الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

اليوتيوبر الروائى.. جلال الصلاحى: الجماعات الدينية جراد إذا وصل إلى حقل يتصحر

جلال الصلاحى
جلال الصلاحى

- أقارع الجماعات الدينية وحيدًا منذ زمن ودفعت ثمنًا باهظًا 

- تعرضت قبل 3 أشهر لمحاولة اغتيال فى عدن على يد «الحوثى»

- الإنسان اليمنى يحتاج لثورة فكرية لتجاوز تعقيدات القبيلة

- أُجبرت أن أكون «يوتيوبر» لأن الكُتّاب لا يخاطبون إلا النخبة

حكاية «اليوتيوبر» اليمنى جلال الصلاحى هى تجسيد واقعى وحقيقى لما يمكن وصفه بتقلبات الحياة، فمن لاجئ معذب ومشرد فى شوارع أوروبا إلى «يوتيوبر» شهير، ثم كاتب روائى ومؤلف أفلام تتعاقد معه «نتفليكس»، وصولًا إلى ناجٍ من محاولة اغتيال على يد الجماعات الدينية فى بلاده. لكن الشىء الأكثر التصاقًا بحياة «الصلاحى» هو أنه كائن لا يكف عن الاشتباك وإحداث الصخب، وآخر تلك الاشتباكات روايته «محاولة»، التى صدرت قبل أيام وأحدثت دويًا كبيرًا، بعد أن قوبلت بحملة من الهجوم الشرس، أرجعها هو إلى جماعة «الحوثى»، التى تتناولها أحداث الرواية بشكل ما. 

وجلال الصلاحى من مواليد السبعينيات، غادر اليمن منذ نحو 18 عامًا، وهو يحمل الجنسية الأمريكية، ويقيم حاليًا فى ولاية تكساس. ومثله مثل معظم اليمنيين يزاول مهنة التجارة، لكنه فى الوقت نفسه يمارس الكتابة بشغف ويواصل عمله كـ«يوتيوبر» شهير.. «حرف» أجرت حوارًا مع جلال الصلاحى، فى محاولة لاستكشاف قصة هذا المبدع الذى أصر على تحقيق أحلامه، رغم ما تعرض له من أهوال.

■ ما سر الجدل حول روايتك «محاولة»؟

- «محاولة» هى رواية كتبتها بين عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٦، وكنت أكتبها لنفسى ولم يكن لدى نية مسبقة لنشرها فى كتاب. كنت أنشر أجزاء منها بين حين وآخر على حسابى على «تويتر وفيسبوك». عملت كثيرًا على تحسينها كونها تعنى لى الكثير، وكنت قد سميتها «القاشقجى» نسبة إلى «القاشقجى عبأ لورى»، أحد أشهر المهربين فى مدينة كاليه الفرنسية، وتعنى بالكردى مهرب الشاحنات و«عبأ» تعنى عبده.

وبعد أن قرأها الروائى «على المقرى» على صفحتى بـ«فيسبوك» تواصل معى وشجعنى على نشرها، كما عرضت عليه رواية «الزقوة» ورواية أخرى كتبتها بصورة سيناريو لفيلم سميته «الجزيرة».

وما إن أعلنت دار عناوين للنشر عن غلاف الرواية حدثت ضجة كبيرة بمواقع التواصل الاجتماعى، بالطبع من قبل بعض الموتورين والحاقدين، وتم نقدى ونقد الرواية قبل أن تُنشر، وهو ما يدل على أن هنالك أحكامًا مسبقة على شخص جلال الصلاحى. الغريب أن كل الناقدين لا يوجد لهم أى أثر فى عالم الرواية أو الأدب واستكثروا علىّ أن أكتب وكأننا فى العصور المظلمة بأوروبا عندما كانت الكنيسة تحرم وتجرم الكتابة. وفى نفس الوقت لم تخلُ هذه المعركة حول رواية «محاولة» من محبين للعمل، أبرزهم الكاتب على المقرى الذى كتب عن أهمية الرواية، وانتقد من كتب عنها بصورة فجة لمجرد أن «جلال» يغايرهم فى التوجه السياسى أو يقف بالجهة الأخرى من معتقداتهم وأيديولوجياتهم.

■ هل انتقادك للحوثيين وراء هذه الحملة؟

- نعم، هذا أحد الأسباب، كما أن انتقادى للفساد وللجماعات الدينية والرجعية وكل الفاسدين فى اليمن وسع دائرة الأعداء، بالتالى تمت هذه الهجمة الشرسة على «محاولة» قبل أن تُقرأ.

■ ذكرت أن الرواية ترصد تجربة حياتية حقيقية عشتها.. لماذا لم تكتبها ككتاب سيرة ذاتية؟

- السبب أننى قرأت الكثير من الروايات فى الأدب العالمى والمحلى والعربى، فكنت أميل إلى هذا النوع من الكتابة، لأنه يحمل الكثير من التشويق وأشعر بأن فيه حميمية أكثر من نص السيرة الذاتية.

■ تعرض فى الرواية تجرية مريرة عن اللجوء لأوروبا وتهريب البشر.. فأين يبدأ الخيال وأين ينتهى فى الرواية؟

- يبدأ الخيال فى رواية «محاولة» عندما كنت أمشى وأحدث نفسى ماذا لو صادفت فاتنة من بلاد الغرب تقع فى غرامى وتخرجنى من اليمن وأحصل على حياة كريمة وأحقق حلمى الذى يكاد يكون حلم معظم العرب، وأعود إلى بلدى بعد أن أكون قد حققت الكثير من تلك الأحلام، وأيضًا أمّنت مستقبل أطفالى وأنقذتهم من اللا مستقبل الذى تعيشه اليمن. وهذا الحلم يكاد أن يتشاطره جل الشباب العربى فى كل البلدان.

لكن للأسف كان الحلم فى وادٍ والواقع فى وادٍ آخر، فلم تكن المحاولة وردية كما رسمتها فى هذا الحلم، وانتهت بمعاناة فاقت خيالى وتجاوزت ما أقوى على احتماله، وانتهت بالتسكع فى مدن ألمانيا وفرنسا. والنوم بين الأحراش، وعشت حياة المشردين طوال تلك الرحلة بين أقسام الشرطة، وملاحقة رجال الشرطة لى، حتى إن الطعام الذى كنا نحصل عليه إن وجد كان فقط من أجل البقاء على قيد الحياة.

■ بِمَ تفسر ازدواجية معايير بطل الرواية فى موقف إخفاء شقيقته عن أصدقائه؟

- نحن كيمنيين لنا عادات وخصوصيات كثيرة، ونعمل فى كثير من الأحيان على مواراتها خوفًا من الخوض فيها، وكذلك لم أحب أن أبدو بتلك الصورة التى كنت عليها مشردًا وأخته تحضر رسالة الدكتوراه فى جامعة عريقة فى مونبلييه الفرنسية. كنت أخجل من ذلك ولا أحب أن أبدو أمامها وأمام صديقى على هذا النحو، حتى إن مظهرى حينها بملابسى المقطعة وآثار الحروق فى كفى وشعرى الطويل كان صعبًا، كل تلك العوامل مجتمعة جعلت إخفاء ذلك مهمًا بالنسبة لى قبل الآخرين.

■ أغلب من يفرون من بلدانهم العربية للغرب يحاولون استنساخ مجتمعاتهم التى هربوا منها خاصة فيما يتعلق بتطبيق الشريعة والحجاب والمرأة.. بِمَ تفسر هذه الظواهر؟

- نعم كلامك صحيح، خصوصًا أن المواطن اليمنى ينقل كل ما هرب منه وعمل على تجاوزه إلى كل بلد يستوطنه، والسبب من وجهة نظرى أن الأمر يتعلق بالموروث الدينى والاجتماعى الجائر الذى «عشعش» فى عقولنا. وفى اعتقادى أن تكوين الإنسان اليمنى عبارة عن تراكمات يصعب تجاوزها بهذه السهولة، ونحتاج لسنوات من أجل تجاوز هذه المعضلة. القبيلة والأسرة والدين والمعتقدات والثقافات الخاطئة وانحسار التعليم والثقافة فى مجتمعنا، كلها جعلتنا على هذا النحو. نحتاج لثورة فكرية لتجاوز هذا الفخ.

■ كيف هى تجربتك مع «الحوثى» و«الإخوان» فى اليمن؟.. وما حقيقة تحريضهما عليك؟

- معظم اليمنيين من أسر محافظة، وتربينا على هذا النحو وكان الدين مهيمنًا، وعملت هذه الجماعات لعقود على تقويض البلدان التى تستوطنها، إنها أشبه بسرب جراد ما إن تصل حقلًا يتصحر. منذ زمن طويل أقارع هذه الجماعات وحيدًا، ودفعت ثمنًا باهظًا نتيجة ذلك، خاصة أن المفهوم السائد لدينا فى اليمن أن معاداة تلك الجماعات هو معصية لله، ونتيجة الأمية المفرطة فى اليمن، وفى الكثير من البلدان العربية أصبح ذلك مسلمًا به لدى قطيع كبير من المؤمنين بهذه الجماعة. قبل قرابة ثلاثة أشهر تعرضت لمحاولة اغتيال فى مدينة عدن من قبل جماعة «الحوثى»، على حد علمى أنهم كانوا يقفون خلف ذلك بعبوة ناسفة لولا يقظة الأخوة فى التحالف لكنت قتلت.

«الحوثى» وجه آخر مشوه للجماعات الدينية، وفيه من القبح ما يتفوق عليها، إضافة إلى ما تحمله هذه الجماعة من عطب فكرى وأيديولوجى وسلالى تجاوز المعقول، وأصبح على أى إنسان مقاومتها، وستجد الكثير من اليمنيين يخوضون معارك تنويرية بمواقع التواصل الاجتماعى لمكافحة هذا السرطان.

■ ذكرت أنك بصدد نشر رواية «الجزيرة» وهى سيناريو تعاقدت على إنتاجه مع «نتفليكس».. ما التفاصيل؟

- «الجزيرة- جاك والبطل سيف» رواية فرغت من كتابة جزئها الأول، وتسرد بمشاهد تصويرية قدر الإمكان، وتعرض قصة سكان إحدى الجزر العربية فى المحيط الهادئ وخيانة فصيل فيها، وتم وسمهم فى هذه الرواية بذوى الأنياب الخضراء، ما عرّض الجزيرة وسكانها الأصليين للخطر.

تعمد الخونة استقدام القراصنة الغزاة من بحر اللعنة وبحر الظلمات لاحتلال الجزيرة نكاية بسكانها الأصليين وتعريض أهلها للغزو والاحتلال والموت. وذوو الأنياب الخضراء هم سلالة دخيلة على أرخبيل الجزر العربية، ساقتهم الحروب والكوارث الطبيعية إلى الهجرة طلبًا للعيش وبحثًا عن الأمان بعد أن تعسر عليهم البقاء فى بلادهم.

تعمدت فى هذه الرواية الكتابة بلغة بسيطة قدر الإمكان، وعملت على أن يكون النص أشبه بعدسة مصور، وأهملت الكثير من قواعد كتابة الرواية، حتى تظهر رواية الجزيرة بحلتها هذه «سيناريو»، وآملًا أن تجد طريقها إلى الشاشة لتكون أول رواية فى جغرافيا الجزيرة العربية ذات رمزية واضحة بين الواقع والخيال، وتجسد روح التعاون بين أبناء الجزيرة العربية تجاه المخاطر التى تحيط بهم.

و«الجزيرة» توضح ما تشكله الكيانات والجماعات السلالية والطائفية من خطر يؤدى إلى الحروب والدمار. حاولت محاكاة الأحداث الأخيرة التى عصفت باليمن بصورة درامية مشوقة باستخدام جغرافيا أرخبيل من الجزر، وحقبة زمنية مختلفة لتجنب تصنيف الفيلم بأنه موجّه لجهة بعينها، ومنح الفيلم شمولية أوسع لإيصال العديد من الرسائل الإنسانية والاجتماعية.

ولن تخلو الرواية من النقد، ولكن تصويرها كفيلم سيجعلها أول عمل سينمائى ينفذ فى الجزيرة العربية يحاكى معاناة الكثير من الأقطار العربية من المد الفارسى المتنامى فى الشرق الأوسط وأوشك أن يصل إفريقيا، وأعتقد أن فيلم «الجزيرة» محاولة لتحصين أبنائنا والأجيال القادمة من خطر هذا المد، ونشر ثقافة التضحية والحب والدفاع عن الأوطان، وتنمية ثقافة التعاون بين الأقطار ودول الجوار فى الجزيرة العربية لدحر الغزاة والطامعين وقوى الشر.

واهتديت إلى فريق من المحترفين الذين يعملون بصمت فى أحدث ما وصل إليه العالم من تقنيات التصميم والإخراج وكل أعمال الـCGI التى تعد المستقبل المقبل فى التصوير السينمائى وبديلًا للتصوير والإنتاج النمطى، وتوجهنا إلى صربيا قبل أيام للشروع فى عملية الإنتاج.

■ رغم شهرتك كـ«يوتيوبر» اتجهت للكتابة.. فما دوافعك نحو هذا؟

- أنا من أسرة مثقفة وعلى درجة عالية من التعليم، وأنا أقلّهم تعليمًا، ونتحدث ما يقارب أربع لغات فى المنزل، ولدينا مكتبة ضخمة ونادرة فى منزلنا. وكنت مهووسًا ببعض الكتب؛ أتذوق الشعر وأقرأ لشعراء كثر، ولكن قساوة الحياة فى بلادنا جعلت «جلال» أو غيره يجد نفسه خارج الإطار الذى يجب أن يكون فيه. فوجدتنى أهرب من الواقع الحقيقى إلى الكتابة حيث تستطيع أن تقول وتصنع ما لا يمكن فعله فى الواقع الحقيقى. ولى بعض المحاولات الشعرية فى كتابة الأغانى، ونشرت لى العديد من الأغانى لفنانين مغمورين وحصدت مشاهدات جيدة، وهى أيضًا «محاولة» أخرى لى ويبدو أن حياتى كلها محاولات.

■ من قرأت لهم قبل أن تكتب؟

- أول رواية قرأتها هى «زوربا» وكتاب «أفيون الشعوب»، وقرأت لأجاثا كريستى وإرنست همنجواى، وكذلك «أحدب نوتردام» و«العائدون إلى السماء» لأنيس منصور، وأمين رويحة، و«قصة مدينتين» والجاحظ وعطيل. و«الخبز الحافى» لمحمد شكرى كانت هى الرواية التى تأثرت بها، وكذلك شعر مظفر النواب والبردونى ومحمود درويش وقبانى والجواهرى وكتاب النبى، لكن كانت روايتا «اليهودى الحالىّ» و«الخبز الحافى» هما السبب فى اندفاعى للكتابة.

■ قرأت لمن من الكتّاب المصريين؟

- كنت أحب أنيس منصور فى فترة المراهقة كونه كاتبًا جميلًا يحملك فى خيال خارج الصندوق، وبالطبع الكاتب الكبير نجيب محفوظ. وأحب الكثير من الشعراء المصريين، على رأسهم الشاعر الكبير جمال بخيت، وأنا من المهووسين بالست أم كلثوم ونجاة وعبدالحليم الذين تربعوا على عرش الغناء ولن يغادروه ألبتة.

■ هل تنوى مواصلة كتابة الروايات؟ وما جديدك فيها؟

- نعم، بعد هذه الحملة الشرسة ضد «محاولة» سأنجز رواية «المتورد»، وقد قطعت فيها شوطًا كبيرًا، وأراجع رواية «الزقوة» كمراجعة أخيرة، وحاليًا أنا بصدد كتابة الجزء الثانى لسيناريو فيلم «الجزيرة- جاك والبطل سيف».

■ إذ ما واصلت الكتابة وتفرغت لها.. هل ستتوقف عن كونك «يوتيوبر»؟

- أجبرت أن أكون «يوتيوبر» كون النخبة من الكتّاب والأدباء خطابهم للنخبة وتركوا السواد الأعظم من اليمنيين من البسطاء ليكونوا ضحية للجماعات الدينية والخطاب الشعبوى الذى يمارسه عليهم الحوثى، بالتالى سلكت هذا الطريق حتى أحاول أن أصنع فارقًا فيه، وعلقت هناك ولم أستطع الخروج حتى اللحظة، حيث إن الكثير يعتقد أن «جلال» لا يجوز له أن يكون مثقفًا أو كاتبًا، وهو ذلك الشخص الذى يظهر فى معظم قضايا البسطاء مدافعًا عنهم بلغة دارجة لا تخلو من الشتم، لكن سأحاول التحول إلى ما أحب أن أكون عليه بعد أن قضيت قرابة 15 عامًا فى معارك «السوشيال ميديا»، وأطمح أن أسير على السجادة الحمراء فى مهرجان «كان» السينمائى قريبًا.