خلاصة هانى شنودة فى تكريم مصر مبدعيها الكبار
حسنًا تفعل بعض الدول العربية عندما تقيم احتفاليات كبرى لتكريم المبدعين المصريين، تحتفى بهم الاحتفاء الذى يليق بهم وبتاريخهم وعطاءاتهم المتميزة فى الفن والثقافة وفنون الإبداع المختلفة، تمنحهم ما يستحقون، فقد أسهموا لعقود طويلة فى تشكيل عقل ووجدان الأمة العربية.
آخر ما جرى فى هذا السياق كان تكريم أربعة من المبدعين المصريين الكبار، هم الناقد الكبير حسين حمودة، والكاتب محمد حسن عبدالله، والمترجمة سحر توفيق، والناقد والروائى سيد الوكيل، حيث كرمهم ملتقى الشارقة للتكريم الثقافى فى مقر المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، ضمن مبادرة للملتقى لتكريم الشخصيات التى أسهمت فى خدمة الثقافة العربية المعاصرة، والاحتفاء بإنجازاتها الفكرية والأدبية بالتعاون مع الوزارات والهيئات الثقافية الرسمية ببلدانها.
تملك مصر كُتابًا ومثقفين وفنانين وفلاسفة ومبدعين يسدون عين الشمس، كما يقولون، ولو وضعنا جدولًا لتكريم كل الأسماء المصرية داخل مصر وخارجها لظللنا نقيم احتفالات حتى يوم القيامة دون أن ينفد رصيدنا ممن يستحقون التكريم والاحتفاء.
ما تفعله بعض الدوائر العربية جهد مشكور، وتأكيد على أنهم يعرفون مصر جيدًا، يسارعون لرد جميل لا ينكره أحد، وقد جاء الوقت ليعبروا عن شكرهم لمن أسعدوهم وأصبحوا جزءًا أساسيًا من ذكرياتهم وتاريخهم، فهم فى الحقيقة لا يقومون بتكريم المبدعين المصريين بقدر ما يحيون ذكرياتهم معهم.
لقد حاول البعض إفساد حالة التكريم هذه بصناعة ما يُشبه الفتنة، حاولوا تخريج ما يحدث على جناح تخريجات مصنوعة من عدم فهم حقيقى لماهية ما يحدث، وبدأوا يسألون: كيف يتم تكريم كل هؤلاء المبدعين خارج مصر أو حتى داخلها عن طريق الآخرين، ولا تقوم مصر بهذا التكريم وهى به أولى؟
وهنا نقف أمام مغالطة كبيرة فى صياغة هذا الحديث، فمن يقومون بذلك ليسوا آخرين، لا يجب أن نتعامل معهم كغرباء، فهم فى النهاية أبناء الثقافة المصرية، تعلموا فى مدارسها وجامعاتها، قرأوا كتب وروايات ودواوين كتابها ومبدعيها، تابعوا مسلسلاتها الدرامية وجلسوا أمام شاشات السينما ليستمتعوا بالإبداع المصرى السينمائى، حتى أصبحت الثقافة المصرية مكونًا من مكونات شخصياتهم، فهم جميعًا منا ونحن منهم.
أما السؤال الذى يبدو مريبًا ومراوغًا فى آن واحد وهو لماذا لا تكرم مصر مثقفيها ومبدعيها؟ تأسيسًا على أنها الأَولى بهم- فهو سؤال يعانى خللًا كبيرًا فى بنائه، ويفتقد إلى منهجية السؤال الذى يجب أن يستند إلى الواقع ويستمد منه منطقيته.
فمن قال إن مصر لم تكرم مثقفيها وكتابها ومبدعيها؟
لفت انتباهى ما قاله الموسيقار الكبير هانى شنودة عندما تم تكريمه خارج مصر، سأل كثيرون السؤال نفسه عن عدم تكريمه داخل مصر أولًا، قال الموسيقار الرائد إن مصر كرمته بالفعل، فهى التى منحته الفرصة كاملة لأن يكون ما أصبح عليه، ولو لم يكن ما هو عليه لما تم الالتفات إليه، أو التفكير فى تكريمه من الأساس.
هذه هى الحقيقة التى يجب أن ينتبه إليها الجميع، فمصر بما تمنحه لمبدعيها تجعلهم قبلة دائمة للآخرين، أى أنهم حصلوا على تكريم مسبق وكافٍ، وهو ما يجعل كل ما يقال عن عدم تكريمهم فى مصر أمرًا يفارق الواقع، بل هو نوع من جلد الذات الذى يستمتع به أصحابه دون أن يكون هناك أى داع لذلك.
أعتقد أن جرّنا لمناقشة هذا الأمر ليس إلا تضييعًا للوقت واستنزاف الطاقة، فستظل مصر مصدرًا للفكر والإبداع والفن والثقافة، وسيظل مبدعوها قبلة للجميع، يحبونهم ويحتفون بهم ويكرمونهم، وهو التكريم اللاحق للتكريم الذى يحصل عليه أى مبدع لكونه مصريًا.
ما يجب أن يشغلنا وبشكل حقيقى هو أن نواصل عملنا وإبداعنا، أن نحافظ على الشعلة فى أيدينا حتى لا تنطفئ، وأعتقد أن هذه مهمتنا التى يجب ألا يتخلى عنها أحد.