وقائع معركة مع ورثته فى ذكرى ميلاده التسعين
باحثون.. وورثة... هل كان حافظ رجب «بياع لب وسودانى»؟
- هل كان محمد حافظ رجب يشكو من علة نفسية أثرت على كتاباته؟
- حكاية أن الكاتب يبدأ حياته فى أعمال بسيطة أو متواضعة ليست شيئًا مهينًا ولا سخيفًا
منذ عامين أو ثلاثة أعوام لا أتذكر على وجه الدقة، تلقيت اتصالًا مفاجئًا من رقم غريب ليس مسجلًا عندى فى ذاكرة الهاتف، وعندما أجبت، عرّف الشخص الذى هاتفنى بأنه العقيد أو الرائد فلان الفلانى، كذلك لا أتذكر الاسم ولا الرتبة التى ذكرها لى، وما أتذكره أنه كان شخصًا شديد الأدب، وقال لى إنه ابن شقيق الكاتب والأديب السكندرى الراحل محمد حافظ رجب، بالتالى رحبت به ترحيبًا يليق بقرابته بالكاتب الكبير الذى نكنّ له كل تقدير واحترام وإعزاز، لما قدمه أولًا فى مجال كتابة القصة القصيرة، وثانيًا لأنه كان رجلًا عصاميًا وشديد الدأب والاجتهاد نحو تحقيق ما كان يصبو إليه ويحلم به، منذ أن كان يراسل كثيرًا من مجلات وصحف أوائل عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وكانت تلك الصحف تنشر له بعضًا من قصصه التى كان يرسلها، أو بعضًا من مقالات قصيرة حول الكتب والروايات التى كان يقرأها ويكتب ملخصًا عنها، وهذان السببان كانا كافيين لوضع محمد حافظ رجب فى قلوب المصريين جميعًا.
قلت للشخص الذى هاتفنى بأننى تحت أمره فى أى شىء يطلبه منى، أى بخصوص معلومات، أو كتابات له أو عنه تائهة فى الأرشيف الثقافى المصرى، خاصة أننا فى مصر لا نستطيع العثور على تلك الأمور بسهولة، ولكن الرجل فاجأنى بما هو عكس ذلك تمامًا، وقال لى إنه لا يبحث عن تلك الأمور، ولكنه كأحد أفراد العائلة القريبين من الكاتب الكبير، أراد أن يبلغنى بأن كل أفراد العائلة الكريمة متذمرون وغاضبون جدًا من المعلومات التى أوردتها فى كل ما كتبته عن الأستاذ حافظ رجب، وأخبرنى بأنه والعائلة الكريمة بصدد جمع كل ما كتب فى الصحف والمجلات والمواقع عن الكاتب الكريم، ورفع قضية على كل من كتب وأساء لسمعة الكاتب، بالتالى أضر بسمعة العائلة، واستطرد قائلًا: «إن عمى محمد، عمره ما كان بائعًا متجولًا، ولا سريحًا يبيع اللب والسودانى على محطة الرمل بالإسكندرية، وكل هذا محض كذب ووهم وافتراء».
فاجأنى بالفعل سيادة الضابط، وقلت له مازحًا: هل أردت بتعريف نفسك كضابط أن تهددنى؟، فنفى ذلك تمامًا بكل ذوق وأدب، ولكنه قال إنه أراد فقط أن يعرّفنى بهويته، وليس فى الأمر أى تهديد، ورغم أن تلك الأخبار التى قيلت عن أستاذنا حافظ رجب، ليست جديدة، وقالها قبلى كتّاب وباحثون كثيرون، لكن لا أعرف لماذا اختارنى أنا بالذات، وإن كان لدىّ بعض ظنون فى ذلك، ظنون ليست صالحة للكتابة أو للبوح، سأتركها جانبًا، لأنها ليست ذات أهمية، لأنها موضوع انتقامات صغيرة من أشخاص لا أهتم بهم، ولا أكنّ لهم أدنى احترام، لكننى حاولت أن أوضح أولًا أن حكاية أن الكاتب يبدأ حياته فى أعمال بسيطة أو متواضعة، ليست شيئًا مهينًا ولا سخيفًا، ولدينا مئات القصص التى تقول إن كتّابًا كبارًا كانوا فى أشد الحاجة إلى المال وسد باب الاحتياج، فاشتغلوا وعملوا فى مهن سيئة، يكفى أن نقول إن الكاتب الروسى العظيم مكسم جوركى، بدأ حياته إسكافيًا، وعاملًا فى فرن، وعاملًا فى عربات النقل، وبيرم التونسى اشتغل فى محل بقالة، وعمل حمّالًا فى مرسيليا، وأوضحت له أن كثيرًا من كتابنا فى مصر بدأوا حياتهم هكذا، منهم خيرى شلبى، وعبدالرحمن الأبنودى، وإبراهيم أصلان، وغير هؤلاء من كتّابنا العظام، وأضفت له ثانيًا والمهم، بأن الكتّاب لم يفتروا على عمه حافظ رجب، فقال لى كيف ذلك؟، فقلت له: إن الأستاذ حافظ رجب نفسه الذى كان يزيل رسائله التى كان يرسلها للصحف والمجلات بمهنته التى كان يعمل فيها غير آبه بأى شىء سوى الحقيقة، ثالثًا وهو الأهم، أن الأستاذ حافظ رجب، عندما جاء إلى القاهرة لكى يعمل فيها موظفًا، وينجو من كل العذابات التى كان يعانيها فى الإسكندرية، وعرف يوسف السباعى بذلك الأمر، فاستدعاه، وألحقه بوظيفة فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وعندما استقر حافظ رجب فى وظيفة حكومية مستقرة، ولمع اسمه بقوة فى عالم الأدب، بدأت الصحف والمجلات تستكتبه وتنشر له، وتحتفى به ككاتب عصامى عظيم، وفى ذلك السياق، كانت مجلة الهلال عندما كان على أمين رئيسًا لتحريرها، أفرد بابًا مهمًا عنوانه «فى الطريق إلى.. شارع النجاح»، وأخبرت مهاتفى الكريم أن عمه حافظ كتب شهادة فى ذلك الباب، وكتب كل المعلومات التى تداولها الكتّاب فيما بعد، بالتالى شعرت بأن محدثى بوغت، وقال لى: هل لديد تلك الشهادة، قلت له: نعم، فقال لى: ليتك ترسلها لى، وبعد ذلك سأقول لك رأيى، وماذا سوف نعمل، وأرسلت الشهادة له بالفعل، وشكرنى، ووعد بأنه سيعيد الاتصال مرة أخرى، ولكنه لم يعد الاتصال، ولكى أضع القارئ الكريم فى الصورة، أعيد نشر شهادة الراحل الكبير محمد حافظ رجب هنا دون أى تدخل منى، الشهادة كاملة بكل تفاصيلها، والتى نشرت فى مجلة الهلال عدد أكتوبر عام ١٩٦٢، تحت عنوان «مذكرات بائع لب»، وقدمه المحرر قائلًا: اسمه محمد حافظ رجب، وعمره ٢٧ عامًا، وهذه كلماته وسطوره وأسلوبه، كلماته اخترتها من مذكراته التى يكتبها كلما أحس بالألم، وكثيرًا ما يحس به، كلمات ليس لى فيها من فضل سوى نقلها إلى هذا الباب.. إنه يقول:
«حبيب إلى كل من يذكرنى بها.. حبيب إلى كل من يحدثنى بها.. إنها (محطة الرمل) بالإسكندرية المكان الذى تعيش ذكراه حية دائمًا فى ناظرى، فهناك على أحد الأرصفة بجوار سينما ستراند، بدأت الحياة مع أبى، وبين عشرات الباعة، الشيخ عبده، وعلى الأبيض، وحمد الإنجليزى، وحسين الأعمى، بدأت أخطو خطوات العمر الأولى، ومن قراطيس اللب الذى كنت أبيعه، ومن عشرات المجلات والكتب التى كان يبيعها هؤلاء الأصدقاء، رحت أتلمس البحث عن السطور..
وكان أبى بائعًا قديمًا بينهم، وكانوا يعتبرونه (معلمًا)، فقد كان أكثرهم حركة، وأكثرهم مكسبًا، وأكثرهم خسارة، وكنت وحيدًا بين عشرة أبناء ماتوا جميعًا، ربما من الجوع، رغم الحكمة التى تقول إن أحدًا لا يموت من الجوع.. وكان عمرى سبع سنوات عندما كنت قد درت على عدة مدارس صغيرة تعلمت فيها كيف أقرأ وأكتب، ثم أدخلنى أبى المدرسة الابتدائية على أن أكسب قوت يومى ببيع اللب والفول السودانى والبندق، فبعدت عن ذلك العالم السحرى، عالم الطفولة والصبا، وانغرست أقدامى فى عالم جديد أجبرت على البقاء فيه، ولم أجد ما يشجعنى على الاستمرار سوى تلك الأوراق الحبيبة التى أقرأها، وأذكر أننى فى هذه الفترة كنت أقرأ (البلبل والهلال) معًا، وبدأت العواصف تغزو بيتنا الذى كان يترنح بسبب المشاجرات الدائمة بين أمى وأبى، كانت أمى لا تحتمل، وكان أبى أكثر عنفًا، وبين يوم وليلة طلق أبى أمى، وجاءت سيدة أخرى احتلت مكانها، وأحسست أن عرشى قد تهاوى، وبدأ كالعادة الصراع بينها وبينى، وكنت فى الثالثة عشرة من عمرى عندما لحقت بأمى، ورحنا ننتقل معًا بين بيوت الأقارب، واعتقدت أننى عرفت العالم المستقر عندما عملت وقتئذ صبيًا لنجار، إلا أننى هربت منه بعد شهر واحد لأعمل فى مصنع الزجاج، كانوا يكوون فيه أيدى الصغار بالنار، وفى اليوم التالى تركت المصنع لأعمل مع ابن خالتى فى حمل الخضروات والجزر من على عربات الكاميون..
وفى هذا العالم المضطرب الذى أعيشه.. أجد أمى قد تزوجت، فأعود لأبى الذى كان قد فتح مطعمًا للفول، وأبيع على بابه الفول السودانى...
كانت روايات الجيب هى نافذتى الأولى فى عالم القصة، والتقيت فيها بكاتب البؤساء فيكتور هيجو، فعشقته وبدأت صورته تحتل مكانًا فى مخيلتى كفارس وددت أن أكون مثله فى كل شىء، حتى فى لحيته الطويلة البيضاء، وعندما حصلت على الابتدائية، لم يوافق أبى أن يتركنى أستمر فى الدراسة، وأحسست وقتها بأننى أريد أن أصرخ أو أبكى، أو أجرى فى الشارع كالمخبول، أريد أن تطول يداى حتى تعانقا كل الناس، وكل البشر، وأن أحكى حكايات طويلة محملة بالعذاب والأسى، وبدا كل من حولى من الباعة يقولون عنى (مجنون)..
وكان طبيعيًا وقتئذ أن أخط أول سطورى العذراء المضطربة، وكتبت قصة كان مسرحها البحر الكبير الحالم الرابض أمامى.. وظللت أكتب وأكتب، وأستعير من صبحى إبراهيم بائع الهريسة بعض الورق الأبيض الذى يلف فيه بضاعته، ثم اكتشفت أن صبحى هذا يكتب الزجل، ثم نقل عنى كتابة القصة، وكان ينقدنى ويتشاجر معى، وفى إحدى المرات ضربنى، واكتشفنا أيضًا أن صبى المصور المجاور يكتب القصة والشعر، وأن بائع المثلجات فى محل (على كيفك) يكتب الأغنية، وأن خادم الفندق القريب يكتب الزجل، وعلى الفور ألفنا رابطة الثقافة للأدباء الناشئين، وكنت سكرتيرًا لها..
بدأنا نخطر القاهرة بخطاباتنا، ونضع على كل خطاب شعار الرابطة، وطرقت رسائلى باب بعض المجلات وكانوا يوجهون لى بعض النصائح للارتفاع بمستوى كتاباتى ولا ينشرونها، لكنى كنت عنيدًا، فاستمر قلمى يطرق الأبواب، إلى أن فوجئت بقصتى (الجلباب) منشورة فى مجلة (القصة) وأحسست يومها بأننى أكاد أرى ضوءًا بعيدًا ينير الطريق إلى شارع النجاح..
توالت قصصى بعد ذلك فى مجلة القصة، ومقالاتى عن حياة الكتاب فى مجلة الفن، ثم قدمت لى الإذاعة المحلية فى الإسكندرية قصة (رسالة إلى الله)، وفى ذلك الوقت كانت البلدية قد بدأت حفر نفق محطة الرمل، فطاردت الشرطة الباعة وكنت أحدهم، واشتغلت جرسونًا، ثم عدت إلى المحطة لأبيع الكتب على طاولة، وظلت الشرطة تستقبلنى والحياة تزداد عبوسًا، إلا أننى ظللت أكتب واشتركت فى مسابقة نادى القصة وكنت الأول ونشرت لى مجلة التحرير ولاحت من بين الضباب ابتسامة واسعة..
أجَّرت فاترينة سجائر فى قهوة ليونانى عجوز.. ولم تمض على وجودى أيام حتى تهافت على القهوة كثير من الأدباء والفنانين وكونوا رابطة كتاب الطليعة وضمت أكثر من ستين أديبًا كنت رئيسها..
وتمضى الأيام.. وتزداد حاجتى ولا أجد ما يسد رمقى وتفيض بى المرارة.. لكنى أتمكن من أن أحصل على عمل فى القاهرة، وأصبح موظف أرشيف فى المجلس الأعلى للفنون..
وفى القاهرة يزداد نشاطى، فأظل أفوز بجوائز نادى القصة، وتنشر لى الشعب والمساء والرسالة الجديدة وصباح الخير والإذاعة.. ثم أصدر مع بعض الزملاء مجموعة قصصية بعنوان (عيش وملح) يكتب مقدمتها يحيى حقى فيقول: إنها مدرسة تقف موقفًا وسطًا بين مذهب الفن للفن والفن للحياة»..
ويكتب الناقد فؤاد دوارة عن إحدى قصصى فيقول: إنها أنضج من قصة متشابهة لجوركى، وأغنى منها من ناحية عمق الموقف الإنسانى وبناء القصة المتكامل.
وتنتهى شهادة محمد حافظ رجب فى مجلة الهلال، ولكن قصته لم تنته، ولم تتوقف عن مفاجآت كثيرة، فيصبح نجمًا كبيرًا فى عالم القصة، وتنسب له مقولة «احنا جيل من غير أساتذة»، ورغم أن تلك المقولة تنازع عليها كثيرون، بين سيد خميس، ومحمد جاد، إلا أنها تقال دائمًا مقرونة بحافظ رجب، وإبراهيم أصلان، كان أقرب أصدقائه من جيل الستينيات يكتب فى كتابه «خلوة الغلبان»: «.. وهو من نسبت له تلك الصيحة الشهيرة (نحن جيل بلا أساتذة)، والتى اتخذت علامة على جيل كامل من الكتاب، بينما قائلها الحقيقى هو الناقد سيد خميس، وهو الفقير المشاكس الذى تقدم الصفوف أعزل إلا من إيمانه بما يكتب، متلقيًا الطعنات عوضًا عن آخرين، عرفته حوارى الإسكندرية وأرصفة المحطات بائعًا للب والسجاير وأوراق اليانصيب، وعرف هو سلطة القهر باكرًا ممثلة فى شرطة البلدية، كم حكى لى، وعبر فى قصصه، عن تلك الحملات التى تركت فى نفسه أثرًا داميًا، من هؤلاء الذين كانوا لا يكفون عن مطاردة الباعة من رصيف إلى آخر بينما هم يسعون من أجل لقمة العيش، ومغالبة الأيام».
هل كان معتلًا نفسيًا:
ونطرح ذلك السؤال الذى لمّح به كثيرون، هل كان محمد حافظ رجب كان يشكو من علة نفسى أثرت على كتاباته؟، هذا ما لوّح به صبرى حافظ فى احتفاله بقصصه فى مجلة المجلة أغسطس ١٩٦٦، قائلًا: «.. إن تجربة حافظ رجب لا تعبأ بأى من التقاليد، ولا تعبأ أساسًا بالتقيد بحرفية الصورة، فتنافرها مع الواقع ليس فى نهاية المطاف غير وجه من وجوه الالتحام بهذا الواقع والصدور عنه، فهى تنطلق أساسًا من الفانتازى محلقة فى أجواء أكثر جنونًا وسوداوية من أجواء كافكا، فعالمه ملىء بالتشوش، فاقد للتوازن ولكثير من مواصفاته البسيطة غائبة عن سماته أغلب القيم الإيجابية والسليمة، إلا أنها من أقدر الأقاصيص فى هذا الجيل على بلورة الملامح العامة والأبعاد العميقة لهذه اللحظة التى تصدر عنها..»، وينوه أصلان فى سياق ما كتبه قائلًا: «.. لقد كانت هناك مشاكل نفسية، نعم، وهى مسألة عادية تمامًا، ولا يوجد أحد، مبدعًا على وجه الخصوص بمنجى منها، وقد كانت هناك نصيحة طبية بالاستمرار فى الكتابة من أجل استعادة التوازن..»، ويستطرد أصلان فى التنويه عن تلك العلة النفسية التى أصابت صديقه وتوأم روحه، ويتهم أصلان الحياة الأدبية كلها بعدم الرحمة التى كانت تقول كثيرًا من الكلام غير المسئول، وعلى المستوى الشخصى شغلتنى تلك المسألة، حتى عثرت على رسالة منسية أو مجهولة، كان قد أرسلها حافظ رجب نفسه إلى الكاتب صالح مرسى فى مجلة صباح الخير، ونشرها مفيد فوزى فى بابه المعروف «من مفكرتى» فى ٣٠ ديسمبر ١٩٦٥، ويقدمه مفيد فوزى قائلًا: هذا الخطاب الحزين وصل إلى الزميل صالح مرسى هذا الأسبوع، ويقول نص الرسالة:
«أخى صالح.. لقد سقطت فى معركة الاستمرار فى القاهرة بعد ٨ سنوات فيها، و١٥ سنة هى عمر قلمى، لقد خرجت منذ أيام من قسم الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى رأس التين العام، أخى.. إن حالتى سيئة، فتقرير الدكتور عمر الجارم أستاذ الأمراض العصبية بكلية طب الإسكندرية يقول: السيد محمد حافظ رجب عنده حالة اضطراب نفسى، واتضح بدخوله مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية، وفى نفس الوقت اتضح أنه ينقل إلى عمل فى الإسكندرية بعد خروجه من المستشفى ليعيش مع أسرته حتى لا تعاوده الحالة..
أخى.. أناشدك باسم أخوة القلم أن تنقل صرختى إلى المسئولين، وإلى محافظ الإسكندرية، لكى أتمكن من الحياة من أجل أولادى الصغار، ولكى.. ولكى لا أضيع».. محمد حافظ رجب.
ويعقب مفيد فوزى قائلًا:
«إن حافظ رجب ليس نجمًا لامعًا، وليس ممثلًا مشهورًا، وليس لاعب كرة تتهافت عليه الجماهير، لكنه فنان وأديب دخل معركة القلم بشرف، هو فنان كان يحاول الحياة فى القاهرة بأظافره، وهو لم يسقط كما يقول، بل هو يحتاج إلى فرصة.. يحتاج إلى العيش بجوار أولاده فى الإسكندرية، فهل يعمل محافظ الإسكندرية على نقله من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب إلى وظيفة بالإسكندرية، أنا أثق بأنه سوف يفعل، لا بد أن يفعل».
وفى ٢٠ يناير ١٩٦٦ فعلها بالفعل محافظ الإسكندرية، واستجاب لمفيد فوزى، الذى نشر بدوره استجابة المحافظ قائلًا: «ليس أحب إلى نفسى من الاستجابة السريعة لنداء مواطن وقع فى أزمة، وبعد أن نشرت (مفكرتى) منذ أسبوعين خطاب الصديق القصاص محمد حافظ رجب، وصلنى منه بعد عدة أيام خطاب آخر يختلف فى لهجته وأسلوب كتابته.. لقد عادت الابتسامة إلى شفتى محمد حافظ رجب، وتمت الاتصالات سريعة بين يوسف السباعى من ناحية، ومحافظ الإسكندرية بإمضاء السكرتير العام المساعد يؤكد نفس المعنى.. لقد وافق حمدى عاشور على نقل الأديب السكندرى إلى الإسكندرية بوظيفة فى ديوان المحافظة، ونقل بالفعل.. شكرًا للاستجابة، ودعاء من القلب لحافظ رجب».
لم أكن أرجو الاستفاضة فى سرد كل تلك الوقائع والأحداث، خاصة أننا فى ذكرى ميلاد التسعين، لأنه ولد فى عام ١٩٣٥، وفى العام نفسه ولد بهاء طاهر، وإبراهيم أصلان، لكننى كنت أريد أن أقول فقط إن حق الباحث والمؤرخ والكاتب أن يقولوا ما يريج، شريطة ألا يكون مضللًا وكاذبًا، نحن نكتب للحقيقة، مهما كانت العوائق، ويعترض الباحث الكثير من التهديدات من ورثة المبدعين برفع قضايا، وتشويه سمعة، رغم أن الأغراض كثيرًا ما تكون نبيلة، وإلى حكايات أخرى أكثر عجبًا إن شاء الله.