الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ثقافة النظافة

حرف

يرى البعض أن النظافة مسألة تتعلق بالغنى والفقر، ومستوى التعليم أو غيابه، وربما هذا الأمر صحيح فى جانب من جوانبه، ولكن ما بالكم براكب سيارة فارهة تنم عن ثرائه ويلقى بقشرة موزة من شباكها، بينما يعيش إنسان بمنزل شديد التواضع، لكنه شديد النظافة؟

إن النظافة ثقافة، تختلف من شعب إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، ومن الملاحظ أن البلدان النهرية أقل نظافة من البلدان المطرية، فالمطر يغسل ويكسح الأوساخ، بينما تُخلف الفيضانات بعد انحسارها أكوامًا من الطين والطمى يصعب التخلص منها فى القرى والمدن البعيدة عن الأراضى الزراعية، خصوصًا قبل أن تعبَّد الطرق بالأسفلت، والقاهرة منذ إنشائها وحتى بدايات القرن العشرين كانت شوارعها وحواريها ترابية، يُنقل الماء إليها من النيل، على ظهور الجمال والدواب، وكانت طائفة «القربية» تقوم بذلك وفقًا لقواعد وشروط تضعها السلطات العامة، ويراقبها محتسب المدينة، ويقول الجبرتى إن القاهرة كانت مدينة مليئة بالأوساخ، وعندما أمر نابليون بونابرت، وقت استعماره مصر، برش الشوارع والحارات بعد كنسها، أصبحت القاهرة وخلال ساعات قليلة واحدة من أنظف المدن فى الدنيا.

ورغم بناء السد العالى، وتحول الفيضان إلى تاريخ وذكرى، فإن القاهرة ما زالت مدينة غير نظيفة، يمتلئ كثير من شوارعها بالأوساخ، والروائح الكريهة، والناس عمومًا لا تبالى بالنظافة والجمال، ويظل هذا الأمر مثار دهشة الذى يزورها، فرغم انبهاره بمعالمها فإنه يتعجب من غياب النظافة فيها، ويسارع البعض قائلاً: إن الدولة لا تقوم بواجبها فى هذا الجانب وهنا تكمن المشكلة، لكن الحقيقة أكبر من هذا، وتعود إلى التجذر التاريخى لغياب ثقافة النظافة لدى الناس عمومًا بمن فى ذلك الناس والمسئولون الذين يديرون النظافة فى كل مكان بالدولة، حتى فى العديد من المصالح الحكومية، وحتى فى منطقة خان الخليلى والحسين، فهناك عشرات المحلات التى تقدم صناعات حرفية وغيرها تتراكم القمامة حولها فى كل مكان، وعندما يدلف المرء إلى شارع المعز من شارع الأزهر سيتحسر على ذلك الجزء التاريخى من القاهرة الذى يشكل متحفًا مفتوحًا لا مثيل له فى الدنيا كلها، فالقاذورات والأزبال تتناثر هنا وهناك فى وضع مؤسف.

هل معنى هذا أنه لا فائدة، وأن غياب ثقافة النظافة هو قدر المصريين؟ الإجابة لا بالطبع، فالإنسان المصرى لديه جينات حضارية متجذرة، وما جرى بمترو الأنفاق أكبر دليل على ذلك، وليت الدولة تعممه، فمترو الأنفاق نظيف دائمًا وعلى مدار الساعة، رغم أن ملايين الناس من كافة المستويات الاجتماعية تستخدمه يوميًا، ولكن وبمجرد الخروج منه لتصبح فى ميدان التحرير أو العتبة أو غيرهما من الميادين والطرقات ستستقبلك الزبالة فى كل مكان. إذن لماذا لا تطبق غرامة مشابهة، ولماذا لا تكون الدولة حازمة فى نظافة الأماكن العامة مثلما هو الأمر فى مترو الأنفاق؟

هيئة النظافة والتجميل بوضعها الحالى، هى هيئة بدائية الأداء، ويغلب عليها الأداء البيروقراطى، والكنّاس الذى يلم زبالة الشوارع بمكنسة جريد فى مدينة بها ملايين الناس أمر مضحك، والتجميل شبه غائب عن هذه الهيئة التى يجب أن يعمل بها فنانون لديهم خيال وذوق وقدرة على ابتداع الجمال فى الفضاء المجتمعى العام.

نحتاج إلى تجذير ثقافة النظافة عبر التعليم والإعلام التابع للدولة، فنحن لا نعيش فى بيوت فقط، ولكن نعيش فى شوارع وأماكن عامة ونتعامل مع هيئات عامة يجب أن تكون جميلة ونظيفة.

نحتاج إلى يوم سنوى لثقافة النظافة كيوم محاربة التدخين أو غيره من الأيام الكثيرة التى ننبه الناس من خلالها لمشكلة من المشكلات داخل المجتمع.