الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رئيس «الفنون التشكيلية»: نحن قطاع بلا أنياب

الدكتور وليد قانوش
الدكتور وليد قانوش

 - نحتاج إلى تعديلات تشريعية لضبط الميادين وإنهاء ظاهرة «التماثيل المشوهة»

-   13 ألف عمل فنى فى المخازن.. ولا يمكن توزيعها على متاحف المحافظات

 - أهداف وآليات «المعرض العام» تحتاج إلى إعادة نظر بشكل كامل

- اخترنا نظام الدعوات المفتوحة من أجل تمثيل أكبر للمشهد التشكيلى

منذ افتتاح دورته الـ44، فى أوائل يونيو الماضى، يواجه المعرض العام، الذى ينظمه قطاع الفنون التشكيلية، برئاسة الدكتور وليد قانوش، حتى 31 يوليو الجارى، الكثير من الانتقادات، على رأسها بعض أعضاء لجان التحكيم بأعمالهم فى المعرض.

ومن الانتقادات الأخرى التى واجهها المعرض وجود شركة راعية للمرة الأولى، واستحواذها على 25% من قيمة بيع أى عمل فنى، فضلًا عما أثير عن تخصيص «أماكن مميزة» لعرض أعمال فنانين بعينهم، وغيرهما الكثير.

«حرف» وضعت كل هذه الانتقادات والملاحظات أمام الدكتور وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، للرد عليها وبيان حقيقتها بشىء من التفصيل، إلى جانب حديث آخر عن جماليات الشارع المصرى، ودور قطاع الفنون التشكيلية فى ذلك، فكان هذا الحوار.

الدكتور وليد قانوش

■ بداية.. كيف ترى الانتقادات الموجهة إلى المعرض العام للفنون التشكيلية فى دورته الـ٤٤؟

- منذ أن توليت مسئولية قطاع الفنون التشكيلية، منذ عام ونصف العام تقريبًا، كان المعرض العام من أهم الموضوعات التى أركز عليها وأدرسها، لأنه دائمًا ما يواجه فى كل عام انتقادات عديدة، ولن يخلو منها طالما استمر بنفس الآليات والأهداف القديمة، ولم يُعد النظر فيها بشكل كامل.

لذلك بذلنا جهودًا كبيرة للوصول إلى معرض عام مختلف بأقل سلبيات ممكنة، وللعلم موعد افتتاح المعرض العام هو منتصف مايو من كل عام، لكننا أجلنا افتتاح الدورة الـ٤٤ إلى يونيو، حتى يمكن دراسة كل ما يتعلق به باستفاضة.

ومن الإجراءت التى اتبعناها فى ذلك لقاؤنا مع مسئولى المعرض العام فى دوراته الخمس السابقة، لمعرفة ملاحظاتهم ومقترحاتهم، إلى جانب لقاءات مماثلة مع عدد كبير من الصحفيين والنقاد، والذين حصلنا منهم على مجموعة من التوصيات الأخرى.

أيضًا طرحنا استبيانًا لمدة شهر، عبر صفحة قطاع الفنون التشكيلية على «فيسبوك»، لتلقى مقترحات بشأن صالون الشباب والمعرض العام، لكن للأسف كان التفاعل معه محدودًا جدًا، ما عدا فنانًا واحدًا ممن يُعتد بهم قدم مقترحاته، والباقى جمهور عادى لا فكرة له بالمعرض أو الصالون.

وبعد دراسة كل ما وصل إلينا من مقترحات، سواء منى أو من الإدارة المركزية، جرى الاستقرار على أسلوب الدعوة المفتوحة للمشاركين، وليس عن طريق الدعوات كما كان سابقًا، لأنه فى آخر معرض كانت هناك ٢٧٠ دعوة، مقابل ٣٠ شخصًا من خارج الدعوات، وهى أرقام تعكس خللًا كبيرًا، لأنهم لا يمثلون بالتأكيد المشهد التشكيلى على مدار عام.

■ لماذا توجهون الدعوة إلى نفس مجموعة الفنانين التى يجرى دعوتها كل عام؟ 

- المسألة بدأت منذ ١٥ سنة تقريبًا، عبر إرسال دعوات لـ١٠ فنانين للمشاركة فى المعرض العام، ومع الوقت ازداد العدد لـ٢٧٠ دعوة تُرسل إلى نفس الأسماء، ما أدى إلى مقاطعة عدد كبير من الفنانين للمعرض، ممن لا تُرسل إليهم دعوات رغم منجزهم الكبير مقارنة بمن تتم دعوتهم، ما حوّل المعرض العام إلى صالون، وأبعده عن هدفه الرئيسى فى تقديم صورة حقيقية للحركة التشكيلية فى مصر. 

هذا الوضع حرصنا على تصحيحه فى دورة هذا العام، حتى لو مستوى التصحيح ليس على القدر المطلوب، كان من المهم أن نبدأ، وذلك من خلال مجموعة من الخطوات العملية، من بينها تشكيل لجان لفحص المشاركين.

وأؤكد أن أعضاء لجان الفحص لا يعرفون بعضهم البعض، وعندما نعرض عليهم عملًا ما لتحديد أحقيته فى المشاركة لا نذكر لهم اسم صاحبه. وبالتالى اختيارهم بعض الأعمال التى أبدعها زملاء لهم جاء لكونها تستحق ذلك.

الدكتور وليد قانوش والزميل حسام الضمرانى

■ وماذا عن عرض أعمالهم فى أماكن مميزة بالمعرض دونًا عن غيرها؟

- أؤكد أن «القوميسير» جمع متشابهات أو «جُملًا بصرية»، وعرضها بجانب بعضها البعض. وهناك فنانون كبار لم تُعرض أعمالهم فى قصر الفنون، بل عُرضت فى قاعة الباب أو غيرها. وهناك أعمال معروضة لكبار الفنانين، وبجانبها أعمال لفنانين شباب، دون أى تمييز فى عرض الأعمال.

أؤكد أيضًا أن هذه الدورة سمحت بتمثيل جغرافى عادل لعدد كبير من الفنانين، وهو ما يحقق ما نسعى له من إرساء مبدأ العدالة الثقافية فى ربوع مصر كافة، بعيدًا عن المركزيات وسطوتها، فى إطار توسيع قاعدة المشاركة. تجلى ذلك بوضوح فى إحصائيات المتقدمين البالغ عددهم ٨٣٠ متقدمًا، جرى قبول ٣١٥ فنانًا منهم، على أن نعلن التفاصيل الكاملة المتعلقة بهم فى حفل ختام المعرض العام، المقرر إقامته يومى ٣٠ و٣١ يوليو الجارى.

كما أن زيادة نسبة رفض الأعمال المتقدمة تثبت جدية لجنة الفرز. أما فيما يتعلق بأعضاء لجنة المقتنيات، فقد طلب أعضاؤها عدم عرض أعمالهم للاقتناء لمدة عامين، هى مدة دورة اللجنة، حتى لا تكون هناك أى شبهة.

■ ما السر وراء غياب وجود لائحة منظمة للمعرض العام؟

- لا توجد لائحة مُنظمة للمعرض العام، وما يحدث كل عام هو أن قوميسير عام المعرض يضع مجموعة من القواعد المنظمة للحدث، مع وجود مرونة كافية تسمح بالتطوير. لكن فى الوقت نفسه، هناك لائحة منظومة للأمور المالية للمقتنيات. وأنا على المستوى الشخصى مع وضع قواعد إلى جانب التطوير والمرونة كل عام.

■ لماذا وافقتم على حصول الشركة الراعية للمعرض العام على ٢٥٪ من قيمة مبيعات أى عمل؟ وهل تسمح لائحة قطاع الفنون التشكيلية بذلك؟

- ما حدث أننا التقينا عددًا من أصحاب القاعات الفنية لعرض الأمر عليهم، ولم نجد أى استجابة، فتقدمت شركة «Cairo Art» بعرض لنا يتعلق بتسويق الأعمال الفنية لمدة ٣ أشهر، مع حصول الفنان على ٧٠٪ من قيمة اللوحة المُباعة، والشركة الراعية على ٢٥٪، بينما الـ٥٪ المتبقية للقطاع.

وهذه النسبة أكبر من تلك التى يحصل عليها الفنان من بيع أعماله للقاعات الخاصة، والتى تبلغ ٦٠٪ فقط من قيمة اللوحة، بشرط أن تُعرض أعماله للبيع لمدة عام كامل فى القاعة. كما أن الشركة الراعية هى من تحمل تكاليف حفل افتتاح المعرض العام، دون تحميل القطاع جنيهًا واحدًا، إلى جانب تسويق الأعمال لمدة ثلاثة أشهر.

■ الناقد والفنان سيد هويدى قال إن الأعمال التصويرية تصدرت أعمال المعرض العام فى مقابل أعمال النحت والجرافيك.. ما تفسيرك؟

- تراجع أعمال النحت والجرافيك لا علاقة له بالمعرض العام هذا العام، بل بالحركة الفنية التشكيلية ككل، وذلك لسببين، أولهما يتعلق بفن النحت، وهو تكاليفه المرتفعة، خاصة مع ارتفاع خاماته مثل البرونز والحجر، إلى جانب اتجاه عدد كبير من النحاتين والحفارين إلى الرسم والتصوير. أما فيما يتعلق بفن الجرافيك فيعود تراجعه إلى أسباب تسويقية.

■ الذائقة البصرية خارج قاعات العرض متراجعة للغاية.. كيف نعالج هذه المشكلة الكبيرة؟

- تداخل الاختصاصات وعدم تمكين جهة ما من ضبط جماليات الشارع والميادين ووجهات العمارات والإعلانات وغيرها هو السبب فى ذلك. ورغم أن لدينا جهاز التنسيق الحضارى، إلا أنه جهاز «بلا أنياب»، فهو جهة استشارية تقدم دراسات، لكنها جهة غير مسئولة أو فاعلة، وليس لديها القدرة على تنفيذ ما نرجوه، وكذلك الحال بالنسبة للمحليات وقطاع الفنون التشكيلية.

العائق يتمثل فى التعديلات التشريعية المنظمة. ورغم أن جهاز التنسيق الحضارى يبذل جهودًا كبيرة، وشكّل لجنة مختصة بهذا الملف، أنا أحد أعضائها، إلى جانب خبراء فنون ونحاتين، علاوة على عميدى كليتى الفنون الجميلة فى القاهرة والفنون التطبيقية- إلا أن وظيفتها تقتصر على النظر فيما يُرسل من المحافظين بشأن تطوير الميادين وغيرها.

■ ما الدور الأساسى للجنة المقتنيات؟ وإلى أى معايير يستند الاقتناء والعمل المتحفى بصفة عامة؟

- لجنة المقتنيات منوطة باختيار الأعمال الفنية التى تصلح للعرض المتحفى، وتُشكل من خلال الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وأعضاء لجنة الفنون التشكيلية والعمارة بالمجلس. أما قطاع الفنون التشكيلية فليس مسئولًا عن تشكيل اللجنة، التى أتولى منصب مقررها، بحكم وظيفتى كرئيس للقطاع. وعادة ما تكون هذه الاختيارات موفقة.

اللجنة تعمل لمدة سنتين، وميزانيتها لم تزد منذ سنوات، بل على العكس جرى تخفيضها إلى الثلث فى العام الماضى، لتنخفض من ٣ ملايين جنيه فى ٢٠٢٢ إلى مليون جنيه فى ٢٠٢٣، قبل أن نجرى تعديلات على بعض البنود، ونرفعها من جديد إلى ٢ مليون جنيه وأكثر قليلًا. ورغم أننى طلبت زيادة الرقم إلى ١٠ ملايين جنيه، لم تتم الاستجابة للطلب.

وفيما يتعلق بمعايير الاقتناء، فإنه لا يجوز اقتناء أعمال فنان عامين متتالين. ولا يجوز اقتناء العمل من نفس تجربة الفنان، بمعنى أنه إذا لم يحدث تطور فى تجربة الفنان خلال عامين، وقدم لى أعمالًا من نفس الاتجاه أو التجربة، فلا يجوز حينها اقتناء العمل، إلا لو قدم لنا أعمالًا تقدم تجربة جديدة وتمثل إضافة للعمل المتحفى.

والأولوية فى الاقتناء للفنانين الذين لم يسبق لهم اقتناء أعمال من قبل. وهنا أوجه التحية للفنانين المصريين؛ لحرصهم على الاقتناء بثُلث قيمة العمل فى السوق، فإذا كان عمل لفنان ما يُقدر بـ١٠٠ ألف جنيه، يوافق على أن نقتنيه منه بـ٣٠ ألف جنيه فقط، ليتم عرضه فى متحف الفن الحديث، الذى يستوعب ١٠٠٠ عمل. علمًا بأنه لدينا أكثر من ١٣ ألف عمل فى المخازن، منذ خمسينيات القرن الماضى، لكوننا نقتنى الأعمال كل عام.

■ أليس من الأولى توزيع تلك الأعمال على متاحف أخرى بمختلف محافظات الجمهورية؟

- المتاحف فى المحافظات ليست متاحف فنية بل قومية لها دور مغاير، وبالتالى المكان المناسب هو متحف الفن الحديث. والحل من وجهة نظرى هو توسيع العرض المتحفى فى متحف الفن الحديث، بمعنى ألا يكون العرض المتحفى فيه دائمًا، وفى المقابل يكون هناك عرض لأعمال للرواد أو غيرهم كل ٦ أشهر، ما يعطى فرصة لعرض أكبر عدد ممكن من الأعمال المقتناة لدينا فى المخازن.

وهنا دعنى أوضح أنه خلال شهرين من الآن سنكون انتهينا من جرد وتصنيف الأعمال فى المخازن وتجهيزها على النحو اللائق، لحفظها بأفضل صورة ممكنة. كما أننا رممنا سقف المتحف الحديث، وهو مفتوح أمام الجمهور.

وأشير إلى أنه لدينا لجنة من ٤٠ متخصصًا لفحص الأعمال فى المخازن وترميمها، وستكون لدينا لجنة لتغيير سيناريوهات العرض، على أن تكون سيناريوهات عرض متغيرة، وهو ما يسهم فى تنشيط المتحف والأعمال المعروضة فيه.

■ مَن أبرز المحافظين المتفاعلين فى هذا الملف؟

أبرز المحافظين المتعاونين معنا محافظو الإسكندرية والبحيرة والدقهلية، والذين دائمًا ما يرسلون إلينا مقترحات لتطوير الميادين، وهى محاولات محمودة للغاية، لكنها تتطلب تعديلًا تشريعيًا يمنح قطاع الفنون التشكيلية اختصاصات تتعلق بالتصميم والإشراف على التنفيذ، لأن بعض الأعمال التى تتم الموافقة عليها تُنفذ بشكل مخالف تمامًا. وأؤكد أن قطاع الفنون التشكيلية، وجهاز التنسيق الحضارى، ليس لهما أيادٍ فى كل ميادين ومحافظات الجمهورية، لذا فإن التعديل التشريعى الذى يمنحهما صلاحيات واضحة، يمكنهما- مثلًا- من القضاء نهائيًا على ظاهرة التماثيل غير اللائقة فى ميادين المحافظات، خاصة أن الجهاز على تواصل دائم مع المحافظات.