الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هامش على أزمة ندركها لكن لا نفهمها

ماذا دار فى حوار واقعى بين مسئول سيادى ومثقف كبير؟

افتتاحية العدد الخامس
افتتاحية العدد الخامس عشر

جلس أحد المثقفين الكبار مع أحد المسئولين الكبار بعد شهور قليلة من ثورة ٣٠ يونيو، ودار بينهما هذا الحوار: 

المثقف: لماذا تفتقدون الحس السياسى فى كل تقومون به؟، لماذا كل قراراتكم تفتقد إلى الخبرة السياسية؟ 

المسئول: سأفترض أن ما تقوله صحيحًا تمامًا، رغم أن لدىّ تحفظات كثيرة عليه، لكن ما رأيك أن تنصحنا بشىء نفعله أو قرار نصدره نظهر من خلاله فاهمين سياسة؟ 

المثقف: يمكنكم مثلًا أن تصدروا قرارات كثيرة، لكن الآن أعتقد أن قرارًا بالعفو عن مهدى عاكف سيكون مناسبًا. 

المسئول باندهاش شديد: نعفو عن مهدى عاكف؟ هل هذا معقول؟ وما السياسة فى ذلك باعتقادك؟ 

المثقف: هذا القرار يحقق ثلاث مصالح. 

ثورة ٣٠ يونيو

الأولى أنه شيخ طاعن فى السن والإفراج عنه سيكون لفتة إنسانية سيقدرها الجميع، فليس معقولًا أن يظل من هو مثله فى سجنه رغم ما يعانيه من أمراض الشيخوخة.

والثانية أن قواعد الإخوان التى تثير كل هذا القلق بالمظاهرات والاعتصامات والأعمال الإرهابية التى لا تنتهى يمكن أن تهدأ قليلًا، فعندما ترى قواعد الجماعة أن الدولة أقدمت على هذا القرار من تلقاء نفسها فإنها يمكن أن تقدره، ويمكن أيضًا أن تشعر بأن هذه بادرة جيدة للتصالح والتفاهم. 

الثالثة أن هناك دوائر إقليمية عديدة ساءها ما حدث مع الإخوان، وساءها أكثر ما حدث مع عاكف، ويمكن أن تجد فى الإفراج عنه رسالة إيجابية فتكف عن الحرب الإعلامية التى تشنها وتدعمها ضد مصر، بل يمكنها أن تتحول إلى داعم كبير لكل تحركات الدولة. 

المسئول: ما تقوله يحمل الكثير من المغالطات، لكننى سأعتبره فى النهاية وجهة نظرك الخاصة وأنت حر فيها بالطبع، لكن ما رأيك فى أن المصالح الثلاث التى تتحدث عنها يمكن أن تتحقق لو أفرجنا عن مبارك مثلًا؟ 

المثقف: وما هى السياسة فى ذلك؟ أنا أقول لك أفرجوا عن مهدى عاكف وأنت تحدثنى عن مبارك؟ الفارق كبير جدًا بينهما؟ 

المسئول: الفارق كبير فعلًا بينهما.. لكن هل تعرف أنه فى صالح مبارك وليس عاكف؟ 

المثقف: لا أتخيل أن تقول ذلك.. كيف يكون الفارق فى صالح مبارك بعد كل ما فعله؟ 

المسئول: ما رأيك أن أقول لك أولًا كيف تتحقق المصالح الثلاث التى تحدثت عنها إذا أفرجنا عن مبارك؟ 

المثقف: تفضل.. رغم أننى أسجل اعتراضى على ما ستقوله بشكل مبدئى أيًا ما يكون. 

المسئول: اصبر علىّ كما صبرت عليك، لا أريدك أن تتعجل، فالإفراج عن مبارك سيحقق للدولة نفس المصالح. 

الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك

الأولى أن مبارك أيضًا رجل طاعن فى السن ويعانى من أمراض الشيخوخة هو الآخر، والإفراج عنه سيكون لفتة إنسانية يقدرها الجميع، فالدولة تتسامح معه رغم كل ما فعله لا لشىء إلا أنه رجل فى نهايات عمره. 

الثانية أن هناك أيضًا من نعرفهم بأبناء مبارك، وهم عدد لا بأس به فى الشارع، صحيح أن غضبهم مكتوم ولم يترجموه إلى أعمال فوضى كما يفعل الإخوان، لكنه على أى حال غضب موجود ويمكن أن ينفجر فى وجوهنا فى أى لحظة، كما أن هناك دوائر فى مؤسسات الدولة لا يعجبها ما يحدث مع الرئيس السابق، ولو أفرجنا عنه يمكن أن نهدئ من الصخب الذى يثيره هؤلاء. 

الثالثة أن هناك دوائر إقليمية وعربية ساءها أيضًا ما يحدث مع مبارك، وهى دوائر أكبر وأوسع من الدوائر التى ساءها ما يحدث مع الإخوان ومهدى عاكف، ولو أفرجنا عن مبارك فإن هذه الدوائر يمكن أن تدعم مصر أكثر بل يمكنها أن تقدم لنا ما لا نحلم به. 

المثقف: اسمح لى الأمر يختلف... وليس فيما تقوله أى سياسة... اسمح لى أنت لا ترى الصورة كاملة كما أراها كمثقف يختلط بالشارع ويعرف ما يقوله الناس على المقاهى. 

المسئول: قبل أن تختلف معى وتدّعى أن ما أقوله ليس فيه أى سياسة، أريد أن أحدثك عن تحفظاتى على ما قلته عن مهدى عاكف... وعن أن الفارق بينه وبين الرئيس السابق فى صف مبارك... هل تسمح لى؟ 

المثقف: أسمح لك بالطبع مع حقى فى التعليق على ما تقول. 

المسئول مبتسمًا بسخرية: مهدى عاكف فى النهاية ينتمى إلى جماعة إرهابية، فعل مثل ما فعلوه جميعًا، حرّض على العنف، وعمل على تمكين الجماعة، ثم إنه هو الذى قال «طظ فى مصر»، هل تنسى ما قاله وهو يقول إن المسلم الماليزى أقرب إليه من المسيحى المصرى، وأنه لا يمانع فى أن يحكمه أى مسلم مهما كانت جنسيته؟... فهو رجل لا يعرف معنى الوطن. 

مهدى عاكف 

المثقف: وهل مهدى عاكف فى السجن لأنه قال «طظ فى مصر»؟ 

المسئول: رغم أن هذه الكلمة كافية لمحاكمته، ولا أعرف كيف لم يقدم إلى المحاكمة وقتها، وأين كانت الدولة مما قاله، لكنه ليس مسجونًا من أجل هذه الكلمة الآن، هناك اتهامات واضحة بحقه ينظرها القضاء، النيابة حققت وأحالت إلى القضاء، وأنت ترى بعينيك محاكمته ضمن آخرين من أعضاء جماعته. 

المثقف: لكنه لم يخطئ فى حق مصر كما أخطأ مبارك؟ 

المسئول: هذه مغالطة كبيرة بالفعل، وهذا رأى كثيرين، لكن فى النهاية القضاء هو الذى يفصل فيما ارتكباه من جرائم، وكل من أخطأ فى حق مصر سيدفع ثمن خطئه، لن يفلت أحد من العقاب. 

المثقف: أنا أحدثك عن قرار عاجل سيكون له أثر إيجابى فى الشارع؟ 

المسئول: عن أى شارع تتحدث؟ ولماذا تعتقد أنك كمثقف تدّعى أنك تختلط بالناس أنك تعرف ما يدور فى البلد أكثر منّا؟ لماذا تظن أننا نعيش فى عزلة؟ لدينا الآن أجهزة عديدة ترصد كل ما يحدث فى الشارع، ولدينا إدارات بها باحثون على درجة عالية من الكفاءة يمكنهم أن يضعوا أيدينا على صورة الشارع كاملة، نحن لا نتحرك فى فراغ أو من فراغ، وعندما نأخذ قرارًا فإننا لا نفعل ذلك عشوائيًا.. يبدو أنك لا تعرف الكثير عن الدولة المصرية. 

المثقف: هذا اعتقادك.. أنت تريد تهميش دور المثقف.. لا تريد الاستعانة به أو أخذ رأيه، أنا أحدثك عما يتحدث فيه الناس. 

المسئول: ما تقوله ليس ما يقول به الناس، ثم إنك تخلط الأمور.. تريد منّا أن ننافق قواعد الإخوان، أن نصدر قرارًا لتهدئتهم وكسب ودهم، وتنسى أننا نتعامل مع جماعة إرهابية، رفعت السلاح فى وجه الدولة، تخطط للتخريب، تسعى إلى لىّ ذراع الدولة، تريد أن ترهقها وتنهكها حتى تستسلم لها وتنزل على ما تريده، رغم أنك من المفروض أن تطالبنا بأن نطبق القانون فى حده الأقصى على هؤلاء المخربين لا أن نتفاوض معهم.. هل تتصور أن دولة يمكن أن تتفاوض مع جماعة؟ 

المثقف: أنا لا أقول لك إن هذا فعل نهائى.. يمكن أن يكون عملًا مرحليًا، تهدأ الأمور ثم بعد ذلك يكون لكل حدث حديث. 

المسئول: هذا هو الفارق بينى وبينك.. أنت تريد أن نعالج المشكلة بالمسكنات التى لا تنهيها بل تؤجلها فقط، أما أنا فأريد أن أضع علاجًا نهائيًا وكاملًا للمشكلة حتى لا تتفاقم وتتحول إلى كارثة. 

المثقف: نحن نفهم هذه الجماعة جيدًا.. ونعرف كيف نتصدى لها؟ 

المسئول: هراء.. اسمح لى أن أقول لك إن ما تقوله الآن مجرد هراء.. فأنت وكثير من المثقفين لا يعرفون شيئًا عنها، ولا يدركون مدى الخطر الذى تمثله، وإلا ما كنتم رميتم أنفسكم فى حضنها أكثر من مرة، ولما كانت هناك كل هذه التفاهمات معها، أنتم تتهمون نظام مبارك بأنه تواطأ مع الجماعة الإرهابية، ورغم أنه فعل ذلك ولا أنكره، لكن تواطؤ المثقفين معها كان أخطر، أنتم منحتم إرهابيين شرعية تحركوا بها فى الشارع وبين الناس.. أنتم ارتكبتم خيانة كاملة فى حق هذا الوطن. 

المثقف: ليس معقولًا أن تصادر الوطنية لنفسك.. وليس منطقيًا أن تكون أنت الوطنى وأنا لست كذلك. 

المسئول: دعك من هذه الطنطنة الفارغة.. هذا الكلام لم يعد يرهبنا فى شىء، أنت تعلم أنه ليس حثيثيًا بالمرة، أنا لا أصادر شيئًا، ولا أدّعى شيئًا، أنا فقط أتحدث عن وقائع بعينها، عن جلسات وحوارات ولقاءات وتنسيقات، فبدلًا من أن يعزل المثقفون الجماعة ويبتعدوا عنها، ذهبوا إليها وصفقوا لها ودافعوا عن كل ما تقوم به، فهل هذا معقول؟ 

مصر

نسى كثير من المثقفين مسئوليتهم فى الدفاع عن هوية هذا الوطن

المثقف: الدولة هى التى أدت بنا إلى ذلك بتصرفاتها؟ 

المسئول: أنت تغالط ولا تقول الحقيقة.. لقد نسيت كما نسى كثير من المثقفين مسئوليتهم فى الدفاع عن هوية هذا الوطن.. تركتم الجماعة تعبث فى العقول لسنوات طويلة، لم تقوموا بدوركم، والنتيجة أراها الآن، فأنت تتعاطف معها، ومع واحد من كبار إرهابييها، وتريدنا أن نفرج عنه ضاربًا عرض الحائط بالقانون وما يستوجبه. 

المثقف: أنا لست متعاطفًا، أنا فقط أبحث عن مخرج لما نحن فيه؟ 

المسئول: للأسف الشديد رؤيتك قاصرة وجزئية، أنت لا ترى الصورة كاملة، لا تعرف ما حدث فى ٣٠ يونيو جيدًا، يبدو أنك عجزت عن فهم ما قام به الناس، ولذلك تحدثنى عن تفاهمات ومصالحات قادمة، لا تدرك أن الخلاف أصبح مبدئيًا، ولا يمكن التراجع، أنت لا تعى أن الأحداث تقودنا إلى المستقبل، وأن الماضى أصبح ذكرى. 

المثقف: أعتقد أن التجارب السابقة تؤيد ما أذهب إليه فيما يخص المصالحات.. ألا تذكر ما جرى؟ 

المسئول: أذكره جيدًا.. لكن من قال إن التجارب السابقة كانت ناجحة أو صحيحة؟، وهل من الطبيعى أن نستسلم لما سبق من التجارب لمجرد أنها حدثت؟.. ماذا فعلت الجماعة بعد أن تصالح معهم الرئيس السادات؟ لقد قتلوه، هل تريد أن تعود الجماعة لتقتل الجميع؟ 

المثقف: الزمن تغير. 

المسئول: الزمن تغير لكن الجماعة لم تتغير، وهو ما يجعلنى أشك فى رؤيتك كلها، ولا أنصت لكل ما تقوله، بل يجعلنى أخاف على البلد من رؤية المثقفين أمثالك، لأنها رؤية قاصرة غير ناضجة وغير مستوعبة لما يحدث على الأرض. 

المثقف: أرى تعاليًا فى كلامك.. المثقف سيظل محتفظًا بدوره، وبقدرته على رؤية الأحداث بشكل حقيقى، يستطيع أن يحلل ويفسر ما يجرى تأسيسًا على ما يشاهده ويسمعه فى الشارع. 

المسئول: للأسف الشديد ما قلته يؤكد لى أن كلامك ليس صحيحًا، ولو فرضت وسرت وراء ما تريده فأنا بذلك أنتحر سياسيًا، ثم لماذا تريد هدم دولة القانون؟ لماذا تريد هدم الدولة من أساسها؟

عنف الاخوان

المسئول للمثقف: أنتم منحتم إرهابيين شرعية تحركوا بها فى الشارع وبين الناس

المثقف: هذا اتهام ظالم.. أنا لا أقبله. 

المسئول: تقبله أو لا تقبله هذا شأنك.. أمر يخصك وحدك، لكنك لم تفهم أنك باقتراحك تهدم دولة القانون التى نريد تأسيسها، لقد قام الشعب بثورة، وكان يمكننا أن نأخذ من هذه الثورة حجة لمحاكمات ثورية لكل قيادات الجماعة الإرهابية، لكننا لم نفعل ذلك، تركنا الأمر للقانون، إنهم يقفون الآن أمام المحاكم الطبيعية، يرى القانون فيهم ما يراه، وأنت تريدنا أن نتدخل وأن نصدر قرارًا بالإفراج، أليس فى هذا إهدار لقيمة القانون؟ ما الذى تريدون بالضبط؟ تريدون دولة قانون أم فوضى يفعل فيها كل من يريد شيئًا ما يرغبه؟ 

المثقف: أنت لم تفهمنى. 

المسئول: أنا لا أريد أن أفهمك.. أو للدقة لا أريد أن أصدق أن هذه هى السياسة التى تريدنا أن نعمل بها، سياسة منافقة ومراوغة وغير واضحة، سياسة تتملق الخصوم الإرهابيين حتى نتقى شرهم، مشكلتك أنك لا تريد أن ترى الدولة التى لا بد أن تكون حاضرة، وهذا ما يزعجنى فيما تقول. 

المثقف: هل معنى ذلك أنك تريد الإفراج عن مبارك أو ترى أنه الأفضل؟ 

المسئول: هذه مشكلتك الحقيقية، أنت لم تفهم ما قلته لك، نحن لن نفرج عن مهدى عاكف كما لن نفرج عن مبارك، فالأمر كله أمام القضاء يرى فيهما ما يرى، وساعتها سنخضع جميعًا لما يقوله القضاء، لكن مشكلتى فيك أنت، كيف يمكن لى أن أثق فى أى شىء تقوله وأنت تفكر بهذه الطريقة؟، صدقنى أنت تعزل نفسك بعيدًا، ثم تصرخ من أننا لا نقدرك ولا ننصت لأفكارك. 

المثقف: هل معنى ذلك أنك تريدنى أن أصمت.. ألا أتحدث.. ألا أدلى برأيى.. ألا أقدم أفكارًا أرى أنها فى صالح البلد. 

المسئول: على العكس تمامًا.. أنا أهتم بما تقول وإلا لما طلبت الحديث معك.. ولا أريدك أن تقول ما أريده فقط، لكن ليس معنى ذلك أن أسلم لك بما تقدمه لى، لكن المشكلة أنك لا تزال أسير فترة ماضية كانت لها قواعدها، الآن القواعد تغيرت لكن أنت لم تتغير.. وهذه هى مشكلتك ومشكلتنا. 

المثقف: على أية حال.. أنا قلت ما عندى وما أرى أنه صحيح. 

المسئول: هذه مشكلة ثانية، أنت لم تفكر فيما قلته لك.. بعد كل نقاشنا لا تزال عند رأيك، وأعتقد أننا من الصعب أن نتفاهم.. ابحث عن طريق يجمعنا، وتأكد أننى سأكون موجودًا، لأننى أريد أن نلتقى.. ودون ذلك فأنا أخاف على البلد منكم أكثر مما أخاف عليها من الإخوان. 

قد تعتقد أن هذا حوار خيالى اخترعته من عندى، الحوار حقيقى ودار بالفعل، وليس لى تعليق عليه، ولكن أترك لكم التعليق.