محمد العسيرى: سائق تاكسى أضاع على عمار الشريعى العزف وراء أم كلثوم
«كان أقسى ما يؤلم عمار الشريعى عند قدومه للمرة الأولى من المنيا إلى القاهرة، فُراقه لصوت والدته الذى لا يتوقف عن هدهدته بالغناء الفلكلورى، وصوت الفلاحين الذين يمرون إلى جانب سور منزلهم فى سمالوط، وكان يحلم أن يلامس أياديهم».. بهذه الكلمات لخص الكاتب الصحفى والشاعر محمد العسيرى بدايات الموسيقار عمار الشريعى، الذى قضى ٥ سنوات فقط فى مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، قبل أن ينتقل إلى القاهرة، مشيرًا إلى أن والدة «عمار» أحد المفاتيح السحرية إلى قلبه، ويبقى المفتاح الثانى هو عائلته وأهله.
وأوضح «العسيرى»، لـ«حرف»، أن والد «عمار» أحد كبار أعيان الصعيد الذين يعملون فى تجارة الخيول، وكان نائبًا لدائرة سمالوط فى مجلس الأمة حينذاك، لينشأ الموسيقار الكبير فى بيت سياسى مخضرم، سواء أقاربه أو والده الذى لم يقبل فكرة أن يجلس ابنه لمجرد أنه فقد بصره بسبب مرض فى عصب العين، فقرر أن يعلمه على طريقة طه حسين، فقد يصبح خليفته، وألحقه بمدرسة تابعة للمعونة الأمريكية.
موقف غريب في حياة الشريعي
وأضاف «العسيرى» أن «عمار» حكى له، فى تسجيل خاص، أن مدرسته كانت مدرسة داخلية توفر له كل شىء، حتى نوع الأكل، ولكونه نباتيًا لا يأكل اللحوم، كانوا يمنحونه جبنًا وعسلًا وكوب لبن كل صباح، حتى اكتشف معلمه عبدالله محسن قدراته الموسيقية المبكرة فألحقه بدراسة الموسيقى، وأرسله إلى معهد أمريكى «هارل سكول»، فالتحق للدراسة به، وقد كان تعلم العزف على «الإكسيليفون» و«الأوكورديون»، ثم تركهما وذهب لتعلم العود بمفرده، ثم البيانو، وكتابة النوتة، وهو لم يصل إلى الرابعة عشرة بعد، ومن هُنا بدأت الحكاية.
وكشف عن موقف غريب فى حياة عمار الشريعى، وهو ضياع فرصته فى العزف وراء أم كلثوم، على يد سائق تاكسى، قائلًا: «خلال جلسة معه، فى منزله بمنطقة المنيل، قال الشريعى: جاتلى فرصة أشتغل مع أم كلثوم ودى أكبر جائزة لأى عازف، اختارونى وقتها مكان عازف أورج غاب عن البروفة، واللى معاه أورج وقتها كان لُقطة، وخلصت النمرة بتاعتى فى ملهى رمسيس، والعمال حطوا الأورج فوق التاكسى اللى ركبته، ووصلت بيت أم كلثوم عشان البروفة، نزلت من التاكسى وأنا مش عارف هاعمل إيه دماغى كلها إزاى هاتعامل مع الست دى طبعًا ما أخدتش بالى إن التاكسى مشى ومعاه الأورج وضاعت الفرصة». وواصل «العسيرى»: «عمار الشريعى لم ييأس بعد ضياع فرصة التلحين لأم كلثوم، حيث قامت إحدى الراقصات اللاتى كان يعزف لهُن بطرده من العمل معها، ليعمل مع مها صبرى التى طلبت منه أن يلحن لها، وكانت (امسكوا الخشب يا حبايب) أول أغنية فرح وأول لحن يقدمه للناس».
هواية غريبة
وأشار إلى هواية غريبة لدى «عمار»، فالراحل كان «سبعة صنايع» على حد وصفه، مشيرًا إلى أنه كان يحب إصلاح أعطال الكهرباء، هكذا فعلها فى بيت كمال الطويل، وفى الاستديوهات، وفى منزله، عشرات المرات، وعلاقته الغريبة بالتكنولوجيا لم تكن مجرد هواية فقط، وهو دائمًا يبحث عن الغريب والمختلف.
وتابع: «فقده لبصره منذ الطفوله دفعه للاعتماد على حواس أخرى لكى يستطيع التعامل والتعايش اليومى، حيث كانت لديه مهارة فائقة فى تحديد الأماكن عن طريق رائحة بعضها أو رنين الأصوات، كما أنه كان عاشقًا لسماع القرآن الكريم من القارئ الراحل عبدالباسط عبدالصمد، ومتابعًا جيدًا لمباريات كرة القدم عن طريق التلفاز».