الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمد عبلة: مذكراتى ليست عنى فأنا لست مهمًا

محمد علبة
محمد علبة

- لا أرسم لوحة شكل الأخرى.. وكل واحدة تأخذ جزءًا منى وحين تنفصل عنى أحزن

محمد عبلة رقم صعب فى عالم الفن التشكيلى المصرى، فبخلاف أنه فنان كبير له مدرسة فنية خاصة ومنجز تشكيلى مبهر وفريد من نوعه، يعتبر أحد الأضلاع الهامة فى الثقافة المصرية، فى ظل تجربته الكبيرة فى العمل الفنى والتثقيفى خلال العقود الأخيرة.

هذه التجربة الثرية ربما هى ما دفعت الفنان الكبير لإصدار الجزء الأول من مذكراته تحت عنوان «مصر يا عبلة.. سنوات التكوين» عن دار الشروق للنشر والتوزيع، لتكون وثيقة وشاهدًا على عصر وفترة مهمة من تاريخ الثقافة المصرية، ولتمثل أيضًا مروية مهمة عن الكثير من الشخصيات التى قابلها فى مسيرته وأثّرت فى الوجدان المصرى.

عن الكتاب وما احتواه من حكايات وأسرار وتفاصيل ثرية، أجرت «حرف» مع محمد عبلة الحوار الآتى:

■ عنوان «مصر يا عبلة» هو فى الأصل جملة شهيرة قالها محمود يس لمديحة كامل فى فيلم «الصعود إلى الهاوية».. هل قصدت هذا الاقتباس؟

- نعم جدًا، فالجاسوسة التى أدت مديحة كامل دورها فى هذا الفيلم كانت فى الطائرة مع محمود ياسين، وكان يقول لها «هذه هى مصر يا عبلة» وهو يشير إلى النيل والأهرامات وغيرها، وهى كانت خائنة لمصر.

وقصدت اقتباس هذه العبارة فى عنوان كتابى، لأقول للناس إن هذه هى مصر التى فى الكتاب، وإن هذه هى مصر التى لا نعرفها، الجاسوسة خانت مصر لأنها لا تعرفها، ولا بد أن نعرف مصر لكى ندافع عنها وبالتالى لا بد أن نحبها.

■ جاءت لغتك فى الكتاب بسيطة وسهلة جدًا.. هل كنت تقصد ذلك؟

- حاولت أن أستخدم لغة تتناسب مع عمرى أيامها، ولو كتبت هذا الكتاب بإحساسى الآن، فسأكتبه بشكل آخر لكننى كتبته فى الفترة التى كنت فيها ما بين ١٩٧٣ وحتى ١٩٧٨، وأنا كنت أرجع لزمان قديم، كنت فيه عفويًا وبسيطًا، والذى فى قلبى على لسانى، لكن اللغة بالتأكيد ستتغير فى الكتاب التالى طبقًا لتغير الفترة التى أتحدث عنها.

■ بدأت مذكراتك منذ اللحظة التى تخرجت فيها من الثانوية العامة ودخلت كلية الفنون التطبيقية وكان والدك يريدك ضابطًا فى الحربية.. لماذا بدأت السرد من هذه الفترة وليس منذ ولادتك؟

- قررت منذ البداية أن أتحدث عن مرحلة الجامعة، لأنها فى رأيى المرحلة الأهم فى حياتى وفى حياة مصر أيضًا نظرًا للأحداث التى وقعت فى تلك الفترة من ٧٣ وحتى ٧٨، فهناك حرب أكتوبر المجيدة، والانفتاح الاقتصادى ومعاهدة السلام التى قادها الرئيس السادات، وما حدث بعدها من اغتياله، والجماعات الإسلامية والتحولات التى أصابت المجتمع كله، كل هذا حدث فى تلك الفترة.

هى مرحلة مهمة بالنسبة لمصر، فقلت أبدأ من هنا، ولدىّ نية لإكمال الحكاية من خلال الجزء الثانى، وهو عن مرحلة السفر، وخاصة السفر إلى أوروبا.

■ سيرتك ليست مجرد سيرة للفنان فقط لكنها تعرج أيضًا على تاريخ مصر الفنى وشخصيات مثل سيف وانلى وكامل مصطفى وأحمد عثمان وحامد ندا وغيرهم الكثيرين.. لماذا؟

- طبعًا أنت حين تتحدث عن نفسك فلست بمعزل عن الجو المحيط، وأنا أشعر بأننى بشخصى لست مهمًا، لكن المهم هو التلاقى مع أناس آخرين، والهدف ألا أتحدث عن نفسى ولكن عن الآخرين وأتحدث عن نفسى كوسيط للحديث عن الآخرين، وكنت طوال الوقت مختفيًا ومتلقيًا ولا أتحدث عن نفسى بل عن الناس، وأنا مجرد وسيلة للحديث عن الآخرين، لأنهم يمثلون مصر بشكل أو بآخر، مصر التى أحبها وأعرفها.

■ خضت تجربة التأمل بإيعاز من زميلك وابتعدت عنها بعد حادث وقع لك فى الإسكندرية.. كيف ترى هذه التجربة الآن؟

- فى هذه الفترة كنا نبحث عن الله، من الطبيعى أن يكون لديك شك فى كل شىء، فى الدين والإسلام وما تربيت عليه، وليس لى فضل مثلًا فى أننى ولدت مسلمًا، ولكنها وراثة، حينها تبدأ فى الشك فى كل شىء، ومن لم يولد مسلمًا ماذا يفعل مثلًا؟ ومن ولد فى بيئة ليست لها علاقة بالأديان فلا بد أن يبحث، وأنا كنت أبحث أيضًا، أبحث لأن لدى شكًا وأحتاج لإجابات.

اكتشفت بعد ذلك أن كل هذا له علاقة بالإسلام بشكل أو بآخر لأنك فى الإسلام تحتاج للتأمل وتترفع وتستغنى، فالدين والإسلام فيه كل هذه المعانى لتكتشفها مع الوقت وتكتشف أن الدين نفسه تعرض لتخريب طوال قرون، وحدثت إضافات على روح الدين، وفى الأخير تشعر بأن روح الأديان كلها واحدة، البحث عن الخلاص وأن ترى وجه الله والوصول للحقيقة، وكل الأديان هى نفس الروح. 

■ ما قصة أول لوحة لك؟

- قصة أول لوحة مرتبطة بالوعى لأننى طوال فترة دراستى فى الكلية كنت أرسم، فأول لوحة للفنان هى التى لم يقل له أحد ارسمها، وإنما رسمها من تلقاء نفسه لأنه بطبيعة الحال رسام، وتكون هناك حيرة كبيرة تنتاب كل فنان، ما الذى يرسمه؟ وكيف تكون أول لوحة؟ ولكن تتدخل العديد من الأمور فى ذلك، فأنا يشاء الحظ الجميل أن تكون أول لوحة لى عن الأقصر لأننى كنت أزورها فى ذلك الوقت وأنا أحب هذه المحافظة جدًا، وكانت الزيارة قبل تخرجى من الكلية، ورحت أتامل ما حولى هناك من نيل وآثار وعظمة كبيرة جدًا، لذلك يمكن القول إن أول لوحة لمحمد عبلة وهى أول لوحة وقعت عليها باسمى كانت مشهدًا من مدينة القرنة.

■ قلت إن مشروع تخرجك أصابك بإحباط بعد مشاهدة عظمة النحات المصرى القديم ورسومات المقابر فى الأقصر.. لماذا؟

- أولًا ذهبت للأقصر لأننى أحبها وظلت مرتبطة بذهنى منذ زرتها أول مرة فى رحلة مع الكلية، وأنا ذهبت إلى هناك لكى أرسم الأقصر الفرعونية فبدأت أدخل المقابر وأرى، فوجدت رسومات ومنحوتات قوية جدًا، وأنا لو تم تقطيع يدى تقطيعًا فلن أتمكن من أن أرسم مثلها، وجاءتنى أسئلة من عينة كيف رسم الأجداد مثل هذه الرسوم؟ وما الذى سأرسمه وكيف أرسم؟ وهم أنهوا كل ما يمكن أن يرسم، فأحسست بالعجز فتركت الورق والأقلام وقلت لن أرسم، إلى أن قابلت «عبدالرسول» صاحب مرسم فى الأقصر، وقال لى إن الفن الفرعونى بحره عميق جدًا، هل ستنهيه فى أسبوع واحد، فى البداية يجب أن تشاهد وتفهم، هناك الكثير من الناس يضيعون أعمارهم هنا، شاهد أولًا، فرحت أشاهد وأتأمل، ونسيت موضوع الرسم. 

■ فى معرضك الأول رفضت بيع إحدى لوحاتك لرجل أرجنتينى بـ١٢٠ جنيهًا استجابة لنصيحة حامد ندا.. لماذا فعلت ذلك؟

- بالنسبة لى كان هذا هو أول صدام مع مشترٍ فى أول معرض لى، فأنا لم يكن لدىّ تصور بأن المعرض مخصص للبيع، أنت تذهب وتشاهد فقط، وحين يقول لى أحدهم سأشترى وتكتشف أن المشترى سيأخذ اللوحة، ويسافر بها إلى الأرجنتين، فتشعر بأن جزءًا منك ينفصل عنك.

والعلاقة مع اللوحات تختلف من فنان لآخر، فأنا لا أرسم لوحة شكل الأخرى وكل لوحة تأخذ جزءًا منى وحين تنفصل عنى أحزن، وهناك فنانون يرسمون نفس اللوحات بحيث إنك حين ترى لوحاتهم تعرف أن هذه لفلان وهذه لفلان، وأنا لا أفعل هذا، وكل معرض من معارضى له فكرة مختلفة فعلاقتى بالفن مختلفة قليلًا.