الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

جسد الموضة.. جوان إنتويسل: دلالة الحجاب تختلف باختلاف الموقع.. إما وسيلة قمع أو مظهر للحرية

جوان إنتويسل
جوان إنتويسل

- الأزياء أداة تعبيرية تتماهى مع الأعراف الاجتماعية أو تقاومها 

- الملابس ليست محايدة وتحمل دلالات ثقافية وسياسية معقدة 

- ما نرتديه يمنحنا الراحة لكنه قد يُفسَّر بما لا يعكس هويتنا الحقيقية

فى الكتاب الذى صدر أخيرًا بترجمة عربية بعنوان: «جسد الموضة: الموضة والملبس والنظرية الاجتماعية الحديثة»، تتطرق باحثة السوسيولوجيا البريطانية جوان إنتويسل إلى الحديث عن الموضة باعتبارها مرآة تعكس تحولات المجتمعات وقيمها، ولغة يمكن من خلالها التعبير عن الهويات والانتماءات، ومن ثم تطرح تحليلًا معمقًا وشاملًا لهذه العلاقة المعقدة بين الموضة والجسد والمجتمع.

تحلل الباحثة البريطانية جوان إنتويسل دور الملابس فى تشكيل الهويات داخل المجتمع الغربى، مع تركيز خاص على العلاقة الجدلية بين الجسد والموضة، إذ تنطلق من فكرة عدم انفصال دراسة الملبس عن السياقات الاجتماعية والتاريخية والثقافية التى تُنتج وتُستهلك فيها.

وجوان إنتويسل هى باحثة فى الدراسات الثقافية والإبداعية ومحاضِرة فى علم الاجتماع. تتركز اهتماماتها البحثية فى مجالات الموضة والملابس والجندر. حصلت على درجة الدكتوراه فى علم الاجتماع من كلية «جولدسميثس» عام 1997، ومنذ ذلك الحين نشرت العديد من المقالات والكتابات حول الموضة والأزياء.

تعتمد إنتويسل فى كتابها على منهجية تجمع بين التحليل النظرى والتاريخى، إذ تستعرض كيف تُشكِّل الموضة والملابس الهويات الفردية والجماعية، وذلك من خلال فصلين نظريين مكثفين؛ يتناول الأول إهمال النظريات الاجتماعية الكلاسيكية للجسد باعتباره موقعًا للهوية، بينما يقدم الفصل الثانى نظرية حول تطور الموضة فى الحداثة الغربية.

وفى الفصول اللاحقة، تحلل الكاتبة صعود الموضة باعتبارها أداة للتعبير عن الهوية والحراك الاجتماعى، وتستعرض كيف أدت التغيرات فى أنماط الملابس إلى إثارة مخاوف أخلاقية من اختلال التسلسلات الهرمية الاجتماعية، كما تكشف عن أساليب استخدام الملابس لإضفاء معان رمزية على الجسد، بما يعيد إنتاج التراتبيات الجندرية.

من خلال هذا النهج، يثير الكتاب أسئلة حول الموضة، وتحديدًا فيما يتعلق بتأثيرها على حياتنا، إذ يدعو إلى التفكير فى الأسباب الكامنة وراء التغيرات السريعة فى الموضة النسائية، والآليات التى تحدد الرائج والشائع، وأيضًا أساليب التحكم فى هذه العملية. كما أنه يطرح الأسئلة حول استخدام الملابس كأداة للتعبير عن جوانب مختلفة من هويتنا، سواء كانت شخصية أو اجتماعية أو ثقافية.

ترى المؤلفة أن فهم الموضة والملابس لا يمكن أن يتم بمعزل عن الجسد. لذلك، تشدد على ضرورة أن يأخذ تحليل اتجاهات الموضة فى اعتباره السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية التى تشكل الموضة. وتشير إلى أن ثمة العديد من النظريات التى حاولت فهم العلاقة بين اللباس والجسد، ولكن معظم هذه النظريات تعاملت مع الجانبين بشكل منفصل. من خلال وضع الجسد فى مركز نظريتها حول اللباس، تقدم إنتويسل رؤية جديدة للموضة، تعتبرها نظامًا اجتماعيًا وثقافيًا معقدًا، يتشكل ويتطور عبر الزمن.

فى هذا الحوار، تتناقش «حرف» مع الكاتبة والباحثة البريطانية حول أطروحتها الرئيسية فى كتابها، الذى استقبله القراء العرب أخيرًا، ولا سيما العلاقات المتشابكة التى تنسجها الموضة مع السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية المختلفة، لنتطرق عبر ذلك للحديث معها حول الموضة والملابس على المستوى العربى وكيف يمكن فهمها والتعاطى معها من خلال المنظور الذى تبنته فى كتابها.

■ فى كتابك «جسد الموضة»، ترفضين اختزال الموضة فى إطار غربى خالص.. كيف يمكن بناء مقاربة أكثر شمولًا لفهم أنظمة الملابس المتنوعة عالميًا دون الارتهان للمركزية الغربية؟

- تشهد الدراسات الأكاديمية المتزايدة حول الموضة دعوات لتوسيع مفهومها بحيث يتجاوز المعايير التى ارتبطت بها فى السياق الغربى، ما يعنى إعادة النظر فى السمات التى لطالما ميزت الموضة الغربية، وذلك باعتبارها مجرد نموذج من بين أنماط متعددة. على سبيل المثال، لطالما تم التمييز بين الملابس المخيطة والمفصلة مقابل الملابس الملفوفة، إذ اعتُبرت الأولى سمة أساسية للموضة فى الغرب، نظرًا لقدرتها على إحداث تغييرات بارزة فى الهيئة الخارجية عبر القص والخياطة وتشكيل القماش حول الجسد. فى المقابل، يُنظر إلى الملابس الملفوفة، مثل الكيمونو أو السارى، على أنها أقل تعبيرًا عن التغيرات الشكلية.

لكن إذا ما تجاوزنا هذا التصنيف وركزنا على عناصر أخرى مثل تطور تسريحات الشعر أو استخدام المجوهرات، سنجد أن المجتمعات التى لا تعتمد على الملابس المخيطة أظهرت أيضًا توجهات متجددة فى الموضة. وهذا التوسع فى الرؤية لا يقتصر فقط على إعادة النظر فى تاريخ الموضة، بل يتيح كذلك إدراج أزياء ما قبل الحداثة ضمن سياقات الموضة، مع تفكيك الحدود الجغرافية التى كثيرًا ما حصرت المفهوم فى الإطار الغربى، ما يسمح بالاعتراف بتجارب متنوعة فى الموضة بمجتمعات غير غربية تعتمد أنماطًا مختلفة من الملابس.

■ انتقلت الموضة من كونها ظاهرة ثقافية هامشية إلى قوة اقتصادية مركزية.. ما رأيك فى تسليع الموضة كمحرك للاقتصادات المتقدمة.. وكيف يؤثر ذلك على دورها فى الهوية الشخصية والثقافية؟

- لا يمكن اعتبار الموضة ظاهرة ثقافية هامشية، بل على العكس فلطالما كانت صناعة رئيسية فى التنمية الاقتصادية للعديد من الدول. فقد لعبت دورًا أساسيًا فى الثورة الصناعية البريطانية، كما تسهم اليوم فى تعزيز اقتصادات دول الجنوب العالمى، مثل الصين. ومع ذلك، فكثيرًا ما كانت الموضة خاضعة لتحيزات تجعلها تُختزل فى كونها «سطحية» أو «تافهة» فى بعض الأوساط الأكاديمية والاجتماعية.

لكن هذا التصور بدأ يتغير فى السنوات الأخيرة، إذ بات يُعترف بالموضة باعتبارها صناعة إبداعية كبرى، وأصبحت موضع اهتمام فى السياسات الاقتصادية وصنع القرار. ومن الناحية الاقتصادية، يمكن قياس أهميتها من خلال مؤشرات، مثل الناتج المحلى الإجمالى وأرقام التوظيف، بينما من الناحية الثقافية، تُعد الموضة عنصرًا جوهريًا فى بناء الهوية الفردية والجماعية، إذ يعتمد الأفراد والمجتمعات على ما توفره من موارد لتشكيل أسلوبهم الفريد والتعبير عن ذواتهم.

■ تتحدثين عن كيفية استخدام الملابس للتعبير عن الهوية والجنسانية.. هل تعتقدين أن الموضة يمكن أن تكون أداة لتحدى وإعادة تشكيل المعايير الاجتماعية.. أم أنها فى النهاية تعزز التراتبيات القائمة؟

- يمكن للموضة أن تلعب دورًا مزدوجًا؛ فهى قد تعيد إنتاج الأفكار السائدة حول الجنسانية، كما يمكن أن تكون وسيلة لتحديها والتعبير عن الهويات المهمشة.

من ناحية، تسهم الموضة فى ترسيخ الصور النمطية المرتبطة بالجندر، مثل الفكرة القائلة بأن أجساد النساء مخصصة للعرض. يتجلى ذلك فى أمثلة عديدة، كصورة الفنان كانى ويست مع صديقته التى ارتدت فستانًا شفافًا بالكامل فى حفل جوائز «الجرامى»، وهو ما يعكس هوس المجتمع بملابس النساء وتقييمها الدائم، فى حين لا يخضع الرجال لمثل هذه التدقيقات.

وفى المقابل، تتيح الموضة مساحة لتحدى القواعد السائدة والتعبير عن الهويات الجنسية غير المهيمنة. فخلال الفترات التى كانت فيها المثلية الجنسية مجرّمة فى إنجلترا، استخدم البعض رموزًا خفية فى ملابسهم للإشارة إلى هويتهم الجنسية. بهذا المعنى، تشكل الموضة أداة تعبيرية يمكنها أن تتماهى مع الأعراف الاجتماعية أو أن تقاومها، وفقًا لاستخدامها فى السياقات المختلفة.

■ تشهد العديد من الدول العربية مزجًا بين التحديث والتقاليد عميقة الجذور.. كيف ترين انعكاس هذا التوتر بين الحداثة والتقاليد فى استخدام الملابس للتعبير عن الهوية فى المجتمعات العربية؟

- الموضة وسيلة قوية لتجسيد الهوية والتعبير عنها. فى بعض الدول النامية، قد يُنظر إلى ارتداء الملابس الغربية على أنه تعبير عن التوجه نحو الحداثة والابتعاد عن التقاليد، لكن هذا ليس الحال دائمًا، فالملابس تحمل دلالات ثقافية وسياسية معقدة، وقد تكون رمزًا للهوية الوطنية أو الاجتماعية.

على سبيل المثال، يُعبر الشال الفلسطينى عن الهوية الفلسطينية فى سياق النضال السياسى ضد الاستعمار الغربى، ما يعكس كيف يمكن للملابس التقليدية أن تكتسب معانى حديثة.

فى بعض الحالات، يحدث توازن بين الحداثة والتقاليد؛ إذ قد تختار النساء فى دول مثل الهند ارتداء الملابس الغربية فى بعض المناسبات، بينما يرتدين السارى فى أوقات أخرى، ما يعكس مرونة فى التعامل مع أنماط الملابس المختلفة. ومع ذلك، فى أحيان أخرى، قد يصبح اختيار الملابس موضوعًا للجدل والمعارضة، وهو ما يجعل الملابس مساحة للتفاوض بين الانتماء للتقاليد والرغبة فى التحديث.

■ فى هذا السياق.. هل ترين أن الملابس العربية التقليدية مثل العباءة أو الحجاب تتماشى مع تحليلك للملابس كفضاء للهوية الثقافية والنظام الاجتماعى؟

- بالتأكيد، فالملابس العربية التقليدية، مثل الحجاب والعباءة، جزء من أنظمة الهوية والثقافة التى تتقاطع مع السياقات الاجتماعية والسياسية. هناك اهتمام متزايد فى الدراسات الأكاديمية حول كيفية تفاعل الأزياء العربية مع أنظمة الملابس الغربية، فقد أصبح الحجاب، على سبيل المثال، محورًا للنقاشات الأكاديمية والتغطيات الإعلامية، كما أثار جدلًا واسعًا حول دوره فى التعبير عن الهوية الدينية لمن ترتدينه.

ومع ذلك، فدلالة الحجاب تختلف باختلاف السياقين الجغرافى والثقافى. ففى فرنسا، يُنظر إليه أحيانًا على أنه يتعارض مع القيم الحديثة، ما أدى إلى محاولات لحظره فى بعض الأماكن. أما فى إنجلترا، فقد أصبح الحجاب جزءًا من الجدل السياسى، بعد أن استخدم رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون وصفًا مهينًا للنساء اللواتى يرتدين الحجاب الكامل. 

■ فى العالم العربى ثمة سياق معقد يحكم الموضة والملابس.. فكيف يمكن مثلًا أن تعكس الملابس مثل الحجاب هوية الفرد رغم اختلاف تأويلها اجتماعيًا؟

- تختلف دلالات أى قطعة من الملابس، مثل الحجاب، باختلاف المواقع والسياقات. فبينما يرى بعض المعلقين فى الغرب الحجاب باعتباره رمزًا لقمع النساء، تسلط الأبحاث الأكاديمية الضوء على الطرق العديدة التى تتمتع فيها النساء بالقدرة على الاختيار، إذ قد يرتدين الحجاب للتعبير عن هويتهن الدينية، وهو ما يعنى أنهن لسن «ضحايا» سلبيين للقمع.

يتعين علينا أن نفرق بين التجارب المختلفة للزى؛ بين من يرتديه وبين من يراه. قد نستخدم الملابس للتعبير عن هويتنا والشعور بالراحة فيما نرتديه، بينما قد يفسرها الآخرون بطرق سلبية لا تتوافق بالضرورة مع ما يشعر به مرتديها أو يفكر فيه. الموضة والملابس ممارسات اجتماعية معقدة.

■ ما هى المجالات البحثية التى تعتقدين أنها ضرورية للجيل القادم من الباحثين فى دراسات الموضة؟

- أكثر الأسئلة إلحاحًا فى أبحاث الموضة اليوم تتعلق بتغير المناخ وحالة الطوارئ المناخية، والدور المركزى الذى تلعبه الموضة السريعة أو الجماهيرية فى الاستهلاك غير المستدام الذى يسهم فى استنزاف الموارد الطبيعية وتدمير البيئة.

علاوة على ذلك، تبرز أهمية تسليط الضوء على تأثير هذه الصناعة على العاملين فيها، الذين غالبًا ما يتعرضون للاستغلال، لذلك، هناك حاجة متزايدة لدراسة سبل تحقيق موضة أكثر استدامة.