وعود معالى الوزير.. أين ملتقى الرواية.. وأين الحوار مع المثقفين يا دكتور هنو؟

- أثق فيما يريده الوزير الدكتور أحمد هنو للثقافة المصرية وأعرف أنه تقريبًا لا ينام من أجل تنفيذ خططه الطموحة لكنّ هناك وعودًا قطعها على نفسه وأعتقد أنه راغب تمامًا فى تنفيذها
- يعرف الوزير- ولا بد أن يعرف- أننى لا أتحدث إليه أو إلى غيره إلا من أجل المصلحة العامة، فلا أبتغى منه شيئًا
- ملتقى الرواية لم يعقد بل لم يأتِ أحد على سيرته بشىء
- سؤالى للوز ير: كيف لمن جرفوا الأرض أن يعيدوا استصلاحها مرة أخرى؟ وكيف لمن هدموا الدار أن يعمروها؟
أثق ثقة كبيرة فى إدارة الدكتور أحمد هنو فى إدارة ملف الثقافة المصرية.
أثق كذلك فى إدراكه قيمة مصر الثقافية ودورها الذى تراكم عبر مئات السنين، وهو الدور الذى كان لثقافة مصر وقوتها الناعمة الدور الأكبر فى رسم ملامحه وترسيخ أركانه، وهو ما يدعونا إلى الحفاظ عليه ودعمه، فى ظل تحديات نعرف جميعًا أنها صعبة، لكن من قال إننا لا نقدر على مواجهة التحديات مهما كانت قوية وعاتية.. فجذور مصر الثقافية عصيّة على النزع أو الاقتلاع.
وأثق أيضًا أنه يحمل مشروعًا واضحًا لاستعادة بريق العمل الثقافى الذى تراجع بقوة بعد أحداث يناير ٢٠١١.
تحدث هو عن ذلك واستمعت منه مباشرة إلى ما ينتويه، وهو ما كان مبشرًا وباعثًا على التفاؤل.

لكن يبدو أن تعاقب الأيام يُنسى.. وتزايد التحديات يضرب قائمة الأولويات فى مقتل، فأصبحنا أمام فعل ثقافى مستمر، لكنه فى النهاية لا يقودنا إلى تحقيق شىء مما نريده لمصر.. ولا يترجم شيئًا ملموسًا مما يريده الوزير.
لن أتحدث عما قام به الوزير وهو كثير.
لن أشير إلى بعض وجوه النقص فيها.
فقد فعل ما يمكننا اعتباره مهمًا، لكن كان يمكن أن يكون أكثر أهمية وتأثيرًا وألقًا وبريقًا وحضورًا.
فحسنًا فعل الوزير عندما قام بتكريم أكثر من ٧٠ رمزًا من مختلف المجالات الثقافية ورموز من الراحلين فى اليوم الذى أطلق عليه «يوم الثقافة المصرية».
كان وجه القصور فيما جرى أن الوزير استسلم لترشيحات المكرمين من المثقفين أنفسهم عبر النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة.
كان شرط التكريم هو أن من يحصل عليه لا بد أن يكون قد قدم مساهمة واضحة وملموسة للثقافة المصرية فى مجال من مجالات: الفنون التشكيلية، والموسيقى، والمسرح، والسينما، والشعر، والرواية، والدراسات الأدبية، والترجمة، وثقافة الطفل، والتاريخ، والجغرافيا، والآثار، وعلم النفس والتربية، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والقانون، والملكية الفكرية، والكتاب والنشر، والإعلام والثقافة الرقمية، وثقافة الشباب.
ورغم أن هناك من بين الأسماء التى تم تكريمها من يستحق بالفعل، لكن عكر صفو الاحتفال أنه تم تكريم من لا يستحقون، ويجب ألا يقفوا إلى جوار الوزير على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية حيث أقيم الاحتفال.
فما الذى قدمه علاء عبدالهادى، رئيس اتحاد الكتاب، مثلًا للثقافة المصرية؟ وما الذى قدمه مصطفى كامل نقيب الموسيقيين؟ اللذين تم تكريمهما فقط لأنه تم ترشيحهما من نقابتيهما، وكان الأصح عدم ترشيحهما من الأساس اتقاءً لشبهة تعارض المصالح.
لا يمكن أن ألوم على الوزير ما فعله بالطبع، لكن لماذا نفتقد القدرة على إخراج ما نقوم به على الوجه الصحيح.. وعلى كل حال فشكرًا له على ما فعل.. فغيره لم يفعل شيئًا.
يُمكننا أن نتدارك ذلك العام المقبل، بأن تكون هناك لجنة عليا محايدة يتم اختيارها بموضوعية شديدة، تكون مهمتها اختيار المكرمين على أسس واضحة وبمعايير محددة بعيدة عن المجاملات، ومنفصلة تمامًا عن أصحاب النفوذ النقابى فى العمل الثقافى، وهؤلاء كثيرون ولا يعملون شيئًا اللهم إلا الحفاظ على مقاعدهم فى نقاباتهم.. وهى مقاعد حتمًا ستزول، إن لم يكن اليوم فغدًا، وإن لم يكن غدًا فبعد غد.
أعتقد أن الحديث عما لم يفعله الوزير أهم مما فعله منقوصًا.
والأهم فى الحديث أننى سأتحدث مع الدكتور هنو عن الذى وعد به، ولم يتحقق منه بعض الأشياء حتى الآن.
ويعرف الوزير- ولا بد أن يعرف- أننى لا أتحدث إليه أو إلى غيره إلا من أجل المصلحة العامة، فلا أبتغى منه شيئًا، ولا أسعى إلى الحصول على شىء، وذلك حتى أقطع الطريق على الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم طريقها، وأفسد على أصحاب نظرية المؤامرة ما يمكن أن يهمسوا به إليه.
هنا الوقائع هى شفيعتى فيما أريد أن أقول.
فى عدد «حرف» الصادر فى ٢٤ يوليو ٢٠٢٤، فتحت ملف ملتقى الرواية الذى تأجل انعقاده أكثر من مرة، وكتبت نصًا: إننى أضع هذا الملف أمام وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، وأطالبه بنظرة جادة وحقيقية فى اتجاه ملتقى الرواية، الذى لا يليق أبدًا أن يتأخر فى قائمة أولوياته، أو يشغله عنه عمل آخر فى وزارة الثقافة، وأنا أعرف أن لديه ملفات كثيرة.
وأضفت: على الدكتور أحمد هنو أن يفتح هذا الملف على الفور، وأن يضع وراء ظهره تسويفات الموظفين وتكاسلهم وحججهم، بل عليه ألا يلتفت إلى الكلام الذى يقال عن الميزانيات وتمويل المؤتمر، فيمكنه أن يعيد هيكلة وزارة الثقافة بالكامل لتوفير ميزانية المؤتمر، ورفع قيمة الجائزة إلى درجة مليونية تليق باسم مصر، ويمكنه أن يفعل ذلك بسهولة.
وفى عدد ٣١ يوليو ٢٠٢٤ فتحت «حرف» صفحاتها أمام ٥٠ كاتبًا وأديبًا وروائيًا عربيًا وأرسلوا رسائل واضحة وصريحة إلى الدكتور هنو، وطالبوه بإعادة ملتقى الرواية، وكانت لدينا مئات الرسائل الأخرى، وكلها كانت تستصرخ الوزير أن يعيد النظر فيما يقال عن أسباب وحجج أدت فى النهاية إلى إفقاد مصر واحدة من أهم الفعاليات الثقافية والأدبية لن أقول العربية فقط ولكن العالمية أيضًا.
على هامش هذه الرسائل التى عكست أهمية القضية التى طرحناها للنقاش، كنت قد التفت إلى ما قاله مسئول ثقافى سابق عما جرى فى وزارة الثقافة خلال الأعوام الماضية.
قال المسئول الثقافى: هناك حالة غريبة جدًا من الإرجاء أو الإلغاء سيطرت على معظم المشروعات الثقافية المهمة خلال الأعوام الماضية، والحالة الأغرب تكمن فى عدم الإعلان عن أى شىء، وكأنّ الأمر سر لا يجوز إفشاؤه، وليظل المشهد الثقافى المصرى محاطًا بغموض غريب.

ويضيف: هذه الأحداث ليست مجرد هامش على الخريطة المصرية ولكنها كانت فى أوقات كثيرة ضامنًا أساسيًا للفعالية الثقافية المصرية فى دوائرها العربية والعالمية، والحق أن إهدار هذا التاريخ من العمل الثقافى هو إهدار لمستقبل قريب من الفعل الثقافى- بل السياسى- المصرى، وهذه السلسلة من الإهدارات المتعاقبة تدعو إلى التساؤل عن صاحب المصلحة فى ذلك، لكن يظل الأمل قائمًا فى إعادة تقدير الموقف وعودة المشهد الثقافى المصرى إلى الحياة مرة أخرى.
كان وزير الثقافة على قدر مسئولية منصبه وإدراكه دوره، فبعد ساعات من نشرنا رسائل المثقفين والأدباء العرب المُطالِبة بعودة ملتقى الرواية، تواصل معى الوزير تليفونيًا وأكد لى أنه وجه بسرعة الإعلان عن عقد الدورة الثامنة من ملتقى الرواية، وهى الدورة التى أعلن عنها أكثر من مرة، لكن فى كل مرة كان هناك شىء ما يعطلها.
كتبت فى الصفحة الأولى تقريرًا مفصلًا عما جرى، وأرى من الضرورى هنا أن أذكّر به نفسى وأذكّر به معالى الوزير أيضًا.
كتبنا وقتها: علمت «حرف» من مصادرها داخل وزارة الثقافة أن الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وجه بسرعة عقد الدورة الثامنة من «الملتقى الدولى للرواية» التى كان قد أعلن عن انعقادها فى نوفمبر من العام ٢٠٢٢ دون أن تنعقد أو حتى يتم تحديد موعد لها.
الدكتور هنو أصدر توجيهاته لقطاعات الوزارة المعنية بإعلان موعد محدد لعقد الملتقى، ووعد بتوفير كل الإمكانات اللازمة لإخراجه بالصورة التى تليق بمصر واسمها وريادتها فى حركة الإبداع العربى.
حتى الآن هناك أكثر من سيناريو لعودة الملتقى.
السيناريو الأول أن تشترك الهيئة العامة للكتاب مع المجلس الأعلى للثقافة فى تنظيم الملتقى، وفى حالة تنفيذ هذا السيناريو، فمن المرجح أن تتزامن الدورة الثامنة من الملتقى مع دورة معرض القاهرة الدولى للكتاب المقبلة التى تُعقد بين شهرى يناير- فبراير ٢٠٢٥.
يدعم هذا السيناريو أن المعرض بالفعل يوجه دعوات لعدد كبير من الكتاب والأدباء والروائيين والنقاد العرب، ويمكن لهم أن يشاركوا فى الملتقى خلال وجودهم فى هذه الفترة.
يدعم هذا السيناريو أيضًا وجهة نظر وزير الثقافة بضرورة تعاون قطاعات الوزارة المختلفة، فليس من المنطقى أن تعمل قطاعات الوزارة وكأنها متنافسة، بل لا بد من التعاون والتكامل.
السيناريو الثانى هو أن يظل الملتقى من بين أعمال المجلس الأعلى للثقافة وحده على اعتبار أنه انطلق من المجلس، وعقدت دوراته السابقة تحت إشرافه، وقد وعد المسئولون فى المجلس أنهم سيعلنون عن موعد انعقاد الدورة الثامنة خلال أيام.
على الأرجح أن الإعلان عن موعد الملتقى سيكون يوم ١٥ أغسطس الحالى، هذا فى حالة انتهاء المسئولين فى المجلس الأعلى للثقافة من ترتيب أوضاعهم والاستعداد لأعمال الملتقى بالفعل، وفى حالة عدم تمكنهم من ذلك، فمن المرجح أن يتم العمل بالسيناريو الأول.
على أى حال فإن جريدة «حرف» تتقدم بالشكر للوزير أحمد فؤاد هنو، على سرعة استجابته لما أثارته الجريدة حول الملتقى، وتنتظر إعلان موعد انعقاد الملتقى خلال الأيام المقبلة.
لقد صغت ما جرى فى وزارة الثقافة وقتها بطريقة السيناريوهات المحتملة، رغم أننى كنت أعرف أن توجيه الوزير كان واضحًا، وهو أن يعقد ملتقى الرواية بالتزامن مع معرض الكتاب، وأعترف الآن بأننى فعلت ذلك؛ حتى لا أضع أحدًا فى حرج، أو أكلف أحدًا بما لا يطيق أو يستطيع، وتركت الباب مفتوحًا أمام وعد الوزير حتى يتحقق.
الآن وقد انتهى معرض الكتاب- وكانت دورته هذا العام ناجحة ومحققة كل أهدافها بفضل جهد الوزير وكل المعاونين له، وكذلك جهود مؤسسات الدولة المختلفة التى أسهمت بقدر كبير من الجهد والوقت لإنجاح المعرض وإخراجه بصورة مشرفة تليق بمصر واسمها- إلا أن ملتقى الرواية لم يعقد، بل لم يأتِ أحد على سيرته بشىء.
فما الذى عطل عقد الملتقى على هامش المعرض؟ وهل من حقنا أن نعرف أسباب ذلك؟ أم أنه سيظل فى طى ملف الأسرار التى لا يفصح عنها أحد ولا يريد أن يقترب منها أحد؟
الوعد الثانى الذى كان وزير الثقافة قد قطعه على نفسه كان إجراء حوارات مع المثقفين.

فى بدايات شهر أغسطس الماضى كان الوزير قد أعلن فى تصريحات رسمية نقلتها عنه المواقع الصحفية ومنصات الأخبار أن الفترة المقبلة ستشهد عقد سلسلة من اللقاءات المكثفة مع مختلف أطياف العمل الثقافى والإبداعى والفنى، بمن فى ذلك الأدباء والشعراء والفنانون والمثقفون والعاملون فى الحقل الثقافى على جميع المستويات.
الوزير كان واضحًا فى تحديد هدفه من هذه اللقاءات، فهو يسعى إليها لمناقشة الرؤى والأفكار والطموحات التى يحملها كل فاعل ثقافى، والاستماع إلى مقترحاتهم وآرائهم حول مستقبل الثقافة فى مصر، إلى جانب التعرف على المعوقات التى تواجه العمل الثقافى، والمشاكل العاجلة التى تحتاج إلى حلول فورية.
وأكد الوزير وقتها أنه بناءً على هذه النقاشات والآراء، سيتم وضع خطة عمل تفصيلية تسهم فى تحقيق استراتيجية التنمية الثقافية وبناء الإنسان.
بعد هذه التصريحات تصادف أن التقيت الوزير فى مكتبه، واقترحت عليه أن تتحول دعوة الحوار إلى مؤتمر عام للمثقفين تشارك فيه القامات الفكرية والثقافية، مؤتمر تكون له محاوره وأوراقه المحددة ومخرجاته الواضحة، لكننى رأيت أن الوزير منحاز إلى فكرة اللقاءات مع أطياف المثقفين، حيث أكد أنها ستكون أجدى فى بلورة صورة واضحة لخارطة طريق ثقافية تحتاجها مصر بالفعل.
رغم عدم قناعتى بطرح الوزير، فالمؤتمر سيكون أهم من حيث كونه سيكون حدثًا ثقافيًا مشهودًا، كما أنه سيكون قادرًا على طرح كل المشاكل على طاولة التشريح، فالمناقشات ستكون مفتوحة والمواجهات كذلك، إلا أننى نزلت على وجهة نظر الوزير وانتظرت الحوارات التى سيجريها.
قام الوزير بإجراء حوارات كثيرة بالفعل، رأيته يجلس مع محررى الثقافة فى الصحف المختلفة، ورأيته يجتمع مع أعضاء نقابة اتحاد الكتاب، ورأيته يلتقى عددًا من المثقفين والمفكرين والفنانين، لكنها فى معظمها كانت لقاءات- فى رأيى- بعيدة عن الهدف الذى أعلن عنه الوزير، والدليل أنه لم يعلن عن نتائج هذه الحوارات، ولا حدثنا عن خطة العمل التفصيلية التى كان يسعى إلى أن تحقق استراتيجية التنمية الثقافية.
لن ألوم على الوزير ولن أعاتبه فيما جرى، ولكن كانت هناك ملاحظة مهمة على هذه اللقاءات، فقد التقى مَن أسهموا فى تجريف العمل الثقافى وتهميشه، وكان سؤالى- الذى لا يزال قائمًا- هو: كيف لمن جرفوا الأرض أن يعيدوا استصلاحها مرة أخرى؟ وكيف لمن هدموا الدار أن يعمروها؟

مرة ثانية إننى أثق فيما يريده الوزير الدكتور أحمد هنو للثقافة المصرية، وأعرف أنه تقريبًا لا ينام من أجل تنفيذ خططه الطموحة، لكنّ هناك وعودًا قطعها على نفسه، وأعتقد أنه راغب تمامًا فى تنفيذها.
إلا أن السؤال عن ملتقى الرواية لا يزال قائمًا.
ولا تزال الحاجة عن إجرائه حوارات مع المثقفين الحقيقيين قائمة.
وأعتقد أن الوقت لم يتأخر بعد.
فليس من حق الإنسان منا بداية واحدة، بل من حقه كل يوم بداية جديدة، يتدارك فيها ما فاته.. وأعتقد أن الوزير، ونحن معه، نستحق بداية جديدة، بداية نتجاوز فيها إطلاق الوعود إلى تنفيذها.
أطالبه بذلك، لأننى على ثقة أنه يستطيع أن يفى بكل وعوده.
وكل ما أريده ألا يطول انتظارنا.