الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسى ترد: أترجم أدبًا وليس وثيقة مَحكمة.. ولم أقحم شيئًا على النص المحفوظى 

المترجمة اليونانية
المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسى

- ترجماتى خلقت «حُمّى قرائية» وجعلت «أديب نوبل» المفضل لدى اليونانيين

- تعاملت مع النص بحذر وعناية وابتكار لأتمكن من نقله دون فقدان سحره الأدبى

فى العدد السابق الـ23 من «حرف»، نشرت الجريدة تصريحات للمترجم والباحث الدكتور هشام محمد حسن أحدثت زلزالًا فى الوسط الأدبى والثقافى، حيث اتهم فيها المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسى بتشويه بعض أعمال الأديب العالمى نجيب محفوظ خلال ترجمتها لها إلى اللغة اليونانية، عبر إقحام إضافات ليست موجودة فى النص الأصلى عليها.

واستنادًا إلى حق الرد، واجهت «حرف» المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسى بالاتهامات الموجهة إليها من الباحث هشام حسن، والتى عملت على تفنيدها من خلال طرح وجهة نظرها فى فكرة الترجمة، والمنهجية التى اعتمدت عليها خلال نقل أعمال «أديب نوبل» إلى اليونانية.

كيف ردت بيرسا كوموتسى على تلك الاتهامات؟، وما تصوراتها عن الترجمة من اللغة العربية؟، وكيف تعلمت ودرست الأدب العربى؟، هذا ما تقرأونه خلال حوار «حرف» مع المترجمة اليونانية خلال السطور التالية.

الصفحة الخامسة من العدد الرابع والعشرين لحرف

■ بداية.. كيف بدأت رحلتك مع اللغة العربية؟

- تلقيت اللغة العربية الفصحى على مقاعد المدرسة العابدية فى القاهرة، منذ المرحلة الابتدائية وحتى المرحلتين الثانوية والجامعية.

وإلى جانب دراستى الأدب الإنجليزى فى الجامعة درست اللغة العربية وآدابها ومن ضمنها الشعر العربى القديم والحديث، وكانت هذه التخصصات مواد إجبارية فى أول عامين من دراستى الجامعية، وسرعان ما تحولت، بالرغم من صعوبتها بالنسبة إلىّ، إلى مواد محبوبة ومرغوبة، هكذا كانت البداية.

ثم أقبلت فى مطلع شبابى على قراءة الأدب العربى بدءًا من الأدب الروائى لطه حسين، ثم توفيق الحكيم وعباس محمود العقاد ويوسف إدريس ونجيب محفوظ، وغيرهم. 

■ متى بدأت علاقتك بترجمة الأدب العربى؟ 

- البداية كانت مع المرحلة الجامعية، وبشغف شخصى أحببت أن أرى الأدب العربى مكتوبًا باليونانية، وكانت تلك المحاولات تمارين أولية بالنسبة لى، لما سيتحول مستقبلًا على مسيرة كاملة فى حقل ترجمة الأدب، وفى أوراقى اليوم بعض من تلك النصوص الأولى التى ترجمتها، وهى اختبارات أولية أعتز بها. 

■ ما دوافعك لترجمة أدب نجيب محفوظ؟ أهى فوزه بجائزة «نوبل»، أم ماذا؟ 

- الواقع أن «محفوظ» كان أول أديب مصرى يترجم إلى اليونانية، وقد أثار هذا اهتمامى لاعتبارات عدة منها ارتباطى بالثقافة العربية، ومنها شوقى النوستالجى لمسقط رأسى مصر، ومنها بحث أحد الناشرين الذى تولى فى ما بعد نشر الترجمات الأولى لروايات «محفوظ»، عن مترجم من اللغة العربية إلى لغته الأم اليونانية، فوقع الاختيار علىّ لترجمة رواية «قصر الشوق» من ثلاثية «محفوظ»، كاختبار أولى لقدراتى فى الترجمة الأدبية. 

وبعد صدور ترجمتى لـ«قصر الشوق»، وما لقيته من احتفاء كبير بها من قِبل القراء والنقاد، وبعد استطلاعات لآراء القراء عبر الصحف والوسائل الخاصة بدار النشر، تعاقد معى الناشر على نشر كل ما أترجمه من أعمال نجيب محفوظ، وكان هذا الناشر قد حصل على حقوق نشر ترجمات الكاتب من الجامعة الأمريكية فى القاهرة. 

أما مسألة «نوبل»، فمن الطبيعى أن تكون من بين أسباب الناشر فى طرح الترجمات، ولا بد من الإشارة، ولو عرضًا، إلى أن آداب العالم العربى والشرقى فى الغالب، حتى ذلك الوقت، كان حضورها يمر من خلال عيون وأعمال للكتاب الأوروبيين الذين عاشوا فى المنطقة، تليها نماذج قليلة جدًا من أعمال الكتاب العرب الفرانكوفونيين.

نجيب محفوظ

■ حدثينا عن ترجماتك الأخرى لأعمال «أديب نوبل»؟

- ترجمت ١٤ رواية بدءًا من «قصر الشوق، أولاد الجبلاوى، الحرافيش، ألف ليلة وليلة، زقاق المدق، خان الخليلى، باقى من الزمن ساعة، القاهرة الجديدة، المرايا، السراب، أمام العرش، ثرثرة فوق النيل، حب تحت المطر، قلب الليل».

■ هل النصوص الأصلية التى ترجمت منها كانت باللغة العربية أم الإنجليزية؟  

- كل ترجماتى لـ«محفوظ»، وغيره من الأدباء والشعراء المصريين والعرب، كما هو معروف تمت عن اللغة العربية، ولم يسبق أن ترجمت من لغة أخرى غيرها. 

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن روايات محفوظ الأولى ترجمت على يد مترجمين أكفاء من اللغة الإنجليزية، لكنها لم تعكس أسلوب المؤلف ولم تستطع الترجمة نقل خلفيته الثقافية، لذلك بدأ الناشر فى البحث عن مترجمين من اللغة الأصلية.

فى البداية عملوا مع مترجم أكاديمى مصرى مهم كان يترجم إلى اليونانية من العربية، لكن ترجمته إلى اليونانية شهدت مشكلات، وقد عبر قراء الأدب اليونانيون عن ذلك. وهكذا تأكد مرة أخرى للناشرين والقراء والنقاد أن ترجمة الأدب قد تكون ضعيفة عن طريق مترجم من غير اللغة الأم للعمل الأدبى. 

■ خلال فحصه ترجمتك روايتى «الحرافيش» و«أولاد حارتنا» لاحظ هشام محمد حسن أن دار النشر اليونانية ذكرت فى الصفحة الأولى بعد الغلاف مباشرة أن الترجمة تمت باتفاق مع دار نشر الجامعة الأمريكية فى القاهرة. لكن فى نفس الوقت تمت كتابة اسمك على غلاف الطبعة، فى إطار التنويه إلى أن الترجمة تمت من النص العربى الأصلى مباشرة.. ما حقيقة هذا اللبس وردك عليه؟ 

- لا أفهم أين هو التناقض فى ذلك؟ دار النشر اليونانية أخذت حقوق ترجمة «محفوظ» من الجامعة الأمريكية التى احتفظت بحقوق المؤلف بجميع اللغات أو على الأقل هذا ما أعرفه. والناشر يذكر أن الترجمة تمت مباشرة من اللغة العربية، فأين هو التناقض؟ أتذكر أنهم كانوا يرسلون لنا النسخ العربية من الكتب فى كل مرة يقرر فيها الناشر نشر كتاب لـ«محفوظ». كان نجاح الطبعة الأولى من الترجمة هائلًا، وتولى الناشر طباعتها بل إعادة طباعتها مرارًا وكان هذا النجاح مدهشًا ومبهجًا بالنسبة لى. 

ها هم قراء الأدب اليونانيون يقرأون «محفوظ»، فيما يشبه حمى قرائية لم تتوقف. وبسرعة تحول هذا الكاتب العظيم إلى روائى اليونانيين الأجنبى المفضل.  

■ لكن هشام حسن قال إنه بعد مقارنته بين ترجمتك الروايتين والترجمة الإنجليزية لهما والنص العربى الأصلى، اكتشف أن ٨٥٪ من النص المترجم لليونانية مقحم على النص العربى وكذلك الإنجليزى.. ما ردك على ذلك؟ 

- هذا كلام مردود عليه، لا أريد أن أعيد هنا أننى أترجم أدبًا ولا أترجم وثيقة فى محكمة، ترجماتى ليست ترجمات مباشرة، هى ترجمات أدبية، ليس هناك أى شىء مقحم من قبلى على النص المحفوظى، هناك المعالجة الأدبية وبعدها يأتى التحرير الأدبى لمحرر دار النشر الذى يعالج النص المترجم ليكون أكثر أدبية حسب مقتضى البلاغة الأدبية اليونانية. 

لا أريد أن أستطرد وأعود للحديث عن فن الترجمة الأدبية، لكننى متأكدة من أن قراء الأدب فى اليونان استقبلوا ترجماتى بإقبال منقطع النظير لكونهم فهموا الروح المصرية والمزاج المصرى والمخيلة المصرية وخصوصيات المجتمع المصرى بطبقاته المختلفة من خلال ترجماتى أعمال «محفوظ» وهذا عنوان نجاح أى ترجمة أدبية. 

وليس غائبًا عن الأذهان أن ترجماتى تركت بصمة واضحة، ونشأت بفعلها أجيال مختلفة من القراء الذين عشقوا أدب «محفوظ» واللغة العربية، ومنذ ذلك الحين حدثت صحوة فى اليونان تجاه الأدب العربى واللغة العربية، وراح الشباب يقبلون على تعلم اللغة العربية وهذا بكل المقاييس إنجاز عظيم.

■ ذكر هشام حسن أيضًا أن الترجمة الإنجليزية الصادرة عن الجامعة الأمريكية ليست بها أى إضافات مقحمة على النص العربى.. فمن أين جاءت هذه الإضافات التى وصفها هو بالإقحامات فى ترجمتك؟  

- الإجابة عن هذا السؤال وردت فى الأجوبة السابقة، ولكننى أعود فأشير هنا إلى أن ترجمتى موجهة إلى القراء اليونانيين، وهؤلاء عندما أقبلت فى مطلع التسعينيات على ترجمة «محفوظ» كانوا يجهلون تمامًا عالم اللغة العربية وأسرارها، الفصحى منها والعامية، وهم يتصلون للمرة الأولى بالثقافة المصرية المعاصرة. 

فى هذه الحال كان من واجبى كمترجمة التعامل مع النص بحذر وعناية وابتكار أيضًا، لأتمكن من نقل النص إلى اليونانية دون أن يفقد سحره الأدبى، ودون أن يسقط فى المباشرة التى تجعل الأدب جثة هامدة بلا لون ولا رائحة ولا روح. وبالتالى على المترجم كما يتراءى لى أن يلتزم بروح النص وأفقه معًا وليس بجسده وحسب، وأن ينقل بدقة، ثم يغامر عبر اللغة اليونانية ليحيط بما ألمح وأشار إليه الكاتب بين السطور حتى الذى لم يكتبه فى السطور وعلى الورق. 

هذا ما راعيته عندما شرعت فى ترجمة «أولاد حارتنا» وهى رواية مليئة بالإشارات وبالرموز، وفيها معنى مكتنز داخل اللغة العبقرية التى كتب بها «محفوظ»، وهو ما ينسحب على كل أعماله، حتى عندما تبدو لنا تراكيب السرد والحوار فى رواياته بسيطة، ولكنها فى كثير من الأحيان بساطة خادعة لكونها محملة بالدلالات والرموز المضمرة. 

وترجمت «أولاد حارتنا» قبل عقود، وربما تغيرت الحلول التى لجأت إليها لمعالجة بعض الإشكاليات، لما تراكم لدىّ من خبرة فى هذا الحقل، وثانيًا لأن المزاج اللغوى وذائقة اللغة تتغير عبر الزمن وكل عقد من السنوات وهو ما يقتضى صناعة ترجمات متعددة. 

وناهيك عما يمكن أن يلجأ إليه مترجم آخر غيرى من خيارات مع العمل نفسه، وسأكون سعيدة لو تصدى مترجمون جدد مطالعون لأدب «محفوظ» الذى يستحق أكثر من ترجمة. دعونا مرة أخرى لا ننسى أن اللغة تتطور، ولا يجب أن نحكم على ترجمة خارج الإطار الزمنى الذى تُرجمت فيه. 

أما التطابق بين ترجمة إلى الإنجليزية وترجمة إلى اليونانية نصًا عربيًا، فهو ليس موجبًا ولا ضروريًا أبدًا، لكون كل واحدة من هذه اللغات لها قوامها ونحوها ودلالات ومفرداتها وطبائعها الخاصة، وهذا ما يعرفه علماء الترجمة الأدبية.

نجيب محفوظ

■ أى منهجية تتبعينها فى الترجمة خاصة ترجمة الأدب العربى و«محفوظ» كنموذج؟  

- فى بدايات عملى مع أدب «محفوظ» والترجمة الأدبية بصورة عامة كان الشغف باللغة وحب العمل بين لغتين هو الدافع، كنت أشعر مع «محفوظ» بمستويين، مستوى ظاهر ومستوى يتوارى وراء الظاهر وشعرت بصورة تطورت تدريجيًا بقدرتى على الحركة والعمل بين هذين المستويين.

ويتبادر إلى ذهنى هنا تجربة المترجم العظيم «غيمون» مع أعمال كاتزانزاكيس ونقلها إلى اللغة الإنجليزية.

ترى لو أعدنا ترجماته على اللغة اليونانية كم تهمة باطلة سنوجهها إليه وكم معركة دونكيشوتية سنخوضها معه. لغة «محفوظ» لا تقل عندى فى رمزياتها التى وجدت لها صيغًا فى العربية عن رموز «كاتزانزاكيس» التى تعامل معها «غيمون» بالإنجليزية.

■ هل يعنى حصولك على العديد من الجوائز أن ترجماتك فوق مستوى النقد أو المراجعة؟

- بالطبع لا، المراجعة أمر ضرورى، والنقد والملاحظات ولكن بلغة النقد البناء وليس بلغة التشهير التى لا تليق بأصحابها، وكما قلت من قبل فى نقدنا الأدبى للترجمة، أى ترجمة، لا بد أن نأخذ فى الاعتبار عوامل كثيرة منها ما يتصل بخصوصيات اللغتين من وإلى، ومنها زمن الترجمة، وغيرها من العوامل. وبشكل رئيسى اللغة التى يُترجم إليها العمل. 

فالقارئ عند قراءته الترجمة لا يجرى مقارنات مع النص الأصلى، ما يريده هو نص متدفق، يقنعه، ويحركه.  

■ مَن قرأت لهم من الكتاب المصريين وأثار إعجابك وتمنيت ترجمة أعماله؟

- الحقيقة أن الأدب فى مصر بحر، خاصة فى الحقل الروائى، وهناك الكثير من الإبداعات الرائعة، ولن أكون عادلة لو ذكرت بعضها وأغفلت غيرها.

وأعتبر أن جيل الستينيات حقق منعطفًا فى الكتابة الروائية فى مصر والعالم العربى على صعيد تجديد أساليب وموضوعات الكتابة القصصية والروائية، وهناك اليوم جيل أدبى جديد لا بد من استكشاف إنجازاته وتقديمها إلى قراء اللغات الأخرى، وإلى اليونانية بطبيعة الحال.

ما الذى قدمتيه من ترجمات فى الأدب العربى غير نجيب محفوظ؟  

- قدمت أعمالًا للعديد من الكتاب الروائيين، كطه حسين ويوسف إدريس وبهاء طاهر وإبراهيم عبدالمجيد وصنع الله إبراهيم وهدى بركات وآخرين، والكثير من الشعر الذى أحبه. فى الآونة الأخيرة أصبحنا أكثر انخراطًا فى الشعر وتوليت ترجمة شعراء عرب مهمين جدًا من كل أطياف الوطن العربى ومصر بالطبع، ومؤخرًا وبسبب تطورات القضية الفلسطينية ترجمت للعديد من الشعراء الذين قُتلوا فى غزة، وما زلت أعمل على ذلك.