فريد زهران: اتحاد الناشرين يحتاج إلى تجديد الدماء
تحدث السياسى البارز فريد زهران، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، المرشح فى انتخابات اتحاد الناشرين المصريين، لـ«حرف» حول أسباب ترشحه للانتخابات والتحديات المختلفة التى تواجه صناعة النشر فى مصر، وكذلك رؤيته لكيفية العمل على مواجهة العقبات والتحديات المختلفة.
وأكد زهران أن قرب انتهاء فترة رئاسته للحزب المصرى الديمقراطى بالإضافة إلى الأجواء الايجابية بالمجال العام كانت دافعًا وراء ترشحه فى الانتخابات، مشيرًا إلى أنه يخوض الانتخابات ضمن قائمة «إعادة البناء» التى تضم تنوعات كثيرة من الناشرين الشباب وذوى الخبرة.
كما طالب زهران الجهات التنفيذية باتخاذ مزيد من القرارات لإنقاذ صناعة النشر فى مصر، والتعامل مع الناشرين كمُصنعين وليس تجارًا، مؤكدًا أن غياب الدعم الحكومى وأسعار مستلزمات الإنتاج تعد من أبرز تحديات صناعة النشر.
وأوضح فريد زهران أن مجلس الإدارة الجديد لاتحاد الناشرين سيفشل لا محالة إذا حاول العمل بمفرده بمعزل عن الجمعية العمومية، واصفًا الناشرين المصريين بالأبطال لمواجهتهم العديد من التحديات الضخمة خلال الفترة الماضية.
وإلى نص الحوار..
■ حدثنا فى البداية عن أسباب ترشحك فى انتخابات اتحاد الناشرين.. لماذا الآن؟
- تراودنى فكرة الاهتمام باتحاد الناشرين منذ فترة طويلة، وطوال الوقت كانت هناك رغبة لعدد من الناشرين بأن أتقدم للترشح بغرض أن يكون لى دور ما فى إدارة الاتحاد، وكنت أعتذر للزملاء الناشرين عن هذه الرغبة لسببين، السبب الأول إحساسى بانشغالى فى ملفات أخرى معظمها ملفات سياسية، والسبب الثانى أننى كنت أرى أن الأجواء غير مناسبة.
ولكن شجعنى هذه المرة، أننى على وشك انتهاء فترة رئاستى للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والأمر الثانى أننى أرى أن هناك تطورًا إيجابيًا وملموسًا فى المجال العام بشكل كبير منذ دعوة الرئيس للحوار الوطنى فى رمضان قبل الماضى حتى الآن، وهذه الأجواء توحى بأن تتيح لى أجواء عمل مناسبة داخل الاتحاد.
■ البعض تحدث عن أن قرار ترشح فريد زهران لانتخابات اتحاد الناشرين تأخر كثيرًا.. كيف ترى هذا الأمر؟
- على مدار السنوات الماضية كنت بعيدًا عن أى مواقع قيادية فى الاتحاد، ولكن لم أكن بعيدًا عن الاتحاد ذاته.
والآن نحن أمام مرحلة يفترض أن تتضافر فيها جهود متنوعة، أبرزها من وجهة نظرى أن تكون هناك خبرات قديمة وليس ضروريًا تمثل الخبرات القديمة بنفس الوجوه القديمة وإنما تمثل بوجوه عن نفس المؤسسات العريقة، فنحن فى هذه المرحلة نحتاج إلى تجاوز مرحلة التأسيس إلى مرحلة إعادة البناء على أسس جديدة.
فمصر تغيرت كثيرًا جدًا منذ أن وضع قانون اتحاد الناشرين، وتغيرت كثيرًا خلال العشر سنوات الماضية، والاتحاد فى العشر سنوات الماضية نفس الوجوه تتكرر، قدموا أمورًا إيجابية وأخرى سلبية، وأصبحت هناك حاجة لدماء جديدة، ودماء جديدة ليس بإهدار الخبرات القديمة، بالعكس أنا حريص عليها لكن خبرات قديمة بطبعات جديدة.
■ ما أبرز التحديات التى تواجه صناعة النشر فى مصر من وجهة نظرك؟
- صناعة النشر واجهت، ولا تزال تواجه، عقبات ضخمة، ورغم ذلك صمد الناشرون المصريون أمام هذه التحديات، ويجب تقديم التقدير والإجلال لكل الناشرين المصريين فهم أبطال بمعنى الكلمة، وعملوا فى ظروف صعبة دون دعم يُذكر من مؤسسات الدولة، أو دون دعم على الإطلاق، على عكس بلدان أخرى، ومع ذلك حققوا نجاحًا كبيرًا جدًا، وسأضرب أمثلة بسيطة، شكل الكتاب المصرى ارتقى جدًا فى العقدين السابقين، وهذا يُحسب للناشر المصرى الذى أصبح يهتم بالشكل والتبويب والغلاف، بالإضافة إلى المضمون والتنوع للناشر المصرى الذى أصبح متميزًا فى ترجمة أدب كورى ويابانى ونرويجى وإيطالى، وعندما تزور معرض القاهرة للكتاب تفاجأ بمستوى الإصدارات التى يقدمها الناشرون المصريون، فهناك تنوع وثراء غير مسبوق فى كل مجالات النشر، وكذلك كتاب الطفل الذى شهد طفرة حقيقية خلال الفترات الماضية.
كما أن هناك غيابًا للدعم الحكومى للناشرين المصريين، فمنذ فترات كانت الوزارات الحكومية تقوم بشراء الكتب من الناشرين، وهذا الأمر كان يمثل جزءًا رئيسيًا من دخل الناشرين المصريين، وهذا لم يعد موجودًا الآن، فلا يوجد دعم من الجهات الحكومية لصناعة النشر.
كما أن هناك تحديات تتعلق بأسعار الورق والطباعة ومستلزمات الإنتاج ذاتها، وأسعار الخامات، فهناك من يقول إن الكتاب معفى من الضريبة، لكن فى الحقيقة فإن مستلزمات الإنتاج ليست معفاة من الضرائب مثل الزنك والحبر وغيرهما من المستلزمات، ومن يتحمل هذه الضرائب الناشر.
كل هذه التحديات بالإضافة إلى العقبات الطارئة الجديدة، ومنها ما يشاع ويتردد بأن هناك عشرات الناشرين ويقال إن هناك قائمة من ١٣٠ أو ١٢٠ ناشرًا حُرموا من المشاركة فى المعارض العربية، وهذا يسبب أضرارًا بالغة للناشرين.
■ وما المطلوب من وجهة نظرك لمواجهة هذه التحديات والعقبات؟
- يجب أن تعامل صناعة النشر على أنها صناعة استراتيجية وتتم معاملة الناشرين على أنهم «مُصنعون» وليس تجارًا، فلا يستطيع الناشر أن يحصل على قرض من البنك باعتباره مُصنّعًا، وهذا يضعف المُصنّع والصناعة ويضعف كذلك قدراته التصديرية.
بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون اتحاد الناشرين ظهيرًا قويًا للناشرين، وعندما يلجأ له أو يتعرض أى ناشر إلى محنة أن يستجيب له، فعندما ترى ناشرًا ما يتعرض لأزمة صحية لا تجد الاتحاد فى ظهره.
فاتحاد الناشرين هو مزيج من ثلاثة، هو نقابة له طابع نقابى، واتحاد مهنى بمعنى أنه ملقى على عاتقه الارتقاء بالمهنة، واتحاد مصالح بمعنى يخاطب الجهات المختلفة لمصالح محددة، وهنا يجب أن أقول إن عدد الناشرين ليس كبيرًا لكن صوتهم عالٍ ووزنهم الأدبى أكبر من عددهم، لأنهم مسئولون عن صناعة النشر والكتاب الذى من المفترض أن يؤثر ويربى أجيالًا ويكون ثقافة أمة، وهذا جزء من هموم الاتحاد.
■ كيف يمكن أن يتم دعم صناعة النشر والكتاب فى مصر؟
- أنا أقول دائمًا إذا كانت الدولة تهتم ببناء الإنسان المصرى، فلا بد من أن يكون دعم صناعة الكتاب جزءًا من أولوياتها، وبالتالى دعم اتحاد الناشرين جزء رئيسى من أولوياتها، والاستراتيجية الرئيسية التى نطالب بها أن تعى أجهزة مؤسسات الدولة أن الاهتمام بالثقافة وصناعة الكتاب موضوع أصبح خطيرًا ومُلحًا الآن.
■ ما شكل الدعم المطلوب من أجهزة الدولة المختلفة لصناعة النشر فى مصر؟
- أولًا احترام اتحاد الناشرين واستقلاليته ومكانته والتعامل معه من كل أجهزة الدولة بطريقة تمكنه من الاضطلاع بدوره والقيام بمهامه، وكذلك ضرورة الاستجابة من السلطات المختلفة لإرادة الناشرين وأن يكون هناك قانون جديد ينظم عمل الاتحاد لأن القانون القديم يحتاج إلى تحديث وتعديل، بالإضافة إلى أن تكون هناك لائحة جديدة تنظم عمل الاتحاد يراعى فيها، على سبيل المثال، أن تكون لرئيس الاتحاد دورتان فقط، حتى لا يتكرر ما نحن بصدد الحديث عنه.
كما يجب على أجهزة ومؤسسات الدولة، المشتغلة فى صناعة الكتاب أو مجال المكتبات العامة أو ما شابه، أن تركز كل المخصص لها ماليًا لدعم صناعة الكتاب لدى الناشرين المستقلين، بمعنى شراء كتب منهم بآليات شفافة وعادلة وكذلك عمل نشر مشترك، بالإضافة إلى أن تكون هناك تيسيرات خاصة بالجمارك والضرائب للناشرين وصناع الثقافة.
كما أطالب بأن تكون هناك درجة عالية ومساحة أكبر لحرية النشر والتعبير، بحيث لا يكون هناك تضييق على أى إصدارات لها طابع ثقافى، فهناك اتفاق عام فى المجتمع على أننا فى معركة مع الإرهاب والتطرف وما زلنا معها، وبالتالى هناك محددات عامة لكل صنّاع الكتاب يلتزمون بها لكن دون تزيد أو إفراط.
فهناك أمور كثيرة من الممكن أن تدعم بها الدولة صناعة النشر، وتنقذ بها صناعة النشر، الناشرون صامدون حتى الآن ويبلون بلاء حسن، ولا بد من تكريم الناشرين المصريين على أعلى مستوى على صمودهم رغم التحديات المختلفة.
■ وماذا عن الدور المطلوب من اتحاد الناشرين أنفسهم خلال الفترة المقبلة لمواجهة تلك التحديات؟
- يجب ضبط أدائنا المهنى للارتقاء بصناعة الكتاب من حيث مواجهة التزوير والقرصنة بكل أشكالها، وتنقية الاتحاد من كل من هو ليس محسوبًا على هذه المهنة السامية، باختصار «ترتيب بيتنا من الداخل».
الناشرون مطلوب منهم الارتقاء بمستوى المهنة، ويكون لديهم ممثلون أقوياء جادون ولديهم قبول وقدرة على التواصل مع أجهزة الدولة المختلفة، والمؤسسات الثقافية على المستويين العربى والعالمى، كل هذه مسائل مهمة، لذلك جزء رئيسى من نجاح الاتحاد فى مرحلة إعادة البناء أن تكون فيه درجة عالية من التوافق ودرجة عالية من حضور الجمعية العمومية، بمعنى أن مجلس الإدارة الجديد إذا حاول العمل بمفرده دون دعم من الجمعية العمومية فهو فاشل لا محالة، والضمانة الوحيدة لنجاح المجلس المقبل هو مدى التفاف أعداد أكبر من ذوى الرغبة فى المشاركة.
■ ذكرت فى حديثك ضرورة تعديل قانون اتحاد الناشرين.. حدثنا عن رؤيتك لهذه التشريعات والتعديلات المطلوبة؟
- المطلوب بالتحديد فى هذا الملف الخاص بالتشريعات هو إدارة حوار واسع داخل الاتحاد لمعرفة ماذا يريد الناشرون من تعديلات فى القانون الجديد، فهناك مشروع قانون موجود، لكن مطلوب توسيع دائرة المشاركة فى عملية الحوار واتخاذ خطوات عملية، ولذلك أنا أؤكد أن ضربة البداية أننا نقر أن هناك ضرورة لتغيير القانون وتغيير اللائحة، ويجب أن تتم التعديلات بتوافق واسع حولها، سواء فيما يتعلق بقانون اتحاد الناشرين أو قانون الملكية الفكرية وكل التشريعات المتعلقة بصناعة النشر.
■ ننتقل إلى أزمة أخرى تم الحديث عنها مؤخرًا بشكل كبير وهى أزمة تزوير الكتب.. فما رؤيتك من أجل حل هذه المشكلة؟
- الموضوع يحتاج إلى تشريع ربما إلى تغليظ عقوبة ورقابة أوسع وإلى اجتهاد أكبر من أجهزة الأمن، وكذلك إلى تفهمات أوسع داخل اتحاد الناشرين، بحيث تحاصر هذه الظاهرة بدلًا من أن يحتضنها البعض، أو يستخدمها البعض، فلا بد من التعامل مع هذا الملف بحزم وحكمة لكى ننجح فى مواجهة هذه الظاهرة، وهذا الملف تُرك سنوات طويلة بلا علاج ومعالجعته بعدما وصلت هذه الظاهرة إلى هذه المرحلة مختلفة عن معالجتها والمشكلة صغيرة، هذه الظاهرة تحتاج إلى علاج قد يأخذ بعض الوقت.
■ هل الاتحاد الحالى مقصر فى التعامل مع بعض التحديات منها قصة التزوير أو التحديات الاخرى؟
- بصفة عامة هناك إحساس واضح لدى قطاع كبير من الناشرين بأن هذا الملف وهو التزوير كان الاتحاد غير موفق فى إدارته.
■ فى الختام.. ما رسالتك التى توجهها للناشرين وأعضاء جمعية العمومية قبيل الانتخابات؟
- أهم شىء هو العمل من أجل أن يستعيد الناشرون علاقتهم بمجلس الإدارة والاتحاد، فهناك العديد من الناشرين، لأسباب مختلفة خلال السنوات الماضية، عزفوا عن المشاركة، ويجب الآن أن يعودوا ويشاركوا فى العملية الانتخابية ويمارسوا دورهم كأعضاء فى الجمعية العمومية.
وفى كل الأحوال إذا كانت الجمعية العمومية راضية عن أداء الاتحاد فى السنوات الأخيرة يستطيعون أن ينتخبوا ما كان يمثل هذا المسار مرة أخرى، وإذا كانوا راغبين فى تغيير المسار الذى كان يسير فيه الاتحاد لكى يسير فى اتجاه مختلف ربما من وجهة نظرى إلى الأفضل فيختاروا مرشحين جددًا ودماءً جديدة وأشخاصًا يعبرون عن رؤية مختلفة ومسار مختلف.
وأنا أشارك فى الانتخابات كفرد من بين قائمة تم التوافق عليها بعناية تضم تنوعات كثيرة من الناشرين من شباب وذوى خبرة وحريصين كل الحرص على تمثيل كل الناشرين بكل توجهاتهم، وأن نهتم بكل المشكلات النوعية لكل المجموعات جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالهموم العامة للناشر مثل قانون النشر ولائحة الاتحاد ومواجهة التزوير والقرصنة، وضمان دعم حكومى مناسب لصناعة النشر والكتاب، اولتواصل مع جهات مانحة اقليمية ودولية لدعم صناعة النشر.
فقائمة إعادة البناء تضم شخصيات مشهودًا لهم وليس وجوهًا جديدة أو غامضة ومعروفين ولديهم خبرات وتاريخ يعتزون به ويمكن الاستناد لهم، وبهم ميزة أخرى، وهى أننا مجموعة متكاملة ومتناغمة، «هما مش بالضرورة أفضل ناس أو ملائكة لكن الأكيد فريق متكامل ونعمل بروح الفريق».
■ كيف أثرت التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعى على صناعة النشر فى مصر؟
- أنا من وجهة نظرى لم يؤثر عكس ما كان يشاع، فالقصة أننا دائمًا نخشى من وسائل قد تؤثر إيجابًا وليس سلبًا، وعلى سبيل المثال النشر الإلكترونى لم يؤثر على صناعة النشر، بمعنى يوفر للكتاب مساحة أوسع للانتشار، ولكن الذى يؤثر سلبًا هو التزوير والقرصنة، فى النهاية الناشر الإلكترونى الشرعى وسيلة لانتشار الكتاب ويجب أن نستفيد منها.
وعندما تتسع سوق المستهلكين يزداد عدد القراء، وينطبق على ذلك كل المجالات الثقافية، وعندما تنتعش الطبقة الوسطى يمكن أن تنتعش الثقافة.