الجمعة 22 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

خبر سار للناشرين المصريين.. قطع الطريق على مزورى الكتب نهائيًا

افتتاحية العدد الثالث
افتتاحية العدد الثالث

لسنوات طالت عانت صناعة النشر فى مصر من مافيا التزوير. 

قبل ثورة يناير ٢٠١١ كان تزوير الكتب يتم فى الخفاء، من يقدم على ذلك يتخفى، فهو يقوم بعمل ضد القانون، عملية سرقة مقننة، يسطو أحدهم على كتاب أصدرته دار نشر، وبمنتهى انعدام الضمير يقوم بضرب الكتاب- اسم الدلع للتزوير- ثم يدفع به إلى الموزعين الذين يقومون ببيعه على مزاجهم الخاص، فقد حصلوا عليه بسعر أقل من السعر الذى تحدده دار النشر، وعليه فأى سعر يبيعونه به هو مكسب. 

كان المزورون قبل ثورة يناير ينفون عن أنفسهم هذا العمل الشائن، لكن بعد الثورة توحشوا، أصبح بعضهم يتباهى بما يفعل، كانوا يعلنون عن أنفسهم ببساطة ويعرضون كتبهم دون خوف من قانون أو خشية من عقاب، بل بدأوا يدافعون عن أنفسهم بأنهم يوفرون الكتب بأسعار مناسبة للقراء الذين تستبد بهم دور النشر الرسمية. 

كان توحش مافيا التزوير ترجمة واضحة لحالة الفوضى والاضطراب التى عاشتها مصر فى أعقاب يناير ٢٠١١، فقد اختل الميزان وتشوهت القيم، أصبح الباطل حقًا والصحيح خطأ والتزوير شطارة. 

زادت سطوة المزورين بسبب انشغال أجهزة الدولة المختلفة بمواجهة تحديات تتعلق بالأمن القومى، فقد فرضت الأحداث المتوالية على الجميع الاصطفاف فى خندق واحد ضد محاولات سرقة الدولة واختطافها. 

عندما انتبهت الدولة إلى خطورة ما تقوم به هذه المافيا، وضرر ما تفعله على صناعة مهمة كانت حتى وقت قريب أحد مصادر دخلنا القومى، بدأت تطارد المزورين، لكن ولأن من يقومون بالتزوير أصبحوا دولة داخل الدولة فقد نجحوا فى الإفلات من الرصد والتعقب، طوروا أدواتهم وسلكوا طرقًا مختلفة ليحافظوا بها على تجارتهم الحرام. 

كانت شكوى الناشرين المصريين من مافيا التزوير لا تنتهى، أحدهم قال لى إن ما يحدث خراب بيوت، وسيأتى الوقت الذى يمكن أن نتوقف عن النشر، فكلما صدر كتاب مهم يلقى رواجًا تقوم مافيا التزوير بضربه، بل إنهم وصلوا إلى ضرب الكتب فى نفس يوم صدورها، حيث يحصلون عليها بطرق ملتوية من المطابع أو بعد إيداع نسخها مباشرة فى دار الكتب، وهذا ملف أعتقد أنه فى حاجة إلى اقتحام جرىء ومحاسبة من تورطوا فيه. 

كان الحل بسيطًا، ففى مناقشات ممتدة مع عدد من الناشرين، كانوا يقولون إن الدولة يمكنها أن تحمى هذه الصناعة بقرار بسيط، وهو إلزام شركات شحن الكتب أن تحصل على موافقة من دار النشر الأصلية التى نشرت الكتاب بتصديره، وكانوا يتعجبون من عدم إقدام الدولة على اتخاذ هذا القرار الذى يحفظ لهم حقوقهم، ويحافظ على صناعة النشر. 

منذ أيام صدر هذا القرار بالفعل، فلن تستطيع أى شركة شحن تصدير أى كتاب إلى الخارج إلا بعد الحصول على موافقة رسمية من دار النشر التى أصدرت الكتاب، لأنها- وهذا منطقى- صاحبة الحق الوحيد فى التصرف فى كتابها، وهو ما يعنى أن مزورى الكتب لن يستطيعوا تصدير الكتب التى يقومون بضربها. 

لقد انتبهت الدولة لخطورة ما كان يحدث، أدركت أننا أمام عملية إضرار كاملة ليس بمستوى النشر فقط، فالذين يقومون بتزوير الكتب لا يهتمون بجودة الكتاب، وهو ما أدى إلى تراجع سُمعة الكتاب المصرى فى العالم العربى، ولكن بالاقتصاد المصرى، فالكتاب سلعة مهمة يمكن أن يعود تصديرها علينا بالعملة الصعبة، وهو ما دفعها إلى اتخاذ هذا القرار، الذى- وكما علمت- سيتم تنفيذه بمنتهى الصرامة. 

لقد أورثتنا سنوات الفوضى التى عشناها بعد يناير ٢٠١١ خللًا كبيرًا فى مفاصل الدولة المختلفة، وهو ما يعترف به الجميع. 

هذا ليس مهمًا، المهم... أننا انتبهنا لمواطن الخلل وبدأنا فى علاجه.