الخميس 13 مارس 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

شهادة من الداخل.. أوليفر ستون وبيتر كوزنيك: أمريكا تحترف الكذب

حرف

- البنتاجون يحاول منذ عقود إجراء «حرب نووية محدودة»

- ادعاء واشنطن بأن روسيا تريد احتلال أوكرانيا ثم بولندا «هراء»

- أرسولا فون دير لاين التى تدير الاتحاد الأوروبى جاهلة تمامًا

- لولا وفاة روزفيلت وتولى ترومان لما حدثت «هيروشيما» والحرب الباردة

فى لقاء استثنائى لا يخلو من الجرأة والإثارة، استضاف الإعلامى الشهير تاكر كارلسون، المعروف بنهجه الاستقصائى وانتقاداته الجريئة للسياسات الأمريكية، فى البودكاست الخاص به، المخرج العالمى أوليفر ستون، والمؤرخ الكبير بيتر كوزنيك.

يعد أوليفر ستون، من أبرز المخرجين العالميين، حيث حاز 3 جوائز أوسكار، وتتناول أفلامه السياسة والحروب الأمريكية بعمق غير مسبوق، أما بيتر كوزنيك، فهو مؤرخ عميق ومتخصص فى تحليل الحروب والسياسات النووية وتفكيك الروايات التقليدية للتاريخ.

تناول هذا الحوار الشيق أكثر القضايا إلحاحًا على الساحة العالمية اليوم، من خطر اندلاع حرب نووية إلى الغموض الذى لا يزال يكتنف أحداث 11 سبتمبر، مرورًا بالتسارع التكنولوجى فى تطوير الأسلحة، ودور حلف الناتو فى تصعيد التوترات الدولية. 

كما سلط النقاش الضوء على ظواهر استغلال الحروب لتحقيق مكاسب اقتصادية هائلة، وإعادة كتابة التاريخ لتبرير النزاعات والانتهاكات التى حدثت من الكثير من الأطراف.

اللقاء الذى ترجمته «حرف» وتنشره لقرائها فى السطور التالية، يقدم توليفة استثنائية من الرؤية التاريخية العميقة والتحليل السياسى الدقيق، فضلًا عن الكثير من الأفكار الجدلية والرؤى المختلفة، من خلال الأسئلة التى يطرحها تاكر كارلسون على ضيفيه أوليفر ستون وبيتر كوزنيك.

■ ما مدى اقترابنا حاليًا من حرب نووية عالمية؟

- أوليفر ستون: هذا ما جاء بى اليوم، أنا مرعوب، فأنا أتحدث عن الحرب النووية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، فما يحدث يشبه إلى حد كبير إرهاصات الحرب العالمية الأولى، التحالفات، حلف الناتو، وتورط الولايات المتحدة الأمريكية وكراهيتها لروسيا، التى لو نظرنا إليها فى آخر ٢٠ سنة فلن نجد أسبابًا تدعونا لمهاجمتها، أو افتعال ما يشبه الحرب الباردة الجديدة معها.

- بيتر كوزنيك: من خلق هذا العداء هم المحافظون الجدد فى واشنطن ممن كانوا يروجون لفكرة غزو الروس لأمريكا منذ أيام الرئيس كارتر، وهى الفكرة النابعة من جنون العظمة. 

وهذه السياسة لم تتغير حتى الآن حتى عندما تولى بايدن الرئاسة لم يذكر شيئًا عن تغيير السياسة مع روسيا، بل على العكس كان يبدو دائمًا منحازا لهذه الحرب الباردة، بل إنه وصف الرئيس الروسى بالبلطجى والقاتل، قبل توليه الرئاسة، لم يكن دبلوماسيًا على الإطلاق. 

لكن ما الهدف من ذلك؟ وماذا أنجزوا منه؟ لا أفهم لما يريدون إيذاءنا؟ هذا ما لا نفهمه! وما علاقتنا بمسألة أوكرانيا التى ينخرط بها «الناتو»؟ هذا ما يرعبنى، لماذا يريد الناس الحرب؟ 

«كمالا هاريس» تقول، روسيا تريد أوكرانيا وبعدها ستحتل بولندا، وهذه من أغبى الجمل التى سمعتها فى حياتى، والتعليم والإعلام هما السبب فى ترويج هذه الادعاءات. 

أرسولا فون دير لاين، التى تدير الاتحاد الأوروبى جاهلة تمامًا بما حدث فى السنوات الأخيرة، وتتجاهل ما حدث فى روسيا من ٢٠ أو ٣٠ سنة. حتى الرئيس ماكرون عندما تحدثت إليه سابقًا كان يبدو عقلانيًا، فكان يرى أن فرنسا فى حاجة إلى المزيد من الطاقة النووية وكان هذا جيدًا، لكنه الآن يريد إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، والبريطانون أسوأ من الفرنسيين، فرئيس الوزراء ستامر قال قبل يومين: «لا بد أن نعاقب بوتين لأقصى حد!». 

■ لماذا تعادى الولايات المتحدة وأوروبا روسيا تحديدًا من بين جميع الأعداء المحتملين؟ 

- بيتر كوزنيك: بدأنا معاداة روسيا منذ ١٩١٧، بعد انسحاب لينين وتروتسكى من التحالف، وإبرام معاهدة «بريست ليتوفيسك»، حيث تنازلا عن جزء كبير من روسيا لألمانيا من أجل إحلال السلام، لكن ماذا كان رد فعل أمريكا وبريطانيا واليابان وغيرها؟ أرسلت قوات إلى الاتحاد السوفيتى. 

فى عام ١٩١٨، تدخل ١٥ ألف جندى أمريكى فى محاولة لإسقاط الحكومة السوفيتية الوليدة، حيث دعا وينستون تشرشل إلى «وأد البلشفية فى مهدها». 

ولم تعترف الولايات المتحدة بالاتحاد السوفيتى إلا بعد وصول الرئيس فرانكلين روزفلت إلى السلطة عام ١٩٣٣، وخلال الحرب العالمية الثانية، تحول الاتحاد السوفيتى إلى حليف رئيسى للغرب، بل كان العامل الحاسم فى الانتصار بأوروبا.

فى الواقع، عندما سألت طلابى فى الجامعة عن الجهة التى انتصرت فى الحرب بأوروبا، جاءت إجاباتهم بأن أمريكا هى المنتصرة، وهذا بعيد عن الحقيقة، نعم، أسهمت الولايات المتحدة بشكل كبير فى الحرب العالمية الثانية، لكن الاتحاد السوفيتى هو من تصدى لـ٢٠٠ فرقة ألمانية بمفرده، بينما واجهت القوات الأمريكية والبريطانية نحو ١٠ فرق فقط.

هذا الفارق يبرز أهمية خطاب الرئيس جون كينيدى فى عام ١٩٦٣، الذى سلط الضوء على معاناة الشعب السوفيتى خلال الحرب العالمية الثانية، لذلك كان من المفترض أن تجمعنا علاقة صداقة قوية مع الروس، تقديرًا لتلك التضحيات المشتركة.

وكان لروزفلت رؤية لذلك، عندما وعد ستالين فى مايو ١٩٤٢ بفتح جبهة ثانية قبل نهاية الحرب. لكن هذه الجبهة الثانية لم تفتح حتى يونيو ١٩٤٤، وبهذا كنا قد فقدنا المبادرة الدبلوماسية بالكامل. وكان السوفيت يحققون انتصارات على الجبهة الشرقية بمفردهم، بدعم من الموارد الأمريكية. 

وكانوا يدفعون الألمان للتراجع لوسط أوروبا وشرقها. والسوفيت كانوا يسيطرون على المنطقة، وللأسف توفى روزفلت، والأكثر أسفًا هو تولى ترومان الرئاسة بدلًا من هنرى وآلاس الذى لو تولى ما حدث القصف النووى فى العالمية الثانية، وربما ما حدثت الحرب الباردة. كان التاريخ سيتغير.

■ ما تفسير التحول فى السياسة الأمريكية تجاه الاتحاد السوفيتى؟

- بيتر كوزنيك: عندما انهار الاتحاد السوفيتى، خلال تلك الفترة حظينا بفرصة التواصل الإيجابى، لكن فى ١٩٩٠ قال «تشارلز كراوثامر»، المفكر النيوليبرالى، إن انهيار الاتحاد السوفيتى، هو أنسب وقت لتصبح أمريكا القطب الأوحد. لنكون القوة الوحيدة فى العالم التى بإمكانها تحديد الأحداث العالمية، وربما تستمر أمريكا كقطب واحد ٣٠ أو ٤٠ عامًا آتية. 

■ كيف كانت ردود الأفعال عندما انتهيت من فيلمك الوثائقى عن مقابلتك مع بوتين؟ 

- أوليفر ستون: كان رد الفعل هادئًا إلى حد ما. لم أتردد فى صنع هذا الفيلم لأن المواد الجديدة دائمًا مشوقة. أخرجت فيلم «سنودن» لأنه كان عن بطل منفى عاملوه كما لو كان خائنًا. ولصنع الفيلم، سافرت إلى موسكو وقابلت بوتين هناك. تحدثت معه عن سنودن أولًا، وما قاله عن سنودن هو ما تم ذكره فى الفيلم.

- بيتر كوزنيك: بوتين أدلى بتصريح اليوم يقول فيه إن الولايات المتحدة تواصل تجاوز جميع الخطوط الحمراء لروسيا، محذرًا من أن الوضع قد يتفجر إذا استمروا فى ذلك.

وفى رد على هذه التجاوزات، غيّرت روسيا عقيدتها النووية وأعلنت أنه إذا تعرضت لهجوم بدعم من دول تمتلك قوة نووية، فإنها ستعتبر هذا هجومًا من الدولة المهاجمة والدولة الداعمة، ويقصد بذلك الولايات المتحدة وأوكرانيا، حيث سيصبحان أهدافًا مشروعة لجميع أسلحة روسيا، بما فى ذلك الأسلحة النووية.

■ ما هو دور الإعلام فى تغيير السياسة الأمريكية؟

- أوليفر ستون: رغم فوزى بثلاث جوائز أوسكار، لم يمنحنى ذلك حماية أو دعمًا يذكر فى هوليوود. الإعلام هناك يوجه انتقاداته بشكل لاذع لكل من يختلف عن السائد، خاصة أولئك الذين يدافعون عن السلام، ويرفضون الحروب التى يخوضها الجيش الأمريكى خارج البلاد. لا مجال لتعدد الآراء أو طرح وجهات نظر مغايرة. أعمالى السينمائية قبل عام ٢٠٠١ كانت تستهدف عقولًا مختلفة، وهدفى كان إثارة تساؤلات لدى الجمهور الأمريكى حول جدوى الحروب الخارجية وقضايا أخرى مهمة.

- بيتر كوزنيك: كان أوليفر يتمتع بقدرات استثنائية فى هوليوود، وأخرج أفلامًا حرضت الناس على التساؤل، إلا أن الإعلام الأمريكى حوله من مخرج لامع إلى مروج لنظرية المؤامرة.

لكن كل هذه الحروب لها جذور اقتصادية. ولنعد إلى عام ١٩٤٨، حيث كتب مهندس الحرب الباردة، جورج كينان، مذكرة سرية قال فيها: «لدينا ٦.٣٪ من سكان العالم، ونسيطر على ٥٠٪ من ثروات العالم. التحدى الآن هو الحفاظ على هذا الوضع، ولن نحقق ذلك بالشعارات المثالية، بل بالقوة المطلقة. فالاقتصاد هو الجغرافيا السياسية والهيمنة العسكرية والأيديولوجية».

- أوليفر ستون: نعم، أعتقد أن السبب الرئيسى لعدائنا لروسيا لم يكن عسكريًا، كان اقتصاديًا. 

■ ماذا تعنى فكرة الفوز فى الحرب النووية التى تروج لها العديد من وسائل الإعلام؟

- بيتر كوزنيك: يبدو أن البنتاجون يحاول منذ عقود إجراء «حرب نووية محدودة»، وهو أمر مستحيل تحقيقه. بمجرد أن تبدأ حرب نووية، سيختفى كل شىء، ولن يكون هناك فائزون من أى جهة.

■ ما هو الشتاء النووى؟

- بيتر كوزنيك: تشير الدراسات إلى أنه فى حال شن هجمة نووية محدودة بين الهند وباكستان، واستخدمت قنابل نووية أكبر بمائة مرة من تلك التى ألقيت على هيروشيما، فإن هذه القنابل ستبعث ٥ ملايين طن من الدخان والحطام إلى الغلاف الجوى، ما سيغلف طبقة الستراتوسفير. وخلال أسبوعين فقط، ستمنع هذه الطبقة أشعة الشمس من الوصول إلى الأرض، ما يؤدى إلى انخفاض درجات الحرارة إلى درجة التجمد، وبالتالى تدمير المحاصيل.

حرب نووية محدودة بأسلحة أكبر بمائة مرة من قنابل هيروشيما يمكن أن تقتل ٢ مليار إنسان. نحن لا نمتلك فقط أسلحة أكبر بمائة مرة مما كان فى هيروشيما، بل نمتلك ١٢٠٠٠ قنبلة، كل واحدة تزن من ٧ إلى ٧٠ مرة أكبر من قنبلة هيروشيما. إذا استخدمت هذه القنابل، فإنها ستدمر المدن، وترسل أطنانًا من الدخان الذى سيحجب الشمس لسنوات، وربما سننقرض كجنس بشرى.

ولفهم سبب الحرب الروسية الأكرانية سنعود إلى أواخر التسعينيات، كانت الولايات المتحدة تدعو أوكرانيا وجورجيا إلى الانضمام إلى الناتو، ما أدى إلى تصاعد التوترات مع روسيا. وليام بيرنز، السفير الأمريكى فى روسيا آنذاك، كتب مذكرة سرية إلى البيت الأبيض لتحذير الحكومة الأمريكية من تجاوز خط روسيا الأحمر، الذى يعتبر تجاوزًا للحدود الأمنية التى وضعها الاتحاد السوفيتى فى الشرق الأوسط.

ورغم أن بوتين كان أول زعيم أجنبى يعرض المساعدة على أمريكا بعد أحداث ١١ سبتمبر، فإن الولايات المتحدة وجهت ضربة إلى الروس عندما انسحبت من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية فى عام ٢٠٠٢. وبعد ذلك غزت العراق، ما زاد من غضب روسيا وبدأت العلاقات بين البلدين فى التدهور. 

وهذا يؤكد سياسة الهيمنة الأمريكية على العالم كقطب واحد، أو كما كانت صحيفة نيويورك تايمز وغيرها من الصحف تنشر بعنوان عريض «الإمبراطورية الأمريكية»، وعليكم التعود على ذلك.

■ ما الفرق بين القنبلة النووية التى ألقيت على هيروشيما والترسانة النووية الحالية؟ 

- بيتر كوزنيك: شهدت الترسانة النووية تطورًا كبيرًا. فى الواقع، كان أوباما، الحاصل على جائزة نوبل للسلام بسبب خطابه فى براغ الذى دعا فيه لإلغاء الأسلحة النووية، هو من بدأ سياسة تحديث الترسانة النووية الأمريكية. فماذا يعنى تحديث أنظمة الإطلاق والأسلحة؟ يعنى جعلها أكثر كفاءة وفتكًا. ومن بعده، عزز ترامب هذه الترسانة. 

فى السابق، أعلن أوباما عن إنفاق تريليون دولار لتحديث الترسانة النووية على مدى ٣٠ سنة، أما الآن فقد اقتربنا من إنفاق ٢ تريليون دولار. جميع الدول النووية التسع تعمل على تحديث ترسانتها النووى.

■ كيف تحوّل الحزبان الجمهورى والديمقراطى إلى حزبى حرب؟

- بيتر كوزنيك: هل تعرف ما الذى جعل كاملا هاريس تخسر أصوات جيل الشباب؟ دعمها غير المشروط لإسرائيل، فغزة هى القضية الكبرى لهذه الجيل الذى يشاهد ما يحدث هناك مباشرة، المشاهد الرهيبة مثل استخراج جثث الأطفال من تحت الأنقاض. 

أولادى وطلابى شاهدوا تلك الفظائع التى جعلتهم يشمئزون من الديمقراطيين المستمرين فى دعم هذه الحرب الإسرائيلية. 

https://tuckercarlson.com/tucker-show-oliver-stone

■ إلى أى مدى تظن أن بوتين  قلق من حرب نووية؟

- أوليفر ستون: لا أستطيع تقديم إجابة محددة، فهو شخصية هادئة عاصرت الكثير من الأحداث والتحولات، وخلال 23 عامًا من الحكم، تعرّف على جميع قادة العالم، وشهد تغيير ستة رؤساء للولايات المتحدة، ما أكسبه خبرة عميقة فى فهم النظام الأمريكى وآليات تغييره لقادته وسياساته باستمرار. 

- بيتر كوزنيك: هل تعرف من يخاف الحرب النووية حقا؟ ترامب! الذى قال مؤخرًا «نحن لم نكن يومًا أقرب إلى الحرب العالمية الثالثة كما نحن اليوم، تحت حكم جو بايدن، فالصراع العالمى بين القوى النووية يعنى الموت والدمار على نطاق غير مسبوق فى تاريخ البشرية».