الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

صلاح عيسى.. الأستاذ

صلاح عيسى
صلاح عيسى

فيه ناس قابلتهم، مش بـ أعرف أقول اسم الواحد فيهم مجردًا كدا، لازم يسبقه لقب «الأستاذ» وهم بـ طبيعة الحال نادرين، ومنهم الأستاذ صلاح عيسى.

أنا عارف إنه فيه عظام كتير بـ نقول أسماؤهم مجرد عادى، محدش مثلًا بـ يقول الأستاذ نجيب محفوظ، إنما بـ أحس إنه استخدام اللقب مش لـ التبجيل قد ما هو لـ التوصيف، إحنا قدام مثل ونموذج ومعلم وأسطى، مهما اختلفت معاه تفضل تجربته موضع تقدير وإلهام وتفضل كتاباته دليل.

الأستاذ صلاح امتلك مبدئيًا القدرة على الكتابة من حيث الصياغة، هو بـ يكتب كتابة فى حد ذاتها رشيقة مسلية ما أعتقدش مهما بلغ حجم مقاله أو كتابه إنك هـ تحس بـ ملل فى القراءة، أو إنك مكمل بس علشان الموضوع مهم، أو المعلومات ضرورية، أو الفكرة محتاجة متابعة، مهما كانت دسامة الموضوع.

الحكاية دى مش بـ الضرورة تبقى نابعة من حجم قراءات، أو سعة اطلاع، أو درجة وعى، إنما فيه ناس كدا، تركيبة مخهم بـ تبقى منظمة ومرنة فى آن واحد، فـ يقدر يعمل تراكيب كتير مختلفة، ويحافظ على إيقاعه أثناء عرض ما يقدمه، ودا اللى بـ يسموه الحضور، ولو على الورق.

فوق القدرة على الصياغة، كان عنده خفة ظل، وقدرة عالية على السخرية، اللى هى مش هزار زى غيره من الأسماء، ولا قفشات ولا ألشات ولا تلاعب بـ الألفاظ ولا نكات، إنما سخرية مصدرها القدرة على رصد المفارقة، والتمييز بين ما يبدو متشابهًا، وأوجه التشابه فيما يبدو متباينة، لـ ذلك هى سخرية مش مسخرة.

ثم إنه من أمهر الناس فى عرض الفكرة، نتيجة اتساع رؤيته، وقدرته على مشاهدة الصورة الكاملة، فـ دا بـ يساعد كتير فى التحليل أولًا، ثم إيصال التحليل ثانيًا بـ دقة ووضوح.

الحاجات اللى قلناها دى، لما حد بـ يمتلك نُصها، عادة بـ يكتفى بيها، لـ إنها عدة شغل ممتازة، تمكنه من تدوين أى حاجة مهما كان الجهد فى تحصيلها بسيطًا، ومهما كانت إعادة تدوير لما يقوله الآخرون، أو ما وفره الآخرون من معلومات نتيجة البحث، وبـ يعيشوا على هذا وبـ يعملوا كمان أسماء رنانة، وأنا مش عايز أقول أسماء، لـ إنه مش دا الغرض، ولو إنه والله كان نفسى.

الأستاذ صلاح بقى ما عملش كدا، ما اكتفاش بـ امتلاك ناصية الصناعة، وكان على وعى تام بـ إنه دا مش المحتوى اللى هو بـ يقدمه إنما دى طرق ظبطه، وتبقى أهمية ما تقدمه بـ الإضافة اللى يمثلها، سواء لـ القارئ الفرد، أو لـ المكتبة كـ كل. فـ بذل جهودًا كبيرة جدًا فى توفير ما يمكن عرضه من خلال قدراته الكبيرة.

أفتكر لما قريت رجال ريا وسكينة مثلًا، مئات ومئات الصفحات بـ فونط صغير، كان ممكن يبقى بـ المستريح أربع مجلدات، فتحته وما قفلتوش غير لما خلص، تخللها فقط أوقات النوم وهو جنبى، إنما حتى على السفرة وأنا بـ آكل ما كنتش قادر أسيبه، وكلى انبهار بـ سيل المعلومات اللى هو نفسه أتاحها بـ البحث فى الأرشيف، ثم إنه مفيش معلومة عن القضية من غير ما يذكر الخلفية الاجتماعية والاقتصادية ليها ولـ عصرها، اللى هو الواحد لو عمل سفر زى دا يعيش عليه بقية عمره، إنما دا كان أحد مشروعات الأستاذ صلاح، ومش الأكبر ولا الأهم.

اشتغلت مع الأستاذ صلاح فترة بسيطة فى الأواخر، الشغل نفسه اللى جمعنا ما كانش حاجة ليها أهمية كبيرة، لكنى قبلت واتشرفت بـ دا، علشان أتعامل معاه عن قرب، والواقع إنى كنت أتمنى فترة العمل تطول. لكن مفيش نصيب. إنما محظوظ أنا برضه، الحمد لله.