متحفنا الكبير
المتحف المصرى الكبير بالجيزة، مشروع عملاق مشرّف لا بد أن يفخر به كل إنسان مصرى، فهو إنجاز يليق بعظمة مصر وكنوز تاريخها القديم الممتد، وهو أكبر متحف للآثار فى العالم، تم بناؤه وتجهيزه وفقًا للأصول والمعايير العلمية الحديثة.
تكلفة المتحف الضخم التى تجاوزت المليار جنيه أنفقت من ميزانية الدولة المصرية، ويجب استرجاعها عبر إيرادات المتحف ذاته وأنشطته المتباينة وهذا أمر موضوعى، ويصب بالنهاية فى المصلحة العامة، ولا شك أن إدارته المتخصصة التى تم اختيارها كى تدير ذلك الصرح العظيم، هى الأدرى بكيفية الاستفادة منه، ولكن أن تكون تذاكر دخول هذا المكان مرتفعة الثمن، ولا طاقة لمعظم أبناء الشعب المصرى على تحملها- فهذا أمر غريب ومؤسف ومحزن.
غريب أن يكون ثمن بطاقة المتحف، هى الوسيلة الأولى لمنع المصريين من مشاهدة آثارهم القديمة بينما يستطيع ذلك أى أجنبى، أيًا كانت جنسيته ما دام هو قادر على دفع ثمن البطاقة.
ومؤسف أن تكون الآثار المصرية القديمة الأكثر أهمية، ليست فى متناول المواطن البسيط، الذى يتعرف من خلال تلك الآثار على الجانب الأهم من مُكون هُويته، وهو جانب الحضارة المصرية القديمة، ذلك المواطن الذى بات ولأسباب كثيرة، لا يعتز بهويته وتاريخه، ويفخر بكل ما هو أجنبى وارد من الخارج، فأصبح من العادى جدًا أن يدخل المرء لشراء بضاعة ما، فيقول البائع بفخر، هذا تركى أو هذا إندونيسى... إلخ.
ومحزن أن يكون هذا المشروع العملاق ليس بمتناول تلاميذ وطلاب المدارس الفقراء، وملايين الشباب، ودارسى الفنون وغيرهم؛ بسبب سعر بطاقة الدخول المرتفع.
لو افترضنا أن سعر بطاقة دخول المتحف صارت بخمسين جنيهًا أو أربعين، ودخل المتحف سنويًا عشرون مليونًا من المصريين، فإن العائد سوف يكون ملايين الجنيهات وهى حصيلة ليست بقليلة، وهذا على اعتبار أن ذلك تم خلال سنة واحدة فقط.
علينا أن نتذكر أن السياحة الخارجية مرهونة فى أحيان كثيرة بأمور خارجة عن الإرادة، ولا يجب الرهان عليها طوال الوقت، ولنتذكر الأوقات العصيبة للإرهاب فى السنوات الماضية، ولنتذكر الركود السياحى زمن مرض الكورونا، وكيف أن السياحة الداخلية لعبت دورًا لا بأس به فى إنعاش ذلك الركود، بالنسبة لذلك القطاع الاقتصادى المهم الذى يعد ركنًا أساسيًا من أركان الدخل القومى، وتقييد دخول عموم المصريين المتحف بسبب سعر دخوله، مسألة غير مفهومة ولا تصب فى مصلحة الوطن والمواطن، فزيارة المتحف ليست للترفيه والتسلية، وإنما هى معرفة وتفكّر وتمعّن لكل مصرى ومصرية فيما يتعلق بجذوره وأصوله الحضارية.