الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مارك مجدى الفائز بجائزة الدولة التشجيعية: وجدت ناشرًا لكتابى بصعوبة

المترجم مارك مجدى
المترجم مارك مجدى

- الجائزة أكبر داعم لكتابات فكرية لا تلقى رواجًا تجاريًا مثل أعمال أخرى

- المترجم المصرى بين الأرخص ثمنًا مقارنة بالمترجمين فى الدول العربية

تلعب جوائز الدولة دورًا مهمًا فى انتشار الأعمال الأدبية الإبداعية الرائدة، كما تدفع المبدعين إلى تحقيق المزيد من الإنجازات فى عالم الكتابة والترجمة، ما يثرى الحركة الثقافية.

من بين هؤلاء المبدعين الكاتب والمترجم مارك مجدى، الذى حصد جائزة الدولة التشجيعية فى فرع الترجمة مؤخرًا، عن ترجمة كتاب «لويس ألتوسير»، الذى حاورته «حرف» للتعرف عن تفاصيل عمله الفائز، وكيفية استقباله هذا الفوز، مع استعراض أبرز التحديات اليومية التى تواجهه فى عالم الترجمة.

■ كيف استقبلت حصولك على جائزة الدولة التشجيعية؟

- جائزة مثل جائزة الدولة التشجيعية تمثل دفعة معنوية داعمة للمبدعين باهتماماتهم كافة، ولها أثر طيب علىّ، بعد حصولى عليها عن ترجمتى لكتاب «لويس ألتوسير»، الذى تطلب منى جهدًا مضنيًا فى الترجمة، نظرًا لما فيه من أطروحات فكرية وفلسفية تؤسس للفكر النقدى والعقلانى الذى نحتاج إليه ويمثل حاجة ماسة فى مجتمعنا، لذلك جاءت الجائزة بمثابة تقدير للجهد ودعم لهذا النوع من الكتابات الفكرية، التى قد لا تلقى رواجًا تجاريًا تحظى به أنواع أخرى من الأعمال.

الصفحة الثامنة من العدد الرابع والعشرين لحرف

■ ما الذى دفعك لترجمة كتاب مثل «لويس ألتوسير»؟ 

- «لويس ألتوسير» هو كتاب مُلخِص لأفكار الفيلسوف الفرنسى الماركسى لويس ألتوسير، وهو فيلسوف متميز أثر فى الحياة الثقافية والفكرية الغربية على جوانب مختلفة، وقدم العديد من الأطروحات المميزة، عبر مشروعه الكبير فى إعادة قراءة أعمال الفيلسوف الألمانى الكبير كارل ماركس.

وعبر قراءته لأعمال «ماركس» استطاع «ألتوسير» أن يقدم العديد من الأفكار الجديدة التى تسهم فى صياغة منهج جديد لقراءة الظواهر الإنسانية، أُطلق عليه بصورة عامة «المنهج البنيوى»، وهو منهج مميز ومتماسك علميًا ومعرفيًا، ويمثل تطويرًا هامًا لمدرسة كارل ماركس، التى تحلل التاريخ والواقع، وفقًا لمجموعة من المفاهيم، مثل الصراع الطبقى، والنمط الاجتماعى.

ومثل هذه القراءة لأعمال «ماركس» التى قدمها «ألتوسير»، رغم الحديث عنها فى الأوساط الأكاديمية والفكرية، تظل غير مُستكشفة فى تفاصيلها، لذا جاءت ترجمة كتاب يلخص أفكار «ألتوسير» كمحاولة مدخلية للاطلاع على هذا العالم.

■ قلت من قبل إنك وجدت صعوبة فى توفير ناشر لهذا الكتاب.. لماذا؟

- لأن هذا النوع من الكتابات الفكرية لا يلقى رواجًا فى أوساط دور النشر، نظرًا لأنه ليس من الأعمال التجارية التى يصفها الكثيرون بـ«الأكثر مبيعًا». بل إن عددًا قليل جدًا من القائمين على دور النشر يعرف فيلسوف مثل «ألتوسير»، وتأثيره الكبير على الثقافة الغربية.

لذا كان هناك بعض من الصعوبة فى وجود ناشر للكتاب، حتى استقبل الكتاب الأستاذ فريد زهران، صاحب دار نشر «المحروسة»، الذى كان قد قرأ لـ«ألتوسير» سابقًا، وتحمس لنشر الكتاب؛ نظرًا لأهميته.

المترجم مارك مجدى فى معرض الكتاب 

■ ما أهم الأفكار الفلسفية التى أثرت فيك عند الفيلسوف لويس ألتوسير؟

- لدى «ألتوسير» العديد من الأفكار الشاملة والجادة، لكن أطروحته الأبرز هى «الأيديولوجيا». ومفهوم «الأيديولوجيا» يُفهم خطأً بأنه يعبر عن المذاهب السياسية، لكن له دلالة أعمق من ذلك فى هذا المجال البحثى.

«الأيديولوجيا» وفقًا لـ«ماركس» هى الوعى الزائف، وقد طور «ألتوسير» هذا المفهوم وعمل على تعميقه، ليصبح إحدى الأدوات التحليلية الهامة فى فهم حركة المجتمع، فـ«الأيديولوجيا» لدى «ألتوسير» ليست مجرد وعى زائف، بل وعى زائف يتبناه المرء دون دراية، وبالتالى هى كل ما يتعلق بالوعى البديهى الذى يورثه المجتمع للإنسان على أنه وعى منطقى وصحيح، ولكن فى حقيقة الأمر فإن هذا الوعى ليس بالضرورة صحيحًا، بل وفى الواقع فهو يخدم ترتيبات العلاقات الاقتصادية الاجتماعية فى المجتمع. 

«الأيديولوجيا» هى سلسلة من القناعات والمعتقدات التى تنتشر فى المجتمع، بالإضافة إلى الأذواق والميول الجمالية والتفضيلات الشكلية إلخ.. وهى معطاة للفرد العادى فى المجتمع الحديث من قِبل مؤسسات خاصة للدولة تعمل على تشكيل وصياغة وعى الفرد، بهدف التصوير له أن الواقع القائم هو الوحيد الممكن قيامه، وبالتالى تكون الرأسمالية كنظام اقتصادى هى النظام الوحيد واقعى الحدوث.

ومن هنا كانت أطروحة وكشف «ألتوسير»، بأن الدولة تتكون ليس فقط من أجهزة رسمية تقليدية من جيش وشرطة وقضاء، لكنها تتكون أيضًا من أجهزة أيديولوجية، مثل المدرسة والجامعة ودور العبادة والإعلام، وهى مؤسسات لا تعمل على نشر الوعى بصورة مجردة، لكنه الوعى الذى يلعب وظيفة اجتماعية فى تكريس الواقع.

■ ما أهمية أن نقرأ «ألتوسير»؟

- «ألتوسير» يكتسب أهمية كبيرة- من وجهة نظرى- من كونه يقدم منهجًا جديدًا فى النقد الثقافى والاجتماعى، فهو بتقديمه مفهوم «الأيديولوجيا» بالمعنى الذى ذكرته فى السؤال السابق يقدم للفرد قدرة مميزة على تفكيك ونقد ما يراه من ظواهر، سواء اجتماعية أو فنية أو جمالية.

لذلك كان لـ«ألتوسير» مدرسة فى النقد الأدبى والفنى والثقافى، وهو بمنهجه هذا يسهم فى بناء الوعى النقدى العام للفرد، الذى يسعى لتثقيف نفسه وبناء وعى متمايز عن السائد، لذلك أعتقد أن لـ«ألتوسير» أهمية فى سياق مستهدفات نشر الوعى العقلانى والتفكير النقدى.

مارك مجدى

■ هل لديك مشروع لترجمة الأعمال الفلسفية، وتحديدًا التى تنتمى للنظرية الماركسية، أم ستكتفى بهذا الكتاب؟

- بالفعل لدى مثل هذا المشروع، وقد ترجمت كتابًا آخر بعد كتاب «ألتوسير» مباشرة، هو كتاب «ماركس والحرية» للكاتب الإنجليزى المعروف تيرى إيجلتون، الذى يقدم قراءة جديدة لفكرة الحرية عند كارل ماركس. 

وأنا مهتم بالأساس فى اختياراتى للترجمة بالأعمال التى تمثل تطويرًا وإعادة قراءة للفلسفة الماركسية على ضوء المتغيرات الجديدة، وفى هذا السياق أعمل على ترجمة أعمال أخرى مثيلة.

■ هل تجد مشقة فى نقل وترجمة المفاهيم والمصطلحات المعقدة إلى اللغة العربية؟

- بالطبع الأمر لا يخلو من مشقة، فعملية تعريب المصطلحات المعقدة تحتاج إلى كثير من الإبداع، وكثير من الانضباط فى معرفة الخلفية اللغوية والفكرية لكل مصطلح يُنقل إلى العربية.

وفى كتب «ألتوسير» على سبيل المثال واجهت مصطلحات كثيرة معقدة، وأكثرها تعقيدًا كان مصطلح «Overdetermination»، وهو لفظ مركب يعنى باختصار أن تخضع ظاهرة ما للتحديد من قِبل عدة عوامل، مثل أن تتأثر بعناصر الاقتصاد من جانب والثقافة من جانب آخر، فتتأثر ويتحدد شكلها بتأثير العنصرين، وقد احترت فى ترجمته إلى لفظ سهل جديد وهو «تعدد المحددات» أو إلى لفظ آخر ثقيل الوطأة، لكنه استخدم سابقًا، وهو «التحديد التضافرى»، لكن قررت أن أسلك الطريق الأول وأن أختار اللفظ السهل، وقد شجعنى على ذلك أساتذة ومثقفون حولى. 

وأرى أن عملية نقل المصطلحات المعقدة تحتاج معرفة واسعة إلى جانب الالتزام، لكنها تحتاج أيضًا إلى إبداع، وهو أمتع ما فى الترجمة من وجهة نظرى.

■ ما التحديات التى تواجهك وتواجه أغلب المترجمين فى مصر؟

- التحدى الأول هو تحمس الناشرين لبعض الأعمال على حساب أخرى وفقًا لرؤيتهم هم، دون اعتبار لوجهة نظر المترجم الذى يتعاون معهم، والتحدى الثانى هو التفاوت فى أجور الترجمة بالنسبة للمترجمين، فالمترجم الناشئ قد يتلقى أجرًا يختلف جذريًا عن المترجم المعروف، ولأن ترجمة الكتب والأعمال الأدبية والفكرية تتطلب تفرغًا جزئيًا فقد لا تكون الأجور المدفوعة نظير الترجمة مُجزية، وأرى أن المترجم المصرى من بين الأرخص ثمنًا بالمقارنة مع المترجمين فى الدول العربية الأخرى، لذا يحتاج المترجم غالبًا إلى العمل فى مهنة أخرى؛ ليستطيع تحمل تكلفة المعيشة، وهو الحال بالنسبة لى، وبالتالى أتمنى أن تتيح الظروف للمترجم أن يتفرغ بالكامل لأعمال الترجمة. 

■ ما طموحاتك وأحلامك المستقبلية؟

- أطمح فى ترجمة أعمال الفيلسوف السلوفينى المعاصر سلافوى جيجيك إلى العربية بالكامل، وهو عمل يتطلب جهدًا ووقتًا أتمنى توافرهما لى فى السنوات المقبلة، لأنه فيلسوف شديد الأهمية فى الفكر الفلسفى المعاصر، وله مساهمات شديدة الأهمية فى الفكر السياسى أيضًا، كما أطمح فى ترجمة أهم الأعمال التى قدمت تطويرًا للفكر الماركسى الذى أنتمى إليه، ولا أعرف إذا كان الوقت سيسعفنى فى ذلك أم لا.

C.V

مارك مجدى هو كاتب ومترجم مصرى مهتم بالنظرية السياسية والنقد الثقافى، لديه مجموعة من الدراسات فى هذا الصدد، أبرزها دراسة بعنوان «المرشد فى مفاهيم غرامشى»، و«الماركسية ونظرية الدولة عند بولانتازاس»، و«الماركسية من منظور جاك لاكان».

ولدى «مجدى»، المولود فى حى مصر الجديدة بالقاهرة، عام ١٩٩٤، مؤلف منشور فى ٢٠٢١ بعنوان «أزمة الليبرالية فى مصر وحوار مع الليبراليين من جيل السبعينيات»، وهو بحث فى الحركة الليبرالية المصرية على ضوء التطور الرأسمالى فى مصر. 

أما عن أعماله المترجمة فأبرزها كتب «ماركس والحرية» لتيرى إيجلتون، و«فوضى الإدارة» لسكوت جيفرى ميللر، و«لويس ألتوسير» الحائز على جائزة الدولة التشجيعية.

معلومات الكتاب

■ «لويس ألتوسير» كتاب يقدم ملخصًا لمجمل أعمال ومفاهيم المفكر الفرنسى الماركسى، لويس ألتوسير، الذى عُرف من خلال نظرياته عن الأيديولوجيا وتأثيرها على السياسة والثقافة.

■ أعاد «ألتوسير» قراءة النظرية الماركسية، وغيرت كتاباته شكل النقد الأدبى الثقافى، وتستمر فى التأثير على الأساليب السياسية فى النقد.

■ يشرح هذا الكتاب، بعد مقدمة حول السياق الحاسم للنظرية الماركسية، كيف فسر «ألتوسير» أعمال ماركس وطورها، والمضامين السياسية للقراءة، والأيديولوجيا وأهميتها فى الثقافة والنقد، علاوة على نظريات «ألتوسير» فى الأدب والمسرح.