الخميس 30 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

خالــد منصــور: محمد خان الأقرب لقلبى.. وقدمت تحية خاصة له فى «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

حرف

-هدفى أن أصنع أفلامًا يمكن للجميع أن يشعروا بها واستلهمت لغة الفيلم البصرية من أرشيف صور لمصر منذ الثمانينيات

منذ اليوم الأول من العام الجارى، بدأ عرض فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» فى دور السينما المصرية، بعد رحلة حافلة بالمهرجانات السينمائية أثبت خلالها نجاحًا كبيرًا. فقد شارك الفيلم فى مهرجان «فينيسيا السينمائى» فى دورته الـ81، وفى مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان «البحر الأحمر» فى دورته الرابعة، فحصل على جائزة لجنة التحكيم. كما نال إشادات واسعة فى مهرجان «قرطاج السينمائى» بدورته الـ35، بالإضافة إلى فوزه بالجائزة الكبرى وجائزة لجنة التحكيم فى مهرجان «ميد» لأفلام البحر المتوسط فى بلجيكا.

الفيلم الذى يشارك فى بطولته كل من عصام عمر، وركين سعد، وأحمد بهاء عضو فرقة «شارموفرز»، وسماء إبراهيم، اجتذب قطاعات كبيرة من الجماهير مع بداية عرضه فى دور السينما المصرية، بفضل لغته البصرية المميزة التى أبدع المخرج خالد منصور فى توظيفها، ليتمكن من نقل جرعة كبيرة من المشاعر والأفكار عن مدينة القاهرة بكل ما تحمله من تناقضات: الدفء والقسوة، الحب والكراهية، والأمان والقلق.

فى هذا الحوار، يتحدث المخرج خالد منصور عن تفاصيل عمله فى الفيلم على مدار سبع سنوات، لصياغة سيناريو محكم وكادرات مفعمة بالمشاعر، ليُخرج فيلمًا استطاع تحقيق المعادلة الصعبة؛ النجاح التجارى والإتقان الفنى. 

المخرج خالد منصور

■ «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» هو فيلمك الروائى الطويل الأول بعد عدد من الأفلام القصيرة.. ما تأثير عملك فى الأفلام القصيرة على هذا الفيلم؟

- أرى أن الفيلم، سواء كان طويلًا أم قصيرًا، هو فى النهاية عمل فنى ووسيط يمكن من خلاله التعبير عن فكرة أو رسالة ما. وبالتالى، لا أرى فارقًا جوهريًا بينهما، ولا أعتقد أن الفيلم القصير مجرد خطوة تمهيدية للفيلم الطويل.

مع ذلك، يمكن القول إن الأفلام القصيرة قد تكون أسهل نسبيًا من حيث الميزانية، التى تكون عادة محدودة مقارنة بالأفلام الطويلة التى تتطلب ميزانيات أكبر ودعمًا إنتاجيًا واسعًا. ومع كل تجربة جديدة، أتعلم شيئًا مختلفًا، فعملى فى الأفلام القصيرة علمنى الكثير عن صناعة الأفلام.

فيلم «السيد رامبو» يتسم بتكثيف كبير فى الحالة الشعورية، وهذه مهارة تتطلبها صناعة الأفلام القصيرة، ومن هنا أعتقد أن هناك تأثيرًا واضحًا. ومع ذلك، أرى أن أى عمل فنى، سواء كان فيلمًا قصيرًا أو طويلًا، يحتاج إلى التكثيف. فى النهاية، أنا سعيد بأن الفيلم وصل إلى الجمهور بهذا الشكل.

■ الفيلم نتاج كتابة مشتركة بينك وبين السيناريست محمد الحسينى، وصرحت أكثر من مرة أن العمل على السيناريو استغرق سنوات عدة. من أين بدأت الفكرة وكيف تطور السيناريو إلى نسخته الأخيرة؟

- الفكرة فى البداية جاءت لى كصورة فى ذهنى: شخص يجلس فى الشارع المظلم والخالى مع كلبه البلدى. هذه الصورة كانت تأتى وتذهب فى خيالى، ولم أكن أعرف مصدرها. شعرت كأننى رأيتها من قبل فى مكان ما.

فى عام ٢٠١٥، وقعت حادثة «كلب شارع الأهرام» الشهيرة. كانت الحادثة فى شبرا، إذ قامت مجموعة من الأشخاص بتعذيب كلب حى، ضربوه بالسكاكين حتى الموت، وصوروا كل ذلك بالفيديو ونشروه على وسائل التواصل الاجتماعى. الفيديو أثار غضبى بشدة، ليس فقط بسبب تعذيب الحيوان، بل أيضًا بسبب المشهد ككل. أردت أن أفهم نفسيات الأشخاص الذين ارتكبوا هذا الفعل، وأيضًا كيف فكر الأشخاص الذين كانوا يشاهدون ويصورون؟ هذه الحالة بأكملها استفزتنى وأثارت أسئلة كبيرة عن القسوة التى أصبحت تسود مجتمعاتنا. 

عندما شاركت الفكرة مع محمد الحسينى، تحمس لها وانضم لى فى الكتابة. بدأنا العمل على السيناريو وقررنا أن نستثمر الوقت فيه. استغرق الأمر سبع سنوات من الكتابة وإعادة الكتابة، تركنا المسودة لفترة، ثم عدنا إليها لنقرأها ونكتشف أوجه القصور، كما شاركنا فى ورش تطوير سيناريو فى أوروبا والعالم العربى، وكان لهذا دور كبير فى تحسين النص. كنا نستفيد من آراء متنوعة ومن خلفيات مختلفة، ما ساعدنا على رؤية الفيلم بوجهات نظر جديدة. بهذه الطريقة، وصلنا إلى النسخة رقم ١٣ التى اعتمدناها فى النهاية لتصوير الفيلم.

■ جزء مهم جدًا من نجاح الفيلم يأتى من الصورة السينمائية والكادرات، إذ إن كل كادر كان أشبه بلوحة تُعبر ربما أكثر من الحوار.. كيف تعاملت مع فكرة الكادرات بهذا الشكل البصرى المميز، وما الذى تطلبه منك ذلك؟

- العمل على الكادرات كان جزءًا أساسيًا من رحلة الفيلم التى امتدت على مدار سبع سنوات. قد يبدو هذا الزمن طويلًا وربما شاقًا، لكنه فى النهاية كان هبة. خلال هذا الوقت، تطور داخلى التصور البصرى للفيلم بشكل كبير، وعملت على صياغة رؤية تجعل كل مشهد يبدو كأنه لوحة فنية قائمة بذاتها.

من البداية، كان لدى إحساس قوى أن مصر التى أراها بعينى، سواء فى الشوارع أو الأحياء الشعبية التى نشأت فيها، مختلفة تمامًا عن الصورة التى تنقلها بعض الأعمال الفنية بالسنوات الأخيرة. تربيت بين حيَّى إمبابة وميت عقبة، وأُكنّ حبًا كبيرًا لأحياء القاهرة القديمة، مثل السيدة زينب، والقلعة، والدرب الأحمر. أحببت هذه الأماكن، ومشيت فيها لساعات، أراقب تفاصيلها وأعيش نبضها.

بدأت العمل على إنشاء تصور بصرى «lookbook» للفيلم، معتمدًا على صور فوتوغرافية وثّقت مصر منذ الثمانينيات وحتى الألفية الثانية، التى كانت تعكس الواقع والمشاعر بشكل صادق. جمعت هذا الأرشيف الضخم وركزت على التشكيلات البصرية فى هذه الصور وما توثقه عن المدينة والبشر، ما ساعدنى فى تطوير لغة الفيلم البصرية.

كان لمدير التصوير، أحمد طارق، دور محورى فى تحقيق هذه الرؤية. ورغم صغر سنه، كان يتمتع بموهبة وإتقان نادرين. عملنا معًا بشكل مكثف على مدى أربعة إلى خمسة أشهر لتحضير الفيلم بصريًا. قمنا بتصوير مشاهد تجريبية، وجمعنا مراجع من أفلام وإعلانات، وناقشنا كل التفاصيل.

أنجزنا فى النهاية ما يشبه كتابًا من حوالى ١٨٠ صفحة، يحدد كيف سيُصور كل مشهد فى الفيلم. هذا الجهد كان دراسة دقيقة ومتعمقة، وهو ما جعل الكادرات تحمل تلك القوة التعبيرية والعمق البصرى.

■ هل واجهتم تحديات خاصة أثناء تصوير بعض الكادرات؟ وهل كان هناك مشاهد اضطررتم لتغيير تصويرها أثناء العمل؟

- نعم، واجهنا تحديات كثيرة، خاصة بسبب قرارى منذ البداية بأن نصور الفيلم بالكامل فى مواقع حقيقية بدلًا من مواقع مبنية. هذه المواقع، رغم ما تمنحه من واقعية وعمق بصرى، كانت تمثل صعوبات تقنية كبيرة. على سبيل المثال، المساحات الضيقة فى أماكن مثل بيت البطل، حسن، كانت تشكل تحديًا هائلًا. كان علينا أن نعيد التفكير فى مواقع الكاميرا والإضاءة وأماكن الممثلين لتناسب هذه المساحات. فى أحد المشاهد، وهو المشهد الافتتاحى مع التليفزيون، اضطررنا إلى هدم حائط بالكامل لنتمكن من وضع الكاميرا داخل المنزل، وهو منزل حقيقى فى السيدة زينب وليس موقعًا مبنيًا.

أما بالنسبة للتحديات التقنية، فكانت لدينا مشاهد معقدة للغاية، مثل مشهد المسجد الذى تظهر فيه أسماء الله الحسنى من زاوية علوية. تطلب هذا المشهد تركيب كاميرا على حبال تتصل بسقف المسجد، لكن السقف كان صغيرًا ومليئًا بالكراكيب، ما جعل تحريك الكاميرا أمرًا معقدًا، لجأنا إلى حلول مبتكرة لتحقيق اللقطة المطلوبة. مشهد البوستر أيضًا، الذى يظهر فيه حسن مستلقيًا على الأرض بجوار الكلب والذى تم تصويره من الأعلى، كان داخل مكان ضيق بسقف منخفض، ما تطلب جهدًا كبيرًا لتنفيذه بالشكل المطلوب.

على صعيد التعديلات، حوالى ٢٠٪ من الفيلم خضع لتغييرات أثناء التصوير. كانت هذه التغييرات ناتجة عن قرارات فى اللحظة الأخيرة بعد الشعور بأن مشهدًا معينًا بحاجة إلى ديناميكية أو تبسيط ليكون متسقًا مع المشاهد التى سبقته أو تليه. لكن الغالبية العظمى، حوالى ٨٠٪ من الفيلم، تم تصويرها كما خُطط لها قبل بدء العمل.

■ كثيرون شعروا بأن فيلمك يحمل روح محمد خان، وكأن سينماه تتجدد وتولد من جديد من خلال هذا العمل. هل تعتبر سينما محمد خان هى الأقرب إلى تفكيرك وتوجهك فى الإخراج؟

- بالتأكيد، محمد خان هو المخرج الأقرب إلى قلبى فى مصر، وهو مؤثر جدًا فى تفكيرى. أعماله تحمل روحًا وشاعرية خاصة، وعبرت عن نبض الشارع والحياة اليومية بطريقة عفوية وعميقة فى نفس الوقت. أردت أن أكرمه بطريقة خاصة فى هذا الفيلم، وأضفت تحية مبطنة له؛ ففى المشهد الافتتاحى، عندما كان البطل يأكل مع والدته والكلب موجود فى الخلفية، كان هناك تليفزيون يعرض فيلم «الحريف» لمحمد خان، مع موسيقاه الشهيرة.

فى البداية، كان هذا المشهد مصورًا بالكامل مع ظهور الفيلم فى التليفزيون، لكن فى مرحلة المونتاج قررت إزالة اللقطة بسبب الإيقاع العام للفيلم. مع ذلك، أبقيت على موسيقى الحريف لأنها تحمل رمزية قوية وتعبيرًا عن التأثير الكبير الذى تركه خان فى داخلى. كان هذا بالنسبة لى وسيلة لإرسال تحية صامتة ولكن عميقة لروح محمد خان، الذى ألهمنى بأفلامه وشاعريته السينمائية.

■ غالبًا ما تعتمد الأفلام المصرية على وجوه مألوفة لضمان جذب الجمهور وتحقيق إيرادات. لكنك اخترت ممثلين يظهرون لأول مرة فى أدوار رئيسية بفيلم طويل. كيف اتخذت هذا القرار؟

- بالنسبة لى، كانت التجربة كلها، سواء على مستوى الممثلين أو طاقم العمل خلف الكاميرا، مبنية على مبدأ الصدق. أردت أن يظهر الفيلم بأكبر قدر ممكن من الحقيقة، بحيث يشعر المشاهد أن هذه الشخصيات أقرب إلى أشخاص حقيقيين يعبرون عن واقعهم.

اختيارى لطاقم العمل كان يتماشى مع هذا المبدأ. معظم الفريق الذى عمل على الفيلم كانت هذه تجربتهم الأولى مع الأفلام الطويلة. الكاتب محمد الحسينى، ومدير التصوير ومصمم الأزياء. كان هذا فيلمهم الطويل الأول. شعرت بأن هذه الروح الجديدة وهذه التجارب الأولى، ستضفيان على العمل عفوية وصدقًا خاصين.

بالنسبة للممثلين، كنت أبحث عن وجوه تعبر عن الشخصيات بشكل صادق وعميق، وقد كان الممثلون يمتلكون ميزة نادرة: هم لا يمثلون فقط، بل يعيشون الشخصيات التى يقدمونها. لديهم قدرة فطرية على الوصول إلى أعماق النص، والتوحد مع الشخصيات، ما جعل أداءهم صادقًا ومؤثرًا.

■ نجاح التجربة الأولى دائمًا يمثل تحديًا.. كيف ترى خططك المستقبلية؟

- أحاول قدر الإمكان أن أرفع الضغط عن نفسى، وأركز على تقديم ما أستمتع به وأؤمن به. لدى عدة مشاريع حاليًا، وكل واحد منها مختلف تمامًا عن الآخر، من بينها أعمال كوميدية، درامية، وحتى فيلم جريمة. قد تكون التجربة المقبلة مسلسلًا أو فيلمًا يختلف كليًا عن «رامبو». المهم بالنسبة لى هو الصدق فيما أقدمه؛ طالما أصدق ما أعمله وأستمتع به، أعتقد أن الجمهور سيصدق ويستمتع أيضًا. هدفى أن يجد الجمهور نفسه فى الأعمال المقبلة، وأن تحقق نفس التأثير الجميل الذى تركه الفيلم الأول.