الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مصطفى موسى: «نداء القرنفل» بحث فى حياة البسطاء.. ونحن غافلون عن كنز من التاريخ فى إفريقيا

مصطفى موسى
مصطفى موسى

مغامرة سردية جديدة يخوضها الروائى المصرى مصطفى موسى فى روايته «نداء القرنفل» التى صدرت قبل أيام فى بيروت عن دار «هاشيت أنطوان- نوفل».

يطّعم الكاتب روايته بالأحداث السياسية دون أن يستحضر التواريخ بشكل مباشر. إلا أن تحولات مصر تظّلل الشخصيات وترافقها. ثالث عائلات أساسية نتابع قدومها من قرية أم عّزام. تلك القرية التى تتفّرع منها القصص لتمتد إلى القاهرة والإسكندرية. الزمن فى هذه الرواية عنصر محكم. يتسع لأجيال مختلفة نادرًا ما تنجو مما ورثته! 

قبل «نداء القرنفل» صدرت لمصطفى موسى روايات عدة، لعل أبرزها «السنغالى»، و«فدان الجنة»، و«رؤيا العين»، و«دوائر العميان»..

«حرف» التقت مصطفى موسى وأجرت معه هذا الحوار

■ تتبع «نداء القرنفل» مسارات شخوص فى أزمنة الزعيمين عبدالناصر والسادات.. الحروب ثم الانفتاح.. هناك من واتاه الحظ وأثرى وهناك من تعثر فى الظروف.. هل يمكننا القول إن «نداء القرنفل» نقد مجتمعى لتلك الفترة؟

- ليس نقدًا مجتمعيًا بقدر ما هو إثارة قلقلة تمس القارئ، فتجعله يتقلب حائرًا، ووجود سيرة الزعيمين عبدالناصر والسادات لم تكن إلا لتحديد الزمن ليضبط إيقاع القراءة وترتيب الأحداث، فالمهم بالنسبة لى فى «نداء القرنفل» هو البحث عن حيوات الناس البسطاء، الذين سقطوا من بؤرة الاهتمام مثل زينب وأيتامها الأربعة، والنظر من قرب إلى أحداث الحياة اليومية وكشف ألاعيب الزمن، كما حدث لعزيز والبرزى، بغض النظر عن الأحداث الكبرى التى هزت المجتمع.

■ كيف يمكن للكاتب التحكم فى هذه الشبكة السببية الكبيرة من العلاقات والشخوص، أو بمعنى آخر: كيف تبنى شخصيات أعمالك؟

- لا أخطط كثيرًا للحبكة أو الشخصيات قبل الكتابة، بل مجرد صورة ذهنية للشكل الفيزيائى لكل شخصية، ثم يبدأ الدفق الحماسى الذى يسمى البداية، فلا أقمع الشخصيات، بل أنصت إليها وأسمع حكاياتها، وحين تنبعث إلى الحياة تتخذ مصيرها الذى ربما يختلف عما كنت أريده.

■ سبق لك إصدار روايات تحتفى بالعوالم الروحية والتصوف وتربط إفريقيا بمصر من خلال مسارات الحج وغيرها وتعتمد المرويات الشعبية كمعين للحكايات.. هل يمكن اعتبار «نداء القرنفل» قطعة بلون مختلف فى رصيدك الروائى؟

- لدىّ ميل للتصوف، لكنه ليس اتجاهًا للكتابة الروائية، ربما كانت الروايات الثلاث بها أركان صوفية نتيجة الفترة الزمنية والبعد المكانى المتعلق بكل رواية، فما بين السودان وتمبكتو والنيجر ومالى دارت الأحداث، بما فيها من علاقات القبائل الإسلامية وتقديسهم للصحابة وآل البيت، وبالمناسبة نحن نغفل عن كنز من التاريخ فى قارة إفريقيا لم يأخذ حقه بعد، فالقارة السمراء محرضة على الكتابة، بما فيها من إمبراطوريات وتغيرات، للأسف لم توثق بالشكل اللائق.

وبالعودة إلى «نداء القرنفل» أوافقك الرأى بأنها قطعة بلون مختلف، تعمدت ذلك بعد كتابة أربع روايات محاورها التاريخ الإفريقى بكل تنوعاته، فالتوقف عن التغيير مظهر من مظاهر الجمود، قد يكون التملص- بالنسبة لى فى وقت سابق- من منطلق الالتزام بالمشروع التاريخى أو اللون الأدبى واللغة الكلاسيكية، لكنه فى الحقيقة كان دلالة على خوفى من التغيير واستخدام لغة لم أتعود الكتابة بها، واكتشفت أن التجربة ثرية جدًا بما فيها من تحدٍ، ومشروعى المقبل سيكون تنوعًا آخر ومختلفًا، فالكاتب الجيد يمكن أن يطوع كل الأدوات لتحقيق هدفه فى الكتابة.

■ نلحظ تكرار تيمة «الرحلة الطويلة» فى أعمالك وينوه بعض القراء على موقع «جودريدز» بذلك ونشير هنا إلى روايتى «السنغالى» و«فدان الجنة».. هل يمكن اعتبار «الرحلة» وما يترتب عليها من اعتناء بالجغرافيا، سمة أساسية فى سرد مصطفى موسى؟

- الجغرافيا عنصر أساسى للكتابة من وجهة نظرى، الجغرافيا بمعناها المادى والمعنوى، لكن «الرحلة» لم تكن تيمة أساسية، بل كانت فخًا وقعت فيه دون قصد، فخ لم أفطن له على مدار ثلاث روايات، فعلاقتى تنقطع بالنص- وهو خطأ غير مقبول فى الكتابة- بمجرد طبعها، قناعتى أن الرواية لا أمان لها بعد أن يفلت عقالها أوقعنى فى ذلك الفخ الذى استمتعت بالوقوع فيه، ولست نادمًا على ذلك.

■ اقتضت بعض رواياتك، أن تخوض فى مسار بحثى لجمع المعلومات والمادة اللازمة للاشتغال على الرواية، والحديث هنا عن رواية «دوائر العميان» وما نسجته حول مالى ومدينة تمبكتو.. كيف ترى الروائى كباحث وكيف ترى هذا اللون من السرد؟

- الباحث دائمًا محصن بقواعد تحكم طريقة جمع وتحليل المعلومات، والتأكد من صدق المحتوى بأساليب مناهج البحث العلمية للوصول إلى النتائج، أما الروائى حين يقوم بهذه المهمة فلا يعنيه الصدق الكامل، بل جزء من الحقيقة المخفية وراء كل كذبة تكفيه، وربما ينظر إلى الأكاذيب لما لها من متعة ودلالة كاشفة، يستخدمها فى بناء الرواية، وعوضًا عن الوصول لنتائج فإنه يصل لتقييم الوعى الجماعى السوى أو المضلل، فبعكس الباحث الذى يتوقف عند حجم السرقة الضخم وطريقة تنفيذ الجريمة، يقف الروائى عند سبل جمع هذا المال المسروق. وفى رواية «دوائر العميان» كل جملة كُتبت غمّست بالتاريخ، ربما لإكمال ناقص أو تأكد منفى أو لخلق أشياء ليست بالضرورة حقيقية، لكنها كتابة تستند على ظل من الحقيقة، فالبحث فرض عين على الروائى، فتقديم رواية تاريخية للقارئ دون بحث وجمع المعلومات مثل شاهد الزور الأعمى الذى يحكى للقاضى كيف تمت الجريمة.

■ أنت كاتب مصرى تقيم فى الإسكندرية، لكن يُلاحظ أن الكثير من رواياتك نشرت خارج مصر فى لبنان والأردن.. ما السر فى ذلك؟

- النشر فى مصر يحتاج مقومات لا أملك منها الكثير للأسف، فالصبر والجدال والدهاء وأشياء أخرى كثيرة هى ما يحتاج إليها الكاتب، حاولت النشر فى مصر بادئ الأمر ولم يحالفنى الحظ، بالطبع وافقت فى أول ثلاثة أعمال على دفع مقابل الطباعة، وهى من أخطاء البدايات التى نقع فيها، مثل أخطاء فى الكتابة واللهفة والتسرع لنمسك كتابًا يحمل كاتبه.

على أى حال ما يهم أى كاتب أن يجد دارًا تنشر أعماله، وتهتم بالتدقيق والتحرير والتسويق بصورة احترافية مؤسساتية، وهو ما وجدته فى دور النشر السورية واللبنانية، وبما أن المجازفة ليست من طباعى فلم أتخذ قرار محاولة النشر مرة أخرى فى مصر حتى الآن، ربما يحدث ذلك فى المستقبل. 

■ لك أعمال قديمة فى الكتابة الساخرة.. هل أقلعت عنها؟

- لى إصدار وحيد ساخر، وهو كتاب يحوى مقالات بعنوان «ودخلت طز التاريخ»، وأعتبره مع شقيقتيه روايتى «بديعة بدون رخصة» و«ثورة البلاليكا» من الأعمال التى لا تهم إلا مؤلفها، فهى مليئة بأخطاء التجربة الأولى وشهوة البدايات.

■ بصفتك مقيمًا خارج القاهرة.. هل ترى أن المشهد الأدبى فى مصر يعانى من إقصائية متعلقة بجدلية «المركز والهامش»؟

- كلمة «إقصائية» حادة المعنى قليلًا، وتحمل القصدية والتعمد، ربما هى إقصائية غير متعمدة، فالقاهرة مازالت أم الفرص من الناحية المؤسساتية، لكن سرعة التواصل نهشت جزءًا من مركزيتها، فبضغطة زر أصبح التواصل يسيرًا، إرسال مخطوطة وإعداد حفل توقيع أو الإعلان عن صدور رواية أو حتى تجهز أو حضور مناقشة عمل أدبى أونلاين وأمثلة كثيرة، بالإضافة إلى ظهور وظائف جديدة مثل «بوكتيوبر» و«منسق ثقافى» و«مسئول دعاية أدبية»، أدى ذلك لسهولة التنظيم والوصول للقارئ والانتشار للكاتب، لكن لو سمحت لى بإعادة صياغة السؤال واستبدال «إقصائية» بـ«علاقات عامة» ربما تكون الإجابة مختلفة، فمن وجهة نظرى انتشار الكاتب يتناسب طرديًا مع حجم شبكة علاقاته بالمجتمع الثقافى المتمركز فى القاهرة، ما يضع الكاتب تحت ضغط الوقت، فالعلاقات الاجتماعية تحتاج مجاملات وانخراطًا إنسانيًا لا يملكه الكاتب الهادئ المحب لبيته وعزلته، ولا يحب أن يعّرض نفسه لألاعيب الحياة الاجتماعية القائمة على البهرجة، لكن الواقع القاهرى مازال يؤكد أن البعيد عن العين بعيد عن الخاطر.

■ وصلت روايتك «السنغالى» إلى القائمة القصيرة فى جائزة ساويرس.. كيف ترى الجوائز الأدبية فى مصر والعالم العربى وما قيمته للكاتب؟

- من وجهة نظرى الجوائز الأدبية فى كل العالم متشابهة فى الهدف منها، فهى جرس صغير يدق بجوار أذن القارئ ليخبره أن فلانًا كاتب جيد فاقرأ له، المشكلة تكمن فى حماسة بعض القراء فى وقتنا الراهن للكاتب ذاته، حماسة لا أساس لها بمعيار الجودة، فبعض القراء يكون اسم الكاتب الحاصل على جائزة أو مرشح لها بالنسبة إليهم أهم من جودة العمل ذاته، فأصبح الحصول على جائزة بمثابة صك تقديس للكاتب قبل نصه.

أما بالنسبة للكاتب فالجوائز مهمة باختلاف الأولويات، فمعظم الكتاب يبحثون عن تقدير الذات فى الشهرة، أو المال المتمثل فى تحقيق أعلى مبيعات، أو تقدير المجتمع عن طريق الحصول على جوائز عالمية ومحلية.

■ ماذا تقرأ هذه الأيام؟ ومن هم كتابك المفضلون مصريًا وعربيًا وعالميًا؟

- اقرأ الآن كتاب «لماذا يصفق المصريون» للدكتور عماد عبداللطيف، أستاذ البلاغة والتحليل الخطابى بجامعة القاهرة، أما عن كتابى المفضلين فالقائمة طويلة جدًا، ولا يسع حوارك الراقى لها، لكن منهم الأساتذة خيرى شلبى وصنع الله إبراهيم وعلاء الديب من مصر، والأساتذة جان دوست وياسمينة خضرا وإبراهيم الكونى وعلى الوردى من الكتاب العرب، ومن الأجانب الأساتذة ميرسيا إليادة وبيتر غرانسى وج.م.كوتسى.