د. أحمد هنو.. وعودة الروح لوزارة الثقافة
فى مواجهة العولمة البغيضة التى تفرض قوانينها دون مراعاة لخصوصية المجتمعات وثقافتها، وفى عالم السوشيال ميديا بأنواعها حيث تشوه الحقائق وعبور الأفكار المعبأة للاستهلاك سلفًا لهدم المجتمعات وتأهيلها للتبعية وترويض مثقفيها ومفكريها.. فى الأفكار العابرة ستجد من يستهزأ من أفكار طه حسين ويسخر من أديب نوبل «نجيب محفوظ» ويصف كتابته عجبًا بالمتواضعة ومن يهدم مجد العقاد ومن يسىء إلى تراثنا ومن يفكك ثوابتنا..
فى زمن التواصل المفتوح والهاتف المحمول والتواصل بين البشر من أقصى الكرة الأرضية إلى أدناها.. ليست هناك حدود، المعرفة والأفكار صارت طائرة فى الهواء تسقط على رءوسنا من ناحية.. ونرى الأفكار وهى تنتقل بسرعة البرق وكل ثقافة تريد أن تفرض نفسها، فوجدنا الحديث عن المساكنة بين الفتاة والفتى دون مراعاة لشرقيتنا وتراثنا وقيم الأسرة، وحديثًا آخر عن التشوه الجنسى وأفكار المثلية التى تغزو مجتمعاتنا العربية وهو حديث يبدو فى الظاهر أنه عن الحريات بينما فى الباطن يريدون الفوضى ويبطنون الشر لنا وهم يروجون للإلحاد والمثلية وهدم الأسرة بمقولات جاهزة عن الحرية والفرد والإبداع.. فى هذا العالم وفى هذه اللحطة الزمنية الملتبسة، يجب التأكيد على هويتنا المصرية العربية وعن ثقافتنا الشرقية وعلى جذورنا التاريخية، يجب أن نخوض معركتنا للحفاظ على جوهرنا بينما يجلس على حدودنا عدو شرس يريد أن يغزونا بأفكاره قبل جيوشه ومدافعه وطائراته، يروج لقبول الآخر وهو يستل السكين خلف ظهره لينقض علينا إذا غفلنا عنه للحظة واحدة، فى هذا الزمن الذى انفتحت سماؤه فأصبحت ترمى بالغث والسمين معًا، وعوالمه الخفية أكبر وأعمق من الظاهرة فالإنترنت الظاهر يخفى الدارك ويب المظلم حيث تجارة الجنس والمخدرات وجرائم القتل، من هنا يجب أن نقف لنحمى ثقافتنا ونحمى الجيل القادم من عبث العولمة بما تحمله من نور ونار معًا.. وهذا العبء يقع على كاهل المثقفين والكتاب والفنانين، وتساعدهم على أداء هذا الدور وزارة الثقافة التى يحدونا الأمل الآن فى أن ينبعث دورها من جديد بعد أن خيم الركود لسنوات طويلة عليها وعلى دورها، ظللنا لسنوات بلا رؤية بلا أهداف، كل مؤسسة أو هيئة داخل الوزارة تعمل بطريقة الجزر المنعزلة.. ليس هناك هارمونى فى الأداء.. توصيات تصدر من لجان المجلس الأعلى للثقافة لكن لا تجد طريقها للتفعيل، وبين سلاسل للنشر فى هيئة الكتاب تلغى واستقالات من هيئة تحرير السلاسل لعدم الجدية، وإصدارات للهيئة مليئة بالأخطاء، وإصدارات أخرى تفتقر للجودة سواء جودة الطباعة أو جودة الإبداع.. هيئة قصور الثقافة هى الأخرى عانت من بيروقراطية كادت تقضى على مسارحها والفاتورة الإلكترونية التى أحدثت شللًا ومقاطعة بعض الكتاب لأنشطة الهيئة، ومؤتمر أدباء مصر معطل ينتظر أن ينعقد لسنوات وهو شىء لم يحدث قط سوى أثناء جائحة كورونا.. برلمان الأدباء والكتاب معطل.. لكن مع قدوم وزير جديد بدأ الأمل يلوح فى الأفق.. تحركاته داخل الوزارة.. الكاتب محمد ناصف يصبح مسئولًا عن هيئة قصور الثقافة، التفاؤل والأمل يعود من جديد، تتحرك الأمور ببطء لكن إلى الأمام، يعود مؤتمر أدباء مصر للانعقاد فى أكتوبر المقبل، تحركات الوزير بين المثقفين والفنانين كانت تعنى لنا أن هناك شيئًا يلوح فى الأفق. دكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة الجديد يعقد اجتماعًا مع الكتاب والمثقفين وقد حضرت هذا الاجتماع معه، تعجبت شخصيًا من دعوته للقائنا. بعض الوزراء السابقين كانوا يتجنبون لقاءنا ويتحاشون مقابلة المثقفين أو حتى الاستماع إليهم، ربما لأن حراس المكتب الوزارى الرفيع كانوا يخيفون الجالس على مقعده بشارع شجرة الدر من هذه اللقاءات التى ربما لن يسمع فيها ما اعتادت أذناه على سماعه من الحمد والثناء.. والتقينا الرجل بقاعة فى المجلس الأعلى للثقافة وفتح أمامنا حوارًا ديمقراطيًا خالصًا، تحدثنا إليه عن رؤيتنا للثقافة المصرية وكيف تعود ريادتنا فى المنطقة التى غبنا عنها لسنوات فأفاقت عواصم عربية من حولنا لتملأ الفراغ الذى تركناه لسنوات، يسعدنا أن تعمل وتتقدم لكن لا يسعدنا أن نقف نحن تترنح خطانا.. كانت لدى الدكتور أحمد هنو رؤيته لاستعادة الهوية والريادة، استمعنا إليها.. طالبته فى الاجتماع أن يعيد جائزة كامل الكيلانى التى عقدت لمرة واحدة فوافق على الفور وتحمس الدكتور أسامة طلعت الأمين العام للمجلس لعودة الجائزة وأخبرنى بأنهم فى سبيل الإعلان عنها.. كما طالبته بعودة معرض كتب الأطفال الذى لم يكن متجرًا لبيع الكتب فقط بل كان مهرجانًا لأنشطة الطفولة وفنون الطفل كافة من ورش أدبية وحكى وورش فنية وألعاب للأطفال وتجارب علمية واستكشافية.. اقترحت أن يقدم نموذجًا جديدًا يليق بعقول أطفالنا فى هذا العصر.. فطلب على الفور من الدكتور أحمد بهى الدين رئيس الهيئة العامة للكتاب دراسة هذا المقترح والعمل على إنجازه.. مصر هى أول عاصمة تقيم معرضًا لكتب الأطفال ثم تبعتها الشارقة بمهرجان الشارقة القرائى ثم أبوظبى ثم السعودية، وإذا كانت الريادة لنا فيجب أن تبقى.. تحدثت إليه عن مكتبة الأسرة وكيف كانت تحمل المعرفة لكل ربوع مصر من أقصاها إلى أقصاها، ووعد بإعادة إصدارات مكتبة الأسرة للصدارة مرة أخرى وإن اختلف معى فى أنه لا يمكن العودة لبيع إصداراتها بجنيه أو أربعة، فأخبرته أن أقل سعر للكتاب من مكتبة الأسرة الآن هو خمسة وعشرون جنيهًا ويزيد.. ووعد بأن يوفرها «رقميًا» على موقع من مواقع الوزارة ليتيحها للجميع بلا مقابل.. ووعد بطباعة مجلة «ضاد» فى هيئة الكتاب وعمل بروتوكول مع اتحاد الكتاب لتنظيم التعامل وتخصيص صالون له فى أروقة المعرض.. كما وعد بمراجعة لوائح التفرغ ووعد بأن يعيد تشكيل لجان المجلس الأعلى بعد انتهاء هذه الدورة وفق ضوابط قانونية معلنة وبشفافية واضحة.. وعد أيضًا بدراسة المآخذ على جوائز الدولة، وجدناه متحمسًا لاستعادة دور وزارة الثقافة المصرية وعودة المثقفين والكتاب إلى بيتهم.. وقد أقام حفلًا ودعا إليه الحاصلين على جوائز الدولة منذ عام ٢٠١٩ حتى ٢٠٢٤ بدار الأوبرا وهذا أمر نحمده فقد كانت الجوائز توزع سرًا فى أحد مكاتب المجلس الأعلى للثقافة.. نأمل فى أن يبقى الوزير على حماسه ولا تكون مجرد صحوة يعقبها هدوء واستراحة بل نريدها أن تكون صحوة تعيد للثقافة المصرية مكانتها ولقوتنا الناعمة صدارتها، فمصر قاطرة الثقافة فى المنطقة، إن نهضت مصر نهضت المنطقة، والصراع القائم الآن هو صراع هوية وثقافة.. يمكن للدكتور أحمد فؤاد هنو أن يعيد الروح لوزارة الثقافة، فلديه المؤهلات لهذا الآن ونحن معه وقبله وخلفه.. نتمنى أن يتجاوز العقبات البيروقراطية التى ستوضع فى طريقه وأرى أنه قادر على تجاوزها.. ويمكنه أيضًا تخطى حدود خطط موظفيه الجاهزة ليعيد روح الثقافة المصرية مرة أخرى للجسد وتنهض وزارة من أهم الوزارات لأنها الجدار الصلب لحماية الهوية والتاريخ، إذا وضع يده فى يد الكتاب والمثقفين والفنانين ستعود الروح.. روح مصر التاريخ والحضارة وفجر الضمير.