أخطأت يا د. زاهى
3 دلائل أثرية لا تقبل الشك على مسار النبي موسى فى سيناء
الجزء الثانى من حديث الدكتور زاهى حول إنكاره، أثريًا، وجود النبى موسى ومن ثم مساره فى مصر، فإننى فى البداية أشير إلى تصريح الدكتور زاهى بمنطقة سانت كاترين، أمام الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، بأن هناك من يدعى بوجود جبل موسى خارج سيناء رافضًا هذا الادعاء، بما يعنى اعترافه بوجود جبل موسى ومسار نبى الله موسى بسيناء، وبعدها بأسابيع يأتى هذا التصريح الذى يخالف توجهات الدولة ومشروعها الضخم «التجلى الأعظم» المؤسس على مسار نبى الله موسى، وتأكيد رحلة الخروج المرتبط بتلقى ألواح الشريعة من على جبل المناجاة بالوادى المقدس وجبل التجلى المواجه لجبل موسى وموقعهما سانت كاترين حاليًا.
وبعيدًا عن الحقائق الدينية الثابتة، التى لا تحتاج إلى إثباتات تاريخية أو أثرية، فقد أكدت تاريخيًا وأثريًا، وباعتراف اليونسكو، مسار نبى الله موسى بسيناء، فى كتابى «التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى»، إصدار دار أوراق للنشر والتوزيع، استنادًا إلى 3 دلائل مادية.
عيون موسى
عيون موسى تقع على بعد ٣٥ كم من نفق أحمد حمدى وعددها ١٢ عينًا، وقد أثبتت الدراسات الحديثة التى قام بها فيليب مايرسون أن المنطقة من السويس حتى عيون موسى منطقة قاحلة جدًا وجافة، ما يؤكد أن بنى إسرائيل استبد بهم العطش بعد مرورهم بكل هذه المنطقة حتى تفجرت لهم العيون وكان عددها ١٢ عينًا بعدد أسباط بنى إسرائيل كما جاء فى القرآن الكريم.
ولقد وصف الرّحالة الذين زاروا سيناء فى القرنين ١٨، ١٩م هذه العيون، ومنهم ريتشارد بوكوك الذى وصف أربعة عيون واضحة ومياهها صالحة للشرب، وهى عبارة عن آبار أنشئت على العيون فى عصور لاحقة، مثل العين التى تفجرت للسيد المسيح فى تل بسطة وأقيم عليها بئر رومانى وعند العمل فى البئر ظهرت العين، وقد تغطت باقى آبار عيون موسى المقامة على العيون بالرمال، كما وصف أشجار النخيل بالمنطقة ٧٠ نخلة المذكورة فى الكتاب المقدس العهد القديم.
وقد تم تطوير سبع عيون والمتبقى خمس عيون، وكانت جميعها مياهًا عذبة، وقد ثبت ذلك بتحليلها بمعرفة المجلس الأعلى للآثار، وكانت تتزود منها قوافل الحج المسيحى والإسلامى، وكان هناك ميناء على خليج السويس قرب عيون موسى استغله العثمانيون وتجار البندقية (فينيسيا) عام ١٥٣٨م أيام السلطان العثمانى سليمان الثانى وقاموا بإنشاء قناة لنقل المياه من عيون موسى إلى مراكبهم بالميناء، وبالتالى فهذه العيون هى دليل مادى ملموس.
شجرة العليقة المقدسة
شجرة العليقة المقدسة الموجودة حاليًا بدير سانت كاترين هى الدليل المادى الثانى، وهى الشجرة التى ناجى عندها نبى الله موسى ربه، وذلك لأن هذا النوع من نبات العليق لم يوجد فى أى مكان آخر بسيناء، وهى شجرة غريبة ليست لها ثمرة وخضراء طوال العام، كما فشلت محاولة إعادة إنباتها فى أى مكان فى العالم.
كما أن العالم الألمانى ثيتمار الذى زار دير سانت كاترين عام ١٢١٦م أكد أن العديد من المسيحيين عبر العصور أخذوا أجزاء من هذه الشجرة كذخائر للتبرك بها، ولو نجحت محاولات استزراعها لتهافت على ذلك الجميع. ويضم دير سانت كاترين حاليًا كنيسة يطلق عليها كنيسة العليقة المقدسة بنتها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى عند شجرة العليقة المقدسة، وعند بناء الإمبراطور جستنيان لدير طور سيناء فى القرن السادس الميلادى، والذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى بعد العثور على رفاة القديسة كاترين على أحد جبال سيناء الذى حمل اسمها، أدخلها جستنيان ضمن الكنيسة الكبرى بالدير كنيسة التجلى، وهى كنيسة العليقة الملتهبة التى تنخفض أرضيتها ٧٠ سم عن أرضية كنيسة التجلى ومساحتها ٥م طولًا، ٣م عرضًا، وتحوى مذبحًا دائريًا صغيرًا مقامًا على أعمدة رخامية فوق بلاطة رخامية تحدد الموقع الحقيقى للشجرة، ويقال إن جذورها لا تزال باقية فى هذا الموقع، وهذه الشجرة أصلها داخل الكنيسة وأغصانها خارجها ولا يدخل هذه الكنيسة أحد إلا ويخلع نعليه خارج بابها تشبهًا بنبى الله موسى عليه السلام عند اقترابه من العليقة.
جبل موسى
جبل موسى ذو الطبيعة الجلمودية الصخرية وجبل التجلى المواجه له ذو الطبيعة الركامية كعلامات للدك، هما دليل أثرى دامغ أكدته الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين حين جاءت إلى الوادى المقدس فى القرن الرابع الميلادى بعد زيارتها القدس وبنت فى حضن شجرة العليقة المقدسة كنيسة صغيرة تحت مذبحها جذور هذه الشجرة، وقد أصبحت من وقتها أرض سيناء بقعة مقدسة للحجاج المسيحيين من شتى أرجاء العالم. وبعد دخول الإسلام إلى مصر أصبحت بقعة مباركة يحرص المسلمون على زيارتها فى رحلة الحج بالطريق البحرى إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة، وكانوا يبحرون على نفس سفينة الحجاج المسيحيين من ميناء القلزم «السويس حاليًا» إلى ميناء الطور المملوكى، ومنها يعبرون سويًا وادى حبران إلى الوادى المقدس طوى لزيارة جبل موسى وشجرة العليقة المقدسة والصلاة فى الجامع الفاطمى داخل الدير، وقد تركوا كتابات تذكارية داخل الجامع ما زالت باقية ثم يعودون إلى ميناء الطور لاستكمال الرحلة إلى جدة، ويظل الحجاج المسيحيون بالدير لاستكمال رحلة الحج ومنهم من يتوجه من سيناء إلى القدس.
ثم أكد ذلك أثريًا الإمبراطور جستنيان حين بنى بهذه البقعة أشهر أديرة العالم فى القرن السادس الميلادى دير طور سيناء تبركًا بجبل الطور بالمنطقة، وتوجد وثيقة بمكتبة الدير عن إنشاء الدير وارتباطه بشجرة العليقة المقدسة، وما زال ختم مطران الدير حتى الآن باسم دير طور سيناء وقد أدخل كنيسة العليقة المقدسة داخل أسوار الدير. ثم أكدت اليونسكو عام ٢٠٠٢ وجود الجبل والشجرة بهذه البقعة حين سجلت منطقة سانت كاترين، وتضم الجبل والدير وكل مدينة سانت كاترين الحالية كمدينة مقدسة لها قيمة عالمية استثنائية، تراث عالمى باليونسكو.