإبداعية هجينًا إبداعيًا. كما أن الاستفادة الكاملة تمامًا من حياة كل شخصية ملفتة محرضة على إعادة صياغتها كتابة يصادفها الكاتب، تعد انتهاكًا لحقه الطبيعى فى وجود خاص به ربما تكون فيه من التجاوزات ما تؤدى الكتابة عن شخصيته التى يملك الكاتب تفاصيلها ومصادرها تحديدًا، إلى التشهير به والتعريض به، خصوصًا لو كانت شخصية معروفة فى محيطها أو فى محيطات أكثر اتساعًا بحسب مدى شهرتها أو ذيوع ذكرها، إلا بالطبع فى حالات مغايرة خاصة تعتمد فيها الكتابة على السيرة الذاتية التى يملك الكاتب فيها أن يكتب عن ذاته ما يشاء حتى ولو كانت استلهامًا لها لا كتابة تفصيلية ممتدة ربما لا تخضع لمقاييس النوع الأدبى تحديدًا.

بيتر ماهر الصغيران: البيئة هى المحفز الأول للإبداع

يجوز بكل تأكيد استعارة شخصيات من داخل النطاق الذى عاش به المبدع، الكاتب ابن البيئة التى تربى بها، فهى المحفز الأول للإبداع، كل بيئة لها الخصائص التى تميزها عن الأخرى. 

على المستوى الشخصى الكثير من النماذج التى تأثرت بها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة قدمتها من جديد فى إبداعات قصصية وروائية.

الغربى عمران: جميع الكُتّاب يفعلون ذلك

القص الواقعى يستقى كتابه شخصياتهم من محيطهم، بل ومن أقرب المقربين، قد لا يذكر اسمه أو بيئته، لكن صفات الشخصية اللافتة تجذب الكاتب إلى تلبيسها خصائصها إحدى شخصياته، أو أن يجعلها شخصية من شخصياته.

والمحذور هو أن ينقل الكاتب سيرة شخصية يعرفها بكل تفاصيل حياتها دون علم المعنى، غير أن يستعين لمعرفة الشخصية بخصائص بعينها. 

فمن المعروف أن جل الكتاب يلتقطون شخصياتهم من محيطهم، وإن أروع الشخصيات فى أجمل وأعمق الروايات هى ما قارب كتابها فى الوصف والغوص فى أعماقها

رشا الفوال: المعالجة بشكل يحفظ الخصوصية

بالنسبة للإبداع الأدبى، يمكن للكاتب أن يستوحى شخصيات العمل الأدبى من الواقع، شريطة أن يكون مسئولًا عن تقديمها بطريقة تحفظ خصوصية الشخصيات الحقيقية، خصوصًا إذا كانت هناك تفاصيل يمكن التعرف عليها بوضوح. 

أما فيما يتعلق بالاستناد إلى قصص أو تفاصيل حياة المرضى فى الكتابة الإبداعية، فهذا يتطلب حذرًا بالغًا، لأن هناك ميثاقًا لأخلاقيات المهنة، تُعد السرية فيه أساسًا لا يمكن المساس به. 

وبشكل قاطع نعتبر تفاصيل المرضى التى تُشارك فى جلسات العلاج أمانة، ولا يجوز بأى حال استخدامها بصورة مباشرة فى أى عمل أدبى. 

سهير المصادفة: العمل الناقل الواقع كما هو «ردىء»

يستوحى المبدع الشخصيات الحقيقية الموجودة فى محيطه. فالواقع المحيط به هو الملهم الأكثر تأثيرًا لخياله الذى ينطلق وحده بعدها. أقصد بالواقع هنا؛ كل ما فى العالم؛ فضاؤه وكائناته وناسه يتحاور المبدع مع كل ذلك. ولكن، يظل الفرق بين الرواية الجيدة والأخرى الرديئة، أن الرواية الجيدة تتعامل مع كل معطيات الواقع على أنه مجرد إلهام، يمثل لها حالة انفجار كبير لخلق عالم جديد، لم يوجد من قبل، أما الرواية الرديئة فهى تنقل كل شىء كما هو. تنقل صفحات كاملة من كتب التاريخ، أو تلتقط صور الواقع دون القدرة على تنويره برؤى الكاتب وخياله، ليس لأن الواقع مملًا فى حقيقته، وإنما لأنه من المستحيل أن تلتقط كاميرا غير مصقولة بالموهبة والرؤى أى شىء بوضوح.

عزة سلطان: الاستلهام جائز مع تغيير الصفات

حكى لى الأستاذ سعيد الكفراوى أنه بعد خروجه من السجن «المعتقل» إلى مقهى «ريش» وهناك قصّ على نجيب محفوظ ما حدث له، وبعد فترة صدرت رواية الكرنك ليعرف «سعيد» أن شخصية «إسماعيل» فى الرواية كانت هى ذاتها شخصيته.

المبدع حين يستلهم فى عمله شخصية حقيقية فإنه بحاجة إلى إجراء عدد من التغييرات أولًا تغييرات تخص رسم الشخصية، بمعنى صفاتها وأخلاقها وتاريخها الاجتماعى، الثانى هو التغييرات المرتبطة بالتفاصيل والحقائق، فوجود صفة أو موقف لافت صدر عن شخصية أمور تدفع المبدع لاستلهامها فى عمله، وعندما يقوم بنقل جميع التفاصيل تنتفى عملية الإبداع.

 أحمد فضل شبلول: الفارق فى صناعة «قالب مشوق»

 سبق لنجيب محفوظ أن قدم فى «المرايا» ٥٥ شخصية عاصرها وتعرف إليها عن قرب، وكتب عنها مع بعض التغيير والتحوير فى الأسماء وفى بعض الأحداث بما يتناسب والفن الروائى أو القصصى. وهكذا نجد أن الكثير من الروايات تكون بعض شخصياتها منتزعة من الواقع المحيط بالكاتب، والمهم فى الأمر هو كيفية توظيف تلك الشخصية، التى يعرفها الكاتب، ويكون قريبًا منها، بطريقة فنية مبتكرة، يجعل منها شخصية روائية وليست شخصية إنسانية حقيقية ينقلها لنا الكاتب دون لمسات فنية أو تقنيات روائية. 

ولكننا فى النهاية كقراء يهمنا كيفية التعامل مع تلك الشخصية وتقديمها فى قالب روائى بطريقة مشوقة.

أحمد قرنى: التناول جائز بشرط صون الخصوصية

إذا كان السؤال هل يحق للكاتب نقل شخصية واقعية إلى شخصية روائية مستغلًا معرفته بها؟ هذا طبعًا يمكن أن يحدث إذا كانت الشخصية المرسومة داخل الرواية بنفس دقة التشابه والصفات والمواقف، بحيث تبدو متطابقة وأظن صعوبة حدوث هذا.

كما قلت لو افترضنا حدوثه، فهو لا مشكلة إلا إذا انتهك خصوصيتها وصار التقارب أو الشبه واضحًا أنه يقصد شخصية بعينها فى الواقع، ويود جعلها منبوذة أو نقدها بعنف أو ذكر مسالبها أو تهكم عليها، فهو هنا يكون قد اخترق القواعد المهنية، فإذا سب أو تهكم فهو محل مساءلة قانونية طبعًا إذا لم تكن شخصية عامة يباح نقدها.

شريف شعبان:الابتعاد عن الأسماء الحقيقية والأسرار الخاصة

قد يتطرق الأمر فى بعض الأحيان إلى سرد حكايا يخرج بها الكاتب من أفواه تلك الشخصيات تخص روتينهم اليومى أو حياتهم الشخصية أو بعض أسرارهم من أجل إثراء العمل وإثارة الحبكة والأحداث. 

وهنا إذا ما لجأ الكاتب إلى هذا السلاح، فلابد وأن يكون حذرًا للغاية. فيجب عليه أن يتعامل من تلك الأسرار دون ذكر تفاصيلها أو الأسماء الحقيقية لأصحابها؛ كى يحافظ على أمانة السر، بل أجد أنه يجب عليه أن يستأذن صاحب الشخصية الأصلية والتحاور معه إذا ما أراد تناول اسمه أو شخصيته فى نسج شخصية شريرة على سبيل المثال. 

كما ينبغى عليه أن يُحسن توظيف تلك الشخصيات الحقيقية، ودمجها فى المتخيل على نحو يُقنع القارئ، وإلا تحولت الرواية إلى رواية سيريَّة، ويتأتى للروائى الخروج بعمله من هذا المأزق بالتوازن، وحسن التوظيف، والقراءات المتنوعة فى موضوع روايته.

أشرف الصباغ: الاستلهام طبيعى فى مسار الإبداع

إذا «استوحى» الكاتب ملامح وأحداث، أو بعض الجمل والعبارات، أو مرادفات لها، وربطها بسياقات أخرى وبشخوص آخرين، فهذا أمر طبيعى فى مسار الإبداع لا علاقة له بأى مواطن أو أى شخصية.

الأمر الآخر، إذا كان هناك مواطن عادى أو شخص مشهور لديه شك فى أن كاتبًا ما كتب سيرته الشخصية بالضبط، أو استخدم أحداثًا معينة ترتبط بحياته وشارك فيها فعليًا، وتم ذكره بالاسم، فعليه أن يلجأ إلى القضاء فى حال إذا كان لديه اعتراض ما، أو يريد إثبات حقه فى شىء ما، وهذا الأمر لا علاقة له لا بالأدب ولا بالكتابة.

سعاد سليمان: إلباس الأشخاص أغلفة أخرى لطمس ذواتهم

هناك فرق بين الاستلهام والاستيحاء وبين أن آخذ شخصية حقيقية واقعية، فالاستلهام حق ومباح، أما سرقة حياة الآخرين من أجل عمل إبداعى تعتبر من قبيل السطو وهذا عمل غير محترم. الإبداع الحقيقى هو الذى يقوم على عناصر عدة، منها بناء الشخصية وعمل تاريخ عميق لها وصنع عالم من حولها.

أى أنه يجب على الكاتب أن يُلبس شخصياته وحياتهم أغلفة أخرى طمست ذواتهم وقدمتهم كحالة إبداعية متفردة.

محسن يونس: الحذف والزيادة ضروريان تجنبًا للفضيحة

ولم لا؟ قال الأولون ممن أصابتهم الحرفة: إن مصدرى الإبداع فى ذكريات الكاتب، وفى قراءاته، طبعًا هذا تبسيط لعملية الإبداع مع أن المصدرين يظلان على أهميتهما، يضاف إليهما ثقافة الكاتب نفسه، ومن ثم تظهر فى سلوكياته وكتابته، إلى جانب وعيه، وربما يكون أحد عناصره هو الأحداث والوقائع التى يراها رؤية العين، ويسمعها سماع الأذن فى محيطه القريب، كأسرته أو أصدقائه المباشرين. تحضرنى واقعة كنت أحد شهودها، صديق لنا حاول أن يفضفض، فتحدث عن أسرار تمس عائلته، وكيف جاءوا من العاصمة ليسكنوا بلدنا، تحدث الصديق عن خيانة ما حدثت من أحد المنتسبين لأسرته بالمصاهرة، المهم كان يجلس أحد الكتاب الذى استخدم ما فضفض به صديقنا فى عمل فنى أثار الانتباه وحصل على جوائز، وما زال هذا العمل الفنى يشار إليه، بل يؤرخ به على جوانب عدة منها السياسى ومنها المجتمعى والأكثر منها الفنى.

يمكن للكاتب أن يستوحى شخصية أو عدة شخصيات حقيقية من محيطه، ولكن عملية الكتابة لا بد أن تخضع للحذف والزيادة، حيث لا تتوافق مع اعتبارات يمكننا تسميتها بالفضيحة، لا بد أن يغير الكاتب الأسماء الحقيقية، ولا بد لخياله أن يتدخل ليسير ببعض أو حتى كل التفاصيل التى سمعها أو شاهدها ليبعد عن المباشرة، وليفتح لعمله الإبداعى سككًا يقبلها الفن والإبداع.

صالح الغازى: إعمال الخيال ضرورى لتغيير الواقع

تناول الكاتب شخصية يعرفها أو تعرف عليها هو أمر موجود بالفعل، فكل الشخصيات التى يعرفها الكاتب هى جزء من حياته وتأثره ووعيه، لذلك وارد أن يستوحى منها أو يتناولها فى عمل إبداعى.

وقد يتناول المبدع شخصًا محددًا ليقدم سيرته الذاتية بتفاصيل واقعية، وحتى فى هذه الحالة أعتقد أنه يتم إعمال الخيال، وذلك لأن العمل الإبداعى لا يستطيع أن يجارى الواقع فى طول الزمن؛ ليختصر التفاصيل، وفقًا لقوانين الدراما ووفقًا لطبيعة الصنف الأدبى.

هدى العجيمى:الحقيقة دون حذف تصب فى مصلحة العمل

يجوز هذا فى بعض الإبداعات التى تتناول الحقيقة والواقع بحذافيره، مثل السيرة الذاتية، وأنا فعلت هذا وقدمت حياة بعض الشخصيات فى روايتى «سنوات الحرب والحظ»، وهى سيرة ذاتية لحياة أسرة والمحيطين بها من شخصيات تتعلق بتطور الرواية وتطور السيرة. ثم مستقبلها ومن يحيطون بها. لكننى وجدت من يقول لى امسحى هذه التفاصيل من حياة شخصية ما؛ مع أننى لو كنت قد كتبت الحقيقة دون حذف شىء لأصبحت فى مصلحة العمل الأدبى.

رحاب العوضى:سرد أسماء أو عناوين انتهاك واضح

هناك فرق بين الحكى عامة وبين تحديد شخص بعينه، فمن الممكن أن يقوم المعالج بالحديث والحكى عن حالات سابقة نجحت فى تجربة العلاج وصارت أشخاصًا طبيعيين.

هذا فى مقابل أن أحدد أشخاصًا وأحكى عنهم، وهم أناس قد تعرفهم شخصيًا، فهذا شىء محرج، وقد يؤدى بالحالات إلى الانتحار، ويعتبر غير قانونى وغير أخلاقى. ويجب أن يراعى الكاتب الحالة المرضية؛ لأن الحكايات تتشابه بشكل أو بآخر، وقد يظن أحدهم أن الطيب يحكى قصته، ولكن الفاصل هنا فى الشكل القانونى هو سرد أسماء أو عناوين أو وصف دقيق للشكل والمكان.

مجدى القشاوى: لا بديل عن كتابة الواقع المحيط

 ليس أمام المبدع أى بديل سوى الكتابة عن الشخصيات المحيطة به. دائمًا ما كانت نصيحة الكتاب الكبار، اكتب عمَّا تعرف، والحقيقة أن صدق الكتابة والتعبير لا يتأتى من أى طريق آخر.

نحن جميعًا رواة بشكل أو بآخر، عندما يعود الرجل لبيته فى المساء يتبادل هو وأفراد أسرته الحكايات عن النماذج التى التقوها فى يومهم.

وأنا لا أعرف هل من المبالغة القول إن الاختيار ليس متاحًا أمام الكاتب، فلقد عايش هؤلاء المحيطين به وعايشوه، أصبحوا جزءًا من تكوينه النفسى والفكرى والجمالى. هو يكتب بهم، عنهم حتى وهو يكتب عن الأحداث البعيدة فهو ينظر إليها بالعيون التى عرفت الشوف بالطريقة التى تعلمها من ناسه.

وربما يكون السؤال متمحورًا حول المسئولية الأخلاقية لاستغلال الشخصية الواقعية فى الرواية، والرد أن معظم الكتاب يلجأون للخطوط العريضة فقط من الشخصيات المحيطة، والنماذج الإنسانية ليست شديدة التباين والفرادة.

وليد الخشاب: المشكلة فى «دائرة» الأشخاص المعنيين

ليس من السهل حسم المسألة أخلاقيًا، لأن الكاتب قد يسيل لعابه لقصة سمعها أو عايشها، ولا يشعر بغضاضة أن ينشرها، طالما لا يذيع أسماء الشخصيات فى الواقع، ولا ما يشير بوضوح إلى تلك الشخصيات. تكمن المشكلة فى الدائرة الضيقة للأشخاص المعنيين، وفى أن طائفة المبدعين صغيرة نسبيًا فى مصر، مجتمع يعرف أعضاؤه بعضهم بعضًا بشكل أو بآخر.

لا أرى تلك الممارسة لطيفة، وإن كانت فيما أظن مشروعة قانونًا، والله أعلم.

أزهر جرجيس:دعاية سلبية لركوب «الترند»

لطالما ألهمت الشخصيات الحقيقية الكتاب على مر الزمان، وشكلت مصدرًا بالغ الأهمية لإغناء العمل الإبداعى. لكن الأمر يعتمد على الطريقة التى يتم بها استخدام هذه الشخصيات، وحجم التفاصيل والمعلومات الحساسة التى ترسم صورتها داخل النص إيجابًا أو سلبًا. هنالك من يتعمد كشف أكبر عدد ممكن من تلك التفاصيل دون إذن «الضحية»، وهو تصرف غير أخلاقى غايته إعمال ما يسمى بالدعاية السلبية وركوب «ترند» المبيعات. سلوك كهذا لا ينبغى أن يمر دون مساءلة قانونية، لما فيه من انتهاك لخصوصية الآخرين والتشهير بهم.

مصطفى البلكى: الكاتب لا يمكنه التغريد خارج بيئته

أنا أكتب عمن أحب، عن الإنسان الذى أعرفه، دائمًا هناك شخصيات أعرفها معرفة كاملة أوجدها على الورق وأحيانًا حتى لا أسقط فى دائرة السؤال أذهب إلى الماضى، أحب الماضى.

لكل مبدع خميرته التى لا يمكن التخلى عنها لا تأتى مصادفة، لكنها ترافقه منذ الصغر تأتى تباعًا، وأنا تعددت مصادرى، فمولدى فى إحدى قرى محافظة أسيوط منحنى فضاء واسعًا لتعدد الحكايات الخاصة بالمكان وبالأشخاص.

والكاتب ابن بيئته لا يمكنه أن يغرد خارج هذا الوجود الذى يعرف أدق تفاصيله؛ لأنه سيكون كمن خرج عاريًا بلا ملابس تستره واللحظة الصادقة فى حياة المبدع هى تلك التى يصبح فيها متماهيًا مع المكان الذى يتحرك فيه.

على حسن:كتمان قصة واقعية تفوق الخيال «صعب»

الحياة تجارب؛ لكل منا تجاربه الخاصة، ذكرياته، خبراته، علاقاته. التجارب والشخوص يخزنها العقل فى اللاوعى، خاصة إذا كانت أحداثًا فارقة، تركت أثرًا فى حياة الأديب، لكنها تظهر على السطح عند الكتابة حين تجد مهربًا.

أعتقد أنه ليس سهلًا على الأديب أن يكون شجاعًا ومتمردًا بالقدر الذى كان عليه الأديب المغربى «محمد شكرى» حين قدم لنا سيرته الذاتية «الخبز الحافى»، لكنه أشار إلى أحداث أصابت شخصيات بعينها فى السيرة، ربما سببت لهم حرجًا كبيرًا! لكن أن يستفيد الروائى من حكايات المحيطين بشكل كامل، يقدمها على طبق من فضة إلى قرائه على أنها من نسج خياله، تلك صدمة كبرى لأصحابها والمشاركين فى أحداثها.

رضا سليمان:إعادة صياغة المواد الدرامية والحياتية

يحق للكاتب أن يستقى شخصيات أعماله الروائية من البيئة التى يعيش بداخلها، فمن أين يأتى الكاتب بشخصياته؟ من محيطه بطبيعة الحال، لكن هل يجوز أن يُجسد الكاتب إحدى الشخصيات الحقيقية الموجودة فى محيطة فى عمله الأدبى كما هى فى الطبيعة؟ هنا يكمن الاختلاف. إن تم التجسيد الكامل للشخصية أصبحنا أمام سيرة ذاتية، أمام توثيق لشخصية ما فى محيط الأديب فأمر آخر، لكن المبدع الحقيقى هو الذى يتأثر بالشخصيات المحيطة ويستقى من عالمها الروائى الطبيعى ثم يعيد صياغة هذه المواد الدرامية والحياتية المتراكمة بداخله، ليصنع منها بطلًا جديدًا لا وجود له فى عالمه الواقعى، فإن قرأ أحدهم الرواية لن يشير نحو أحد أبطالها قائلًا هذا فلان بعينه.

مريم هرموش: لكل مبدع عالمه الذى يشكله كما يحلو له

مما لا شك فيه أن فضاء الإبداع رحب، وأن لكل مبدع عالمه الخاص الذى يشكله كما يحلو له؛ إما سابحًا فى فضاءات الخيال، أو مستوحيًا موضوعاته وشخوصه من أرض الواقع، وأحيانًا من بين المحيطين به.

وبالنسبة لى كروائية، فلقد جسدت فى رواية «ذلك الغريب» جوهر قصة شخصية حقيقية، وذكرت ذلك، وهى التى طلبت منى أن أكتب قصتها التى لا يعلم شيئًا عنها حتى أقرب المقربين إليها، وقد أرادت من خلال ذلك أن تبرىء ساحتها، خصوصًا أن قصتها قد تم تداولها فى الستينيات من القرن الماضى من طرف واحد ولم ينصفها أحد، فبقيت غصة فى صدرها.

وليد علاء الدين: التصوير أداة فنية ولا تفضح أحدًا

الأصل فى الأدب أنه تخييل قبل التجسيد، وانزياح قبل التقرير، وتمثيل قبل التصوير. 

أما التخييل فهو الاستخدام الفنى لأجزاء من عوالم مختلفة ومتباينة لصنع عالم فنى له منطق مستقل يمكن استخدام التجسيد بداخله فلا نكون هتكنا جسدًا حاليًا أو تاريخيًا، وأما الانزياح فهو الاستخدام المجازى أى تحويل كل المفردات والعناصر داخل العالم الأدبى إلى مجازات. وأما التمثيل فهو أن العمل الأدبى قائم على فن صنع الأمثولة، التى تكتنز المعنى وتشير وتوحى به وليس تصوير لقطات الحياة دون معالجة تمثيلية وإلا صارت تقارير تجسس ومراقبة. وداخل التمثيل المنضبط يصبح التصوير مجرد أداة فنية تخدم العمل ولا تفضح صورة أحد بالمعنى الأخلاقى للفضح. ش