الخميس 10 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الذى لا يحب عبدالناصر..

الروائى العمانى سليمان المعمرى: القاهرة أهم بيئة قراءة فى العالم العربى

سليمان المعمري
سليمان المعمري

- اختيارى عبدالناصر فى روايتى حيلة فنية لتناول الربيع العربى

- استخدمت تقنية «تعدد الأصوات» لمنح كل شخصية حرية التعبير عن ذاتها

- حلمت بنشر روايتى فى مصر وتحقق حلمى أخيرًا

- أكتب القصص كشكل من أشكال حفظ التوازن وترميم الذات

شارك الكاتب والروائى العمانى، سليمان المعمرى، فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته الـ56، برواية «الذى لا يحب جمال عبدالناصر»، والتى صدرت حديثًا فى طبعتها الثانية عن دار «الشروق»، بعد 11 عامًا من صدور طبعتها الأولى.

«المعمرى» أصر على إعادة نشر الرواية فى مصر، لأنها تحمل أهمية خاصة بالنسبة له، ليس فقط لأنها كانت مسرحًا لأجزاء مهمة من أحداث الرواية، بل أيضًا لأن القراءة فى مصر تتمتع بتأثير واسع وعميق، كونها واحدة من أهم البيئات القرائية فى العالم العربى.

وكشف «المعمرى» عن الدافع وراء اختيار شخصية الرئيس جمال عبدالناصر كعنوان ومحور للرواية، والذى جاء كحيلة فنية تتيح له تناول الربيع العربى، وما رافقه من تحولات جذرية، مشيرًا إلى أن الرواية لا تركز على شخص «عبدالناصر» بحد ذاته، بل على الأثر الذى تركه فى الأجيال اللاحقة، وكيفية تفاعل هذه الأجيال مع إرثه السياسى والفكرى.

■ روايتك «الذى لا يحب جمال عبدالناصر» يُعاد طبعها بعد ١١ عامًا من نشرها لأول مرة.. ما الذى دفعك لهذا القرار؟ وهل أجريت تعديلات أو إضافات على النسخة الجديدة؟

- إعادة طباعة الرواية بعد أكثر من عقد من الزمن هى بمثابة منح حياة جديدة لها فى سياق مختلف عمّا نُشرت فيه لأول مرة. 

حين صدرت الطبعة الأولى من الرواية عام ٢٠١٣، كان المشهد السياسى العربى فى ذروته، وكانت تفاعلات الربيع العربى لا تزال حاضرة بقوة فى وعى القراء. اليوم بعد مرور أكثر من عقد، تغير الكثير من المعطيات، لكن القضايا التى تطرحها الرواية، بما فيها التفاعل مع الرموز السياسية والتاريخية مثل «عبدالناصر»، لا تزال تحمل صدى فى الوعى العربى.

كما أن نشر الرواية فى مصر، عبر دار مهمة كالشروق، يمثل أهمية خاصة بالنسبة لى، ليس فقط لأن مصر كانت جزءًا أساسيًا من أحداث الرواية، بل أيضًا لأن القراءة فى مصر لها تأثير واسع وعميق، إذ تعد من أهم البيئات القرائية فى العالم العربى. لذلك، كنت أطمح منذ فترة طويلة أن تصدر الرواية فى مصر، وهذا ما تحقق أخيرًا والحمد لله.

أما فيما يخص التعديلات، فالرواية نُشرت فى طبعتها الجديدة دون تغيير جوهرى فى النص، باستثناء بعض التنقيحات اللغوية الطفيفة. وذلك لأننى أؤمن بأن كل عمل أدبى هو ابن مرحلته، وأى تعديلات جوهرية عليه قد تفقده روحه الأصلية.

سلطنة عمان حلت ضيف شرف فى الدورة الأخيرة من معرض الكتاب

■ الرواية تتناول شخصية جمال عبدالناصر.. كيف ترى دور الزعيم المصرى فى التاريخ العربى؟ وما الذى دفعك لاختيار هذه الشخصية بالذات كمحور لعملك الأدبى؟

- جمال عبدالناصر شخصية محورية فى التاريخ العربى، ليس فقط لدوره السياسى فى قيادة مصر، بل أيضًا لرمزيته التى امتدت إلى مختلف الأقطار العربية. لقد كان قائدًا ذا مشروع واضح، رفع شعارات الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية، وسعى جاهدًا لمقاومة الاستعمار وترسيخ سيادة بلاده، وهو ما جعله محبوبًا عند قطاعات واسعة من الشعوب العربية، دون أن ننكر طبعًا أن سياساته أثارت جدلًا كبيرًا بين مؤيديه وخصومه.

اختيارى لعبدالناصر فى الرواية لم يكن بدافع تقديم سردية تاريخية عنه، بل جاء كحيلة فنية تتيح لى تناول الربيع العربى وما رافقه من تحولات سياسية واجتماعية. الرواية لا تركز على شخص عبدالناصر بحد ذاته، بل على الأثر الذى تركه فى الأجيال اللاحقة، سواء كانوا ممن يحبونه أو يكرهونه. حضور عبدالناصر فى الرواية رمزى، فهو يظهر كشخصية فعلية فى الفصلين الأول والأخير فقط، لكن ظله يخيّم على بقية الأحداث، وهو حاضر بقوة فى وعى الشخصيات، سواء كانت معجبة به أم ساخطة عليه.

كما أن الرواية تقدم بطلًا رئيسيًا هو بسيونى سلطان، المصرى الذى يعيش فى عُمان، والذى يكنّ كراهية شديدة لعبدالناصر. هذه الشخصية كانت نقطة الانطلاق بالنسبة لى، حيث استلهمتها من شخص واقعى، ثم أعدت تشكيلها روائيًا، ومن خلالها حاولت أن أستعرض رؤى متباينة حول الناصرية وتأثيرها فى السياقين المصرى والعربى.

■ هل كان هدفك من الرواية تقديم صورة جديدة أو مختلفة عن «عبدالناصر»؟ أم أنك أردت إعادة طرح رؤى قديمة حوله؟

- لم يكن هدفى تقديم صورة نمطية عن عبدالناصر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، بل كنت معنيًا بطرح النقاش حول هذه الشخصية كما تُرى فى وعى الناس. الرواية ليست بحثًا تاريخيًا، بل عمل أدبى يطرح التساؤلات أكثر مما يقدم إجابات قاطعة.

عنوان الرواية نفسه «الذى لا يحب جمال عبدالناصر» قد يبدو خادعًا، إذ يوحى بأنه عمل موجه ضد الزعيم المصرى، لكنه فى الحقيقة يعكس تعددية الرؤى حوله. الرواية تسلط الضوء على شخصيات مختلفة تحمل وجهات نظر متباينة، فمنهم من يرى عبدالناصر كرمز للتحرر والاستقلال، ومنهم من يراه سببًا فى مشكلات سياسية واقتصادية لاحقة. عبر هذه الأصوات المختلفة، حاولت أن أقدم صورة مركبة لعبدالناصر، ليس كشخصية تاريخية فقط، بل كرمز لا يزال يثير الجدل حتى اليوم.

ما يهمنى أكثر فى الرواية هو كيفية تعامل الشعوب العربية مع رموزها السياسية، وكيف يتغير إدراك الناس لهذه الرموز مع مرور الزمن. عبدالناصر لم يكن مجرد رئيس دولة عربية، بل كان ظاهرة سياسية وشعبية امتدت آثارها لنصف قرن. لذلك، فإن الرواية ليست فقط عن عبدالناصر، بل عن علاقتنا الجماعية بالتاريخ، وكيف تتشكل ذاكرتنا الجماعية تجاه القادة والأحداث الكبرى.

■ كيف بدأ شغفك بالأدب؟ وهل كانت لديك قدوة أو مصدر إلهام معين فى بداياتك؟

- بدأ شغفى بالأدب منذ الطفولة، حيث كنت مسحورًا بحكايات جدى خليفة مبارك وأمى فضيلة خليفة، اللذين غرسا فى لا وعيى حب القصص من خلال طريقتهما الفريدة فى السرد والتقمص، ما جعل الحكايات أكثر حياة وتأثيرًا. كنت أستمع إليهما بشغف، فتركت قصصهما أثرًا عميقًا فى مخيلتى، وأيقظت فى داخلى رغبة فى إعادة تشكيل العالم من خلال الكلمات.

إلى جانب ذلك، أسهمت عوامل أخرى فى توجهى نحو الكتابة، مثل نشأتى كطفل خجول وجد فى الورق وسيلة للتعبير عمّا يعجز عن قوله شفهيًا. لاحقًا، تعرّفت فى سن المراهقة على روايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى، وكانت قراءتى لروايتَىْ «العمر لحظة» للسباعى و«الحب تحت المطر» لمحفوظ محطة حاسمة، إذ أدركت أن الأدب لا يكتفى بسرد الحكايات، بل يستطيع أن يخلق عوالم أعمق من الواقع، مليئة بالأمل والنضال والإنسانية.

أما القدوة أو مصدر الإلهام، فقد وجدتُ فى كتّاب القصة القصيرة العُمانيين الذين برزوا فى تلك الفترة نموذجًا للجودة والإبداع، من بينهم سالم آل تويه ويحيى سلام المنذرى، اللذان كنت أتابع قصصهما الفائزة فى المسابقات الأدبية وأتعلم من أسلوبهما. هذه القراءات والتجارب الأولى شكّلت وعيى السردى وأرشدتنى نحو طريق القصة، حتى جاءت اللحظة الحاسمة عندما نشرت أولى قصصى، ثم فازت إحداها بجائزة، وهو ما دفعنى إلى إدراك أننى كاتب قصة عليه أن يواصل الطريق.

فى النهاية، لم يكن اختيارى للأدب مجرد قرار واعٍ، بل كان استجابة لدعوة داخلية، أسميتها فى شهادة إبداعية لى «الجرثومة العجيبة» التى تدفعنى للكتابة، والتى كلما حاولت تجاهلها عادت لتلحّ علىّ قائلة: اكتب!

■ كيف ترى تأثير البيئة العمانية على أعمالك الأدبية؟ هل تعكس رواياتك واقع المجتمع العمانى بشكل عام؟

- لا شك أن البيئة العُمانية لها تأثير كبير على أعمالى الأدبية، فهى ليست مجرد إطار مكانى للأحداث، بل تشكل جوهر التجربة السردية، حيث تنعكس فى الشخصيات والمواقف والمواضيع التى أتناولها. عندما كتبتُ كتاب «كائنات الردة»، كنت معنيًا بالمكان وناسه، ليس فقط كتسجيل لحكاياتهم، بل كمحاولة لكتابة التاريخ الشعبى من خلال تفاعلهم مع الحياة اليومية. هذا التفاعل لا يقتصر على الأشخاص، بل يمتد إلى الدكاكين، والحيوانات، والفراشات، وحتى التفاصيل الصغيرة التى تشكّل هوية المكان.

أما فيما يتعلق بما تعكسه أعمالى السردية، ومنها رواياتى، من واقع المجتمع العُمانى، فإننى أرى أن كل عمل أدبى هو انعكاس لانفعالات الكاتب تجاه قضاياه الشخصية والعامة. فى مجموعتى القصصية الأولى «ربما لأنه رجل مهزوم»، كان الهمّ ذاتيًا إلى حد كبير، يعبر عن قلق شاب يعيش فى محيط جامعى. أما فى المجموعة الثانية «الأشياء أقرب مما تبدو فى المرآة»، فقد اتسع الأفق ليشمل همومًا أعمق مرتبطة بالفرد وعلاقته بالمجتمع. فى «الذى لا يحب جمال عبدالناصر»، تحوّل التفاعل مع البيئة إلى مستوى أوسع، حيث ناقشتُ التغيرات التى شهدها الوطن العربى، وانعكاساتها على المجتمع العُمانى ضمن سياق أوسع من التحولات السياسية والاجتماعية.

بالتالى، فإن أعمالى الأدبية لا تسعى إلى تقديم صورة توثيقية مباشرة للمجتمع العُمانى، بل تعكس جوانب منه من خلال عدسة شخصية، مستحضرةً تناقضاته، وتطلعاته، وأزماته الوجودية التى تتقاطع مع الهمّ الإنسانى العام.

■ هل هناك تقنيات أو مواضيع معينة تفضل التركيز عليها فى أعمالك؟

- فى أعمالى الأدبية، تتغير التقنيات التى تعكس أسلوبى فى الكتابة من عمل إلى آخر، بتغير وعيى بالكتابة والقراءة. فى بداياتى القصصية كنت منجذبًا للسرد الذاتى والتعبير عن التجربة الشخصية. كنت أكتب القصص كشكل من أشكال حفظ التوازن وترميم الذات، وكان البطل يحمل اسمى فى بعض القصص الأولى، لكننى مع الوقت أدركت أهمية التحرر من هذا التماهى المباشر، مع الحفاظ على الجوهر الذاتى الذى يمنح الكتابة صدقها.

فى رواية «الذى لا يحب جمال عبدالناصر» وبعض قصصى وظفت تقنية «تعدد الأصوات»، لأنها تتيح لكل شخصية أن تعبر عن ذاتها بصوتها الخاص، بعيدًا عن هيمنة الراوى العليم. هذه التقنية تعزز من حيوية النص وتجعله أقرب إلى الواقع، إذ تعكس تنوع الآراء وتعدد زوايا النظر داخل العمل الأدبى، كما أنها تكسر أحادية السرد، فلا يُفرض منظور واحد على القارئ، بل تُقَدَّم القصة من خلال شخصيات مختلفة، لكل منها رؤيتها وتجربتها الخاصة.

كذلك أستمتع بتوظيف السخرية فى بعض أعمالى، حيث أؤمن بأن «السخرية شأن جاد» كما يقول عزيز نيسين، وهى وسيلة جادة لطرح الأسئلة الكبرى حول المجتمع والوجود، وقد كانت حاضرة فى روايتى «الذى لا يحب جمال عبدالناصر»، وفى مجموعتى القصصية «عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل».

■ ماذا عن مشاريعك الأدبية المستقبلية؟وهل هناك نية لإعادة طباعة أعمال أخرى لك؟

- أنا دائمًا أكتب استجابةً لما يشغلنى من هواجس وأسئلة، لذا لا أضع خططًا صارمة أو محددة، لكن هناك مشروعًا قيد العمل حاليًا.

أما بخصوص إعادة طباعة أعمالى السابقة، فهناك اهتمام بإعادة إصدار بعض الكتب التى نفدت طبعاتها الأولى، خاصةً «الأشياء أقرب مما تبدو فى المرآة»، و«عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل» و«بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسى».