حسين حمودة بعد «التقديرية»: «الآن أشعر بأن رحلتى مقدرة»
- الجائزة تدفعنى للاستمرار فى عملى بروح أكثر تفاؤلًا وبطاقة أكبر
- اللجوء إلى الرعب والتاريخ هدفه انتزاع مساحة أكبر لحرية التعبير
الدكتور حسين حمودة علم من أعلام النقد فى مصر والعالم العربى، لذلك لم يكن مستغربًا أن يحصد جائزة الدولة التقديرية هذا العام، فى ظل ما قدمه على مدار مسيرته العلمية الطويلة من أعمال جادة أثرت مجالات الآداب والفنون.
ورأى الدكتور حسين حمودة أن فوزه بالجائزة بمثابة تشجيع له على الاستمرار فى العمل، معتبرا الجائزة نوعًا من الاطمئنان إلى أن الرحلة التى قطعتها كان لها تقديرها، سواء ارتبطت بالكتابات النقدية، أو بالتدريس والإشراف على رسائل جامعية ومناقشة رسائل أخرى.
عن الجائزة المهمة، ومسيرته النقدية على وجه التحديد، وآرائه فى المستجدات على الساحة الثقافية، يدور حوار «حرف» التالى مع الدكتور حسين حمودة.
■ كيف ترى فوزك بجائزة الدولة التقديرية.. وماذا تقول لمكتبة الإسكندرية التى رشحتك لها؟
- هذه الجائزة تمثل مصدر سعادة بالنسبة لى، لأنها تأتى من الدولة المصرية، ومن وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، ولأنها جائزة نزيهة بالإجراءات التى تعتمدها، ابتداءً من لجنة أولى يشكلها المجلس لاختيار القائمة القصيرة من بين المرشحين، ثم من خلال تصويت أخير لعدد كبير من كبار المثقفين والمبدعين. أما عن مكتبة الإسكندرية التى رشحتنى لهذه الجائزة فهى مؤسسة ثقافية كبيرة المقام، وأتقدم لها بكل الشكر، خاصة رئيسها الأستاذ الدكتور أحمد زايد.
■ ما الذى يمثله لك هذا التكريم؟
- يمنحنى المزيد من التشجيع على الاستمرار فى العمل، لأن هذه الجائزة كانت لى بمثابة نوع من الاطمئنان إلى أن الرحلة التى قطعتها كان لها تقديرها، سواء ارتبطت هذه الرحلة بالكتابات النقدية، أو بالتدريس والإشراف على رسائل جامعية ومناقشة رسائل أخرى، أو بالمشاركة فى مؤتمرات وندوات، أو أداء بعض المهام ذات الطبيعة الثقافية، مثل إدارة تحرير بعض المجلات، أو المسئولية عن بعض سلاسل الكتب، أو رئاسة تحرير مجلتين. سأستمر فيما أستطيع فعله فى هذا كله، أو فى بعضه، كما كنت أفعل دائمًا، لكن بروح أكثر تفاؤلًا وربما بطاقة أكبر على العمل، بعد هذه الجائزة.
■ فى كل فترة تزدهر بعض الأنواع الأدبية مثل أدب الرعب والرواية التاريخية وغير ذلك.. ما رؤيتك لهذه الظواهر؟
- صعود أو هبوط بعض الأنواع الأدبية فيما يشبه «الموجات»، أو بتعبير آخر «إعادة تراتب» هذه الأنواع، باختلاف السياقات الثقافية والاجتماعية، وباختلاف الفترات التاريخية، يخضع إلى اعتبارات كثيرة، كلها تتأسس على قانون يمكن اختزاله فى عبارة: «حراك الأنواع الأدبية»، وهو القانون الذى حكم تاريخ الأنواع الأدبية كله وكلها.
ظلت وما زالت هذه الأنواع تتوالد وتتناسل وتتداخل دائمًا. وهذا الحراك يتأسس على مدى قدرة هذا النوع الأدبى أو ذاك على التعبير عن واقع وقضايا ما، فى هذه الفترة أو تلك، وهذا السياق أو ذاك.
من هنا نستطيع أن نفهم لماذا صعد النوع الروائى على حساب الأنواع الأدبية الأخرى بعد الثورة الصناعية فى الغرب، أو لماذا صعد هذا النوع الأدبى فى أدبنا العربى بعد العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضى، وهو ما لاحظه نجيب محفوظ، فى الأربعينيات، خلال مقالته الشهيرة: «الرواية شعر الدنيا الحديثة»، ردًا على العقاد الذى قلل كثيرًا من شأن الرواية كنوع أدبى. هذا المعنى نفسه يمكن أن ينصرف إلى مسارات ممكنة داخل النوع الأدبى الواحد، إذ تتوالد الأشكال وتتناسل أو تتعدد مساراته داخل النوع الواحد.
وما تشير إليه حول صعود «أدب الرعب» و«الرواية التاريخية» هو ملاحظة صحيحة، ويمكن أن نضيف إليهما «الرواية السيرذاتية». كل مسار من هذه المسارات مرتبط بإمكانات للتعبير عنه، ومقترن بذائقة بعينها، ومتعلق بدوائر تلق واسعة.
الرعب يعدّ خط إنتاج قديمًا جدًا ومتجددًا أيضًا فى كل أنواع السرد. والرواية التاريخية تستند إلى مادة غنية، تنطلق مادتها من قاسم ما مشترك مع القراء، وتمنح لكاتبها مساحة واسعة من الحرية فى التعامل مع وقائع تاريخية متعددة الأبعاد، فضلًا عن مساحة واسعة للحركة بين أزمنة متعددة، خاصة بين زمن الكتابة الذى يبدأ الكاتب من الانشغال به، والزمن المرجعى التاريخى الذى يذهب إليه. هذا كله يعنى أن الكتّاب فى هذين المسارين ينطلقون من هذه المساحات الرحبة، ومن افتراض القدرة على التجاوب المشترك مع دوائر واسعة من المتلقين.
■ لماذا يلجأ الكتاب للنبش فى التاريخ من أجل التدليل على الحاضر؟
- دوافع الكتابة الروائية التى تتجه إلى التاريخ للكتابة عن الحاضر تستند إلى ما أشرت إليه، من ناحية، وتستند أيضا إلى أن التاريخ، أو بعض فتراته وشخصياته، محاط ببعض الإشكالات، منها محدودية ما ذكره بعض المؤرخين عن بعض الوقائع، أو الاختلافات فيما بينهم إلى حد التناقض الصارخ بما يغيّب الحقيقة عن بعض الفترات أو الشخصيات، بالإضافة إلى وجود بعض الثغرات فى رصد المؤرخين لبعض الفترات التاريخية.
هذا كله يمثل دوافع للمبدع الروائى لكى يستكمل ما لم يقله التاريخ، أو لكى يطرح تصوره لحقيقة أخرى إبداعية غير الحقيقة التاريخية، أو ليستكمل أو يملأ ثغرات بحاجة إلى استكمال.
يضاف إلى هذا أن التعامل الروائى مع التاريخ يمكن أن ينطلق أحيانًا من رغبة انتزاع مساحة أكبر لحرية التعبير، وهو فى كل الحالات يمكن أن يمنح بعض الكتاب الروائيين متعة واضحة.
■ ما حدود تدخلات المبدعين فى التاريخ؟
- حدود هذه التدخلات مختلف عليها حسب الوجهة التى يتجه إليها الكتاب الروائيون، والمنطلقات التى ينطلقون منها. الآن، فى بعض التصورات النقدية، يرى البعض أن الكاتب الروائى فى تعامله مع التاريخ يقدم حقيقة مجاوزة للتاريخ، أو على الأقل موازية له.
لكن، وبوجه عام، يمكن أن نتفق على حقيقة بسيطة، مؤداها أن الحقائق المؤكدة تاريخيًا، والتى تستند إلى بعض المعلومات الموثقة والمتفق عليها، لا يقدم التشكيك فيها أو تغييرها أى جدوى فنية للكاتب الروائى، ومن هنا يكون من الأفضل الالتزام بها، على عكس تعامله مع معلومات أخرى يمكن التصرف فيها بحرية.
■ قلت إن الذكاء الاصطناعى ليس له بصمة خاصة.. كيف ترى حدوده فى المستقبل؟ وهل يمكن أن يكون جنسًا أدبيًا مستقلًا، كأن نرى أرفف مكتبات تحمل عنوان: «روايات الذكاء الاصطناعى» على سبيل المثال؟
- لى تجربة أو تجارب متنوعة مع بعض برامج «الذكاء الاصطناعى»، قمت بها فى محاولة لاستكشاف قدرات أو حدود هذه البرامج. مثلًا طلبت من بعضها أن يكتب قصصًا قصيرة أو قصائد شعر، وحددت الوجهات والعناوين للتجارب فى هذه القصص والقصائد.
النتيجة المشتركة فى كل هذه التجارب، أننى كنت أمام «نصوص» تفتقد روح الإبداع الحقيقى، تفتقر إلى العمق، وإلى البصمة الخاصة بالمبدع، وإلى اللمسات الجمالية العميقة طبعًا.
مشكلة هذه البرامج، حتى الآن على الأقل، أنها تستند إلى «تجميع» ملامح مشتركة من تجارب أدبية سابقة، ومن قواعد شبه جاهزة. بينما الإبداع الجديد ينطلق من سؤال الإضافة إلى ما سبق، وتجاوز القواعد السابقة وخلق قواعد متجددة من عمل لآخر، أى يقدم ملامح جديدة إلى ما سبق طرحه فى النتاج الأدبى السابق.
يمكن هنا أن نستعيد المفهوم الذى يشير إلى أن الأعمال الإبداعية كبيرة القيمة هى التى تجترح نظرية النوع، أى أن الرواية كبيرة القيمة هى التى تقدم اختبارًا لحدود نظرية النوع الروائى نفسه، وبالتالى تفتح أفقًا إبداعيًا جديدًا. هذا كله ليس قائما حتى الآن، فى نتاج ما يقدمه «الذكاء الاصطناعى، لكن هذا لا ينفى نتائجه الإيجابية فى مجالات كثيرة، علمية بوجه خاص.
■ تحولت بعض أعمال نجيب محفوظ لقصص مصورة «كوميكس».. كيف ترى هذا الأمر. وبم تنصح بشأنه؟
- اطلعت على عمل واحد من هذه الأعمال، هو المعالجة المصورة لرواية «اللص والكلاب». وكما هو واضح نفذ هذه المعالجة عدد من المبدعين والمبدعات. وهذا العمل يشير إلى جهد كبير واضح. والتجربة كلها تسمح بنوع من التشجيع مع نصوص أخرى لنجيب محفوظ ولغيره من الكتّاب.
الفكرة تتصل بفتح النص الأدبى على إمكانات توصيل فنية متعددة وإمكانات أخرى للتلقى، تأسيسًا على ربط الكلمة بالصورة، وعلى نوع خاص من «المونتاج»، واعتمادًا على تقنيات متنوعة من حيث الإعداد والرسوم والسيناريو... إلخ.. هذا كله يمكن أن يمنح النص الأدبى إمكانات وأبعادًا جديدة من حيث الاستجابة والتأويل والتوصيل أيضًا. وفيما يخص سؤالك عن نصيحتى، فأنا فى الحقيقة لست فى موضع الناصح. لكن التجربة نفسها يمكن أن تتطور، وأن تفيد من المحاولة والاستمرار، وربما يمكن التفكير بدرجة أكبر فى اهتمام أصحابها بتأسيس بديهيات خاصة بالمعالجة الفنية التى يقدمونها، بعيدًا عن افتراض أن من يتلقون هذه المعالجة الفنية يستندون إلى قراءة سابقة للنص الأدبى، ولا على مشاهدة لفيلم سينمائى مأخوذ عن هذا النص. هذا يستدعى أن تؤسس هذه المعالجة المصورة للنص الأدبى كل تفاصيلها، بدون اعتماد على قراءة سابقة لهذا النص أو مشاهدة سابقة لفيلم أنتج عنه.
■ ما المشروع الذى يعمل عليه حسين حمودة الآن؟
- أواصل الكتابة والقراءة بقدر ما أستطيع، وعندى عدد كبير جدًا من المقالات والدراسات التى نشرتها من قبل، وتحتاج إلى ترتيب وتبويب فى كتب، مع كتابة مقدمات لها. هذه المقالات والدراسات تدور فى مجالات القضايا النقدية والروايات والشعر وبعض الظواهر الأدبية، وآمل أن أجد الوقت والعافية لاستكمال هذا، بالإضافة طبعًا إلى الكتابة عن أعمال وقضايا وظواهر أخرى جديدة.
c.v
الدكتور حسين حمودة، ولد فى 17/11/1955.، وهو يشغل حاليًا منصب أستاذ متفرغ، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، جامعة القاهرة.
تخرج الدكتور حسين حمودة فى ليسانس الآداب قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، عام 1979 بتقدير جيد جدًا، ماجستير من القسم نفسه، عام 1990، فى موضوع «دور يحيى الطاهر عبدالله فى القصة القصيرة المصرية»، تحت إشراف الأستاذ الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجى، بتقدير ممتاز، وحصل على الدكتوراه من قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، 30/ 9/1997، فى موضوع: «الرواية والمدينة.. نماذج من كتاب الستينيات فى مصر»، تحت إشراف أ.د. جابر عصفور، بمرتبة الشرف الأولى.
تم تعيين الدكتور حسين حمودة مدرسًا مساعدًا بقسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، فى 21/6/1992، ومدرسًا بالقسم نفسه فى 28/8/1997، وأستاذًا مساعدًا بالقسم نفسه فى 30/5/2007، وأستاذًا بالقسم نفسه عام 2015، وأخيرًا انتقاله أستاذًا متفرغًا بالقسم نفسه عام 2016.
- عمل مراسلًا ثقافيًا ومشرفًا على التحرير بمكتب جريدة «اليوم» بالقاهرة «تصدر من الدمام، المملكة العربية السعودية»، خلال السنوات 1984، 1985، 1986، وعمل مراسلًا لمجلة «الكرمل» بالقاهرة «تصدر من رام الله»، خلال السنوات 1998، 1999، 2000، ثم محررًا بمجلة «فصول» التى تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، ابتداءً من عام 1992، ثم مديرًا للتحرير بالمجلة نفسها من عام 1994 إلى عام 2000، وبعدها عمل مستشارًا فى هيئة تحرير سلسلة «كتابات نقدية» التى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، خلال عامى 1999، 2000، وعمل مستشارًا فى هيئة تحرير سلسلة «الكتاب الأول» التى تصدر عن المجلس الأعلى للثقافة خلال عامى 1999، 2000.