رجل السياسة والشعر.. والذكريات
الشاعر والسياسى الأردنى الكبير عبدالمنعم الرفاعى يتحدث عن النساء ونهلة القدسى وعبدالوهاب
حاولت أن ألتقى الأمير الشاعر «عبدالله الفيصل»، الذى كان أحد فرسان أمسية «كرمة بن هانئ» فى القاهرة؛ فأدرتُ قرص التليفون لأطلب فندق «الميرديان» حيث كان يقيم الأمير الشاعر. فأجابنى عامل البدالة: «حاضر يا أفندم».. وأوصلنى بغرفته. فبادرته بالتحية، فرد بأحسن منها.
وقلت «متسائلة»:
الأمير «عبدالله الفيصل»؟
فضحك قائلًا:
= لا.. الأمير «عبدالمنعم الرفاعى»!
وشاركته الضحك مستغربين «أنا وهو» من هذا الالتباس.
عملى السياسى أثر إيجابيًا على شعرى.. و نمّيتُ موهبتى الشعرية ليس لحِرفة أو مسار مستقبلى
قدّمتُ له نفسى. وطلبت موعدًا لإجراء لقاء معه، فرحب، وحدد الموعد. ودلنى على غرفة الأمير «عبدالله الفيصل» الذى، رغم اتفاقى معه على الموعد، لم تسمح ظروفى مع الأسف لإجراء اللقاء معه نتيجة لسفرى.
وفى اليوم التالى، وحسب الموعد، ذهبت إلى «عبدالمنعم الرفاعى»، حيث كان هذا اللقاء مع هذا الرجل الذى عرك الحياة فعركته، واستنزفته سنوات عديدة.. أعطته فأعطاها وأخلصت له فأخلص لها أكثر!
لكنه فى تجربته مع السياسة والدبلوماسية ظل لصيقًا بهما شاء أم أبى. وفى تجربته مع المرأة منذ أن انفصلت عنه زوجته السيدة «نهلة القدسى» حرم الموسيقار «محمد عبدالوهاب» حاليًّا، انفصل عنها، وصارت المرأة عنده خيالًا أقرب إلى الحقيقة، أو حقيقة أقرب إلى الخيال.
فى عينيه وميضُ السنين الطوال الحافلة بالكفاح السياسى والمعاناة الذاتية الكبيرة، بحجم ثقافته ووعيه وعطاءاته وصدقه مع نفسه ومع الحياة، من حوله وأمامه.
والأستاذ «عبدالمنعم الرفاعى» استطاع أن يجمع ذات يوم بين الوزارة والشعر. فقام بالمهمتين معًا بقلب واحد وعقل واحد، ومشاعر واحدة. والحديث مع الأستاذ «الرفاعى» رجل السياسة الأردنية المتميز بأكثر من صفة وأكثر من موهبة، حديثٌ ممتع ومتنوع.. وهو إلى ذلك حديث ذو شجون وشئون.
خفايا النفس؟
كان سؤالى الأول حين التقيته فى القاهرة، السبب الذى يجعله يصب اهتمامه كله، على النواحى السياسية فى حياته، مع أنه «الشاعر والأديب الكبير»؟! ولماذا هو مقصِّر «إعلاميًا» بحق نفسه فى هذا الإطار؟
ويجيب الأستاذ «عبدالمنعم الرفاعى»، وابتسامة عريضة لا تخلو من مرارة تلوح على شفتيه:
= سبب «انغلاقى» على نفسى، أننى لا أمتلك «المادة» الجديدة التى أعلن عنها للناس.. شعرًا أو أدبًا. إن مسألة الشعر فى نفسى نزعة قديمة تولتنى منذ أيام الصبا، وفى أيام الدراسة، ونميّتها ليس لحِرفة أو مسار أسير فيه، وإنما كان ذلك عندما تستثار عاطفتى لأى مناسبة شخصية أو قومية، أو لأى مناسبة عامة ذات صبغة دولية أو عالمية. من ذلك مثلًا يوم قلت شكرًا فى فرق الأسطول الفرنسى فى الحرب العالمية الثانية ثم فى غزو كوريا و.. وغيرها من الموضوعات القومية والوطنية مثل قضية فلسطين والأحداث العربية والثورات العربية.
شعراؤنا وأدباؤنا لم يؤدوا دورهم القومى.. و أنا مشدود إلى شعر «شوقى» فهو من أكثر الشعر سيطرة على مشاعرى
وتقولين لى إن الاهتمامات السياسية شغلتنى عما سواها. ولا أدرى إذا كان ذلك الانشغال السياسى، وهذا التحول فى صالحى أم فى غير صالحى. ولا أكتمك بالفعل أن السياسة طغت على الشعر عندى إلا فى حالات معدودة. وإن كنت بين الحين والحين أُدعى للمشاركة فى بعض المناسبات الشعرية، وأنا فى خضم الحياة السياسية.
من ذلك مثلًا حفل تكريم الشاعر المرحوم «الأخطل الصغير» فى لبنان، فى حياته وليس بعد مماته «كما جرت العادة».
كذلك شاركت فى إحياء ذكرى «طه حسين»، وصديقى الشاعر الراحل «عزيز أباظة»، وقلت شعرًا فى وفاة الرئيس «جمال عبدالناصر» رحمهم الله جميعًا، وغير ذلك من المناسبات والمهرجانات الشعرية.
كنتُ أشعر بالحنين إلى الشعر من حين لآخر فأعود إليه. لم يكن الشعر عندى مسيرة حياة حتى أهتم به وأركز غايتى فى الإعلان عن نفسى كشاعر!
لست من زمرة الشعراء!
أسأل الأستاذ «عبدالمنعم الرفاعى» عن السبب الذى يجعله لا يتواصل مع الشعر فى ذاته، وهو الموهوب المقتدر؟
فيجيبنى قائلًا:
ربما كنتُ فى بعض الفترات أتواصل مع الشعر ويتواصل معى. كنت غالبًا ما أنظم الشعر لنفسى. ولعل كثيرًا من القصائد التى نظمتها لم أنشرها. والسبب الذى تسألين عنه هو أننى كنت أسلك «المسلك السياسى» فى حياتى. وأنا وإن كنت أُدعى فى زمرة الشعر، فى الوطن العربى، إلا أننى لا أعتقد أننى «أساسًا» أنتمى إليهم. لأننى لم أتفرغ كلية للشعر. مع أن معظم الشعراء الكبار فى الموطن العربى من قدامى ومحدثين هم أصدقائى وينسبوننى لهم، ومع ذلك أشعر بأن هذا الميدان ليس ميدانى، ربما لأننى فى طبيعتى ونشأتى أنتمى لأهل الشعر والأدب، لكن ممارساتى العملية تجعلنى أنتمى لأهل السياسة.
أحلم بأن يكون الوطن العربى من أقصاه إلى أقصاه دولة واحدة يظللها علم واحد
ولأننى لقيته فى مناسبة الاحتفال بذكرى الشاعر الراحل «أحمد شوقى» فى «كرمة بن هانئ»، فقد سألته عن مشاركته فى هذه المناسبة وما إذا كانت مجاملة سياسية، أم اعتزازًا منه بأمير الشعراء «شوقى»؟
= المجاملة السياسية ليست موجودة إطلاقًا. أنا معجب ومشدود إلى شعر أمير الشعراء «أحمد شوقى»، فهو من أكثر الشعر سيطرةً على نفسى ومشاعرى. لقد رافقت شعر «شوقى» واستمتعت به، وحفظت منه الكثير ودرست شعر «شوقى» منذ صباى. وحضورى لهذه المناسبة هو واجب شعرى نحو «شوقى»! لذلك لم أتردد فى تلبية الدعوة دقيقة واحدة.
بين السياسة والشعر
أى الطريقين تختار الآن: أن تسلك درب الشعر أم درب السياسة؟ وكيف تقدم لنا الإنسان «عبدالمنعم الرفاعى» فى إطارى الشعر والسياسة؟
يجيب من فوره:
= اسمعى يا عزيزتى.. إننى أقول لك شيئًا.. أنا من الذين يؤمنون بأن السياسة ينبغى ألا تكون مصطنعة.. بل يجب أن تقترن بقناعة متأصلة فى الفكر وفى النفس.
السياسة ينبغى أن تكون ذاتية، فهى ممارسة ومتابعة وتنمية إيمان الإنسان بنظرياته ومبادئه ومسيرته التى يجب أن يرى شعبه سائرًا عليها، لا سيما فى حالة أوضاعنا العربية الراهنة.
السياسة عندنا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقضايانا القومية ونحن خرجنا من عهود الاستعمار ولا نزال نناضل من أجل التحرر الكامل ورفع العدوان منا وإحقاق الحق تمامًا عن وجودنا وحضارتنا.
فالسياسة هنا ليست ممارسة ميكانيكية، إنما سهر ورعاية لقضايا مصيرية مهمة تتعلق بمصالح أمّتنا، واستمرارها وتقدمها.
أما الشعر فإنه بطبيعة الحال يتسم بالأصالة. الشعر كلما تعمّق فى نفس الإنسان، كان أرقى وأجمل وله قيمة متميزة. والسياسة أيضًا تنبع من ذات الضمير. ولذلك عندما تسأليننى أيهما أحب إلى نفسك: السياسة أم الشعر، فإننى أقول لك إنه من ناحية الرضاء والحب ، طبعا الشعر أحب وأقرب، أما إذا كان من ناحية التغلغل فى النفس وفى الفكر فكلاهما فى نفسى. وأنا أبذلُ من جهدى فى الأحاديث السياسية يوميًّا ليس أقل من عشر ساعات، وما تبقى من ساعات قليلة حين يخلو الإنسان إلى نفسه أجد فرصتى للالتفات إلى الشعر. الشعر جهد، والسياسة جهد. لكن الانتقال من جهد التفكير بالسياسة إلى جهد التفكير فى الشعر، هو فقط نقلة زمان.
حلم الوحدة العربية
يرى الأستاذ «الرفاعى» ردًا على سؤالى، استطرادًا، مع هذا الموضوع، أن الميادين السياسية والجولات السياسية التى اقترنت بها حياته على مدى أربعين عامًا، هى التى أكسبت شعره مزيدًا من القيم والألوان وليس العكس.
= إن عملى السياسى أثّر تأثيرًا إيجابيًّا على شعرى. وسبب ذلك هو أننى احتككتُ بالشعوب وعاصرت قضايا كبيرة، وتوليت الدفاع عن قضايا مهمة، وأديت خدمات طويلة فى الأمم المتحدة، وعايشت أحداثا طويلة شاهدتها بنفسى، وكنت بالنسبة لها من ذوى القربى، وأحيانًا من ذوى الشأن، فأثّرت على شعرى منذ أن كنت طالبًا، وكنا نصارع الاستعمار والعدوان الصهيونى، إلى أن دخلت فى: السلك الدبلوماسى وتعرضت لأحداث سياسية ومشاكل عديدة، إما فى طهران أو فى لندن، أو فى بيروت أو فى دمشق.
أصبتُ مثلًا بالرصاص فى زمن احتلال الفرنسيين لـ دمشق بسبب الاندفاع القومى والحركة الوطنية يومها، ونتج عن ذلك أننى عانيت الكثير بسبب تلك الإصابات فى جسدى. تلك هى نواحى العمل السياسى التى انعكست على شعرى. فشعرى استعار أو استمد صورة داخلية من جوانب كثيرة فى الحياة، ومن حياتى الشخصية.
ولذلك فإن السياسة فى حياتى هى التى أثّرت فى شعرى. وكان ولا يزال من جملة أحلامى، أحلام الصبا، وإلى اليوم، حلم تحقيق الوحدة العربية. إن كل ذرة فى ذاتى تتمنى لو أن الوطن العربى من أقصاه إلى أقصاه دولةٌ واحدة يظللها علم واحد. ولذلك تجديننى مثلًا، عندما تقدم أولو الأمر بفكرة الوحدة بين الأردن وسوريا كنت أنا أول داعميها.
الشعراء والأدباء لم يؤدوا دورهم كاملًا
وأسأله إن كان الشعراء والأدباء العرب قد أدوا الدور الملقى على عواتقهم حيال أمتهم وقضايا وطنهم العربى والقضية المصيرية؟ وإذا لم يكونوا على مستوى المسئولية والأحداث فما هو المطلوب منهم؟
ويجيب «عبدالمنعم الرفاعى»:
= لا شك أنهم مقصرون. فهم لم يقوموا بدورهم المطلوب منهم كما يجب. والشعراء العرب لم يتفاعلوا مع أمتنا ولا مع آلامها أو آمالها. ما خلا عددًا قليلًا منهم، وفى مناسبات قليلة.
من هؤلاء «عمر أبوريشة» وشعراء الأرض المحتلة، فقد قاموا بواجبهم. ومن هؤلاء أيضًا «فدوى طوقان» التى سجلت داخل الأرض المحالة القضية المأساة.
الشعر فى الوطن العربى لم يقف الوقفة المطلوبة. لم يكن عند مستوى المرحلة ولا فى مستوى المسئولية كما ينبغى.
هل أنت من أنصار شعر المناسبات؟ وهل تؤيد شعراء المناسبات.. بصراحة؟
ودونما تردد يجيب عن السؤال:
= لا مانع من نظم الشعر فى المناسبات، على أن يكون الحدث هو الذى يفرض نفسه على الشاعر. أما أن يكون هناك باب قائم بذاته اسمه شعر المناسبات، فلا أريد ذلك. إن المناسبة تفرض نفسها فيعبر الشاعر عنها. أما أن يتحول الشاعر إلى «شاعر مناسبات» وحسب، فذلك ما لا يجوز. إن أبواب الشعر يجب أن تبقى كلها مُشرعة، متعددة الألوان والأهداف والأغراض، لا أن يتوقف الشاعر عند هذه المناسبة أو تلك وكفى.
عبدالوهاب صديقى!
وتشعب بنا الحديث.. وأردت أن أتطرق إلى علاقته بالموسيقار «محمد عبدالوهاب» زوج مطلقته السيدة «نهلة القدسى». لففتُ حول الموضوع بسؤالى عن الشعر الغنائى عنده، وأن له قصيدة شهيرة هى «نجوى» التى سبق أن غناها له الموسيقار «محمد عبدالوهاب».
وتساءلت:
كيف تم تلحين وغناء قصيدتك «نجوى»، وما ملابسات الموضوع، إن كانت هناك ملابسات؟
ومن خلال ابتسامة رقيقة مهذبة ودبلوماسية، أجاب بهدوء:
= فى سنة من السنين الخوالى، وفى تجربة من الأحداث العاطفية التى أحاطت بى شخصيًا، نظمتُ قصيدة نجوى التى وصلت إلى الأستاذ محمد عبدالوهاب، وكنت شخصيًّا لا أعرفه إلا معرفة سطحية. ولعل القصيدة من زاوية أخرى، وجدت فى نفس الموسيقار «عبدالوهاب» طريقًا مباشرًا، شده إلى القصيدة. فـ لحنها وغناها. ثم أذيعت وقوبلت بالاستحسان الكبير من الناس. والأيام تمرُّ والسنون تغير من طبائع الأمور. فكانت القصيدة من جملة العوامل التى قربتنا نحن الاثنين معًا. ثم تعارفنا بشكل أطول، ولأسباب أخرى، ونواح أخرى، خاصة، وهو الآن من أصدقائى. وللعلم فقد غنى لى أكثر من قصيدة.
أنا هويت وانتهيت!!
عن المرأة فى حياته، وفى شعره، أسأل «عبدالمنعم الرفاعى».. أين هى الآن من مشاعره؟ وهل لا تزال تؤثر فى شعره وشعوره ووجدانه؟
وتمر لحظة صمت.. ثم يتدفق الكلام:
= اسمعى: «أنا هويت.. وانتهيت».. المرأة أثّرت فى شعرى، وأعطيتها حقها من التأثير فى شعرى. وفى قصيدتى «المسافر» التى تسجل: مراحل من حياتى عمومًا، وحكايتى بصفة خاصة مع المرأة التى أثرت فى حياتى.
ولهذا فإننى لم أحب بعد تلك التجربة. وربما لم أكن أستطيع أن أفسح المجال لتأثير امرأة أخرى فى حياتى، فاكتفيت بذلك الأثر والحب القديم، وطويتُ المرأة كواقع فى حياتى، إلا خيالها وأثرها فى شعرى. لكن المرأة بحقيقتها كوجود مادى وفعلى، لم ترافقنى أبدًا، منذ أن انفصلت عنها.
ألا تعتقد أن تفرغك للسياسة أيقظ «غيرة المرأة».. وهى التى أبعدتها عنك، وأبعدتك عنها؟
= ربما. لكن ابتعادى عن المرأة، هيأ لى تفرغًا كليًّا للسياسة ولكل ما هو خارج عن حدود المرأة.
ثم يستدرك باسمًا:
= مرة كنت مسافرًا إلى باكستان، وكانت على الطائرة مضيفة حسناء فداعبتُها بأبيات قلت لها من جملتها:
ففى وحدتى كيف الحبُّ فارقنى.
فما ألاقيه إلا وهو يعاند. وأسأله قائلة:
لا أتصور شاعرًا كبيرًا، وسياسيًّا ناجحًا، يمكن أن يستغنى عن المرأة فى حياته.. أن يهجرها وتهجره إلى الأبد.. وأنت إنسان وفنان!.. كيف؟ لا أفهم.
وأجاب منهيًا هذا اللقاء.. بهذا الجواب الذى فيه ألف معنى وألف مغزى:
= المرأة عندى: أتخيلُها.. وأحيانًا يكون الخيالُ: حقيقة.
قصيدتى «نجوى» كانت سبب معرفتى بالموسيقار محمد عبدالوهاب.. والمرأة خرجت من حياتى وأصبحت مجرد «خيال»
قصيدة «جوى».. التى كتبها الشاعر الأردنى «عبدالمنعم الرفاعى»، وكانت سببًا فى تعرّف الموسيقار «محمد عبدالوهاب» على زوجته «نهلة القدسى»
تجرى وأحلامىَ فى غِيّها تمضى.. إلى حيث البعيد
أنتَ مُجِد سالكٌ دربَه.. يدفعُه الشوقُ إلى.. ما يريد
ولى خيالٌ سارحٌ بالمنى.. يسـوقنى حينًا وحينًا يحيد
كأننى.. والكون فى قبضتى.. موزعٌ فيه شريدٌ طـريد
أنتَ على العهد.. وقد صُنتَه.. على الزمان السرمدى الأبيد
هل مرّ فى شطّك من شاعرٍ.. له غرامٌ.. كل يوم جديد
يسمو إلى الذروة فى زهوها.. وينثنى والسهل رحبٌ مديد
يا ليتنى والسحر عالى الذرى أرقى إلى ذاك الجمال الفريد
وأنشقُ الزهرةَ فى أوجها.. بين هوًى صعبٍ ووصل عنيد
وترتعُ النجوى على عرشها وينتشى الوجد ويحلو النشيد
أوليتنى أهوى إلى جدولٍ.. حيث الرضا بعضُ كفافٍ زهيد
أرتشفُ القطرةَ لا أرتوى.. وربّ صادٍ.. لا يرومُ المزيد
أسأله عن شأنه ماله عافَ الربا.. واختار ذاك الصعيد
آهٍ.. على همس الجوى حوله.. وقبلةٍ تحيا وأخرى تبيد
وساعد يقوى على ساعد.. والتف خصران.. وجيد
خواطر يا نيل أيقظتها.. ماذا على رجع الصدى لو يعيد
ماذا على الشاعر.. لو جنّحت به القوافى واسـتجاب القصيد
غدًا.. سأروى لك من قصتى.. عن بارق لاح وأفق جديد