الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ميسرة صلاح الدين: بعض المخرجين يلهثون لتقديم عروض مسرحية بلا جودة

ميسرة  صلاح الدين
ميسرة صلاح الدين

- خلافات المبدعين والرقابة على المصنفات مثل الجرح المزمن لا علاج له

- توقف التصوير التليفزيونى للمسرحيات من أسباب تراجع «أبو الفنون»

- الدولة بحاجة إلى خطة طموحة لوضع الفن والمسرح معها فى خندق واحد

- وزارة الثقافة ينبغى أن تلعب دور الوكيل الأدبى فى الترجمة العكسية 

طالب الشاعر والكاتب المسرحى والمترجم ميسرة صلاح الدين بإطلاق قناة متخصصة فى المسرح، على غرار قناتى «الوثائقية» و«ماسبيرو زمان»، يكون دورها توثيق وعرض النصوص المسرحية، معتبرًا أن هذه الخطوة سيكون لها دور كبير فى حل الكثير من أزمات «أبو الفنون».

ورأى «صلاح الدين»، فى حواره التالى مع «حرف»، أن توقف التصوير التليفزيونى للعروض المسرحية من أسباب تراجع المسرح خلال الفترة الأخيرة، لأن عدم عرض المسرحيات على الشاشة للمشاهدين يؤثر بشدة على دورة حياة هذه العروض، وجعلها تسقط من ذاكرة الجمهور بمجرد انتهاء ليلة عرضها الأخيرة.

وربط بين تراجع شعر العامية وانتشار «الظواهر الصوتية»، التى لاقت استحسانًا لدى جماهير «السوشيال ميديا»، وتوقف عدد من الشعراء عن رحلتهم فى البحث عن صوت خاص بهم لصالح البحث عن أشكال النجاح الجماهيرى المضمونة.

■ مؤخرًا شهد عرضك المسرحى «قليل البخت» حضورًا جماهيريًا كبيرًا.. هل توقعت ذلك؟

- لم يكن لـ«قليل البخت» نصيب من اسمه، بل حدث العكس تمامًا، وملأ الجمهور صالة العرض حتى آخرها. وفى كل الأحوال، يطمع الفنان فى أن تحظى أعماله بإقبال جماهيرى أكبر، وفى حالة «قليل البخت» لم يكن ذلك ليتحقق سوى باستمرار العرض عدة أيام متتالية، أو بالعرض على مسرح أكبر يستوعب عددًا أكبر من الحضور، لكنها أمور لم تكن متاحة بسبب ظروف الإنتاج المحدود.

■ منذ أكثر من عقدين لم نشهد عرضًا مسرحيًا علق فى الأذهان، وطالب جمهوره بإعادة عرضه، أيعانى المسرح المصرى من أزمة؟

- أزمة المسرح المصرى الحديث مُركبة، لكنها ليست عصية على الحل، جزء من الأزمة يتعلق بدور العرض نفسها «المسارح»، فقد تقلصت أعدادها بشكل ملحوظ، ولم يعد هناك ما يكفى  لتقديم موسم مسرحى مزدهر ومتنوع.

هناك شق آخر خاص بالعملية الإنتاجية والإخراجية، التى باتت ضعيفة الميزانية قليلة الفرص، ما جعلها تتسم باحتكارية شديدة من قبل بعض المخرجين، الذين يلهثون لتقديم عدة عروض فى وقت واحد لجهات مختلفة، دون مراعاة معايير الجودة.

وأظن أن العامل الأخير هو توقف فكرة التصوير التليفزيونى للعروض المسرحية، وعرضها على الشاشة للمشاهدين، وهو ما أثر بشدة على دورة حياة العروض المسرحية، وجعلها تسقط من ذاكرة الجمهور بمجرد إتمام ليلة عرضها الأخيرة.

رغم كل ذلك، هناك الكثير من العروض الجيدة، التى تملك مقومات النجاح النقدى والجماهيرى معًا، لكنها لا تصل إلا لعدد محدود من الجمهور، ولا يتم تصويرها وعرضها تليفزيونيًا، فتسقط مع الوقت من ذاكرة الأجيال.

أظن أن إنشاء قناة متخصصة فى المسرح على غرار قناتى «الوثائقية» و«ماسبيرو زمان»، يكون دورها توثيق وعرض النصوص المسرحية، سيكون له دور كبير فى حل الكثير من هذه الأزمات.

■ هل ما زال للمسرح تأثير ملموس فى الواقع كما كان فى الستينيات مثلًا؟

- أظن أن مثل ذلك السؤال يمكن أن تفتح دلالته على مصراعيها، حتى نجد أنفسنا نتساءل حول تأثير الفن الملموس على الواقع، وقدرته على التغيير، والحقيقة أن الفن تضرر بشدة فى السنوات الأخيرة، ولا سيما المسرح.

ربما كانت الإجراءات الاحترازية التى تلت فيروس «كورونا» هى بداية التدهور الشديد، وربما كانت حالة الفوضى والتشدد التى اجتاحت العالم وساهمت فى سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على كبرى ديمقراطياته هى السبب، وربما كان الواقع الاقتصادى يلقى بظلال داكنة على جمهور الأدب والمسرح. لكن مهما كانت الأسباب، فإن الدولة بحاجة لخطة طموحة لوضع الفن والمسرح الحر معها فى خندق واحد، لمواجهة وتحسين الواقع المعيش، والعودة إلى العصر الذهبى للفن والمسرح من جديد.

■ وماذا عن الرقابة على النصوص؟ هل مررت بتجربة تتعلق بذلك؟

- الخلافات بين المبدعين والرقابة على المصنفات الفنية هى خلافات أصيلة كالجرح المزمن الذى لا علاج له. والغريب فى الأمر أن تاريخ مصر الثقافى يزخر بالمبدعين، الذين اصطدموا مع الرقابة، وبمبدعين آخرين تولوا مهام الرقابة، فاختلفت توجهاتهم وصارت أكثر تشددًا.

وفيما يخص حرية التعبير على المسرح من واقع تجاربى، أظن أن الرقابة الذاتية التى يفرضها بعض الفنانين على أنفسهم تجنبًا للصدام مع المجتمع، هى ما تعرضت له عدة مرات، إذ يخشى الممثل أو المخرج طرح فكرة ما أو قضية معينة بدافع ذاتى أو خوف من صدام معين.

■ أصدرت العديد من النصوص المسرحية.. ما الفرق بين قراءة النص ومشاهدته على المسرح؟ وهل سبق أن خرج عرض لك مختلف عما كتبته؟

- قراءة النص المسرحى فعل يطلق مخيلة القارئ، ويدفعه للمشاركة والتورط بشكل ما فى النص، بل ويكون شريكًا برؤيته الخاصة فى فهمه وتفسيره. لكن العرض على خشبة المسرح شىء آخر، فقد تم تصنيع الخيال وأصبح محدودًا بما تشاهده العين على خشبة المسرح، بتضافر مجموعة من الجهود لعدد كبير من الفنانين، مثل الممثلين ومصممى الإضاءة والاستعراضات والسينوغرافيا، وبالطبع رؤية المخرج التى تهيمن على العمل.

فى كثير من الأحيان تكون رؤية العمل على خشبة المسرح قريبة من النص المكتوب، وفى أحيان أخرى تحدث إزاحة بنسب مختلفة، وأنا لا أرى مانعًا من تطور العرض على خشبة المسرح، فالنص الجيد من وجهة نظرى قابل دائمًا للتأويل والتفسير برؤى مختلفة، ويحمل بداخله من الدلالات التى تجعله قابلًا للتجدد وإعادة التشكل مرارًا وتكرارًا.

■ لماذا غاب المسرح الغنائى عن خريطة المسرح المصرى؟

- قدمت العديد من تجارب المسرح الغنائية على مسرح الشباب، مثل «ترام الرمل» و«بار الشيخ على» و«أحوال شخصية». وقدمت على مسرح الثقافة الجماهيرية «كفر أبو سالم»، ولدى العديد من النصوص المسرحية الشعرية والغنائية الجاهزة للعرض.

لكن كل هذه التجارب جعلتنى أدرك كم المعوقات والتحديات التى تواجه المسرح الغنائى، فالعرض المسرحى الغنائى فى حاجة لميزانية إنتاج مناسبة، وفى حاجة لمعدات وتجهيزات خاصة، بالإضافة لأجور مناسبة للموسيقيين والعازفين تشجعهم على العمل فى المسرح لعدة ليال، وهو ما لم يعد متاحًا بسهولة.

■ إلى أى مدى يعوق «العقد الموحد» وغيره من الإجراءات التنظيمية الحركة المسرحية؟

- أظن أننا كفنانين ومسرحيين نتميز بالبساطة وقلة التركيز، ولا نكترث كثيرًا باللوائح والقوانين المنظمة، لكن ذلك أثر على عملنا بشكل كبير، خاصة التعليمات التنظيمية التى تحيل العمل المسرحى إلى مناقصة، أو تطلب من المبدع تقديم «فاتورة إلكترونية»، أو إخضاع العملية المسرحية لكراسات الشروط.

فالمنتج الذى يقدمه الفنان فى النهاية هو جهد نوعى لا يمكن قياسه بالطرق التقليدية. ولا تتناسب أجور الفنانين- فى الغالب- مع فكرة توظيف محاسب قانونى أو خبير فى شئون الضرائب لفك ذلك الاشتباك، ما يعمق الأزمة ويزيدها تعقيدًا.

■ لك العديد من الترجمات، فى رأيك لماذا تفشت ظاهرة إعادة ترجمة الأدب العالمى الكلاسيكى، هل لأنها بلا حقوق ملكية، أم لأن الترجمة صارت موضة؟

- إعادة ترجمة نصوص كلاسيكية ربما تكون لها العديد من الأسباب المختلفة. ربما كان لدى المترجم الجديد رؤية ما أو فهم معين للنص يدفعه لإعادة ترجمته، أو ربما كانت الترجمة القديمة ذات لغة غير مناسبة لروح العصر، أو لم تعد متوافرة ولا تعاد طباعتها أو حتى غير دقيقة.

هناك بالطبع أسباب أخرى تتعلق بالناشر الذى يفضل المراهنة على نصوص معروفة وليس لها حقوق ملكية، وبالتالى يضمن الحصول على دعاية مجانية وبتكلفة أقل، كما يتجه البعض للترجمة بهدف الحصول على الشهرة أو العائد المادى، لذلك يلجأون للنصوص العالمية المترجمة، ويعتبرون النسخة المترجمة الأقدم مرجعًا لهم، نظرًا لقلة خبراتهم، وهو ما يعتبر فى حد ذاته إخلالًا بقواعد المهنة وتقليلًا من شأنهم.

■ كيف نصل بترجمات الأدب العربى المعاصر للغات المختلفة؟

- صدر لى مؤخرًا ديوان «أرقام سرية» فى نسخته الإسبانية، عن سلسلة تهتم بنشر إبداعات الشعر العالمى، وتُرجم العديد من قصائدى للغات مختلفة منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. لكن حركة الترجمة العكسية لا يمكن أن تزدهر وتنشط إلا بجهد جماعى منظم وتمويل جيد، وتقع مسئولية ذلك على دور النشر ووزارة الثقافة بشكل كبير، التى يجب أن تلعب دور الوكيل الأدبى فى التواصل مع جهات النشر الأجنبية.

■ وصفت المشهد الثقافى الراهن بأنه «مرتبك».. لماذا؟

- المؤسسات الكبرى، مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة والمركز القومى للترجمة، انحسر دورها بشكل ملفت. فى نفس الوقت يبحث الكثير من دور النشر عن ربح سريع بغض النظر عن المحتوى المنشور. كما زادت حالة الافتعال والضجيج لجلب الانتباه، وسيطرت الشللية على لجان التحكيم فى المنح والجوائز والمهرجانات. وأظن أن كل هذه الأمور ستمر سريعًا، أو هكذا أتمنى.

■ بم تصف حال شعر العامية حاليًا؟ وما موقعه من خريطة الثقافة؟

- شعر العامية من الروافد المهمة فى الأدب والثقافة، فهو معبر رئيسى عن الفكر والثقافة الشعبية، وأصبح كذلك يعبر عن النخبة، مع ظهور التيارات الحديثة فى شعر العامية، التى أصبحت تعتنى بالمضمون والمعنى والتجريب على حساب الأشكال التقليدية المكررة.

لا شك أن شعر العامية تأثر بشكل كبير بالظواهر الصوتية، التى لاقت استحسانًا لدى جماهير «السوشيال ميديا»، وتوقف عدد من الشعراء عن رحلتهم فى البحث عن صوت خاص بهم لصالح البحث عن أشكال النجاح الجماهيرى المضمونة. لكن أعتقد أن قوام شعر العامية والتجربة المصرية قادر على استيعاب تلك المرحلة، والخروج منها بأصوات جديدة ورؤى مختلفة تليق بتراث العامية المصرى الكبير.

■ وماذا عن تجربتك مع الشعر الغنائى؟

- لم أتوقف مطلقًا عن كتابة الشعر الغنائى، فأغلب أعمالى المسرحية أعمال غنائية فى المقام الأول، لكن لى عدة تجارب مع الأغنية بشكل منفرد، مثل أغنية «متبصليش» مع الفنانة رانيا العدوى وفرقة «تابو»، التى لاقت نجاحًا كبيرًا عند عرضها كفيديو كليب، ولى أيضًا تجارب مع محمد متولى وياسر سعيد، وهما من مطربى الأوبرا ومن الأصوات الجادة. كما تعاونت مع بعض الفرق الشبابية المستقلة. والحقيقة أشعر بسعادة بالغة عندما أسمع كلماتى مُغناة، والمسرح يحقق لى تلك المتعة بشكل كبير.

■ نلت العديد من الجوائز المحلية والإقليمية، ما الذى تعنيه لك الجوائز؟

- اعتبر الجوائز حدثًا عرضيًا فى حياة الكاتب، ربما يأتى وربما لا يأتى على الإطلاق، وربما يتأخر كثيرًا، وربما يكون له أثر عكسى فى مسيرة الكاتب وطريقته فى التعامل مع نفسه وإبداعه، وهو ما شاهدناه كثيرًا. وأعتبر دائمًا أن جائزتى الحقيقية هى الكتابة فى حد ذاتها، وحالة اللهفة والترقب فى انتظار نص جديد.

■ مازلت متمسكًا بالإقامة فى الإسكندرية، مسقط رأسك، كيف قاومت إغواء مركزية القاهرة؟

- لا أعرف كيف ستكون خطوتى التالية. لكن لا أظن أننى أفكر فى الانتقال إلى القاهرة حاليًا. ربما تكون الإقامة فى القاهرة ذات مردود أفضل لمنتجى الإبداعى، لكن ما زلت قادرًا على أن أواصل الكتابة فى الإسكندرية، والتواصل مع المبدعين فى كل أنحاء مصر.

أظن أنه لو تكونت بداخلى رغبة فى الانتقال، ربما أذهب إلى مكان أكثر هدوءًا وعزلة مثل واحة سيوة أو البحر الأحمر، لأصقل تجربتى الإبداعية بممارسة نمط جديد من الفكر والمعيشة، وربما أفكر فى الانتقال خارج البلاد بعض الوقت لنفس السبب. وأظن أن فكرة «المركزية» تقلصت كثيرًا بتوطن التكنولوجيا الحديثة.

■ ما جديد ميسرة صلاح الدين؟

- صدرت لى مؤخرًا ثلاثية مسرحية بعنوان «بير مسعود»، عن دار «المحرر» للنشر والتوزيع، وتضم 3 مسرحيات هى: «ترام الرمل» و«بار الشيخ على» و«بير مسعود»، وهى متصلة ومنفصلة، وتدور أحداثها فى مدينة الإسكندرية، وتستعرض وجوهًا مختلفة من حياة المدينة وتغيرات الناس والمكان. إلى جانب «بير مسعود» أعمل حاليًا على بحث مطول عن تاريخ الأغنية المصرية، وأتمنى الانتهاء منه قريبًا.