الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مواجهة ساخنة.. رضا عطية: اليسار روج لـ«كُتّاب محدودى الموهبة»

رضا عطية
رضا عطية

- اهتمام يسارى بأسماء ضعيفة لمجرد انتمائها لطبقة اجتماعية معينة

- أقام اليسار الدنيا دعمًا لـ«بوشكين مصر» محمد صدقى فأين أدبه الآن؟

- مواقع صحفية خارجية تستكتب «ميديوكرز» فقط بسبب معاداتهم الدولة

- «قصيدة النثر» أصبحت بابًا واسعًا لكتابات غثة ونصوص ضعيفة 

على خُطى أساتذته ممن درس على أيديهم، سواء فى قسم «علم النفس والاجتماع» بكلية التربية، أو فى قسم «اللغة العربية» بكلية الآداب جامعة عين شمس، يسير الدكتور رضا عطية على النهج، وتتبلور ملامح مشروعه النقدى.

يتجلى ذلك بوضوح فى رسالته لنيل درجة الماجستير فى الآداب، من كلية الآداب بجامعة عين شمس، عن موضوع «مسرح سعد الله ونوس»، ورسالته لنيل الدكتوراه فى الآداب، من نفس الكلية، عن موضوع «الاغتراب فى شعر سعدى يوسف»، تحت إشراف أحد أساتذته، الدكتور صلاح فضل.

وتطورت رؤية وأطروحات الدكتور رضا عطية فيما يتعلق بالتحولات التى طرأت فى النقد الأدبى بمؤلفاته، ابتداءً من «العائش فى السرد» 2016، و«مسرح سعد الله ونوس» 2017، حتى كتابه الذى يصدر قريبًا عن تجربة شاعر العامية عبدالرحمن الأبنودى، إلى جانب ما ينشره من مقالات فى العديد من الصحف المصرية والعربية.

«حرف» تحاور الحائز على جائزة الدولة التشجيعية فرع النقد 2020، حول ما حدث ويحدث فى ملف النقد الأدبى، وأسباب تراجعه أو تخلفه عن قراءة المشهدين الثقافى والاجتماعى، إلى جانب عدد من الملفات التى لا تنفصل عن واقعنا الثقافى والإبداعى.

■ بداية.. هل يعانى النقد أزمة؟

- لا يمكن الإنكار أن ثمة تراجعًا فى أحوال النقد عمومًا، فالنقد الآن ليس فى أحسن أحواله، وهناك فارق شاسع بين حال النقد العربى والمصرى فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، حيث جيل العظماء والرواد، بداية من صلاح فضل بريادته وتقديمه لمنظومة المناهج البنيوية، التى أثرت الثقافة العربية وحدثت النقد العربى، ورفاقه أمثال كمال أبوديب وعبدالسلام المسدى ومحمد برادة وجابر عصفور وفيصل دراج، والجيل التالى عليهم أمثال محمد بدوى وسعيد يقطين وعبدالله إبراهيم وفاطمة المحسن، وبين من هم على ساحة النقد من الأجيال التى ظهرت فى العقدين الأخيرين، فى ظل غياب المشروعات النقدية الكبرى التى يمكن أن يتبناها ناقد، وبالتالى غاب النقاد الكبار.

صلاح فضل ورضا عطية 

■ ما السبب فى هذا التراجع من وجهة نظرك؟

- هناك عوامل عديدة وراء تراجع النقد، لكن أهمها وأكثرها إسهامًا فيما آل إليه حال النقد، يكمن فى التراجع البالغ للتنوير أمام الزحف الملحوظ للسلفية والرجعية فى كثير من مجتمعاتنا العربية.

عمالقة النقد العربى، مثل طه حسين فى الجيل المؤسس، ومن بعده لويس عوض ومحمد مندور ومحمد غنيمى هلال، ومن بعدهم جيل النقاد الذين بزغوا فى السبعينيات، مثل صلاح فضل وكمال أبو ديب، قد درسوا فى أوروبا، وانفتحوا على الثقافة الإنسانية فى طور الحداثة الفكرية، واطلعوا على أحدث النظريات النقدية، فجمعوا بين حداثة الفكر وفلسفاته المتطورة من ناحية، واستوعبوا تراثهم الثقافى والحضارى من ناحية أخرى.

النقد تلزمه روح تقدمية ووعى طليعى، إلى جانب التزود المعرفى. صحيح أنه الآن صار ميسرًا الإطلاع على أحدث مخرجات النقد فى الثقافة الإنسانية بلغات أجنبية، لكننا لا نتقدم، لأننا لا نملك وعيًا نقديًا طليعيًا، ونفتقد روح الاستنارة.

■ من أفسد النقد؟ النخبة الثقافية أم القراء؟

- ما ذكرته قبل قليل يقودنا إلى مسئوليات بعض النخب فى إفساد الممارسات النقدية، بل الثقافية عمومًا، بسبب تقييم الأدب وإقامة تراتبية إبداعية وفقًا للانتماءات الأيديولوجية.

لنا- مثلًا- فيما مارسه كثيرون من نقاد اليسار، من محاولات تشويه وتقليل من قيمة نجيب محفوظ الأدبية، لأنهم لم يروا فى أدبه ما يناسب رغباتهم الأيديولوجية، حتى جاءت جائزة «نوبل» فأنصفته وأسكتت هؤلاء.

فى المقابل أيضًا، رفع مثقفو اليسار ونقاده من شأن بعض الكتاب محدودى الموهبة، لمجرد أنهم يلبون نزعات أيديولوجية ما، أو ينتمون إلى طبقة اجتماعية ما، فقد أقام اليساريون الدنيا ولم يقعدوها ترويجًا لقاص اسمه محمد صدقى، ولقبوه بـ«بوشكين مصر»، فأين أدبه الآن؟!

غير أنى ألاحظ فيما بعد ٢٠١١ ظاهرة بالغة الخطورة، أنَّ هناك مواقع ثقافية صحفية خارجية تستكتب كثيرين، ومعظمهم من «المديوكرز» ومحدودى المواهب، لمجرد أنهم يروجون لأجندات خارجية تتبنى اتجاهًا معاديًا للدولة ومؤسسة الجيش الوطنية.

كما أن بعض القائمين على برامج ثقافية فى المؤسسات الثقافية الرسمية قد استضافوا بعض الكتاب العرب الذين نفاجأ بهجومهم على الدولة، وهذا ما يعنى اختراقًا واضحًا فى بعض مواقع مؤسساتنا الثقافية، والأخطر أن كل هذه الممارسات تكشف عن دور خطير لأموال خارجية فى التكريس لبعض الأصوات، لمجرد أنهم ينفذون أجندات خارجية.

■ هل لك أن تحدثنا عن كتابك الجديد حول شاعر العامية الكبير عبدالرحمن الأبنودى؟

- كتابى الذى انتهيت من تأليفه هو «عبدالرحمن الأبنودى: شاعر الهوية المصرية»، وقد اخترت له هذا العنوان؛ لما رأيته من انهمام «الأبنودى»، على امتداد تجربته الشعرية، بتمثيل الروح المصرية، والتعبير عن هويتنا الثقافية، فقدم شعره نموذجًا جماليًا ثريًا للشخصية المصرية.

وكان اختيارى «الأبنودى» تحديدًا، لأنه استطاع تطوير شعر العامية فنيًا، ومنح قصيدة العامية نفسًا شعريًا ممتدًا وطويلًا بفضل بناه الصورية. كما رسخ فى شعر العامية قالب «القصيدة التفعيلية»، قصيدة الشعر الجديد التى أمست موضة فنية وشكلًا إبداعيًا سائدًا فى شعر الفصحى العربى، خلال أربعينيات القرن العشرين، وفى مصر من منتصف الخمسينيات، على يد صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى.

كذلك نهض «الأبنودى» بالأغنية المصرية، وهل ننسى أغنيته الرائعة «عدى النهار»، التى عبرت عن شعور الألم فى الشخصية المصرية جراء نكسة يونيو ١٩٦٧، وكذلك روح المقاومة ورفض الهزيمة؟

ويتناول كتابى عن «الأبنودى» أهم القضايا التى عنى بها شعره، والآليات التعبيرية والجمالية الفنية فى هذا الشعر.

■ توجت بجائزة الدولة التشجيعية فى الآداب «فرع نقد النص الشعرى»، عن دراستك حول تجربة سركون بولص.. كيف تقيم حال الشعر فى مصر الآن؟

- بصراحة الشعر فى مصر الآن ليس فى أحسن حال. منذ عقدين أو أكثر ثمة تطاحن أقرب إلى الحرب بين أصحاب الأنواع الشعرية، صدام بين شعراء القصيدة موحدة الوزن والقافية، القصيدة التقليدية القديمة، والأنواع الأخرى، وصدام بين شعراء التفعيلة وشعراء قصيدة النثر، التى بقدر ما أضاف عدد قليل من مبدعيها للشعر بقدر ما كانت بابًا واسعًا لكثيرين للمرور عبرها بكتابات غثة ونصوص ضعيفة باعتبارها شعرًا، كثر الشعراء وقل الشعر.

■ كيف ترى الأزمات الأخيرة المتتالية فى «بيت الشعر العربى»؟

- مشكلة «بيت الشعر» بصراحة فى بعض أعضاء مجلس أمنائه، الذين ليسوا على مستوى رئيسه الشاعر العظيم الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى، والذى يؤمن بالعدالة الثقافية، وإتاحة فرص متكافئة لجميع الموهوبين والمثقفين.

حدث منذ أكثر من عام أن بلغ مدير سابق لـ«بيت الشعر» سن التقاعد، هذا الذى بلغ سن التقاعد أفقد «بيت الشعر» حيويته ودوره الفاعل، وحل آخر محله فأحدث فارقًا ملحوظًا، فأخذ عدد من أعضاء مجلس الأمناء، والمدير السابق المحال للتقاعد، فى الكيد له ومحاربته.

كذلك يقحم بعض أعضاء مجلس الأمناء أنفسهم فى أنشطة البيت بالمشاركات المتكررة فى ندواته. مؤخرًا شاركت فى ندوة مهمة وأمسية كانت عظيمة عن الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، هذه الندوة اقترحها الدكتور أحمد مجاهد، عضو مجلس الأمناء، وبصراحة لم يقلل من روعة وجمال هذه الأمسية سوى أحد أعضاء مجلس أمناء «بيت الشعر»، الذى كان يقدم الندوة التى يشارك فيها ٤ نقاد والفنان محمود حميدة، وهو عدد كبير من المشاركات، فأصر مُقدِّم الندوة على الخروج عن دوره المفروض بثرثرة طويلة عن بعض آرائه فى شعر «حجازى»، ما دفع بعض الحضور إلى المغادرة.

■ هل مازلنا نعيش «زمن الرواية»؟ 

- لدى كثير من التحفظ على تعبير «زمن الرواية»، لأنه قد يعنى أن الرواية هى النوع الأدبى الأنسب للزمن، بقدر ما يعنى ذيوعها وانتشارها. صحيح لا يمكن إنكار أن الرواية هى النوع الأكثر رواجًا ومقروئية من الأنواع الأدبية. لكن هذا يرجع إلى كونها النوع الأدبى الأسهل والأبسط والأيسر على عوام جمهور التلقى. فالشعر نوع أدبى مكثف ومحمل برموز وشفرات تحتاج قارئًا من نوع خاص، لذا طبيعى جدًا أن يكون جمهور الشعر غالبًا أقل من جمهور الرواية. ومع ذلك هناك شعراء كسروا هذه القاعدة وانتشروا جماهيريًا انتشارًا واسعًا، مثل «الأبنودى» ونزار قبانى ومحمود درويش.

لكن لى تفسير آخر فى تنامى انتشار الرواية جماهيريًا فى مصر، إذ أرى أن فقر برامجنا التعليمية وخلوها من نصوص كبار روائيينا من ناحية، وتراجع مستوى الدراما المصرية عمومًا من ناحية أخرى، قد ذهب ببعض الجماهير إلى الطلب على نوعيات من الروايات السهلة القائمة على الحكاية «الحدوتة»، وما بها من طاقة تشويقية ومغامرات، بديلًا عما يفتقدونه من فنى الرواية والدراما من قبل منظومتى التعليم والإنتاج الفنى.

■ كتبت منذ فترة مقالًا بعنوان: «متى ترد وزارة الثقافة لصلاح فضل جميله؟!».. هل ردت الوزارة جميل «شيخ النقاد»؟

- بصراحة وبكل أسف: لا، ولى أن أقول إننا لا نحسن استثمار كنوزنا الثمينة، مثل صلاح فضل وما تركه من إرث عظيم، كان يجدر بوازرة الثقافة أن تقيم مؤتمرًا علميًا لدراسة منجزه النقدى والفكرى ودوره الثقافى، أسوة بما فعله المجلس الأعلى للثقافة بإقامة مؤتمر عن الدكتور جابر عصفور، بعد رحيله.

كذلك يجب على مجلة «فصول» النقدية العريقة، التى شارك صلاح فضل فى تأسيسها، بل إنه صاحب فكرتها، تخصيص عدد لدراسة منجزه النقدى. وقد وعدنى رئيس تحريرها الدكتور حسين حمودة بذلك غير مرة، وأتمنى أن يصدق فى وعوده تلك.

■ إذا قلت لك رشح لقرائك بعض عناوين الدكتور صلاح فضل لمن يريد أن يتمرن على فن النقد الأدبى من الشباب الجدد، ماذا ستكون إجابتك؟ 

- صلاح فضل مشروع نقدى عظيم ومتكامل، فقد تشعبت إسهاماته ما بين النظرية النقدية وفنون الأدب ومتابعة الأعمال الإبداعية، لكنى يمكنى أن أرشح بعض كتبه فى كل فرع من هذه.

فى مجال النظريات النقدية، هناك كتابه الفارق المؤسس «نظرية البنائية فى النقد الأدبى»، والذى لقى رواجًا كبيرًا باتساع الوطن العربى، وأمسى حاضرًا بقوة منذ نشره لأول مرة ١٩٧٨ حتى الآن. هناك أيضًا كُتب: «منهج الواقعية فى الإبداع الأدبى»، الذى طرح لأول مرة فى عام ١٩٧٨، و«علم الأسلوب: مبادئه وإجراءاته»، و«بلاغة الخطاب وعلم النص».

ومن كتبه التى جمعت بين النظرية والتطبيق: «شفرات النص»، الذى ضم دراسات تطبيقية استخدامًا للمنهج السيميولوجى، و«أساليب الشعرية المعاصرة»، و«أساليب السرد فى الرواية العربية»، و«شعر العامية: من السوق إلى المتحف»، علاوة على كتابه الذى ضم سيرته: «صلاح فضل: سيرة نقدية»، الذى شرفنى بكتابة مقدمته.

■ هل يمكن أن يحل «الذكاء الاصطناعى» محل الناقد؟

- نعم، بإمكان «الذكاء الاصطناعى» أن ينتج نقدًا، وهذا يؤثر لاشك على وضع النقد، لكن يبقى للعنصر البشرى وفرادة البصمة الإنسانية للناقد الحقيقى المبدع دور فى تقديم نقد متميز ذى جدوى وقيمة.

■ ما أبرز مؤلفاتك المقبلة؟

- من مؤلفاتى ومشروعاتى التى اشتغل عليها كتاب عن مسرح نجيب محفوظ، الذى لم يأخذ حقه من التعاطى النقدى، رغم تميزه واختلافه وثرائه الفنى، وكتاب عن شيخ النقاد العرب الدكتور صلاح فضل، وثالث عن توفيق الحكيم، يشتغل على نماذج من إبداعه المسرحى والروائى والقصصى، علاوة على كتاب عن الشاعر اللبنانى وديع سعادة، وآخر عن صورة الرجل فى رواية المرأة العربية.