ابن الشركة الملف الغارق فى كهف وزارة الثقافة
مجلس إدارة شركة استثمار أصول السينما اختير بناءً على معايير مجهولة ودون إعلان تقريبًا
لم تُطلع الشركة الوزارة أو الرأى العام على أى خطة أو رؤية أو مجرد تصور لكيفية استثمار هذه الأصول على تنوعها
طُرح موضوع الشركة، منذ سنوات، كوسيلة لاستثمار أصول السينما المصرية، التى كانت جزءًا من قطاع عام صناعى ضخم يمتلك استديوهات ومعامل ودور عرض وقاعات مونتاج ومكساج وموسيقى... إلخ.. قطاع أسهم فى انتعاش صناعة رائدة، وتخرجت فيه أجيال من المبدعين فى كل المجالات، وخلق قاعدة من الحرفيين المهرة طورت المهنة وأمّنت لمصر مكان الريادة فى المنطقة لسنوات عديدة.. ولأسباب كثيرة، ظلت «فكرة» الشركة فى دهاليز الوزارة انتظارًا لوضع قواعد تأسيسية لكيان يملك القدرة على تجاوز البيروقراطية الحكومية، ووقف إهدار المال العام بعد الانهيار الكامل للصناعة، وبعد «تخلى» الدولة عن دورها فى حمايتها كصناعة وفن وقوة ناعمة نمتلك سوقها ومجال تأثيرها بلا حدود، وشاركت مع غيرى من محبى السينما والمهمومين بالمأساة التى تمر بها فى استعجال هذه الخطوة التاريخية.. رغم أن كل الدلائل كانت تشير إلى عدم رغبة الوزارة ولا قدرتها على أداء هذا الدور، فقد استمرت «مثلًا» عملية تأجير الاستديوهات للقطاع الخاص «مثل استديو مصر التاريخى واستديو جلال» دون أن تراقب الوزارة أهم بنود التعاقد، وهى صيانة هذه الاستديوهات وإصلاح قاعاتها ومعداتها وبنيتها التحتية، بحيث تزيد قيمتها عند انتهاء فترة التعاقد. وللأسف حدث العكس نتيجة غياب أى محاسبة أو مراقبة من المسئولين عن السينما فى الوزارة، فانهارت هذه المؤسسات الضخمة وانتهت مدة إيجارها، وقد تحولت إلى خردة لا تصلح لصناعة أو تجارة أو فن.. ولنا أن نتساءل بكل شفافية:
١ - هل كان هذا الإهمال عشوائيًا أم متعمدًا تكريسًا لفكرة معلومة تهدف إلى بيع أى مؤسسة ناجحة، وهى أن يطالها «التخريب» حتى تقل قيمتها وينسى الجميع أهميتها التاريخية وجدوى وجودها فى عالم متطور.. عندئد تسهل عملية البيع بالبخس ودون شروط تقريبًا، وربما تحولت عمليًا إلى مجرد أرض فضاء.. ويكثر السماسرة والعمولات تحت «الترابيزة» وفوقها عندما يتلاشى اهتمام الرأى العام ويستسلم لفكرة التخلص من مؤسسات خاسرة لا قيمة لها؟
٢ - تم تشكيل الشركة، أخيرًا، ونصت بنود تأسيسها على تحريرها فى قيود كثيرة فى استثمار أصول السينما المصرية مع الغير دون أى محددات لأهداف هذا الاستثمار.. وهل هو مجرد زيادة أرباح هذه الأصول أم يتجاوزها إلى عودة هذه الأصول لأداء دورها الثقافى والاجتماعى؛ باعتبارها أصولًا وطنية غير قابلة للبيع أو الإهدار أو انتفاء دورها سوى كوسيلة للربح والتسلية والترفيه.. يحققه طبعًا «المستثمر» الشريك تاركًا الفتات لمالك هذه الأصول، وهو الشعب المصرى.
٣ - تم تشكيل مجلس لإدارة الشركة «بمعرفة وزارة الثقافة على ما نظن»، وتم اختيار الأعضاء والموظفين والمستشارين، «وطبعًا العضو المنتدب» بناءً على معايير مجهولة ودون إعلان تقريبًا؛ رغم كونها شركة ذات دور محورى، وليست شركة بطاطس أو مشروبات.. وتم تحديد المكافآت والرواتب لكل العناصر، وبدأوا فى تقاضيها منذ سنوات دون أن نعرف للشركة أى إنجاز أو حتى اقتراح سوى البيع.
٤ - وبالمناسبة كان الكثير من الخبراء والمتخصصين والمحترفين فى هذه الصناعة، بل فى الاقتصاد مستعدين تمامًا للتطوع للعمل فى أى شركة، أو مجهود يهدف لإنقاذ هذه الصناعة بدلًا من إنفاق أموال الدولة كمكافآت على «عدم الفعل»، وفى وقت تقلصت فيه ميزانية الإنتاج بالمركز القومى للسينما، بحيث توقف تقريبًا عن الإنتاج وتوقفت منح الدولة للأفلام الجادة، وتوقف دعم المهرجانات المحترمة أو تقلص إلى حدود مهينة.
٥ - رغم تأسيس الشركة، منذ سنوات، لم تُطلع الشركة الوزارة أو الرأى العام على أى خطة أو رؤية أو مجرد تصور لكيفية استثمار هذه الأصول على تنوعها؛ حتى سمعنا موضوع البيع «الذى أشيع أنه انتهى بالفعل» لدور عرض مهمة، مثل روكسى وبيجال وديانا وميامى بأسعار وهمية وبشروط لا نعلمها سوى من تصريحات مختلفة أنها سوف تتحول إلى مولات تحوى عددًا من الشاشات المجهزة الحديثة.. ورغم أننا لا نصدق هذا الكلام وقد مررنا بتجربة سينما فاتن حمامة فلنا عدة أسئلة:
١- هل تتساوى سينما «الحى» مع سينما «المول» كقيمة وأثر وتأثير، وهل أصبحت القيمة التجارية هى فقط غرضنا الوحيد؟
٢ - كيف تمت الموافقة على هذه الأسعار، وهل كانت هناك مكاتب متخصصة ومحايدة وبعيدة عن شبهات العمولة والرشوة قدرت قيمة هذه الأصول من كل جانب، أم كان قرارًا فرديًا «حتى لو أخذ شكل التصويت»؟
٣ - مَن سيدير هذه الشاشات «بغرض استلامها من الشريك».. هل تعود أصولها إلى الدولة وهل ستكون الإدارة البيروقراطية هى القادرة على إنعاش هذه الشاشات، وهل تم وضع أى سياسة لهذه الإدارة، وما هو سعر التذكرة المتوقع لسينما داخل المول؟
باختصار.. نرى أن تلك ليست سوى عملية بيع لقطاع خاص لا يهمه لا صناعة السينما فى مصر ولا قدرة هذا الشعب على تذوق فن مبدعيه.. ونتوقع ألا تعرض هذه الشاشات سوى أفلام أجنبية، وربما أفلامًا «عربية» تخص الشريك القادم.
٤ - عند الحديث عن تراث السينما المصرية المفقود، يصر السيد العضو المنتدب على أن البيع قد تم ولا سبيل إلى استعادته، وأن الباقى عدد قليل من الأفلام بلا قيمة، ونحن لا نعرف مصلحته من تكرار هذا القول، وعدم السعى نحو حصول مصر على حقوق الملكية الفكرية لكل تراثها وحقها فى الاستفادة «غير التجارية» من كل الأفلام المبيعة للاستخدام فى أرشيف قومى ومعاهد الدراسة والتبادلات الثقافية مع العالم الخارجى، وكذلك حقوق العاملين فى كل هذه الأفلام التى يتم تخديرنا، منذ سنوات، بأن هناك شركة لحقوق الملكية الفكرية على وشك الإنجاز، ونحن هنا طبعًا لا نشكك فى ولائه لمصلحة مصر الوطنية، ولا شبهة فى العمل فى نفس وقت عمله بالوزارة «دون عقود طبعًا» مع شركات إنتاج غير مصرية ذات مصالح مختلفة.
وفى النهاية، نحن نكرر أن الرجل لا يتحمل وحده كل هذه الكوارث، ولكن من حقنا أن نتساءل عن مؤهلات الدكتور ليصبح مسئولًا عن شركة كبرى لإدارة واستثمار أصول السينما المصرية بالمليارات؟.. ما هى قدراته وخبراته غير عمله كرقيب سيئ ومستشار ذى طابع سكرتيرى لجميع الوزراء يمتدح سياستهم أثناء توليهم، ويشن عليهم حربًا خفية بعد ذهابهم «أو ذهابهن»؟!
لك الله يا مصر.. ولنا الصبر