أحمد بدران يكتب: رمسيس الثانى لم يمت بـ«إسفكسيا الغرق».. والدليل تحليل المومياء
ربما لتحسين الصورة الإسرائيلية قامت منصة نتفليكس بطرح مسلسل «الوصية: قصة النبى موسى»، والمسلسل درامى وثائقى من ٣ حلقات، الحلقة حوالى ساعة ونصف الساعة، ويعرض المسلسل فى أكثر من ٥٠ دولة حول العالم، بما فيها المنطقة العربية، والمسلسل يعتمد على طريقة «الديكو دراما»، أى جزء سردى يظهر فيه علماء ومتخصصون يعرضون الرواية التاريخية، وجزء آخر درامى تمثيلى يؤدى فيه الممثل الإسرائيلى «آفى أزولاى» دور النبى موسى.
المسلسل يحكى قصة النبى موسى برؤية لاهوتية توراتية بشكل كبير مع الاستعانة بمصادر دينية من الأديان الثلاثة، وهو إنتاج تركى تم تصويره فى المغرب والحوار فيه باللغة الإنجليزية.
قصة سيدنا موسى
يركز المسلسل على فكرة أن بنى إسرائيل هم شعب الله المختار والأمة المقدسة بين الأمم والشعوب، ومحاولة إثبات شرعية الوجود على الأرض المباركة.
وتعد قصة سيدنا موسى من أكثر الروايات التى تثير الجدل فى التاريخ، وتناولها العديد من الأفلام والمسلسلات منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن، على سبيل المثال فيلم «الخروج» للمخرج العالمى ريدلى سكوت، الذى ناله العديد من الانتقادات ومُنع من العرض فى مصر.
ولعل من أبرز الملاحظات على هذا المسلسل التى تثير الجدل والاعتراض أيضًا، أن صناع المسلسل قد أشاروا إلى أن الملك المصرى الأشهر فى الحضارة المصرية القديمة «رمسيس الثانى» هو فرعون الخروج، وهو طرح ليس له أى دليل أثرى أو تاريخى يثبته أو يؤكده، كما أن الدراسات والفحوصات التى تمت على مومياء الملك رمسيس الثانى، المحفوظة حاليًا فى المتحف القومى للحضارة المصرية فى الفسطاط، لا تثبت أن وفاة الملك كانت بإسفكسيا الغرق فى البحر.
كما أن فرعون الذى ذكر فى القرآن الكريم كان عقيمًا، أما رمسيس الثانى فلديه ما يزيد على ١٢٠ ولدًا وبنتًا، وعثر مؤخرًا على مقبرتهم فى وادى الملوك.
الإشكالية الأخرى أن المسلسل يشير إلى أن المرأة التى أنقذت النبى موسى من النهر، بعد أن ألقته أمه فى اليم تنفيذًا لأمر الله، هى ابنة فرعون الملك المصرى آنذاك، وهو ما يتعارض مع ما ورد فى القرآن الكريم الذى تحدث عن امرأة فرعون التى هى زوجته، وهى التى التقطت موسى وربته.
كما يتبنى المسلسل فكرة كثرة عدد اليهود فى مصر وأن لهم دورًا فى بناء الحضارة المصرية، بينما الدراسات الأثرية والتاريخية والمصادر المؤكدة تشير إلى قلة عددهم فى مصر وأنهم عاشوا فى أقصى جنوب مصر فى جزيرة إلفنتين، وعبدوا إلهًا مناوئًا لمعبودات المصريين القدماء وهو المعبود «يهوه».
ولم تثبت المصادر والشواهد الأثرية أى دور لليهود فى بناء الحضارة المصرية، بل إن بعضهم كانوا عبيدًا يعملون فى منازل المصريين وليس المشروعات الإنشائية الكبرى.
الكثير من التحريف
فى النهاية، المسلسل فيه الكثير من التحريف لقصة سيدنا موسى وبرؤية مغايرة لقصة النبى موسى فى الإسلام والقرآن، فمثلًا يُظهر المسلسل أن سيدنا هارون هو من صنع العجل وقت غياب سيدنا موسى عن بنى إسرائيل مدة أربعين يومًا، وهو عكس ما أخبرنا به القرآن الكريم.
والجدير بالذكر أن منصة نتفليكس دأبت على إثر الجدل وتزييف الحقائق التاريخية لتدعيم ادعاءات بعض الجماعات مثلما حدث فى فيلم «كليوباترا» الذى عُرض منذ أشهر قليلة على نفس المنصة، متبنيًا وجهة نظر وادعاءات الأفروسنتريك عن الحضارة المصرية، ما أدى إلى فشل العمل فشلًا ذريعًا وتم التصدى لهذا التزييف من قِبل علماء الآثار والتاريخ فى مصر والعالم.