الثلاثاء 04 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رشيد أيلال: المغرب يتجه للمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث

رشيد إيلال
رشيد إيلال

- توثيق الخِطبة بعقد مكتوب وتحديد سن الزواج بـ18 عامًا

- منح الزوجة الحق فى اشتراط عدم الزواج بغيرها وتوثيق ذلك فى العقد

- شروط لتعدد الزوجات بينها العقم وإصابة الزوجة بمرض يمنع المعاشرة

- منح المرأة حق الوصاية على الأبناء والحضانة للمطلقة حتى حال زواجها

قبل نحو أسبوعين أزاح وزير العدل المغربى، عبداللطيف وهبى، الستار عن التعديلات المقترحة على «مدونة الأسرة» فى المغرب، وهى المسمى الجديد لقانون الأحوال الشخصية فى البلاد، الذى تم إقراره فى 2004.

وشملت التعديلات، التى تأتى بتوجيه مباشر من الملك محمد السادس، العديد من البنود المهمة، من بينها منح الزوجة الحق فى اشتراط عدم الزواج بغيرها، وكتابة ذلك صراحة فى عقد الزواج، إلى جانب اقتصار تعدد الزوجات بصفة عامة على حالات معينة، مثل إصابة المرأة بالعقم أو بمرض يمنع المعاشرة.

وتضمنت التعديلات، كذلك، مساواة الرجل والمرأة فى الميراث، ومنحها حق الوصاية على أبنائها، وحضانتهم حتى فى حال زواجها مرة أخرى، مع تحديد سن الزواج بـ18 عامًا، وتوثيق الخطوبة بعقد، وغيرها من المكتسبات الأخرى للمرأة، والتى تناقشها «حرف» فى حوارها التالى مع المفكر والباحث المغربى رشيد أيلال، الذى شارك فى وضع هذه التعديلات.

■ بداية.. ما هى «مدونة الأسرة المغربية»؟

- هى مدونة تنظم علاقة الفرد بأسرته، استُحدثت كبديل عن قانون الأحوال الشخصية فى المغرب سنة ٢٠٠٤، الذى تتعدد موضوعاته لتشمل: الزواج والولادة والأهلية والنيابة الشرعية والوصية والميراث، وغيرها من القواعد الأخرى التى تعرف تطبيقًا شخصيًا يلحق بالمواطن المغربى أينما حلّ وارتحل داخل وخارج وطنه، مع استثناء المغاربة اليهود، الذين يحظون بقانون أسرة خاص بهم، مُقتبَس فى أصوله العامة من الديانة «الموسوية» وبعض الأعراف المحلية.

■ أدخلتم العديد من التعديلات على المدونة وكشف عنها وزير العدل قبل أسوعين.. ما أبرزها من وجهة نظرك؟

- لعل أبرز التعديلات على المدونة هى النص على «إجبارية استطلاع رأى الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه»، مع توثيق ذلك فى عقد الزواج. وفى حال اشتراط الزوجة عدم الزواج عليها، لا يحق للزوج التعدد وفاءً منه بهذا الشرط.

وفى حال غياب هذا الشرط المكتوب، فإن المبرر الموضوعى الاستثنائى لتعدد الزوجات سيصبح محصورًا فى: إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى يقدرها القاضى وفق معايير قانونية محددة، تكون فى الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية.

ونصت التعديلات كذلك على «جعل النيابة القانونية حقًا مشتركًا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية، وبعد انفصالهما. وفى حال نشوء خلاف حول أعمال هذه النيابة، يُرجع إلى قاضى الأسرة للبت فيه، وفق ضوابط ومعايير قانونية واضحة».

أما بشأن الحضانة، فاعتُبرت «حقًا مشتركًا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية، مع إمكانية تمديد هذا الحق بعد الطلاق إذا اتفق الطرفان»، فضلًا عن «تعزيز حق الأم المطلقة فى حضانة أطفالها، حتى فى حالة زواجها»، و«ضمان الحق فى سكن المحضون»، إلى جانب «تنظيم ضوابط جديدة لزيارة المحضون أو السفر به، بما يضمن مصلحة الطفل».

ومن أبرز المستجدات أيضًا: «فتح المجال أمام الوصية والهبة بين الزوجين عند اختلاف الدين»، إلى جانب «تحديد سن الزواج بـ١٨ سنة شمسية كاملة، مع استثناء يسمح بالزواج فى سن ١٧ سنة إذا توافرت شروط صارمة لضمان الحماية»، هذا مع «تعزيز الرقابة القضائية للتأكد من أن الاستثناء يبقى ضمن إطار الحالات الضرورية فقط».

ونصت التعديلات، كذلك، على «إمكانية توثيق الخِطبة، واعتماد عقد الزواج لوحده لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية»، و«تعزيز ضمانات زواج الشخص فى وضعية إعاقة، مع مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج».

كما سمحت التعديلات الجديدة بـ«إمكانية عقد الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين فى الخارج دون حضور الشاهدين المسلمين، حال تعذر ذلك»، و«تقليص مدة البت فى قضايا الطلاق والتطليق إلى ٦ أشهر كحد أقصى»، مع «اعتماد وسائل إلكترونية لتوثيق العقود وتبليغ القرارات القضائية»، فضلًا عن النص على «إنشاء هيئات للوساطة والصلح لمعالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء».

■ هل هناك مكتسبات أخرى أُضيفت للمرأة المغربية فى هذه التعديلات؟

- رغم أننا ما زلنا لم نصل بعد إلى مستوى طموحات الحركة النسائية فى المغرب، فإنه لا يمكن إنكار أن التعديلات الأخيرة جاءت بالعديد من المكتسبات للمرأة المغربية، مثل حقها فى اشتراط عدم الزواج عليها عند العقد، وحقها فى النيابة القانونية على أولادها، وعدم نزع الحضانة منها عند زواجها من رجل آخر بعد زواجها. كما تم اعتبار عملها فى تدبير منزلها وأسرتها إسهامًا فى الثروة التى يتم اكتسابها بعد نشوء الزوجية، فضلًا عن احتفاظها ببيت الزوجية خارج التركة بعد وفاة الزوج، حتى لا تُلقى إلى الشارع بسبب الورثة.

■ وماذا عن ملف الإرث ضمن التعديلات الجديدة؟

- إلى جانب أسماء الوديع ومارية شرف وسعيد لكحل، شاركت بصفة شخصية فى إعداد مذكرة «من أجل المناصفة فى الإرث»، والتى تعد أول مذكرة فى المغرب تقدم مقترحات لتعديل مدونة الأسرة، بعد الخطاب الملكى بمناسبة عيد العرش لسنة ٢٠٢٢.

فى هذه المذكرة، طالبنا بتعديل المواد المتعلقة بالوصية والهبة وتقسيم التركة فى قانون الأحوال الشخصية، على ضوء تعاليم الإسلام السمحة، ومقتضيات الدستور المغربى، والاتفاقيات الدولية التى صادق عليها المغرب فى هذا الشأن.

وتتضمن هذه المذكرة بخصوص طرائق الإرث مقترحًا بتعديل المادة ٣٣٦، التى تنص على أنه «إذا لم يوجد أحد من ذوى الفروض أو وجد ولم تستغرق الفروض التركة، كانت التركة أو ما بقى منها للعصبة بعد أخذ ذوى الفروض فروضهم»، لتصير على الشكل التالى: «إذا لم يوجد أحد من ذوى الفروض كانت التركة للعصبة».

واقترحنا أيضًا تعديل المادة ٣٣٨: «الوارث بالتعصيب فقط ثمانية: الابن، وابنه وإن سفل، والأخ الشقيق والأخ للأب وابنهما وإن سفل، والعم الشقيق والعم للأب وابنهما وإن سفل»، وذلك بـ«إلغاء التعصيب عند وجود البنت، انفردت أو تعددت مع عدم وجود الابن، أو بنت الابن انفردت أو تعددت مع عدم وجود ابن الابن، وفق ما تنص عليه قاعدة الرد».

وبخصوص أصحاب الفروض، طالبنا بتعديل المادة ٣٤٢ ضمانًا للمساواة فى الإرث بين الذكور والإناث من الأبناء أو الإخوة، وذلك بإلغاء كلمة «شرط»، وتعديل المادة ٣٤٥ بإلغاء عبارة أصحاب الثلثين أربعة: وتعويضها بعبارة «أصحاب الثلثين الذين يرثون بالفرض ويُرد عليهم باقى التركة»، وفقًا لقاعدة الرد.

وفيما يتعلق بالتعصيب، اقترحنا تعديل وتغيير المواد ٣٣٦ و٣٥٢ و٣٥٣، وإضافة مادة ٣٣٦ مكرر من قانون ٧٠.٠٣، وتعديل المادة ٣٤٩؛ وذلك بإلغاء النقطة ٥ بمنع الأعمام أو أبنائهم وإن سفلوا من التعصيب عند وجود أصحاب الفروض من البنات أو بنات الابن أو الأخوات، وتعميم النقطة ٦ على كل الحالات التى ترث فيها البنات أو بنات الابن فرضًا عند عدم وجود الأبناء الذكور أو أبناء الأبناء.

■ هل ثمة تعديلات أخرى متعلقة بالإرث أيضًا؟

- قدمنا نموذجًا للوصية مع الدعوة إلى التفكير فى إحداث قاعدة معطيات رقمية وطنية لحفظ وثائق وصايا تقسيم تركة المواطنات والمواطنين، على غرار مصالح المحافظة العقارية، وربطها بتسليم شهادة الوفاة، لتُسلم الوصية مع شهادة الوفاة، وتسهر مصلحة اجتماعية تابعة لمحكمة الأسرة على التقسيم الفعلى للتركة، موردة أنه «فى حالة غياب الوصية يتم تقسيم التركة حسب مقتضيات قانون مدونة الأسرة».

ودعت المذكرة إلى «جواز تقسيم صاحب الملك للتركة بين ورثته فى إطار الوصية والهبة والصدقة»، و«اعتماد الوصية قاعدة تقسيم الإرث بالمساواة بين الجنسين»، مع «تأطير الوصية قانونيًا بما يضمن المساواة فى القسمة بين الجنسين دون تمييز»، و«حماية الوصية والهبة والصدقة من الطعون أمام القضاء، وإلغاء التعصيب».

طالبنا أيضًا باعتماد قاعدة «الردّ» فى تقسيم التركة عند وجود بنت/بنات فى الأسر التى لم تُرزق ذكورًا، والنصّ قانونًا على أن «القرابة هى معيار الحق فى الإرث وليس العقيدة. بالإضافة إلى عدم إخراج الزوجة من بيت الزوجية عند وفاة زوجها».

ودعت مذكرتنا إلى ضرورة تحديث المناهج التعليمية وتطويرها، بما يسهم فى خلق جيل مؤمن بمبادئ المساواة وحقوق الإنسان، ومنفتح على المتغيرات العلمية والتكنولوجية فى العالم.

واعتمدت التعديلات الأخيرة مقترح المجلس العلمى الأعلى بخصوص إرث البنات، الذى يتيح إمكانية هبة الأموال للوارثات قيد الحياة، مع اعتبار الحيازة الحكمية كافية.

■ هل واجهت المدونة أى اعتراضات من التيارات الدينية؟

- مع كامل الأسف، فى كل عملية إصلاح نجد مقاومة شرسة من رجال الدين، إلى جانب التيارات الإخوانية والسلفية، بدعوى تمسكهم بالموروث الفقهى القديم المُشبَع بالعقلية الذكورية، ولا يستطيع الإجابة عن متغيرات الواقع، لأنه اجتهاد مرهون بظروفه التاريخية والسياسية والثقافية التى أنتجته، وبالتالى لا يمكنه الاستجابة لتطلعات واقع متغير بنصوص ثابتة أو بفهم ثابت.

■.. وبالنسبة لأطياف المجتمع الأخرى؟

- هناك تباين كبير فى مواقف هذه الأطياف، بداية من التيار الحداثى بشقيه اليسارى والليبرالى، الذى تقبل بترحيب كبير التعديلات، مع الإشارة إلى أنها لا تكفى من أجل إنصاف المرأة، وأنها لم تصل بعد إلى مستوى المساواة الفعلية بين الجنسين.

وقدمت «تنسيقية النساء» مجموعة من الملاحظات بشأن ما اعتبرته «سلبيات يجب إعادة النظر فيها داخل المدونة»، منها: عدم إخضاع منظومة المواريث للإصلاح، ورفض إلغاء التعصيب الذى ألحّت عليه المذكرات الاقتراحية خلال فترة المشاورات، ما يسمح باستمرار خرق حقوق البنات فى الإرث داخل العديد من الأسر، والإبقاء على التعدد، بل دعوة المقبلات على الزواج إلى اشتراط عدم الزواج عليهن فى عقد الزواج، وفى الحالة العكسية، يمكن السماح به بشكل موضوعى واستثنائى فى حالة العقم وأمراض تمنع من المعاشرة الزوجية، ما يدل على النظرة الضيقة للعلاقة الزوجية، وحصر دور الزوجة فى الإنجاب، وفق ما ذكرته التنسيقية.

وتضمنت الملاحظات، أيضًا، رفض الإلغاء المباشر للتعصيب، مع اقتراح الهبة دون حيازة كحل بديل رغم عدم ورود نص قطعى فيه، ما يكرس التمييز والإقصاء ضد البنات فى الأسرة بسبب جنسهن، ورفض اعتماد الخبرة الجينية فى لحوق النسب، مع إقرار مسئولية الوالدين فى ضمان الاستجابة لاحتياجات الأبناء، ما يشكل ضربًا للمصلحة الفضلى للأطفال المزدادين خارج إطار الزواج، فى تعارض تام مع مقتضيات الفصل ٣٢ من الدستور، الذى يُلزم الدولة بحماية حقوق الأطفال فى كل الوضعيات.

وانتقدت التنسيقية، كذلك، الإبقاء على استثناء تزويج الطفلات، فى خرق سافر لالتزامات المغرب الدولية والاتفاقيات المصادق عليها، ورغم أن معدل سن الزواج عند النساء حسب الإحصاءات الرسمية هو ٢٥، و٣٢ سنة عند الرجال، فكيف نجمع بين الوضعين: تأخر سن الزواج، وتشجيع تزويج الطفلات؟ إلى جانب حصر مساهمة النساء فى ثروة الأسرة فى العمل المنزلى، علمًا بأن آلاف النساء يشتغلن بأجر كموظفات وأجيرات، فضلًا عن المشتغلات دون أجر.

فى المقابل، يرى كثير من «المحافظين» أن هذه التعديلات «إجحاف» بحق الرجل، وأنها «مخالفة للشريعة»، بل و«أصابت الأسرة المغربية فى مقتل».

■ فى رأيك، ما الذى يميز مدونة الأسرة فى المغرب عن غيرها؟

- ما يميز مدونة الأسرة فى المغرب اعتمادها الاجتهاد المنفتح، فلم تنحصر قوانينها على اجتهادات الفقه المالكى باعتباره المذهب السنى الرسمى فى البلاد، بل تجاوزته إلى مذاهب أخرى سنية، بما فيها الشيعية، بما يستجيب للنموذج المغربى، ويتوافق مع ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والأسرية، ما أكسب المدونة مزيدًا من المرونة مقارنة بمثيلاتها على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

■ بعيدًا عن المدونة، لماذا اتهمت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بـ«الداعشية»؟

- أردوغان فى سياسته الداخلية داخل تركيا «علمانى حتى النخاع». لكن عندما يتعلق الأمر بالدول العربية والإسلامية المجاورة، يتحول الرجل إلى «أمير داعشى»، يمول «الدواعش»، ويجعل لهم من الأراضى التركية قواعد لانطلاق العمليات والميليشيات المسلحة. هو يتعامل بازدواجية غريبة، يدعم العلمانية كخيار استراتيجى للحكم فى تركيا، ويدعم الإسلاميين للسطو على السلطة فى بلدانهم الآمنة.

■ لماذا وصفت من احتفوا بـ«طوفان الأقصى» بأنهم «دون حياء»؟

- من يملك ذرة عقل يرى بشكل جلى ما جرته حماقة مهندسى ما أُطلق عليه «طوفان الأقصى»، على غزة وفلسطين والمنطقة برمتها، من ويلات التهجير والقتل والدمار وسفك الدماء، بل أدخل المنطقة برمتها فى احتقان سياسى وعسكرى لن يهدأ إلا بخلق شرق أوسط مغاير تمامًا لكل التوازنات التى كانت قبل حماقة هذه العملية، فهل بعد هذا نُلام إن وصفنا هؤلاء المحتفين بـ«قليلى الحياء»؟!

■ كيف ترى المشهد السورى؟

- أرى أنه فى المستقبل ستندلع حرب أهلية فى سوريا، على غرار ما وقع فى العراق وليبيا وأفغانستان، لأن «أمراء الحرب» لا يستطيعون الذوبان فى دولة مدنية بشكل سلمى دون «لغة البنادق» التى لا يعرفون غيرها.