الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هل زار النبى محمد مصر؟

اثر النبى
اثر النبى

قبل ما يقرب من عشرين عامًا توقفت أمام صورة رسمها أحد الباحثين لزيارة النبى محمد صلى الله عليه وسلم إلى مصر، اقتحمتنى المعلومات التى بذل جهدًا خارقًا لإثباتها رغم أنه لا يملك دليلًا على ما يقوله إلا أن ما لديه فيض مما نقله غيره من الرواة والمحدثين. 

حاولت استيعاب ما قرأت، فلو أنه موجود فى كتب التراث، فلماذا لم يهتم به أحد من قبل؟

لماذا ظل مخفيًا غير ظاهر، مجهولًا غير منشور؟ 

وإذا كان تم نشره من قبل، فلماذا ليس منتشرًا؟ 

سقط الكتاب من ذاكرتى، ولم يعد لصاحبه ذكر فيما عندى من أوراق، لكن ظلت الصورة التى رسمها تخايلنى وتقتحم على المساحة التى تتسع يومًا وراء يوم بقراءاتى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهى قراءات لم يكن جميعها فى صف ما رسخ فى عقولنا وقلوبنا عنه، بل كثير منها يتناقض تمامًا مع ما تعارفنا عليه، للدرجة التى يمكنها أن تعصف بيقينك وتزلزل اطمئنانك. 

 الرسول جاء إلى مصر أثناء رحلة الإسراء والمعراج وزار معها يثرب وطور سيناء وبيت لحم

الحكاية تقول إن النبى محمدًا، صلى الله عليه وسلم، زار مصر بالفعل أثناء رحلة الإسراء والمعراج التى جاءت تسرية عنه وتسلية له بعد أن عصره عام الحزن بموت زوجته السيدة خديجة وعمه أبى طالب، وهجوم أهل الطائف عليه وشكوته لله منهم. 

لم يزر النبى مصر وحدها فى رحلته ولكنها جاءت ضمن أماكن أخرى، هى يثرب وطور سيناء وبيت لحم، وكان فى زيارته لكل منها حكمة. 

الحكمة يحملها لنا حديث أورده البخارى ومسلم عن أنس، رضى الله عنه، الذى يروى أن النبى قال: ركبت ومعى جبريل، فسرت، فقال: انزل فصل، ففعلت، فقال: أتدرى أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر، ثم قال: انزل فصل، فصليت، فقال: أتدرى أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه السلام، ثم قال: انزل فصل، فصليت، فقال: أتدرى أين صليت؟ صليت فى بيت لحم، حيث ولد عيسى عليه السلام. 

يحتج البعض بهذا الحديث الذى يسجل جانبًا من ملحمة الإسراء والمعراج التى استقرت فى المخيلة الإسلامية من روايات صحابة النبى وعبر الأحاديث التى سجلوها عنه، على أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم، زار مصر بالفعل. 

لو استسلمنا لصحة الحديث، فإن ما جرى على وجه التحديد فى العام ٦٢٠ ميلادية ليس زيارة، بل يمكن التعامل معه على أنه مرور عابر على مصر لم يستغرق فى الغالب سوى دقائق، وهو مرور له رمزيته، خاصة عندما نضعه فى سياق رغبة السماء فى أن تقف بالنبى فى محطات بعينها، فهو يصلى فى المدينة التى سيهاجر إليها، وفى طور سيناء وبيت لحم لأنهما يرتبطان بموسى وعيسى عليهما السلام، فى إشارة إلى أنه حلقة فى سلسلة الأنبياء الذين وضعت السماء على أكتافهم مهمة هداية أهل الأرض. 

هناك حديث عن ز يارة الرسول إلى مصر قبل تكليفه بالرسالة السماوية بسنوات وهى الزيارة التى جرت عندما كان يعمل فى التجارة

لا يمكن لمثل هذه الزيارة أن تخلف أثرًا أو تترك خلفها دلالة معينة، فلم يختلط النبى، صلى الله عليه وسلم، بأحد من أهل مصر، لم يتحدث معهم، لم يستمع منهم، ولذلك يمكنك ألا تركن إليها، لأننا من الصعب أن نبنى عليها أى شىء. 

لا يمكن لهذا الملف أن يكون مكونًا من هذه الورقة فقط، عندما تتصفحه ستجد ورقة أخرى تحاول تسجيل زيارة ثانية للنبى محمد، صلى الله عليه وسلم إلى مصر، لكن قبل تكليفه بالرسالة السماوية بسنوات، وهى الزيارة التى جرت عندما كان يعمل فى التجارة، متنقلًا ما بين رحلات الشتاء والصيف. 

تنحاز الأخبار المروية إلى أن النبى، صلى الله عليه وسلم، خرج فى أول رحلة تجارية وعمره تسع سنوات مع عمه أبى طالب، وكان هو من طلب مرافقته، وهناك من يصل بسنه إلى اثنى عشر عامًا عندما خرج تاجرًا فى رحلة إلى الشام، بعد سنوات قضاها النبى فى رعى الغنم. 

على هامش هذه الرحلة نسجت الرواية الأسطورية الأولى فى حياة النبى، فعندما وصل إلى مكان يقال له «بصرى» بأرض الشام، نزل تحت صومعة يعيش فيها راهب اسمه بحيرى، كان قد قرأ كتب أهل الكتاب وعرف ما فيها من الأمارات والأنباء، فرأى غمامة تظلل الصبى الصغير، فنزل من صومعته وخرج إلى أصحاب القافلة وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك. 

اقترب بحيرى من الصبى الصغير، وبدأ يتفقد جسده حتى رأى خاتم النبوة بين كتفيه، وسأله عن حاله فى منامه ويقظته، فأخبره بها فوافقت ما عنده فى الكتب، وسأل أبا طالب عنه، فقال له: ابنى، فرد بحيرى: كلا، فقال: ابن أخى... مات أبوه، فرد الراهب: صدقت، ثم أخذ بيده وقال: احفظوا هذا من اليهود والنصارى فإنه سيد العالمين، وسيبعث نبيًا إليهم جميعًا، وإن عرفوه معكم قتلوه. 

تعجب أبو طالب، وسأل الراهب: وما علمك بذلك، فقال له: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة. 

لم تتوقف الرواية عند هذا الحد، بل طلب الراهب من أبى طالب أن يرد الصبى ولا يقدم به إلى الشام، خوفًا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة. 

لا يمكن أن نستسلم لصدق هذه الرواية، التى لا دليل عليها إلا أنها وردت فى كتب السيرة منقولة من فم إلى فم، فهى ليست من أقوال النبى، صلى الله عليه وسلم، ولدينا أكثر من سبب. 

الأول: يمنح ناسج الرواية للراهب- الذى هو فى النهاية مجرد راهب- ما لم يمكن أن نصدقه، فكيف استطاع أن يعرف نبأ سجود الحجر والشجر للصبى الصغير، أى قدرات خارقة جعلته يتقن لغة الجماد؟ أى لغات تعلمها تلك التى جعلته يفك شفرة لغة مخلوقات لا يعلم بها إلا الله... لكن ولأننا نركن إلى منطق الأسطورة لم نسأل... ولا نريد أن نفعل ذلك فى الغالب. 

الثانى: أن مثل هذه الحكايات الأسطورية لا تظهر على صفحة العظماء إلا بعد رحيلهم، والرسول كان عظيمًا بقرار السماء ودعم الأرض، ولم يكن هناك داع لنسج مثل هذه الحكايات لتأكيد نبوته، فقد جاء بشرًا رسولًا يستمد شرعيته من قيمة ما قدمه إلى البشرية. 

الثالث: أن عم النبى أبى طالب، لو كان سمع هذا الكلام عن ابن أخيه ومبكرًا جدًا، كان من الطبيعى أن يؤمن به عندما يعلن أنه نبى، لا أن يقف موقف المحايد، صحيح أنه رعاه وبسط حمايته عليه، لكنه مات دون أن يشهد لابن أخيه بما يستحقه. 

الرابع: أن النبى واصل عمله فى التجارة، وشد الرحال إلى اليمن والشام، بعد أن تولى تجارة السيدة خديجة عندما تجاوز بعمره سنواته العشرين، فلو أن هناك تحذيرًا ساقه فى طريقه الراهب لما أقدم النبى على الخروج من مكة بعد ذلك من الأساس. 

لو زرت مصر القديمة سترى هناك مسجدًا يطلقون عليه مسجد أثر النبى وحتى لو لم تزرها فحتمًا تعرف اسمه فهو فى منطقة تحمل نفس الاسم أثر النبى

من بين الأخبار التى تسجل حياة النبى فى التجارة أنه اتجه فى رحلة من رحلات الصيف إلى الأرض التى تغرب عندها الشمس وهى مصر التى وصل فيها إلى منف، وأثناء عودته إلى أرض الحجاز مر بدير سانت كاترين. 

يمكن أن تخطفنا اللحظة التى اجتمع فيها النبى، صلى الله عليه وسلم برهبان دير سانت كاترين، تأسيسًا على أن كل الرهبان- على طريقة الراهب بحيرى- لا بد أن يقروا له بعلامات النبوة القادمة، لكن شيئًا من هذا لم يحدث، لم يقل لنا أحد إن هناك من تحدث معه بمنطق النبوءة أو الملك القادم، تعاملوا معه على أنه تاجر كبير، وهو ما يظهر أمامنا من لقبه الذى لقبوه به وهو «أمير التجار». 

هناك إشارة إلى أن لقاء النبى، صلى الله عليه وسلم، برهبان دير سانت كاترين جاء لأنه احتمى بديرهم من قطاع الطرق الذين كانوا يترصدون لأصحاب القوافل التجارية، ولا بد أنهم تحدثوا معه عما يهددهم، وطلبوا منه أن يتحدث مع كبار العرب الذين يعملون فى التجارة حتى يكفوا عنهم أيدى البدو والأعراب الذين كانوا لا يترددون عن سرقة مواشيهم وتدمير مزارعهم، ولا بد أنه وعدهم أنه سيفعل ذلك. 

عاد النبى محمد إلى مكة، انشغل عن رهبان دير سانت كاترين بمهمته الجديدة، لم يأت على ذكرهم أبدًا، لا أثر لهم فى أحاديثه أو المرويات عنه، وهو ما يجعلنى أميل إلى أن الاتصال تم من ناحيتهم، فقد عرفوا ما صار إليه أمر «أمير التجار» وتسيده لقومه، فأرسلوا له يذكرونه بما قطعه على نفسه من عهد أن يساهم فى حمايتهم. 

جرى الاتصال على الأرجح فى العام ٦٢٨ ميلادية، أى قبل وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، بأربع سنوات فقط، وقتها تذكرهم وأرسل لهم وثيقة لا تزال- طبقًا لبعض الباحثين- موجودة فى الدير، ويقول من رآها إنها مختومة بكفه. 

يقول النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فى هذه الوثيقة: «هذا كتاب كتبه محمد بن عبدالله إلى كافة الناس أجمعين بشيرًا ونذيرًا ومؤتمنًا على وديعة الله فى خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وكان الله عزيزًا حكيمًا، كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وعجميها، معروفها ومجهولها». 

كان الرسول واضحًا ومحددًا فيما يريده، فما خطه إليهم كان: «كتابًا جعله لهم عهدًا، فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثا ولميثاقه ناقضًا وبدينه مستهزئًا وللعنة مستوجبًا سلطانًا كان أو غيره من المسلمين المؤمنين، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته، ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين، فمن فعل شيئًا من ذلك فقد عادى الله وخالف رسوله، ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزية ولا غرامة». 

ويتعهد النبى محمد أمام الجميع عندما يقول: «وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر فى المشرق والمغرب والشمال والجنوب وهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى من كل مكروه، ولا يجادلون إلا بالتى هى أحسن ويحفظ لهم جناح الذل من الرحمة، ويكف عنهم أذى المكروه، حيث ما كانوا وحيث ما حلوا، ويعاونون على حرمة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم وفعالهم بالعهد». 

 

 فى ز يارة الإسراء والمعراج لم يختلط النبى صلى الله عليه وسلم بأحد من أهل مصر ولم يتحدث معهم

يمكن أن تستند إلى هذه الوثيقة لتؤكد أن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان هنا ذات يوم، أو على الأقل مر من هنا، لكنها الوثيقة نفسها تؤكد أن لقاءً لم يحدث، وحديثًا لم يقع، فكلام النبى، صلى الله عليه وسلم، عام لا خصوصية فيه ولا إشارة إلى أنه يتحدث لمن سبق وعرفهم أو جالسهم. 

يمكنك بالطبع أن تستوقفنى بعتاب، فما الذى يجعلنى أتبنى وجهة نظر أن النبى لم يزر مصر ولو مرة واحدة، فما الذى يضرنى لو أن هذا حدث؟ 

منطق السؤال يحتاج بالطبع إلى تقويم من زاوية ما، فزيارة النبى، صلى الله عليه وسلم، لمصر أمر يسعدنى وينعش روحى ما فى ذلك شك، لكننا نتحدث هنا عن تاريخ، يستند على أن علاقة المصريين بالنبى، صلى الله عليه وسلم، أكبر وأعمق من واقعة محددة، وأن حضوره فى الشخصية المصرية لا يحتاج لأن يأتينا بنفسه. 

لا بد أن نتوقف قليلًا عند اللحظة التى خطفتنا، وهى لحظة جلوس النبى مع رهبان دير سانت كاترين، ونسأل عما فعله النبى أثناء زيارته إلى مصر وبقائه فيها لأيام على أقل تقدير لم تقل عن شهر، كيف رأى المصريين عندما جالسهم، وكيف تعامل مع كلامهم عندما تحدث إليهم وتحدثوا إليه، كل ذلك لا نعرف عنه شيئًا، لأن النبى، صلى الله عليه وسلم، لم يتحدث عنه أو يشير إليه فيما ورد عنه من أحاديث. 

أعرف أن المصريين يرغبون فى أن يكون لديهم شئ- أى شىء- من النبى، صلى الله عليه وسلم، وأعتقد أن ما سأقوله هنا سيكون مفاجئًا للبعض. 

لو زرت مصر القديمة سترى هناك مسجدًا يطلقون عليه «مسجد أثر النبى»، وحتى لو لم تزرها فحتمًا تعرف اسمه، فهو فى منطقة تحمل نفس الاسم «أثر النبى». 

ما تعرفه وأعرفه ويعرفه الجميع أن المسجد يحمل هذا الاسم لأن به حجرًا عليه آثار أقدام النبى، صلى الله عليه وسلم، وتحديدًا لوح حجرى مائل للحمرة عليه آثار لقدم النبى، واللوح محفوظ فى حجرة صغيرة مطلة على النيل وملاصقة للحائط الغربى للمسجد. 

الاعتقاد بنسبة الأثر على الحجر للنبى، صلى الله عليه وسلم، له أصل. 

يمكننا أن نعود معًا إلى بدايات القرن الرابع عشر الميلادى، تحديدًا فى العام ١٣٠٧، عندما تم البناء الأول للمسجد، وقتها كان الشائع عنه أنه «رباط الآثار» وذلك لمعرفة الناس أن به آثارًا للنبى، لأن من بناه وهو الوزير تاج الدين بن الصاحب قال إنه اشترى قطعة من الخشب والحديد عليها «أثر قدم النبى» ودفع فيها ستين ألف درهم فضة من بنى إبراهيم الذين كانوا يسكنون الحجاز، وادعوا أنها متوارثة فى عائلتهم التى تنتهى عند الرسول، صلى الله عليه وسلم. 

لم يكن هذا الحجر وحده هو الذى اشتراه تاج الدين، بل كانت هناك آثار أخرى منسوبة إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، لكنها تبددت بعد احتلال العثمانيين مصر فى بدايات القرن السابع عشر، وتحديدًا فى العام ١٥١٧، عندما هزم طومان باى فى معركة الريدانية. 

بعد ما يقرب من ثلاثة قرون كان المسجد قد تحول إلى حطام، حتى جاء العام ١٨٠٩ وبعد أربع سنوات فقط من حكم محمد على لمصر تم إصلاح المسجد، وهو الآن واحد من الآثار الإسلامية الشهيرة فى مصر. 

هل يمكن أن نقابل كلامًا آخر؟ بالطبع، فالحياة ليست على وجه واحد أبدًا. 

يمكن أن نستمع هنا إلى ما قاله د.حجاجى إبراهيم، أستاذ الآثار الإسلامية، لموقع «رصيف ٢٢»، حيث ذهب إلى أن أصل تسمية منطقة «أثر النبى» فرعونى، فقد كان اسمها «اتير ان نوبى» وترجمتها الحرفية «حتحور الذهبية» أو «حتحور النوبية»، وحرفها العامة فيما بعد إلى أثر النبى. 

الاسم الفرعونى لمنطقة أثر النبى يعود إلى عصر الأسرة الخامسة والعشرين، عندما غزت مملكة قوش النوبية، تحت زعامة «بعنخى» مصر مستعينة بقوة خارجية، ممثلة فى الآشوريين، واستوطن الغازون فى هذه المنطقة التى سميت بـ«اتير ان نوبى». 

يميل حجاجى إبراهيم إلى أن اسم المنطقة كان موجودًا قبل دخول الإسلام والمسيحية إلى مصر، بل قبل غزو الفرس والإسكندر مصر، لكنه اجتهد فى تفسير الأمر بمنطقه، حيث يرى أن هذه الآثار المنسوبة للنبى قد تكون حدثت فى زمن سحيق كانت فيه الصخرة طينية لزجة وطبعت عليها قدم بشرية، نسبها الناس بعد ذلك إلى النبى، صلى الله عليه وسلم. 

فعليًا لا يوجد دليل أثرى واحد على أن هذا الأثر للنبى، ويمكن أن نتفهم ذلك بالمنطق الذى يضعه بين أيدينا حجاجى إبراهيم، فعنده أن الأحجار التى يقال إن عليها آثار لأقدام الرسول لا توجد فى مسجد أثر النبى فقط، فهناك أحجار أخرى يقال إن عليها قدم النبى فى مساجد السيد البدوى فى طنطا وإبراهيم الدسوقى فى مدينة دسوق بكفرالشيخ. 

صحيح أن المعنى فى بطن الشاعر، كما يقولون، لكن الشاعر دائمًا يفصح عما لديه، وربما يكون أستاذ الآثار أشار إليه، فوجود حجر عليه أثر قدم النبى ليس حقيقة، بل رغبة لدى الجميع، ولما كانت الرغبة لم تتحقق على الأرض فقد اخترعوها وصدقوها وآمنوا بها. 

لا يمكن التعامل مع المصريين عندما يصرون على أنهم يمتلكون أحجارًا عليها أثر قدم النبى بمنطق أننا أسرى للخرافة، أو مسلوبو الإرادة أمام الأساطير، ولكن يمكننا التعامل بالمنطق العاطفى، فلا يكفى التأكيد على حبنا للنبى بما نقوله بألسنتنا ونمسك به فى قلوبنا، ولكن لابد أن يكون لدينا بعض منه. 

قد لا يعرف كثيرون من العامة حكايات زيارات النبى التاريخية إلى مصر، سواء التى يمكن أن تكون تمت قبل البعثة النبوية الشريفة، أو حتى تلك التى يمكن أن تكون جرت خلال رحلة الإسراء والمعراج، لكنهم فى النهاية يعرفون معنى أن يزورهم النبى، ولذلك ليس عليك إلا أن تتوقف أمام العبقرية الشعبية المصرية التى صاغت هذه الجملة «إحنا زارنا النبى». 

مؤكد أنك سمعتها أكثر من مرة، يقابل بها المصريون عزيزًا لديهم يزورهم أو صاحب مقام رفيع دخل عليهم، إنهم يكرمونه عندما يرفعون قدر زيارته إلى الدرجة التى تماثل بها زيارة النبى لهم... فلا أغلى عندهم من نبيهم ولا أحب إليهم منه. 

لا تلتفت بالطبع إلى من يحترفون تضييق الحياة علينا، فهناك من بين أبناء الجماعات المتشددة من يعترضون على عبارة «إحنا زارنا النبى» باعتبارها خروجًا على الأدب مع الرسول، وأن من يردده فاسق مبتدع. 

لن أبحث كثيرًا، سأمنح أذنى إلى عدد من دعاة الحياة الذين لا يتجرأون على الله ورسوله، ستجد عند هؤلاء أن بعض العوام يقولون لأحبائهم من الأقارب والأصدقاء حينما يزورونهم «إحنا زارنا النبى»، وهو قول حسن ليس فيه شىء.

وستجد عندهم أن المعنى المقصود من هذا التعبير أن الشخص الذى يقوم بالزيارة فيه قطعة من النبى أو صفة من صفاته. 

وستجد عندهم أنه لا يجب أن ننسى القاعدة التى يميل أصحابها إلى أنه «ما من مسلم إلا وفيه شىء من رسول الله». 

لن أتجاهل ما قيل عن زيارات النبى لمصر بشكل كامل بالطبع؟

لكن ما يشغلنى حقًا هو: لو أن هذه الزيارات حدثت فما الذى تركته من أثر فى حياة النبى وأفكاره؟